تترقب مصر انتخابات مجلس الشعب الجديد خلال أسابيع من الآن في ظل ظروف غيرعادية من تاريخ البلاد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي غيرت وما زالت تغير الكثير من معالم مصر ونظامها مع وجود رغبة قوية في أن يعبر المجلس الجديد عن تطلعات الجماهير لتأكيد دور البرلمان الحقيقي بأن يكون صوت الشعب والحامي لثرواته والمدافع عن مقدراته. على أنه قد يكون من المفيد في هذه المرحلة إلقاء الضوء على لمحات تاريخية لمجلس الشعب عبر نظامه السابق على الثورة وما كان مطبقا في ظل ذلك النظام استشرافا لأي تغييرات مقبلة لاسيما وأن مصر من الدول التي شهدت حياة برلمانية ساخنة عبر تاريخ طويل. ويعد مجلس الشعب السلطة التشريعية بجمهورية مصر العربية، ويتولى اختصاصات مختلفة ورد النص عليها في الباب الخامس من الدستور السابق منها سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ويقوم بترشيح رئيس الجمهورية ويقبل استقالته. وكان المجلس يتالف من أربعمائة وأربعة وأربعين عضوا يختارون بطريق الانتخاب المباشر السري العام على أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية بالإضافة إلى عدد من الأعضاء يعينهم رئيس الجمهورية لا يزيد على عشرة، ويجب أن يكون نصف الأعضاء المنتخبين على الأقل من العمال والفلاحين. وكان عدد الدوائر الانتخابية 222 دائرة ينتخب عن كل منها عضوان أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين وينتخب عضو مجلس الشعب بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت في الانتخاب وعلى مدى حقبة من الزمن تمثل تاريخ الحياة النيابية المصرية بدءا من عام 1866، تعاقبت على البلاد سبعة نظم نيابية تفاوت نطاق سلطاتها التشريعية والرقابية من فترة لأخرى ليعكس في النهاية تاريخ نضال الشعب المصري وسعيه الدؤوب من أجل إقامة مجتمع الديموقراطية والحرية، وخلال أكثر من 135 عاما من التاريخ البرلماني، تعاقبت على البلاد اثنتان وثلاثون هيئة نيابية تراوح عدد أعضائها ما بين 75 عضوا و 458 عضوا، أسهموا في تشكيل تاريخ مصر ووجهها الحضاري الحديث في مختلف جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ويتم انتخاب رئيس مجلس الشعب من بين أعضائه الفائزين في الدورة البرلمانية ويتم ذلك من خلاله هؤلاء الاعضاء. وفي إطار دستور 1971 أصبح البرلمان المصري يحمل اسم " مجلس الشعب " ويقدم رئيس الجمهورية استقالته إلى المجلس الذي يعلن خلو منصبه، كما يختص المجلس كذلك بالتصديق على المعاهدات والموافقة على مد حالة الطوارئ وإعلان حالة الحرب. ومقر مجلس الشعب مدينة القاهرة، ويحدد القانون الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة ونص الدستور السابق على ان مدة مجلس الشعب خمس سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع ويجرى الانتخاب لتجديد المجلس خلال الستين يوما السابقة على انتهاء مدته . وقد وضع هذا الدستور مجموعة من الضمانات للحفاظ على استقرار السلطة التشريعية أهمها أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرار بحل مجلس الشعب إلا عند الضرورة، وإذا حل المجلس في أمر فلا يجوز حل المجلس الجديد لذات الأمر.. كما قرر الدستور السابق أيضا مجموعة من الحصانات لأعضاء المجلس تتمثل في عدم مؤاخذة أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار و الآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه، ولا يجوز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب إلا بإذن سابق من المجلس. وفي إطار العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ورغبةً في تحقيق التوازن المنشود قرر الدستور السابق عدداً من الصلاحيات للسلطة التشريعية في مجال السلطة التنفيذية وصلاحيات للسلطة التنفيذية في مجال السلطة التشريعية. ومن أمثلة الصلاحيات الأولى التي نظمها الدستور تلك المتعلقة باختصاص مجلس الشعب في استقالة رئيس الجمهورية وخلو منصبه وإقرار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذا الموازنة العامة للدولة وحقه في الرقابة على أعمال الحكومة وتقرير مسئوليتها والتصديق علي الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومن أمثلة الصلاحيات الثانية التي نظمها الدستور السابق ما قرره لرئيس الجمهورية بشأن دعوة مجلس الشعب للانعقاد للدور السنوي العادي قبل يوم الخميس الثاني من شهر نوفمبر من كل عام فإذا لم يدع المجلس حتى ذلك اليوم يجتمع في نفس اليوم من تلقاء نفسه بحكم الدستور وكذلك حق رئيس الجمهورية في فض دور الانعقاد العادي للمجلس شريطة ألا تقل مدته عن سبعة أشهر وبعد اعتماد الموازنة العامة للدولة وحقه في دعوة المجلس لاجتماع غير عادى في حالة الضرورة وأيضا حقه في حل مجلس الشعب عند الضرورة. ويباشر مجلس الشعب بوصفه السلطة التشريعية اختصاصات مختلفة ورد النص عليها في الباب الخامس من الدستور السابق، فوفقاُ للمادة 86 وما بعدها يتولى المجلس التشريع وإقرار المعاهدات والاتفاقات وإقرار الخطة والموازنة والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ومناقشة بيان رئيس الجمهورية وتعديل الدستور وإقرار إعلان حالتي الحرب والطوارئ واختص الدستور السابق بتقرير الضمانات اللازمة لتحقيق استقلال مجلس الشعب التي تتمثل في أداء اليمين وقبول استقالة أعضائه والتحقيق في صحة عضوية أعضائه والفصل في الطعون الانتخابية وانفراده في مجازاة أعضائه واستقلاله بوضع وإقرار موازنته السنوية وإقرار حسابها الختامي واختصاصه بالمحافظة على النظام داخله واختصاصه بوضع لائحته الداخلية والحصانة البرلمانية. وقد جلبت بعض هذا الاختصاصات خاصة التحقق من صحة العضوية انتقادات شديدة للمجلس، الذي تمسكت قياداته بأنه"سيد قراره". ويشغل مجلس الشعب ثلاثة مبان شيدت في فترات تاريخية متعاقبة على مساحة قدرها 5.11 فدان تقريبا أي ثمانية وأربعين ألفا وثلاثمائة متر مربع، فضلا عن عدة مبان إضافية للخدمات المعاونة والصيانة والمخازن ومسجد المجلس وتتخلل تلك المباني عدة حدائق ومساحات خضراء. فالمبنى الأول، وهو المبنى الذي شيد في عهد الخديوي إسماعيل عام 1878م حيث كان يشغله ديوان نظارة الأشغال العمومية وارتبطت به الحياة النيابية المصرية منذ أن عقد مجلس النواب المصري أول اجتماع له في السادس والعشرين من ديسمبر 1881 م ثم تلاه اجتماعات مجلس شورى القوانين والجمعية التشريعية ثم مجلس الشيوخ في ظل دستور 1923م. وقد أجريت تعديلات كبيرة بالطابق الأرضي لإعداد قاعة نظارة الأشغال لاجتماعات مجلس شورى النواب وهى القاعة التي لا تزال قائمة وتعقد بها اجتماعات وجلسات مجلس الشورى حاليا، في حين شغلت وزارة الأشغال والموارد المائية الطابقين الأول والثاني من هذا المبنى، إلى أن تسلمتهما الأمانة العامة لمجلس الشعب وضمتهما إلى مبانيها بتاريخ 29/9/1991م حتى يمكن للمجلس أن يتوسع في مقره لمواجهة التطور الكبير الذي طرأ على الحياة النيابية التشريعية وما طرأ على الممارسة البرلمانية في الحقبة الأخيرة.