طارق عامر: البنوك المركزية واجهت أعباء الأزمات السياسية.. والقارة الإفريقية لديها ميراث حضارى يمكنها من النهوض الاقتصادى استضاف البنك المركزى المصرى الأسبوع الماضى، الاجتماعات السنوية لمجلس محافظى جمعية البنوك المركزية الإفريقية فى دورة انعقادها الحادية والأربعين بمدينة شرم الشيخ تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى. وافتتح الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بالنيابة عن رئيس الجمهورية، أعمال الندوة السنوية لمجلس المحافظين، التى تعد واحدة من أهم الأحداث الاقتصادية والمصرفية على مستوى القارة الإفريقية. وتضم جمعية البنوك المركزية الإفريقية فى عضويتها حاليا 40 بنكا مركزيا تمثل 52 دولة إفريقية، ويتكون الهيكل التنظيمى للجمعية من مجلس المحافظين وهيئة المكتب ولجان فرعية إقليمية مقسمة إلى خمس لجان: شمال – جنوب – وسط – شرق – غرب، وتضم اللجنة الفرعية لشمال إفريقيا إلى جانب البنك المركزى المصرى البنوك المركزية لكل من السودان، ليبيا، موريتانيا، الجزائر، تونس، المغرب. وأكد طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى ونائب رئيس الجمعية المركزية للبنوك الإفريقية، أن البنوك المركزية بالقارة تواجه تحديات عديدة وكبيرة على كل المستويات، وهو ما يستحق منها استمرار النقاش والحوار على مستوى صناع القرار، للوصول لأفضل السبل والحلول لمواجهة هذه الصعوبات. أضاف خلال الكلمة الافتتاحية لفعاليات المؤتمر السنوى للجمعية رقم 41 الذى يقام لأول مرة فى مصر، أن البنوك المركزية تتحمل نتائج وتداعيات أحداث غير مسبوقة تتعلق بالأحداث السياسية وعدم الاستقرار الذى ينعكس على الاستقرار النقدى، هذا بخلاف عجز الموازنات والإنفاق العام المتسارع، الذى يشكل تحديا أمام البنوك المركزية. أرجع عامر عجز الموازنة إلى تعاظم أنماط الاستهلاك والانفتاح على الأسواق الخارجية دون ضوابط وهو ما يدفع التضخم لأرقام قياسية، لافتا إلى أن التضخم ناجم عن الإنفاق ومن هنا يأتى دور السياسة النقدية للحد من التضخم. أوضح عامر أنه لابد من اتخاذ قرار حاسم للحد من تفاقم عجز الموازنة وهو ما اتخذته مصر بالفعل، وقامت بتنفيذ برنامج إصلاح للأحوال المالية والاقتصادية، مؤكدا أنها خطوة لا مفر منها بعد سنوات من التسيب المالى والنقدى، ولذلك فقد حققت مصر تغيرا إيجابيا، وأصبح المؤشرات والأوضاع أفضل بكثير. أشار عامر إلى مناقشة هذه التداعيات فى اجتماعات الجمعية حيث أكدت أنه لابد من اتخاذ سياسات مالية للحد من العجز خاصة أن البنوك المركزية لن تستطيع وحدها إدارة دفة الأمور. نوه إلى أن الفترة الراهنة تتطلب كل الجدية والتعاون للحد من الأخطار وحماية دولنا، وهو ما يتطلب إجراء مراجعات لكثير من الأمور والمفاهيم التى عشنا عليها لسنوات، وأصبحت دولنا مفتوحة للبضائع الأجنبية التى كلفتنا مئات المليارات من الدولارات كانت كفيلة ببناء الاقتصاد. أكد محافظ البنك المركزى المصرى أن التوجه المصرى أصبح منصبا نحو تطوير التعليم لخفض اعتمادنا على الخارج، وما نتطلع إليه يحتاج إلى جهد واستمرارية ولا يوجد طريق مختصر لتحقيق أهدافنا سوى العمل والجهد وقوة التحمل، مشددا على أن القارة الإفريقية لديها ميراث حضارى كبير يمكنها من النهوض وتأمين مستقبل أفضل لشعوب القارة. من جانبه رحب الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، من مدينة السلام شرم الشيخ، بمحافظى البنوك المركزية الإفريقية وممثلى المنظمات الدولية والإقليمية، الذين قَدِمُوا للمشاركة فى الاجتماعات السنوية الحادية والأربعين لمجلس محافظى جمعية البنوك المركزية الإفريقية التى تستضيفها مصر لأول مرة، والتى تعتبر أحد أهم وأبرز الأحداث الاقتصادية على مستوى القارة الإفريقية، بما تمتلكه من قدرة على اتخاذ قرارات فاعلة تنعكس على زيادة حجم التعاون والتكامل الاقتصادى بين دولنا الإفريقية، وتسهم فى تحسن مستوى معيشة شعوبنا. وأكد رئيس مجلس الوزراء، فى الكلمة التى ألقاها نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى افتتاح اجتماعات مجلس محافظى جمعية البنوك المركزية الإفريقية، أن مصر تسعد دائما باستضافة أشقائها من الدول الإفريقية كافة، وتحرص على المساهمة بقوة فى دفع عملية التنمية فى القارة بأكملها، وذلك من منطلق الحرص على تأكيد وترسيخ هوية وانتماء مصر الإفريقى، الذى يعد مكونا رئيسيا من مكونات الهوية المصرية على مر العصور، وعنصرا محوريا فى تشكيل معالم الشخصية المصرية. أوضح مدبولى، أن مصر بدأت برنامجا طموحا للإصلاح الاقتصادى، قطعت فيه شوطا كبيرا، الذى يعد برنامجا واعدا نال إشادة كل المؤسسات الاقتصادية العالمية، خاصة على مستوى الإصلاحات الهيكلية التى تمهد لتحقيق نمو اقتصادى مستقبلى حقيقى ومستدام، مؤكدا الحرص على مشاركة خبرة مصر وتجربتها الناجحة فى الإصلاح الاقتصادى مع جميع الدول الإفريقية الشقيقة. وأضاف رئيس الوزراء أن الاقتصاد المصرى كان يواجه منذ ثلاث سنوات فقط العديد من التحديات، مثل: السوق الموازية للعملات الأجنبية، وتضاؤل الاحتياطى النقدى، والعجز الكبير فى ميزان المدفوعات، ما كان يهدد بتفاقم الأزمة الاقتصادية، والوصول لمرحلة يستحيل معها الإصلاح، أو على أقل تقدير تتضاعف تكلفته عدة مرات، موضحا أن البنك المركزى المصرى والحكومة نفذا برنامجا متكاملا وطموحا للإصلاح الاقتصادى، عبر تنفيذ سياسات مالية ونقدية احترافية، وإجراء إصلاحات هيكلية كان لها أثر كبير فى استعادة ثقة المستثمرين بالسوق المصرية، ودفع عجلة الإنتاج وزيادة معدلات نمو الاقتصاد القومى. مؤشرات النجاح وأوضح أن المؤشرات تؤكد نجاح البرنامج فى تحقيق أهدافه، حيث بلغت قيمة صافى الاحتياطيات الدولية من العملات الأجنبية ما يزيد على 44 مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضى بما يغطى أكثر من 8 أشهر من الواردات، وقفز معدل النمو الاقتصادى الى 5.2% خلال النصف الاول من عام 2017/2018 مقابل 2.9% خلال عام 2013/2014، كما شهد قطاع السياحة والصناعات غير البترولية تعافيا واضحا، بجانب انتعاش القطاع العقارى وتنفيذ مشروعات ضخمة فى مجال البنية الأساسية. من جانبه كشف أسامة عبد الرحمن مدير مساعد إدارة الاقتصاد والمنظمات الدولية بقطاع البحوث بالبنك المركزى المصرى عن خطة جمعية البنوك المركزية الإفريقية الهادفة إلى تنفيذ برنامج تعاون نقدى لتأسيس بنك مركزى إفريقى بحلول عام 2042، وعملة إفريقية موحدة فى عام 2045. وأوضح عبد الرحمن أن هذا البرنامج يأتى بعد تنقيح برنامج قديم تم إقراره فى 2002 بالجزائر. وكان البرنامج فى نسخته القديمة يهدف إلى إنشاء البنك المركزى الإفريقى فى عام 2018 ولكن مع تقييم موقف التنفيذ فى عام 2016، وجد أن الكثير من الدول الأعضاء لم تلتزم بتطبيق معايير لازمة للتنفيذ. قال فيكتور هاريسون، مفوض الشئون الاقتصادية بالاتحاد الإفريقى، إن التنمية التى تتطلع إليها القارة الإفريقية بحاجة للتمويل، مشيرا إلى أن حجم التمويل الذى يحتاجه قطاع البنية التحتية فى إفريقيا يقدر بنحو 130 مليار دولار سنويا. أوضح هاريسون أن نمو الاقتصاديات الإفريقية فى عام 2017 بلغ نحو 3.6%، فى ما يتوقع الاتحاد وصول النمو الاقتصادى لدول القارة إلى 4.1% فى 2018 و2019 التى تعتبر معدلات ضعيفة يجب العمل على تعزيزها خلال الفترة المقبلة. أشار إلى أن التدفقات المالية غير المشروعة تعوق التنمية وتزيد من معدلات الفقر داخل إفريقيا. ذكر أنه تم تشكيل مجموعة عمل لتكثيف الجهود على مستوى القارة، وإنشاء صندوق لمكافحة الأموال غير المشروعة والتهرب الضريبى لإفريقيا بشفافية متزايدة وتبادل المعلومات عبر إفريقيا بمشاركة 21 دولة. أوضح أنه تم الاتفاق على تأسيس معهد نقدى إفريقى خلال الفترة المقبلة، وذلك قبل تأسيس البنك المركزى الإفريقى. قالت فيرا سونج وى، السكرتيرة التنفيذية لمفوضية الأممالمتحدة الاقتصادية للشئون الإفريقية، إن حجم خسائر القارة الإفريقية من التدفقات النقدية غير الشرعية تقدر بنحو 1.4 تريليون دولار خلال الفترة من عام 2009 حتى اليوم، أى خلال 9 سنوات. وأضافت أن حجم الخسائر من التهرب الضريبى فى القارة الإفريقية يقدر بنحو 73 مليار دولار خلال الفترة من 2005 حتى 2015 أى نحو 10 سنوات. من جانبه حذر باتريك نجورج محافظ البنك المركزى الكينى من خطورة العملات الافتراضية وعلى رأسها “بتكوين”، واصفا إياها بالقنبلة الذرية. وقال “نجورج” إن نمو الخدمات المالية غير الرسمية تؤثر على الاستقرار المالى وهذه المعاملات تمثل أنظمة وشبكات “سفلية”، يجب العمل على حلها.