تواجه شركة الحديد والصلب حاليا مأزقا شديد التعقيد بعدما تعثرت جميع محاولات الاصلاح واعادة الهيكلة السابقة سواء لاسباب عجز التمويل او لاسباب تتعلق بواقع ومستقبل صناعة الصلب ذاتها. الآن يعود الحديث مجددا عن محاولة اصلاحية اخرى يرى البعض ان مصيرها هو الفشل مثل المحاولات السابقة لكن فى المقابل يكشف خبراء وفنيون فى هذه الصناعة عن توافر فرص كامنة لاتزال فى شركة الحديد والصلب المصرية وان توافر ارادة سياسية حازمة كفيل بإنهاء سنوات الاهمال والخسائر والتدهور فى هذا المجمع الصناعى التاريخى. هنا تحقيق يرصد واقع المشكلة وآفاق الحل.. أكد مسئولون بشركة الحديد والصلب أن كل محاولات تطوير الشركة السابقة كانت تتحطم على صخرة التمويل، وأن الدراسات الفنية متوافرة وتنتظر الاعتماد المالى، وأجمعوا على أن الشركة لم تتأثر بأزمة الدولار الأخيرة نتيجة لأنها الشركة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تعتمد على خامات محلية حيث لا تستورد إلا فحم الكوك مما أعطاها ميزة تنافسية فى مقابل الشركات الأخرى. وحذروا من تأخر عملية التطوير خاصة فى ظل تكبد الشركة العام الماضى خسائر بقيمة 760 مليون جنيه وتخطى إجمالى الديون 3 مليارات جنيه. يرى المهندس إبراهيم حماد رئيس قطاعات الصلب والورش الإنتاجية سابقا أن شركة الحديد والصلب تحتاج إلى تطوير خط الإنتاج بأكمله، مما يحتاج إلى تكلفة عالية. وأن كل المحاولات السابقة باءت بالفشل لأنها كانت تركز على مرحلة معينة أو جزء منها وتغقل باقى المراحل، فيجب أن يكون التطوير من البداية إلى النهاية أن يبدأ من المناجم انتقالا إلى التلبيد مرورا بالأفران وانتهاء بتشكيل المنتج النهائى. - تكنولوجيا قديمة ويضيف أن التكنولوجيا فى الشركة قديمة جدا وأن العالم كله لم يعد يعمل بتلك الطريقة ولا يوجد تحديث للمعدات، مما يرفع تكلفة الإنتاج، بالإضافة إلى أن المديونية عالية جدا مما يجعل الناتج يكفى بالكاد أجور العمال الذين يبلغ عددهم نحو 10 آلاف عامل. أما تكلفة الطاقة فتأتى عن طريق الديون. مما يجعل الشركة تحتاج إلى مليارات حتى تتطور بشكل كامل بعيدا عن المسكنات. ويستطرد قائلا: إن الطاقة الإنتاجية للشركة المفترضة مليون و200 ألف طن إلا أنها تتراوح من 250 إلى 300 ألف طن بسبب تقادم المعدات، مشيرا إلى أن هناك العديد من الدراسات ومحاولات التطوير إلا أنها كانت تصطدم فى النهاية بصخرة التمويل. أما من ناحية المميزات التنافسية بالشركة التى تجعلها تستحق الرعاية فأهمها أن الشركة تتعامل مع المناجم مباشرة ولا تستورد خامات الإنتاج من الخارج، فكل الخامات تخرج من باطن الأرض بينما شركات الصلب الخاصة فى مصر تستورد البليت من الخارج، والميزة التنافسية للشركة هى أن تكلفة استخراج الخامات قليلة، موضحا أنه عندما كان مسئولا عن شركة النحاس المصرية كانت تقابله مشكلة توفير الدولار فقد كان يحتاج إلى خامات تتراوح تكلفتها من 20 إلى 30 مليون دولار، بينما الحديد والصلب خاماتها متوافرة. ويرى المهندس مسعد عبد الحميد رئيس قطاع النقل والمشرف على الإدارة العامة للخردة بشركة الحديد والصلب أن كل محاولات التطوير السابقة كانت تفشل بسبب عدم توافر الاعتماد المالى من الحكومة والشركة القابضة، إلا أنه يبدى تفاؤله بمستقبل الشركة فى ظل وجود وزارة مستقلة لقطاع الأعمال، خاصة أن كل الشواهد تشير إلى وجود انتعاش فى أداء الشركة فقد دخل فرن 4 العمل وبدأ الإنتاج من منتصف مارس الماضى بأكثر من نصف طاقته، وخلال أسبوع سوف يعمل بكامل طاقته الإنتاجية، بالإضافة إلى فرن 3، مشيرا إلى أن الفترة الأخيرة قد شهدت زيادة الإنتاج والطلب على منتجات الشركة فالمبيعات زادت بنسبة كبيرة فقد تراوحت من 042-052 مليون جنيه شهريا إلى السوقين المحلى والخارجى، ووصل الإنتاج فى آخر شهر إبريل 2016 إلى ما يعادل إنتاج العام الماضى كله فقد بلغ 272 ألف طن، ومع نهاية العام سوف يزيد الإنتاج إلى أكثر من إنتاج العام الماضى بنحو مرة ونصف، رغم أن الشركة لم تتلق دعما من الدولة. ويضيف أن الشركة اعتمدت على التمويل الذاتى واستطاعت أن توفر الدولار لاستيراد فحم الكوك بقيمة تتراوح بين 7-8 ملايين دولار نتيجة تراجع إنتاج شركة الكوك. لافتا إلى أنه فى حالة عودة تغذية شركة الكوك للحديد والصلب بالفحم الذى تحتاجه فإنه يمكن توفير قيمة استيراد الفحم لتطوير الشركة. مشيرا إلى أن الشركة استفادت من تعثر الشركات الأخرى بسبب أزمة الدولار لأن الشركات الأخرى تستورد البليت أما الحديد والصلب فتستورد الكوك فقط. دورة اقتصادية ومن جانبه يقول أحمد عويس عضو مجلس إدارة الشركة المنتخب: إن صناعة الصلب تغذى دورة اقتصادية لنحو 5 ملايين عامل من خلال المصانع التى تورد الخامات لشركة الحديد والصلب، والشركات التى تعتمد على منتجاتها. كما أنه نتيجة تراجع دور الشركة استوردت الدولة منتجات حديد مصنعة بنحو مليارين و611 مليونا و400 ألف دولار فى الفترة من 1-1-2015 إلى 1-12-2015 أى ما يعادل 20 مليار جنيه فى ذلك الوقت، لأن الشركة لا تعمل بكامل طاقتها، فى حين أن الشركة تحتاج للتطوير من 3-3.5 مليار جنيه، وهذا يقترب من خمس ما أنفقته الدولة هذا العام على استيراد منتجات حديد مصنعة. كما أن منتجات الشركة تدخل فى العديد من الاستخدامات فتنتج الكمر والزوايا والمسطحات والفلنكات، فيتوافر لدينا الكمر بجميع أنواعه المجرى والعادة بالمقاسات المختلفة وبجميع أنواع الصلب، ويستخدم الكمر العريض فى الإنشاءات والمصانع. والمسطحات يستخدم فى السيارات وجميع أنواع الصاج فى الصناعات الهندسية، بينما تستخدم الزوايا فى أبراج الكهرباء والإنشاءات والجمالونات، وتستخدم الفلنكات فى السكك الحديدية. ويضيف أنه توجد 6 شركات تتنافس على تطوير الحديد والصلب منها 3 شركات روسية وشركتان صينيتان وشركة إيطالية، وهذه الشركات أبدت استعدادها للتمويل بقروض طويلة الأجل، والشركة فى انتظار ضمان وزارة المالية، مشيرا إلى أن المحاولات السابقة للتطوير كانت العقبة أمامها هى التمويل، موضحا أن الامر لا يحتمل الانتظار الآن فالمسألة أصحبت مسألة حياة أو موت، ولا يوجد حل وسط. ويمضى قائلا: إن الشركة لم تتطور منذ السبعينيات، فالكراكات التى كانت تعمل فى السد العالى هى التى مازالت تعمل فى الواحات والمناجم، ويقوم العاملون بالشركة بصيانتها من آن لآخر. فيوجد العديد من الدراسات التى تنتظر فقط ضمان وزارة المالية، مستدركا أن الشركة تضم العديد من مقومات النجاح ففيها موارد بشرية تتمتع بالمهارة الفائقة بالإضافة إلى بنية تحتية عظيمة. ويضيف أن شركة الحديد والصلب الشركة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لا تستورد أى خامات خارجية فهناك شركات تعتمد فى التصنيع على استيراد البليت (عروق الصلب) وأخرى على استيراد الخردة أو على مكورات الحديد، بينما الحديد والصلب تُصَنِّع الخامات حيث تمر علمية التصنيع بثلاث مراحل هى الاستخراج والاستخلاص والتحويل. فيتم استخراج خام الحديد (الهيماتيت) من الواحات البحرية، والحجر الجيرى من سمالوط فى المنيا، والدولوميت من جبل عتاقة بالسويس، ويعجن الخليط ويوضع عليه فحم الكوك، ثم تتم بعد ذلك عملية الاستخلاص حيث تستخلص الشوائب الضارة من أجل استخراج الحديد الزهر عن طريق الحرق بالغاز والفحم فى ماكينات التلبيد. وعن اعتزام الحكومة التراجع عن تخفيض سعر الغاز يؤكد أن القرار لم يطبق من الأساس، وأنه كان سيوفر فى حال تطبيقه 470 جنيها فى الطن ما يعنى نحو 150 مليونا و400 ألف جنيه فى العام، مشيرا إلى أنه كان ينبغى أن يكون 3 دولارات للحديد والصلب لأنها الشركة الوطنية الوحيدة المنتجة للحديد. ويقول د. إيهاب دسوقى رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات إنه قبل تطوير شركة الحديد والصلب لا بد أن ننظر إلى شركات الحديد والصلب فى القطاع الخاص وهل تحقق مكاسب أم لا؟ مجيبا أنها تحقق مكاسب كبيرة ما يعنى أن ضخ أى استثمارات فى الشركة معناه تحقيق عائد، حتى لو كانت الشركة تحتاج إلى تطوير جذرى كى تصبح مثل شركات القطاع الخاص، فبالإضافة إلى تحقيقها مكاسب للقطاع العام يمكن أن تعمل نوعا من الموازنة فى الأسعار مع شركات القطاع الخاص، مشيرا إلى أن تمويل تطوير الشركة يمكن أن يكون عن طريق قرض من البنوك أو من خلال تخصيص مبلغ من الموازنة العامة للدولة.