قد تكون مصر قد حققت مركزا متقدما فى تقرير الشفافية ومكافحة الفساد، لعام 2010، ولكن الخبراء يرون أن هذا قد لا يكون تقدما فعليا. ففى تقرير الشفافية ومكافحة الفساد لعام 2010، الذى أصدرته منظمة الشفافية الدولية أخيرا، جاءت مصر فى المركز ال 98 مكرر، بعد أن كانت فى العام الماضى فى المركز ال 111 مكرر، بين دول العالم، محققة بذلك. أشار التقرير إلى أن هناك تقدما ملحوظا فى الشفافية ومكافحة الفساد بنسبة10% على مؤشر الشفافية العالمي. يقيس المؤشر مستوى مدركات الفساد بالنسبة للقطاع العام. وحلت مصر فى هذا الترتيب بالتساوي مع: "بوركينا فاسو، والمكسيك" بين 178 دولة، فى مؤشر مدركات الفساد لهذا العام متصدرة، بذلك "الصومال، والعراق وأفغانستان" التى تم تصنيفها كأكثر الدول فسادا، والأقل شفافية على مستوى العالم، وفى مركز متأخر عن "الدنمارك، ونيوزيلندا، وسنغافورة" حيث جاء ترتيبها بين أكثر دول العالم شفافية وأقلها فسادا. وخرجت أمريكا من بين تصنيف الدول العشرين الأكثر شفافية والأقل فسادا، فى العالم بحصولها على المركز ال 23 عالميا، وحلت مصر في المركز الحادي عشر عربيا، تسبقها قطر، الأولي عربيا، و ال 18 عالميا، تلتها الإمارات، الثانية عربيا، وال 28 عالميا. وعلق الدكتور نصار عبد الله، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة جنوبالوادي، على التقرير قائلا: "لا أتصور أن هناك تغييرا كبيرا فى مستوى الشفافية والفساد فى مصر، بل أتصور أن المركز 98 الذى حصلت عليه مصر مقابل 111 فى العام الماضى قفزة غير حقيقية "، مضيفاً :"القفز داخل الوسط يجعلنا دائما فى الوسط"، والقفزة الحقيقية هي أن نكون فى المقدمة أو فى المؤخرة، أى أن نكون من بين العشرين دولة الأولى فى الشفافية ومكافحة الفساد، أو نكون فى القاع، ولامعنى أن نكون فى قلب الفساد ". وأوضح "نصار" إلى أن منظمة الشفافية الدولية تعتمد فى تقييمها على أفراد ومؤسسات، وعلى شهادات من عينات قد تكون مؤسسات أو رجال أعمال أو خبراء، وقد تكون تلك الشهادات منحازة ولاتعبر بالضرورة عن الواقع الحقيقي للدولة. ويدلل على رأيه قائلا: "قد يتصور البعض بمحاكمة هشام طلعت مصطفى، أن الدولة تحارب المتجاوزين والفاسدين، حتى لو كانوا من رجال الأعمال، وهذا تصور خاطئ". وتتفق منظمة الشفافية الدولية فى تقريرها مع ماقاله "نصار"، منبهة إلى أنها تعتمد فى وضع التقرير على التصورات، "نظرا لأن معظم الفساد يتم فى الخفاء ويصعب قياسه". وقد بدأت مصر منذ عام 2005 في التراجع فى تقرير منظمة الشفافية الدولية، محققة بذلك مستوى أعلى فى انتشار الفساد، ومستوى أقل فى الشفافية، ففى عام 2009 احتلت مصر المركز 111 مكرر بالتساوي مع الجزائر، من بين 188 دولة ب2,7 نقطة، وفى عام 2008 وصلت مصر للمركز ال 115 من بين 180 دولة ب 2,8 نقطة . وفى عام 2007 حصلت على المركز ال 105 ب 3,3نقطة، أما عام 2006 كانت مصر فى المركز ال 72 ب 3,3 نقطة ، وفى 2005 من بين 159 دولة كانت مصر -نسبيا- فى مركز متقدم من حيث الشفافية ومكافحة الفساد، حيث وصلت للمركز ال 70 ب 3,4 نقطة. وفى هذا العام حصلت مصر على المركز 98 ب 3.1 نقطة ، وتلك النقاط هي التى يقيسها " مؤشر الفساد "، الذى يتكون من 10 نقاط ، وتعد الدولة أكثر نزاهة، كلما زادت عدد نقاطها عليه وأكثر فسادا،اقتربت من الصفر. واستخدمت منظمة الشفافية الدولية وضع الصحافة فى الدول، ودورها فى كشف الفساد كمعيار أساسي للتقييم، حيث ذكر التقرير حادثة العثور على رئيس تحرير جريدة "برافدا" الروسية، وسط بركة من الدماء فى منزله بعد ضربه وكسر ساقيه، ويديه وتحطيم جزء من جمجمته، بعد أن اتهم مشروع إنشاء طريق سريع فى "خيمكي" خارج موسكو، بأنه من شأنه تدمير الغابات المحلية، وأشار إلى صفقات أراض مشكوك فيها، ومسئولين محليين متورطين، وذكر التقرير أن القضية قيدت ضد مجهول، بل ورفعت بلدية "خيمكي" قضية تشهير ضد الصحفى، ذكر التقرير أن الهجمات التى تستخدم ضد الصحفيين، الذين يكشفون الفساد، أمر شائع فى كثير من أنحاء العالم. يقول الدكتور عبد الخالق فاروق الباحث الاقتصادي:"المعايير المستخدمة فى رصد التطورات، التى تحدث فى موقف الدول من موضوع الشفافية والفساد، يجري عليه بعض التغييرات"، موضحا: "هناك أكثر من 22 معيارا تستخدمها المنظمة فى تقييم الدول، وتلك المعاير تتبدل وتتغير، ففى عام يتم استخدام 5 معايير معينة، وفى عام آخر يتم استخدام 7 معايير، وهذا معناه أن مركز مصر ال98 لايعني شيئا فى المطلق، كما لايمكن مقارنته بترتيبها فى السنين السابقة ". ويضيف "فاروق": "فى هذا العام تم استخدام الصحافة، ودورها فى كشف جرائم الفساد، كمعيار للتقيم. وهذا الجانب تحسن فى مصر، ومعيار الأداء القضائي حسن الصورة أيضا، لكن لم يتم تقييم السلطة التشريعية، والتى مازال وضعها سيئا، ولم يتم تقييم السلطة التنفيذية وعلاقتها الكبيرة بالفساد، فهذا التقرير لايعني شيئا فى المطلق، إلا بنسبة لشىء معين". وقال الدكتور ياسر كمال، الخبير بمركز دراسات الاستثمار والتخطيط وإدارة المشروعات بمعهد التخطيط:"صاحب الشركة قد يحقق هذا العام ربحا، مليون جنيه، والعام القادم يحقق ربحا مليونا و 100 جنيه، هذا يبدو للقارئ أن الشركة، تنجح وتحقق أرباحا أكثر، لكن من الممكن أن هذه الشركة تحقق خسائر، وأن الزيادة فى أرقام الربح، قد يكون نتيجة اختلاف الأسعار عن العام الماضى، وليس بسبب تقدم الشركة". وتميز منظمة الشفافية الدولية فى قياس مدركات الفساد، بين الدول على مستوى العالم، وبين الدول العربية، حيث يعتمد مؤشر الفساد على قياس الإدراك لمفهوم الفساد المتفشي فى الأقطار مدار البحث، حيث احتلت مصر فى مستوى الشفافية ومكافحة الفساد، المركز الحادي عشر، تسبقها "قطر، والإمارات، وعمان، والبحرين، والأردن، والسعودية، والكويت، وتونس، والمغرب، وجيبوتى". وتليها "الجزائر، وسوريا، ولبنان، وموريتانيا، وليبيا، واليمن، والسودان، والعراق، والصومال". ويقول "كمال"إن تصنيف الدول العربية بمفردها أمر طبيعي، لأن الفساد والشفافية والمصداقية، كلها أمور تختلف فى تعريفها من دولة عربية لدولة أجنبية، مشيرا إلى أن الدول الغربية تسبق العربية بسنوات فى الشفافية والمصداقية ومكافحة الفساد.