تحتفل ألمانيا بمرور 21 عامًا على الوحدة الألمانية بتوحيد كل من جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) التي كانت موالية للاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو الشيوعي، وجمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية) الموالية للغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة. وتشكل الوحدة الألمانية منعطفًا مهمًا في التاريخ الأوروبي والدولي، فقد وقفت علامة على انتهاء حقبة الحرب الباردة وبزوغ عصر جديد على الساحة الدولية لهذا الحدث نعرض أهم المحطات التي مر بها قطار الوحدة. وقبل أن نتعرف على ظروف وملابسات قيام الوحدة الألمانية نغوص في الفترة التاريخية التي أدت إلى تقسيم الرايخ الثالث الألماني عقب هزيمة أدولف هتلر زعيم ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وانتصار الحلفاء على دول المحور. قصة ألمانيتين فقد أسفرت تلك الحرب عن مقتل أكثر من خمسة ملايين من الجنود الألمان والمدنيين، وخسائر إقليمية كبيرة في الأراضي، وطرد نحو 15 مليون ألماني من المناطق الشرقية من ألمانيا وبلدان أخرى، وجرى اغتصاب جماعي للنساء الألمانيات وتدمير عدة مدن كبرى، وقد تم تقسيم الأراضي المتبقية من ألمانياوبرلين من قبل الحلفاء إلى أربع مناطق احتلال عسكري. القطاعات الغربية، التي سيطرت عليها كل من فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة، دمجت في 23 مايو 1949، لتشكل جمهورية ألمانيا الاتحادية، وفي 7 أكتوبر 1949، في حين أصبحت (المنطقة السوفييتية) القطاع الشرقي تعرف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية (DDR)، عُرفت الدولتان خصوصاً خارج ألمانيا بأسماء غير رسمية هي ألمانياالشرقيةوألمانياالغربية، وعُرفا شطري برلين كبرلين الشرقيةوبرلينالغربية، اختارت ألمانياالشرقيةبرلينالشرقية عاصمة لها، في حين أًختيرت بون عاصمة لألمانياالغربية، ومع ذلك، أعلنت ألمانياالغربية أن بون عاصمة مؤقته لها، من أجل التأكيد على موقفها بأن الحل القائم على دولتين آنذاك هو وضع مصطنع ومؤقت ومن المحتم أن يتم التغلب على هذا الوضع وتوحيد ألمانيا مجدداً في يوم ما فقد كان حلم الوحدة يراود الألمان في الغرب وساعدت الظروف القاسية في ألمانياالشرقية وغياب الحريات في تسلل هذا الحلم بقوة ورغبة أكبر إلى عقول وقلوب الألمان الشرقيين. وبالفعل تأسست ألمانياالغربية كجمهورية برلمانية فيدرالية تتبنى اقتصاد السوق الحر، وكانت متحالفة مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، وقد تمت صياغة الدستور من قبل ممثلون للبرلمانات المنتخبة ديمقراطياً في المناطق الخاضعة للاحتلال في بون، وكان هذا الدستور رداً على البنية الهيكلية لدستور الرايخ الذي يعود لعام 1919، وبالتالي رداً على انهيار جمهورية فايمار، وتمتعت البلد بالنمو الاقتصادي لفترات طويلة ابتداء من أوائل الخمسينيات وأطلق عليها اصطلاحاً المعجزة الاقتصادية وساعدت فترة الازدهار هذه على توطين واندماج نحو 8 ملايين مُهجر من المناطق الشرقية التي رُحّلوا عنها بعد الحرب، وانضمت ألمانياالغربية لحلف شمال الاطلنطي في 1955 وكانت أحد الأعضاء المؤسسين للسوق الأوروبية المشتركة في 1957. وفي 1 يناير 1957، قدمت سارلاند انضمامها إلى ألمانياالغربية بموجب المادة 23 من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية. ألمانياالشرقية كانت إحدى دول الكتلة الشرقية تحت السيطرة السياسية والعسكرية للاتحاد السوفييتي عن طريق قوات الاحتلال وحلف وارسو، في حين كانت تدعي أنها دولة ديمقراطية، السلطة السياسية كانت تقرر من قبل الأعضاء القياديين في المكتب السياسي لحزب الوحدة الاشتراكي الألماني، وقد تم ضمان تلك السلطة من قبل جهاز أمن الدولة المعروف ب"اشتازي"، وهو جهاز سري هائل الحجم سيطر على كل جوانب الحياة في المجتمع الألمانى حينئذ، في مقابل توفير الاحتياجات الأساسية للسكان وبأسعار منخفضة من قبل الدولة كانت مرضية وكافية، أصبحت جمهورية ألمانيا الديمقراطية قائمة على الاقتصاد الشمولي على الطراز السوفيتي، وفي وقت لاحق انضمت للكوميكون أو ما يعرف بمنظمة التعاون الاقتصادي والتي تأسست في عام 1949، وكانت تضم الاتحاد السوفيتي، وألمانياالشرقية، والمجر، وبلغاريا، ورومانيا، وتشيكوسلوفاكيا، وكوبا، وفيتنام، وتهدف تلك المنظمة إلى التخطيط المنظم القائم على قاعدة التبادل الثنائي بين الأعضاء وإنشاء منطقة للتبادل الحر بين دول المعسكر الاشتراكي، في حين استندت دعاية ألمانياالشرقية على فوائد برامج جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاجتماعية، والتهديد المزعوم المستمر لغزو ألماني غربي، بدا العديد من المواطنين بالنظر إلى الغرب من أجل الحريات السياسية والازدهار الاقتصادي، وقد تم بناء جدار برلين في عام 1961 لمنع الألمان الشرقيين من الهرب إلى ألمانياالغربية مع تكرار حالات التسلل والهروب إلى ألمانياالغربية، وأصبح رمزاً من رموز الحرب الباردة. انخفضت حدة التوتر بعض الشيء بين ألمانياالشرقيةوألمانياالغربية في أوائل السبعينيات مع علاقات تقارب قادها المستشار فيلي برانت، والتي تضمنت قبول الأمر الواقع من خسائر في ألمانيا الإقليمية في الحرب العالمية الثانية واعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية. ورغم تلك الخلفية التاريخية فقد كان الدور السوفيتي مهمًا في إعادة توحيد ألمانيا. حيث لم يكن انهيار جمورية المانياالشرقية وتوحيد المانيا في الثالث من أكتوبر عام 1990 ممكنا دون التحولات السياسية الجذرية في الاتحاد السوفيتي السابق والتي اخذت بوادرها تظهر منذ منتصف الثمانينيات، فمن أجل إنقاذ الإمبراطورية السوفييتية من التفتت والانهيار شرع ميخائيل جورباتشوف، الرئيس السوفيتي الجديد وزعيم الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك باجراء اصلاحات سياسية شاملة في البلاد فيما عرف بسياسة ال"بريسترويكا"، ومن أهم التغيرات الأيديولوجية في هذه المرحلة هو تخلي الاتحاد السوفيتي عن موقع السيد الآمر والناهي في حلف وارسو واتجاهه نحو إقامة علاقات طيبة وتعاون اقتصادي أقوى مع أعداء الأمس في حلف شمال الأطلنطي "الناتو". تقارب جورباتشوف وريجان الخطوة الأولى نحو الوحدة وقد لعب جورباتشوف دورًا كبيرًا في التقارب السوفيتي الأمريكي عبر لقاء القمة التاريخي الذي جمع بينه وبين الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في العاصمة الأيسلندية ريكيافيك في 12 أكتوبر عام 1986 وبحث السوفييت والأمريكيين خفض الأسلحة النووية ومستقبل حقوق الإنسان. بهذه السياسة يكون الزعيم الجديد للكرملين قد مهد الطريق تدريجيًا أمام ارساء مبادئ وأسس الديمقراطية في دول أوروبا الشرقية، وكانت كل من المجر وبولندا سباقة في الانفتاح على الغرب ، ففي مايو 1989 اخذت المجر بأحداث ثقب في الستار الحديدي الذي فرضه الاتحاد السوفيتي وفي 11 نوفمبر فتحت المجر حدودها بالكامل مع الغرب مما مكن عددًا كبيرًا من الألمان الشرقيين في صيف عام 1989 من الهرب عبرها واللجوء إلى ألمانياالغربية. مظاهرات لايبزج "نحن الشعب" وفي الوقت الذي زاد فيه أعداد الهاربين من ألمانياالشرقية إلى الغربية نمت حركة معارضة منظمة داخل ألمانياالشرقية، فلأول مرة يخرج الناشطون في مجال حقوق الإنسان إلى الشارع ويعلنون عن مطالبهم الإصلاحية على الملأ كما كان الحال في مظاهرات الإثنين الشهيرة في مدينة لايبزج التي خرجت تحت شعار "نحن الشعب". وقد أوضحت المظاهرات الضخمة ضد النظام الشيوعي في الفترة التي كان يحتفل فيها هذا النظام بالذكرى الأربعين لتأسيس ألمانياالشرقية رفض الألمان الشرقيين لهذا الحزب ولسياساته وأن الوحدة مع الجزء الغربي أصبحت أمرًا لا يمكن التنازل عنه، وقد اضطرت هذه التطورات ايريش هونيكر الأمين العام للحزب الشيوعي الحاكم ورئيس الدولة إلى تقديم استقالته في 18 أكتوبر، ممهدًا الطريق أمام تفتت الحزب وانحسار قدرته على ضبط الأمور، إلا أن خليفته على سدة الحكم إيجون كرينتس حاول ضبط الأمور وإعادة هيبة الحزب وسلطته وتأثيره، ولكنه سرعان ما أيقن بأنه يسير عكس التيار مما اضطر المكتب السياسي للحزب إلى تقديم استقالة جماعية في 8 نوفمبر 1989. انهيار النظام الشيوعي وإعلان وحدة الألمانيتين في اليوم التالي من استقالة الحزب وفتح الحدود بين شطري ألمانيا أصبح أمر تحقيق الوحدة الألمانية في متناول اليد، وبالرغم من محاولة بعض المثقفين المشهورين في ألمانياالشرقية تسويق فكرة القيام بإصلاحات جذرية في طبيعة وآلية الحكم كبديل عن الوحدة التي تعني حسب رأيهم الذوبان كاملاً في المجتمع الألماني الغربي وضياع خصوصية الهوية الشرقية، أظهرت غالبية مواطني ألمانياالشرقية تفضيلها الوحدة بأسرع وقت ممكن. وقد انعكس هذا الموقف من خلال تصويت الغالبية لصالح حزب "الاتحاد من أجل ألمانيا" الذي دخل الانتخابات تحت شعار الوحدة الشاملة، وفور تولي الحكومة الجديدة برئاسة لوثار دي ميزيير مهامها شرعت في التفاوض مع حكومة ألمانياالغربية بشأن تهيئة الأرضية الملائمة لتوحيد الألمانيتين، وكانت اولى خطوات ذلك هو توقيع اتفاق بشان الوحدة الاقتصادية والنقدية والضمان الاجتماعي. ونظرا لعدم قابلية النظام الاقتصادي لألمانياالشرقية للاصلاح، تم الاتفاق على اعتبار النظام الاقتصادي لألمانياالغربية نظاما موحدا للألمانيتين، وقبل الانتهاء من المفاضات صوت مجلس الشعب (برلمان ألمانياالشرقية ) في أغسطس عام 1990 لصالح اعتبار دستور ألمانياالغربية دستورا لألمانياالشرقية على أن يبدأ العمل بذلك في 3 أكتوبر 1990 وهو تاريخ الاعلان الرسمي عن الوحدة الالمانية. هيلموت كول أول مستشار لألمانيا الموحدة في ليلة الثالث من اكتوبر 1990 تجمع الآلاف في ساحة مبنى الرايخ للاحتفال بهذا الحدث التاريخي الذي انهى أكثر من أربعة عقود من الانفصال وأزال آخر مخلفات الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، ففي تلك الليلة غرقت برلين في جو من الإحتفالات الصاخبة تخللتها مشاهد العناق والبكاء وتسلق جدران سور برلين وبوابة براندنبورج الشهيرة وكأن التاريخ توقف عند تلك اللحظة، وفي اليوم التالي عقد أول لقاء في مبنى "البوندستاج" للبرلمان الالماني الموحد الذي ضم 663 نائبا من برلمان ألمانياالغربيةوالشرقية. وفي 2 ديسمبرعام 1990اجريت ولأول مرة منذ عام 1933 انتخابات حرة موحدة، وكان الفائز بتلك الانتخابات هو تحالف الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU ) وحزب الأحرار ( FDP) بزعامة وزير الخارجية هانس ديترش جينشر، في 17 يناير 1991 تم انتخاب هيلموت كول أول مستشار لألمانيا الموحدة ليدخل التاريخ تحت لقب "مستشار الوحدة".