كان علي أن أتبع الإرشادات جيدا فهي السمطا التي لاتعترف بالقواعد لا بالشرطة ولا بالصحافة ولا بغيرهما مما هو خارج البيئة الصعيدية، لذلك قطعت مسافة 10 كيلو من مدينة دشنا إليها وأنا ارتدى الجلباب الصعيدي وحذرنى صديقي قائلا: لاتظهر الكاميرا وحاول سلك الطريق الزراعي واتبع ما أقوله لك لتنجو بحياتك. كانت التحذيرات متوالية: لا تخف إذا شعروا أنك غريب، فحينئذ سيقومون بضيافتك وإذا أعطوك مخدر الأفيون كضيافة خذه ولا تشعرهم أنك لاتتعاطي هذه الأصناف وإذا قال لك أحد أبناء البلدة بلهجتهم "من وين الأخ " قل إنك من أي قرية لم تفعل مشاكل مع هذا النجع الذي يشبهه العجائز بأنه تم بناؤه على رأس عفريت كي يجعل عدد السكان الذين يبلغ عددهم حوالى ألف نسمة يعيشون في مواقع حربية. فالنجع يعيش منذ أيام حالات من الاحتقانات الغريبة انتهت بإصابة سائح وتبادل مختطفين من قري قبيلة الأشراف التى يتصارعون معها. نريد أن نستطلع الحقيقة لماذا بدأت المشاكل ومن الذي أججها وكيف تم عقد مؤتمر "الدائرة" الذي كان على مسافة فدان ونصف لتبدأ الحرب. عبدالحميد نور الرجل الذي تخطى الستين من العمر والذي حدثني بصفتي ضيفا قال : " نجعنا دا اتبنى على رأس عفريت علشان كدا فيه مشاكل و السلاح هو السبب" وأضاف أن إحدى عائلات القرية والتي تمتهن السلاح والمخدرات اتفقت مع أحد أبناء قبيلة الأشراف لعقد صفقة بيع للسلاح تمت الصفقة وبقيت أموال عند الإشراف، مشيرا إلى أن عائلة النجع حين لم تفلح فى استرداد ثمن صفقة السلاح اتفقت على خطف من تم عقد بيع الصفقة معهم. يصمت نور الدين قليلا ثم يكمل " تم الخطف وبدأ المسلسل، فقام الأشراف بخطف اثنين وطالب النجع بهم دون جدوى وقد جعلت الإشاعات الجو محتقنا ليعقد أهالي النجع وعائلاته اجتماع الدائرة الذي كان لكل عائلة دائرة تجلس فيها، مشيرا إلى أن كل عائلات البلد قدمت لإحدى العائلات التي تم خطف أبنائها عدد 40 بندقية آلية . يقول نور الدين الخطف عادة معروفة في البلدة، لذا كان الرد منا قاسيا، فقامت عائلة بالنجع والتي أعطاني اسمها بالوقوف في طريق القاهرةأسوان وتم خطف أناس من السيارات على نوع خانة الرقم القومي، مشيرا أنه كما قيل لنا تم خطف 8 فقط ولكن العائلة أرادت خطف عدد أكبر فذهبت ثانية للطريق وقامت بإطلاق النيران فأصابت السائح الأجنبي. أسأل على عدد عائلات النجع فيأتيني الرد جاهزا هم عائلة أبوحسيبة وهى أول عائلة استوطنت هذا النجع الذي بني على رأس عفريت وعائلة الدخايلة وكالة وعسر ويوسف وعزاز وعويضة والعونة هي عائلات تعيش مع بعضهم في تاريخ دموي ورغم ذلك إذا حدثت مشكلة مع غريب يقومون قومه رجل واحد ويتناسون مشاكل الدم وبعدها تنضم إليهم عائلات 14 نجعا للسمطا ليرهبوا من يرهبون. صديقي إسلام أحمد المثقف والذي ضايفني عنده قال لي: قام المتعلمون في البلدة وعددهم 30 متعلما بإرسال استغاثة بها عدة مطالب وهى إجبار العائلات المتناحرة على الصلح قهرا وجمع الأسلحة من أيدي الشباب والأطفال وتفعيل دور الشرطة مشيرا أن الحكومة لاتسمعنا . يضيف إسلام ساخرا هل تسمع بالمواقع الحربية عندنا هي مواقع تضاهى مواقع الثورة المصرية الخالدة بتاريخ مغاير مثل موقعة الجمل بسبب معركة بين عائلتين تمت بين رجل يمتطى جملا في عام 2010 م حيث أدت معركة الجمل إلي إصابة 10 أشخاص وتسليم 4 أسلحة آلية للحكومة وبعد موقعة الجمل جاءت موقعة "الحمار" الذي إلى الآن لا موجودا مرتديا الذهب والأساور الغالية ويعتبرونه رمز الكرامة ولا يستخدمونه في الزرع !. يكشف إسلام أصل هذه الأعجوبة في موقعة الحمار التى انتهت ب 4 مصابين وتسليم 18 قطعة سلاح للشرطة ثم عمل اتفاق للصلح لاسترداده لجعله مكرما مرتديا الذهب. مشكلة الحمار أصلها أن طفلا كان يمتطى حمارا صغيرا ويقوم بتربيته على قطعة أرض زراعية متنازع عليها بين عائلته وعائلة اخرى، حيث تم أخذ الحمار الصغير كرهينة لترفض العائلة المعادية أخذ الحمار، إلا بشرط أن يمتطيه عضو مجلس الشورى بالبلد بالمقلوب وأن يتم تسليمه بمبلغ 5 آلاف جنيه ليتم الرفض ليبدأ بمسلسل الدم الذي امتد إلى أبناء البلد في القاهرة ومنطقة شبرا بالأخص!. يؤكد إسلام وهو يشير إلي بيوت في النجع صارت مثل الخرابة وقال: كانت هذه البيوت يعيش بها الأهالي ورحلوا بسبب الثأر إلى مدن القاهرة والوجه البحري . المثير للانتباه مشاهد عالم تجارة المخدرات الذي تحترفه عائلتان فقط في النجع بجانب تجارة السلاح والأضرحة التي تجعل لكل عائلة وليا وضريحا تحتفي به لإقامة تجارة مستترة. أحد الشباب وجدني أشتكى من الصداع، فقدم لي قطعة أفيون ليقول لي: "هي الدواء الشافي خدها يا أستاذ دى قطعة أفيون أسيوطي لسه واصله من درب الأربعين"، فأسأله عن درب الأربعين لينظر لي باستغراب وعرفت أنه درب صحراوي تأتى منه المخدرات بأنواعها الأفيون الأسيوطي والبانجو السيناوى والبانجو الإسناوي ثم يشير أن النسوة في البلدة لايذهبن للأطباء بأطفالهن المرضي لأن ذرة أفيون توضع في الفم قادرة على الشفاء. في الأضرحة عالم غريب هنا الصوفيون الجادون الذين يرفضون الذهاب إليها ولكن رفض الصوفيين لايؤدى إلي عدم شيوعها، فهنا لكل ضريح حكاية غريبة فهي ليست أضرحة غريبة إنما لبعض أشخاص ماتوا في الثأر مثل الشيخ الحاج محمود الذي مات قتيلا وأتى لأبنائه في المنام مقدما السماح لقاتليه فقام أبناؤه ببناء ضريح وعمل مولد له. إسلام أحمد قال: شيوع زواج الأقارب في النجع أنجب جيلا من الأطفال المشوهين وهم أجيال يطلقون عليهم الدراويش والمجاذيب ويعتقدون فيهم جدا مشيرا أنك هنا لو أقسمت بضريح فسيتم تصديقك على الفور. يضيف إسلام وهو يقوم بتوصيلي لخارج النجع: الثأر والخطف يسببان توقف المدارس في بعض الأحيان، فكل يوم يسقط منا قتيل بسبب الجهل والتخلف.