من الطبيعي أن نشعر بالقلق الشديد ،فالدين العام المحلي ينطوي علي اتجاه عام صعودي تتزايد حدته ، في ظل قصور الإيرادات العامة عن تغطية النفقات العامة ، واتساع عجز الموازنة العامة للدولة ، الأمر الذي يشير إلي خطورة اكتساب الدين العام خاصية النمو الذاتي ، فتضطر الإدارة الاقتصادية إلي اللجوء لمزيد من الإقتراض . .. ، فندور في حلقة مفرغة يصعب الفكاك منها ، مما يمثل وضعا حرجا يهدد الاستقرار المالي العام. الأمر المزعج حقا أن الدين المحلي لأجهزة الموازنة العامة "وهي الديون المستحقة علي وحدات الجهاز الإداري ، ووحدات الإدارة المحلية ، والهيئات الخدمية" ، قد ارتفعت من 933 مليار جنيه في مارس 2011 ، إلي 1.1 تريليون جنيه في مارس 2012 ، بزيادة قدرها 167 مليار جنيه خلال عام واحد . والأكثر إزعاجا أن هذه الأرقام تواصل ارتفاعها فيما تلي ذلك من شهور. المشكلة هنا أن معدل نمو الدين المحلي قد فاق كثيرا معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ، ففي حين بلغ معدل نمو الدين المحلي 16.8% ، لم يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلا بنسبة 1.8% فقط . ترتب علي هذا ارتفاع إجمالي الدين العام المحلي كنسبة للناتج المحلي الإجمالي من 68% في مارس 2011 ، إلي 70.5% في مارس 2012 وهذه النسب تتجاوز الحدود الآمنة سواء بمعيار إتفاقية ماستريخت وهي 60% ، أو بالمقارنة مع دول نامية أخري. هذا الإتجاه التصاعدي للدين العام ، أدي إلي تزايد أعباء خدمته " الأقساط " الفوائد " بشكل حثيث ، حتي وصلت هذا العام إلي 90.1 مليار جنيه ، مقارنة بنحو 80.7 مليار في العام السابق ، مما أثقل كاهل الاقتصاد القومي. هذا الوضع يدفع الحكومة إلي أحد حلين "كلاهما مر". . أولهما هو تخفيض المخصصات للإنفاق الاجتماعي علي الخدمات الصحية والتعليمية ، . . الخ، بالرغم من عدم كفاية هذه المخصصات أصلا. أما ثانيهما ، فيتمثل في زيادة الضرائب ، وهو مايزيد من حالة الركود الاقتصادي ، في وقت يرتفع فيه معدل التضخم ، فتزداد حالة محدودي الدخل سوءا. إن فهم هذه المسألة فهما عميقا يحتاج منا أن نتذكر الأسباب الرئيسية التي أدت إلي هذا التزايد السريع في حجم الدين ، وارتفاع نسبته إلي الناتج المحلي الإجمالي . فالمعروف أن الزيادة في نسبة الدين إلي الناتج تحدث إذا زادت نسبة العجز الأولي في الموازنة العامة ، أو إذا تخطي سعر الفائدة الحقيقي معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، وذلك مع إتجاه النمو الاقتصادي إلي التباطؤ. وبالطبع فإن محصلة حدوث هذين المتغيرين بالتوازي وفي وقت واحد ، تكون أشد وطأة وتأثيرا . لقد أصبح الدين العام المحلي في السنوات الأخيرة يتغذي من هذين الرافدين معا : العجز الأولي في الموازنة العامة للدولة الذي يتفاقم عاما بعد آخر ، ومدفوعات الفوائد علي الدين التي تعلو باستمرار، فبعد أن كانت تمثل 34.8% من إجمالي النفقات العامة للعام المالي 2011 /2012، أصبحت في " يوليو أغسطس"2012 / 2013تصل إلي 42.7% من النفقات العامة ، لتسجل نحو 23.1 مليار جنيه ، مقارنة بنحو 16.2 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام السابق. فهل نحن إزاء بالونة تنتفخ ذاتيا حتي لحظة الانفجار ؟ ! !. . إن لجوء أغلب دول العالم للاستدانة يمثل ظاهرة طبيعية تحدث في حالات كثيرة كوسيلة لتمويل العجز في الموازنة العامة للدولة، أو كأداة لحشد الموارد اللازمة لتمويل التنمية في ظل نقص المدخرات المحلية ، وقصور الحصيلة الضريبية عن تلبية احتياجات التنمية. لذلك ، فوجود الدين العام في ذاته لايثير قلقا ، إلا إذا تجاوزت مستوياته ، ومعدلات نموه الحدود الآمنة التي يمكن أن تولد آثارا سلبية علي سلامة الوضع المالي العام. جوهر القضية هنا يتعلق بالنظر إلي هيكل الدين العام المحلي: مصادر الديون ، وآجالها ،وأوجه استخدامها ، . .. الخ ، وكيفية إدارة الدين العام بكفاءة عالية لتحقيق الأهداف الآتية: 1 تخفيض حجم الدين العام المحلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ، إما بزيادة معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي ، أو بتخفيض سعر الفائدة الحقيقي ، أوبهما معا. 2 إعادة هيكلة الدين العام ، واستبدال الديون عالية التكلفة بديون أقل تكلفة منها ، ومنها استبدال أذون الخزانة بسندات طويلة الأجل. 3 تقليل تكلفة الاقتراض. 4 تحقيق هيكل آجال متوازن للسداد. 5 تطوير أوعية وأدوات طويلة الأجل للإدخار الخاص. [email protected]