نستطيع أن نستنبط ثقافة التنمية وأخلاقياتها، وقيم التقدم والتطور التى يجب أن نتحلى بها، بالنظر فى اسماء الله الحسنى، فهذه الاسماء عند الامام الغزالى هى صفات تكون مطلقة بالنسبة لله عز وجل، وهى نفسها تكون نسبية محددة بالنسبة للانسان . فمن حكمة الله فى ذكر اسمائه وصفاته ان نتخلق بها، كما ورد فى الأثر تخلقوا بأخلاق الله " فإن جميع اسماء الله للتخلق الا اسمه تعالى الله فإنه للتعلق" . هذه الاسماء تفيد كما يقول استاذنا الدكتور زكى نجيب محمود ان على الانسان لكى يكون جديرا بالحياة فى عصره ضرورة ان يكون عليما، بصيرا، سميعا، خبيرا، حكيما، قويا، قادرا، الى آخر هذه الصفات العليا . أن يكون انسانا عليما بعلوم عصره، بصيرا سميعا خبيرا بحقائق العصر، وما تتطلبه الحياة فيه، قادرا بقدرة العصر، وقويا بقوته، وهلم جرا . وكلها صفات مطلوبة ايضا تجاه ضرورتها للتنمية والتقدم . فالتنمية عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط فى المجتمع، تهدف الى بناء وتكوين الانسان الواعى والمنتج، القادر على العطاء، بتطوير كفاءاته، واطلاق قدراته على العمل والبناء . التنمية إذن تمثل نقلة نوعية، لانها تتجاوز الشكل الى المضمون، ولا تكتفى بما يحدث من تغيرات كمي، بل تتعداه لما ينبغى ان يصاحبها من تغيرات كيفية فى مختلف جوانب الحياة، او بعبارة اخرى تحقيق جودة الحياة . . الرقى الحضارى، وارتقاء مستويات المعيشة . ولما كانت التنمية بهذا المعنى حقا اصيلا من حقوق الانسان، فإن وضع هذا الحق موضع التطبيق رهن بشيوع ثقافة للتنمية . والثقافة التى نعنيها هنا تتمثل فى منظومة القيم والتقاليد والاتجاهات والافكار السائدة بين افراد المجتمع التى تتجلى فى مظاهر سلوكهم، أو أنماط حياتهم . وبعبارة أكثر تحديدا فالثقافة هى مجموعة القيم التى يناط بها توجيه السلوك، وأساليب التفكير والعمل . ويشير مفهوم ثقافة التنمية الى التفاعل المتبادل بين الثقافة والتنمية، وأن العلاقة وثيقة بين الثقافة السائدة فى مجتمع ما، وبين مستوى نموه وتقدمه الاقتصادى والاجتماعى . لذلك فللمتغير الثقافى أثره على التنمية دفعا أو تعويقا، وشتان بين ثقافة تتسم بقيم مثل الالتزام والجدية فى العمل، وقبول النقد والمراجعة، والدافعية للانجاز، والتحلى بقيم الامانة والصدق والاتقان، وثقافة أخرى تعبر عن قيم التخلف ابتداء من قيم الفردية المفرطة والتسلط، وحتى التحلى بصفات سلوكية مثل التواكل والاهمال والنفاق . وقصارى القول إن ثقافة التنمية تتمثل فى تلك القيم والمعارف والمعايير وأساليب الحياة التى تستجيب لمتطلبات التنمية واحتياجاتها، وتعزز حركتها وتطورها . ويمكن أن نشير الى أهم عناصر النسق الثقافى، باعتبارها وسيلة وغاية فى ذات الوقت للتنمية الفعالة . المشاركة المجتمعية واتساع مجالاتها: إن تعزيز حركة التنمية يتطلب مشاركة واسعة للمواطنين بكل فئاتهم فى دوائر العمل العام: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا . وتعزيز المشاركة المجتمعية واتساع مجالاتها ينسجم الى حد بعيد مع الممارسات الديمقراطية، لأنها تؤمن مشاركة شرائح أوسع من المواطنين من خلال القنوات المتعددة للمشاركة، بما يتيح توظيف كل طاقات المجتمع من افراد وجماعات ومؤسسات، باعتباره المدخل الافضل لتحقيق معدلات تنموية متسارعة ومستدامة . ويتسنى ذلك بالعمل على بناء القدرات، ويأتى فى مقدمتها القدرة على بناء فرق العمل، والقدرة على العمل داخل الفريق، وتبنى القيم الخاصة بروح الفريق، وهى أمور تنقص مصر بشكل عام، وذلك كنتاج لعوامل التنشئة الاجتماعية القائمة على قيمة الفردية، وثقافة المباراة الصفرية . الدافعية للانجاز: دافعية الافراد للانجاز تنعكس ايجابا على التنمية، فالمجتمعات التى تحقق مستوى عاليا من النمو والتطور يتمتع افرادها بدرجة عالية من الانجاز، نظرا لأن الافراد الذين يمتلكون دافعا عاليا للانجاز يتصرفون بطرق تعزز التنمية، حيث تتسم سلوكياتهم بخصائص معينة أهمها: النشاط والحيوية والعزيمة، والقدرة على الحركة والابتكار والمبادأة، والتفكير العلمى والموضوعى، والتنفيذ بكفاءة وفاعلية، والمشاركة المجتمعية والتقييم الذاتى . إن المجتمع المصرى لكى يتهيأ للانجاز، فلابد أن يكون المناخ السائد محبذا ومشجعا ومحابيا لذلك . ولعله يكون من الملائم توجيه النظر الى أن النظرية الاسلامية فى الاقتصاد لا تنفصل عن الجانب الاخلاقى سواء من حيث الوسائل والادوات، أو من حيث المقاصد والاهداف . والمبادئ الاخلاقية فى الثقافة الاسلامية تشمل كل جوانب حياة الانسان، وذلك بهدف غرس وتعميق القيم السوية، والسلوكيات النبيلة، التى تليق بكرامة الانسان، وتتفق مع معظم المسئولية الملقاة على عاتقه . هذه المبادئ الخلقية الموروثة هى أسس يمكن أن نبنى عليها ما لا حصر له من القيم الدافعة للعمل والتقدم والتنمية . [email protected]