نعى كتاب ونقاد مصريون الكاتب الراحل خيري شلبي مؤكدين أن الأدب العربي خسر قيمة كبيرة برحيله. وقال الناقد الدكتور جابر عصفور إن الراحل أحد عمالقة الرواية العربية وهو في وزن ومكانة فتحي غانم في تاريخ الرواية المصرية، كما كان أول عربي فتح المجال للكتابة عن المهمشين، وضرب مثالا برائعته "وكالة عطية". وأكد وزير الثقافة الأسبق أن شلبي وصل في هذه الرواية لذروة لم يصل لها أحد في هذا الجانب، مؤكدا أن أعماله التي تحولت لأعمال درامية أثرت في الوجدان العام خاصة "الوتد" التي كشفت خبرته بطبائع النفوس الحقيقية لأهل القرية وتقديره للمرأة ودورها في المجتمع الريفي. ورأى عصفور أن كتابات االراحل اتسمت بالغزارة مع موهبة عميقة واستثنائية في الحكي ، تخلط أحيانا بين النثر والشعر، فيشعر القاريء خلال أعماله بجمل موزونة في أوقات التعبير عن الانفعال، و أكد عصفور أن ميراث خيري شلبي سيظل نبعا فياضا للإبداع العربي في العصور التالية، وهو مفخرة حية لا يمكن أن تموت، مثله مثل نجيب محفوظ . ومن جهته قال الكاتب جمال الغيطاني إن خيري شلبي كان صديقا عزيزا عرفته تقريبا منذ عام 1960، كان أكبر الحكائين التي عرفتهم مصر، بالإضافة لمعرفته العميقة بطبقات الشعب المصري، وكان حافظا لأشعار فؤاد حداد وبيرم التونسي بطريقة كاملة، إلى جانب العلم بالتراث العربي وكان مرجعية بمخزونه الشعبي. واعتبر الغيطاني أن كتابة خيري شلبي عن أحياء القاهرة ستخلده في مصاف عشاق المدينة الكبار فهو مؤرخ من طراز خاص كتب عن البشر وليس عن الحجر. وبتأثر لافت تحدث الكاتب إبراهيم أصلان وقال "لست في الظرف الذي يمكنني من الحديث عنه لأنه صديق العمر، وبيننا علاقة تتجاوز الخمسين عاما، تخللتها بعض المناكفات لكنها لم تستمر أكثر من أيام، وكان علي اتصال بي دائما، وكنت أتحدث معه قبل رحيله بساعة أو اثنين، لذلك لا أتصور مصر وهي خالية من خيري شلبي الذي لم يكن مريضا، فقد أنهيت مكالمتي معه وعلمت أنه جلس بعدها مع زوجته يتحدثان لما بعد صلاة الفجر ثم راح مستلقيا علي ظهره فظنت أنها دعابة إلى أن اكتشفت أنه رحل. وقال القاص سعيد الكفراوي "أنا من الناس الذين عاشوا عمرهم حول خيري شلبي، أينما أولي وجهي فثمة خيري شلبي، منذ أواخر الستينيات وبداخلي إحساس أنه بالأماكن التي كان يجلس فيها وبالمقاهي التي كان يرتادها كان الملاذ وجلسة البهجة." وأوضح الكفراوي أن الراحل رجل أعطي عمره ليتميز، فكان المعبر عن الجماعة المغمورة والهامشية التي تشبهه، فكتب عنها الرواية والبورترية والرحلة وغاص في عمق الروح المصرية. وأوضح الكفراوي حين أيقظني أصلان علي خبر رحيل خيري شلبي، وتوجهنا معا في الصباح الباكر من المقطم حتي بيته ، لم ينقطع بكاؤنا وعندما ودعناه ذاهبا إلي قريته ليوارى في التراب الذي أحبه، شعرنا أننا ودعنا أحد الكتاب المصريين الكبار الذي أحب هذا الوطن بناسه وأفراده عليه رحمة الله. ومن جيل الشباب قال الكاتب الشاب طارق إمام بدأت علاقتي بالراحل منذ إصدار أول كتاب لي عام 1995، وقتها كنت صغير وتقابلنا في السويس، الى أن أصبحت علاقتنا وثيقة فتربيت في منزله كواحد من أولاده، وكانت بيننا سمات مشتركة بعيدا عن الأدب فهو من قرية في كفر الشيخ بجوار القرية التي ولدت فيها أمي، كما أنه قضى الفترة الخصبة من حياته في مدينة دمنهور التي قضيت فيها فترة كبيرة من حياتي، ولا أنسى عندما أخذني لوكالة عطية بدمنهور بالليل وتهت انا فيها لكنه كان يحفظ المكان جيدا رغم أنه تركه لفترة تتجاوز الثلاثين عاما. وأتذكر أيضا عندما أخذني معه لبيته الذي انتقل إليه بعد مولده في "فوة" وهناك شاهدنا امرأة عجوز كانت من السيدات التي أشرفت علي ولادته فتعرفوا علي بعض من أول وهله وراحوا في البكاء.ولا ينسى إمام أيضا أن أخر معركة خاضها شلبي في الوسط الثقافي كانت من أجل انصافه وأحقيته بجائزة الدولة التشجيعية، وتعرض وانتهى امام الى القول عندما عرفت نبأ وفاته شعرت أني فقدت أبي.،وكنت أقول لنفسي مؤخرا أني يجب أن أذهب إليه ومعي مولودتي كي يباركها كما بارك زواجي، فالتفاصيل التي كانت بيننا أبوية. ولا يوجد جديد بأن أقول إني تعلمت منه، فكان من أكثر كتاب جيل الستينيات انفتاحا علي الكتابات الجديدة، ولم يكن له كبرياء مزيف ، إذ كان يتعامل مع الحياة بروح الصعلوك لذلك فنحن فقدنا كاتبا بالمعني الحقيقي.