بوفاة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، السبت في نيويورك، تدخل المملكة العربية السعودية، فصلا جديدا في تاريخها السياسي، حيث من المتوقع أن يشهد البيت السعودي قدرا من الشد والجذب بسبب إعادة ترتيب الأوضاع، في ظل فراغ مجموعة من المناصب، التي كان يتولاها الأمير الراحل، وإن كان من المستبعد حدوث فراغ في السلطة، خصوصا في منصب ولاية العهد. ففضلا عن ولاية العهد، كان الأمير سلطان يتولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، ومنصب وزير الدفاع، ومنصب وزير الطيران، فضلا عن منصب المفتش العام ورئاسة العديد من الهيئات الرئيسية في البلاد. وهو ما يجعل الرياض تعد الأيام لمعرفة من سيكون ولي العهد، لكن مصادر مقربة من العائلة المالكة تشير إلى أن أمر اختيار الملك عبدالله بن عبد العزيز لأخيه نايف النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء أصبح محسوماً، وأن الخلاف هو على توقيت إعلان التسمية قبل موسم الحج أو بعده. فمن المعروف أن الاستقرار السياسي في السعودية أمر بالغ الأهمية، حيث يوجد بها خمس احتياطي النفط في العالم، وتعتبرها الولاياتالمتحدة حليفا إستراتيجيا هاما لها في المنطقة، وتعتمد عليها بشكل أساسي في الحصول على الطاقة التي تدير عجلة الإنتاج وتحرك بها المصانع وآلتها العسكرية العاتية المنتشرة في أنحاء المعمورة، وقال طراد العامري، المحلل السياسي في السعودية، إن استقرار السعودية "بات أهم من أي وقت مضى لأن الدول المحيطة بها تتداعى وميزان القوى في الشرق الأوسط يتغير". وقد أشارت مصادر لموقع "ميدل إيست أونلاين" السعودي إلى أن الملك عبد الله يؤثر التريث في تسمية ولي العهد حتى يوارى جثمان أخيه سلطان الثرى، وتوقعت المصادر حدوث تغييرات كبيرة على الحكومة السعودية، لعل أهمها تولي الأمير سلمان بن عبد العزيز وزارة الدفاع والطيران، والأمير أحمد بن عبد العزيز وزارة الداخلية، والأمير خالد الفيصل إمارة الرياض. وإن صحت هذه الأنباء فستكون سابقة في المملكة أن يبتعد ولي العهد عن المناصب الوزارية، لكن المصادر تشير إلى أن الأمير سلمان سيتمكن من تولي منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء رغم التكهنات بإلغائه. من جهة أخرى، كثر الحديث عن دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز هيئة البيعة للاجتماع لبحث قراره بتعيين أخيه نايف ولياً لعهده، لكن مراقبين يستبعدون ذلك لأن المقرر أن نظام هيئة البيعة غير ملزم للملك الحالي، بل سيكون ملزماً للملك المقبل، بينما يتوقع مراقبون آخرون أن الملك عبدالله سيفعل هذا النظام في عهده، رغبة منه في الحصول على إجماع داخل الأسرة يمكن أن يحد من الخلافات المستقبلية على اختياراته. وتتوقع المصادر أن يحظى الأمير نايف لو طبق الملك عبد الله نظام هيئة البيعة بالأغلبية، حيث تقف العائلة السعودية المالكة وراءه بقوة، لخبرته الكبيرة وحساسية المرحلة التي تمر بها المملكة. وقد اضطلع الأمير نايف بدور أبرز في السنوات القليلة الماضية، فكان ينوب عن الملك وولي العهد عند غيابهما عن المملكة للعلاج، وحين أجرى الملك عبد الله الجراحة الأسبوع الماضي، حل الأمير نايف محله في الاجتماع الأسبوعي للحكومة، وعندما وصل زعماء مسلمون إلى مكة العام الماضي لأداء فريضة الحج، استقبلهم الأمير نايف في المطار. وأزعج ظهور الأمير نايف بوصفه العضو الأنشط بالأسرة الحاكمة السعوديين الليبراليين، لما عرف عنه من ميل للاتجاه المحافظ وارتباطه بصلات وثيقة برجال الدين الأقوياء، لكن ربما حين يصبح الأمير نايف ملكاً سيتجه نحو نظام سياسي توافقي مما يعني أن تستمر عملية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأها الملك عبدالله. يذكر أن هيئة البيعة تضم في عضويتها 34 أميراً يمثل كل منهم عائلة ابن من أبناء الملك عبد العزيز بن سعود، ويستطيع كل منهم الإدلاء بصوته لاختيار وريث العرش القادم، ومن المنتظر أن يرشح الملك عبد الله ولياً جديداً للعهد حتى يوافقوا عليه، لكن الهيئة تتمتع بصلاحية رفض اختياره لصالح مرشحها هي. ولعل ما يجعل مسألة اختيار ولي العهد السعودي أكثر أهمية هذه المرة أن الملك عبد الله، البالغ من العمر 87 عاماً، كان قد خضع في نوفمبر 2010 لعملية جراحية في الظهر بنيويورك، ثم عملية ثانية مطلع ديسمبر من العام ذاته، وخضع لجراحة الأسبوع الماضي، كما ترددت تقارير مؤخرا بأنه قلل من نشاطاته بسبب حالته الصحية. ويدور الجدل حاليا، ليس على خلافة الأمير الراحل في ولاية العهد، فهذه شبه محسومة لصالح النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، وإنما في كيفية توزيع المناصب الأخرى، ومن بينها وزارة الدفاع، ذات الدور المهم في حماية مستقبل المملكة. وعلى الرغم من ترشيح الأمير خالد بن سلطان لتولي هذا المنصب لاعتبارات الخبرة، التي يملكها في هذا المجال، فضلا عن شغله خلال السنوات الماضية لموقع مساعد الوزير، وكذلك دوره في التصدي لهجمات الحوثيين جنوب البلاد، فإن هناك من يشير إلى احتمالات مفاجئة، من بينها نقل الوزارة لأحد أبناء الملك المؤسس، على سبيل تهدئة التنافس بين الأجنحة المختلفة داخل الأسرة الحاكمة. ومعلوم أن ولي العهد الراحل، وكذلك خليفته المحتمل الأمير نايف، ينتميان لما يعرف بالجناح السديري، أي أبناء الملك عبد العزيز من زوجته الأميرة حصة بنت أحمد السديري، وهؤلاء السبعة هم: الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، وولي العهد الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز، ونائب وزير الدفاع الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، والأمير تركي الثاني بن عبد العزيز، والأمير نايف بن عبد العزيز، وأمير الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز، ونائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبد العزيز. وبعد وفاة الأمير سلطان بن عبدالعزيز في 22 أكتوبر الجاري، عن 85 عاما، بدت التساؤلات تخيم على واقع الخلافة السعودية بعد عشر سنوات من الآن، خصوصا الجيل الأخير المتوقع حُكمه من طبقة الكبار والمسنين، الأمر الذي يجعل سؤال: "من الذي سيحكم المملكة بعد وفاة الملك عبدالله، الذي خرج لتوه من المستشفى؟" سؤالاً ملحاً، ويتبعه سؤال لا يقل أهميه يتمثل فيمن سيحكم بعد رحيل آخر أبناء الملك عبدالعزيز، ومن سيكون أول الأحفاد تسلماً لمقاليد الحكم؟.. ولا تزال هذه التساؤلات تثار بين حين وآخر مع كل وفاة جديدة، خصوصا أن الأسرة المالكة ودعت 17 من الأبناء و15 من البنات في فترة قصيرة، من واقع 36 ابن و27 ابنة. فعقب وفاة الأمير سلطان، أبرز المرشحين لتسلم الحكم بعد الملك الحالي، يكون النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز (78 سنة) الاسم الأكثر وضوحاً لتسلم الحكم بعد الملك، يتبعه في الوزن السياسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز (76 سنة) على الرغم من معاناته هو الأخير من المرض، وخضوعه لعملية جراحية في الولاياتالمتحدة في العام الماضي. وباعتبار أن معظم أبناء الملك عبدالعزيز الأوائل ولدوا في العشرينيات والثلاثينيات، يكون رئيس الاستخبارات العامة في المملكة الأمير مقرن بن عبدالعزيز (66 سنة) أصغر الأبناء المولودين في الأربعينيات وأقوى المرشحين المحتملين لقيادة النظام في المستقبل، عقب وفاة أصغر أبناء الملك عبدالعزيز سناً الأمير محمود إثر سكتة قلبية عام 1994. ويرى خبراء مراقبون أنه من المتوقع أن تكون المملكة الآن في مرحلة دراسة خطة لضخ دماء جديدة في المناصب العليا للسلطة، وقد يكون دخول الأحفاد للمناصب العليا في ازدياد وتصاعد في المرحلة المُقبلة، ومن الأحفاد المتوقع دخولهم في عالم تلك المناصب أبناء الأخوة الأربعة فهد وعبدالله وسلطان ونايف، وهم الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية، والأمير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني ووزير الدولة، والأمير خالد بن سلطان، مساعد وزير الدفاع والطيران للشئون العسكرية، والأمير محمد بن نايف نائب وزير الداخلية. هذه الخيارات رغم غموضها لا تزال مُحتملة إلى حدٍ كبير، وبمقدور المملكة من خلالها إضافة بعداً واضحاً في مسيرة الحكم في المستقبل.