هذه هى تنبؤات صندوق النقد الدولى لأوضاع دول الربيع العربى وفى مقدمتها مصر فى العام القادم . هذه التنبؤات تستند إلى دراسات اقتصادية معمقة شملت مسحا إحصائيا للعديد من مؤشرات الأداء فى دول ثلاث هى مصر وليبيا وتونس قياسا إلى مجمل أوضاعها الاقتصادية وحجم هذه الاقتصاديات الثلاثة وما راكمته فى السنوات الأخيرة من عوامل إيجابية أو سلبية . أما أسباب هذه التوقعات المتشائمة فتدور حول أربع نقاط رئيسية هى استمرار التوتر السياسى مما يحد من عودة الاستثمار الاجنبى ثم ضبابية السياسات الاقتصادية المطبقة وإن شئت الدقة تخبط وعشوائية هذه السياسات ثم السبب الثالث وهو سبب خارجى لا يد لنا فيه وهو ارتفاع أسعار الغذاء عالميا فى العام القادم، وكذلك بدء موجة صعود جديدة فى أسعار النفط وما يتبعه من آثار، الأمر الذى من شأنه أن يلقى بأعباء إضافية على كاهل هذه الاقتصاديات المنهكة التى تستورد احتياجاتها من النفط والغذاء ماعدا ليبيا بالطبع التى تصدر النفط، ثم السبب الرابع وهو ضعف الطلب على منتجات هذه الدول وبالتالى تراجع صادراتها . هذه هى ملامح الصورة المتشائمة التى يرسمها الصندوق الدولى لاوضاعنا الاقتصادية وهى الملامح التى تحمل قدرا كبيرا من الواقعية ويلمسها المتابعون للشأن الاقتصادى بل وحتى المواطن العادى الذى تطحنه أسعار مرتفعة ودخل غير كافٍ . السؤال الآن ما العمل وكيف يمكن التعايش مع هذه الأوضاع القاتمة لفترة طويلة قادمة لاسيما أن المرحلة الانتقالية التى تلت ثورات الربيع العربى لاتزال ممتدة ومتفاعلة بل إن آثارها الجانبية تزداد سوءا يوما بعد يوم . القضية إذن لم تعد صراعا سياسيا بل إن التطورات السلبية فى الاقتصاد ربما توصلنا إلى مرحلة تصادر عملية التطور الديمقراطى ذاتها، بمعنى أن انتشار الفقر والبطالة وتراجع الدخول أمام غول الأسعار والتضخم قد يؤدى إلى نشوء نظم ديكتاتورية فى بلدان الربيع العربى بدلا من تحقيق هدف الديمقراطية وتداول السلطة والتحرر السياسى والاجتماعى الذى قامت من أجله هذه الثورات لأنه فى ظل اوضاع معيشية قاسية تنشأ بيئة اجتماعية مواتية للمقايضة بين رغيف الخبز والحرية السياسية وهو وضع بائس شهدته من قبل بعض بلدان أوروبا الشرقية التى شهدت ثورات برتقالية وغيرها، ولانه فى ظل اجواء الفوضى وعدم اليقين وغياب الأمل واختطاف المؤسسات الواحدة تلو الاخرى وتدجين هذه المؤسسات لصالح فصيل دون آخر يمكن أن يحدث أى شىء بل يمكن أن تخرج الجماهير لتحطم اللعبة السياسية بكل قواعدها وأطرافها من أجل رغيف الخبز . وتزداد خطورة الاوضاع فى مصر فى ظل برنامج قاسٍ للتقشف التزمت به الحكومة خلال مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولى وهو برنامج سوف يلقى بأعباء كبيرة على كافة أطياف المجتمع بما فيها الطبقات المحدودة الدخل رغم كل أحاديث التضليل التى تسوقها الحكومة للناس حتى تتفهم هذه الاجراءات القاسية التى بدأت قبل أيام برفع أسعار الكهرباء المنزلية ثم توزيع المحروقات بالكوبونات والتراجع الملموس فى سعر صرف الجنيه أمام العملات الاجنبية وما يتبعه من ارتفاع أسعار كل شىء تقريبا . هذا البرنامج التقشفى رغم ضرورته سوف يخلق أوضاعا سيئة على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى ويفاقم من التوقعات السلبية المتشائمة لصندوق النقد الدولى وبالتالى فإن هذه الدائرة الجهنمية التى وقعنا فى أسرها جميعا تتطلب حكمة أكبر فى المعالجة من جانب صانع القرار وتفهما من جانب أطراف اللعبة السياسية لأن البديل عن ذلك هو أن تكفر الجماهير بكل شىء وتطيح فى طريقها بكل شىء لنستيقظ ذات صباح وقد وجدنا أنفسنا فى قبضة نظام ديكتاتورى مستبد قد يكون دينيا وقد يكون عسكريا وهذا هو الخطر البادى فى الآفاق .