إن القرآن الكريم كتاب اللهعز وجل هو بحر العلوم و الحكم الربانية فى كل حرف منه سر محكم و عطاء مغدق و باب لا يغلق لصلاح أحوالنا الدنيوية و الدينية و الأخروية. و مفتاح هذا العطاء هو الفهم الربانى القائم على الإدراك العقلى الراقى لمعانية و سر الله فيه. و هذا الإدراك العقلى الراقى لا يكتمل رقيه و لا يظهر بدون الإستناد إلى القرآن نفسه فى فهم معانيه لأن القرآن نفسه هو مصدر إلهام و غذاء للعقل يساعده على بلوغ أعلى درجات التفكر و التدبر و القوة العقلية العظيمة النافعة للإنسان و لمن حوله. و في هذاالصدد يتحدث الباحث إبراهيم أبو العزم عن تأملات جديدة في معانى (طسم ) التى وردت فى سورتى الشعراء و القصص من خلال الرؤيا الإدراكية و العقلية و الفهمية لمعنى ( طسم( حيث وردت فى سورتين بنفس الشكل و بنفس ما يتبعها من كلمات فى الآية التى تليها:- • طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) سورة الشعراء • طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) سورة القصص جاءت الاشارة بعدها ( تلك آيات الكتاب المبين ) فى كلتا السورتين و هذا هو مجموع ورودها فى كتاب الله. و بناءا على قاعدة إسم الإشارة ( تلك ) الذى ورد فى سورة البقرة:- ((فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (196) فهذه الآية الكريمة هنا توضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أن اسم الاشارة (( تلك )) يعود على ما قبله و يربط المعانى ببعضها البعض ليكتمل نص و بنيان الآية الكريمة.
و بالتالى يصبح الإجابة على سؤال ما هى آيات الكتاب المبين ؟ هى نفس الإجابة على.. ما معنى طسم ؟ لأنه بحكم اسم الإشارة آيات الكتاب المبين هى التعريف القرآنى الواضح بنص القرآن و بوضح لغته العربية و وضوح ألفاظها الكريمة لمعنى طسم. • و نبدأ أولا بسورة الشعراء:- و اذا تتبعنا معنى ايات الكتاب المبين فهى ذكرت بالتفصيل فى السورة الكريمة و نجدها بالترتيب التالى:-
الاولى :- آية الانبات: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) الثانية :- اية قصة سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام مع فرعون و تبدأ من الآيات :- وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)...............و تستمر إلى.................................. وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67)
الثالثة : - خاصة بقصة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام و تبدأ الايات من:--- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) و تستمر الى..... وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) الرابعة :- اية قصة سيدنا نوح عليه الصلاة و السلام فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) الخامسة :- آية قصة سيدنا هود عليه الصلاة و السلام مع قومه بدأت كالتالى :-- كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) ........,,الى ان تنتهى ,,...... فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) السادسة :- آية قصة سيدنا صالح عليه الصلاة و السلام مع قومه بدأت ب :-- كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) ..الى ان تنتهى ب.......... فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)
السابعة :- آية قصة سيدنا لوط عليه الصلاة و السلام مع قومه و تبدأ من ... كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) ......الى ان تنتهى ب............. (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)
الثامنة :- آية قصة سيدنا شعيب مع قومه و تبدأ من.... كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) ..........الى ان تنهى بى ................ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)
التاسعة :- آية نزول اسرار هذه الايات على قلب الحبيب المصطفى صل الله عليه و سلم و التى تبدأ ب ......... وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)..................و تنتهى ب ....... أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) و نلاحظ ان فى كل الآيات المذكورة كلها يصاحبها الطمس و التدمير فى نهايتها لأصحابها ما عدا الآية الاولى الأولى :- آية الانبات: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) و ان كانت تحمل فى طياتها التغير و الانطماس ايضا لان الفعل ( انبتنا ) فعل ماضى و الفعل الماضى يضعنا امام الاحتمالات التالية:- - اما انه ماضى و انتهى - او ماضى لا زال مستمرا الى عهدنا بذاته - او ماضى له فروع تفرعت عن أصله
و الواقع خير موضح لما ذكرنا و مؤيد كما أننا نلاحظ أن كل آية مختومة بنفس الختم اللغوى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) ما عدا الآية الأخيرة المتصلة بسيدنا رسول الله و التى رقمناها برقم تسعة اعلاه ورد فيها الختم اللغوى :- ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) ) و لعل اختلاف الشكل العام رغم التأكيد على معنى أن ما سبق هو :- آية .. هو لأن هذه الآية متصلة بسيدنا بسيدنا رسول الله صل الله عليه و سلم و بالتالى الخصوصية المحمدية لها وضعها و كمالها و حضورها المختلف. • و بعد ان طفنا بقاعدة الاشارة و الايات المتفرعة عنها و التى كلها تجعل طمس الظالمين و تدميرهم فى النهاية هو قمة هذه الايات و إحكام أمرها و حقيقة لما وجدت هذا المعنى القرآنى يتضح أمامى بما لا يدع مجالا للشك أو اللبس قررت البحث فى المعاجم اللغوية فوجدت التالى:- كل ما سبق يؤيد معنى ورد فى القواميس اللغوية:- • طسم: طسم - يطسم ، طسوما - طسم الشيء : انطمس ، امحى المعجم : الرائد و حقيقة وجدت أن الكلمة اللغوية الواردة فى المعجم رغم أنها نفس الحروف و المعنى المشار إليه فى القرآن بالقرآن نفسه.
إلا أنه تبقى إشكالية النطق فالكلمة ( طسم ) فى القرآن تقرأ مقطعة و فى المعجم متصلة. فوفقنى ربى إلى واقع موجود فى اللغة و هى اللغة العربية عند الأطفال فهى لغة عربية تقبل منهم و يتعامل بها معهم فى التواصل على انها لغة عربية و هى نفس لغتنا إلا أن الطفل يختلف عنا فى أنه ينطق نفس الكلمة التى نتكلمها إلا أنه ينطقها مقطعة. • و لعل الحكمة فى ان ربنا سبحانه و تعالى امر بنطق (( طسم )) مقطعة او اشارة الى قوة الفطرة الربانية المودعة فيها • فتلتقى فطرتها الربانية مع فطرة النفس البشرية فى أعظم براءة صورها المشتركة بين كل الناس و هى الطفولة و المتمثلة فى طريقة النطق
ثانيا :- سورة القصص:- إن الترتيب لنزول السورتين مع ما ذكرنا من اتفاق الاشارة ( تلك آيات الكتاب المبين ) حيث تكررت فى السورتين يؤكد لنا أن المراد هنا من معنى :- طسم ...هو أنها ( آيات الكتاب المبين) الإختلاف بين سورة الشعراء و سورة القصص فى عرض معانى ( طسم ) هو أن:- 1- سورة الشعراء ذكرت الآيات مجملة فى صورتها الكلية كما بيناهم أعلاه 9 آيات 2- سورة القصص بدأت بالتالى:- طسم ﴿1﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿2﴾ نفس البداية بالضبط فى سورة الشعراء لا خلاف فيها و لا اختلاف و ذلك لا يكون إلا لثبات المعنى الذى اشرنا إليه سابقا و هو أن طسم هى آيات الكتاب المبين يبقى التساؤل و هو ان اتفقت الاشارة القرآنية للمعنى فلماذا اختلف السياق لما بعد المعنى نقول و بالله التوفيق هنا اختلاف السياق هو اختلاف توضيح جانب آخر من المعنى لأنه يأتى فى اطار المعنى العام فلقد ذكرت فى سورة الشعراء قصة سيدنا موسى مع فرعون كأحد الآيات الكبرى المشار لها من خلال ما اوضحناه سابقا:- الثانية :- اية قصة سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام مع فرعون و تبدأ من الآيات :- وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)...............و تستمر إلى.................................. وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) (( سورة الشعراء))
و بالرجوع إلى سورة القصص هنا نجد أن سورة القصص تحدثت عن آية واحدة و هى الآية الثانية من آيات الكتاب المبين المذكورة فى سورة الشعراء و التى اوضحناها سابقا من خلال قول الحق سبحانه و تعالى فى سورة القصص:-
هنا نجد تتابع السياق و نجد الفعل ( نتلو ) متناسب تمام التناسب الواضح مع ما قبله من ذكر آيات الكتاب فالتلاوة كما هو معلوم خاصة بالكتاب و بذكر ما فيه من آيات بينات
و يوضح الحق سبحانه وتعالى بقوله :- (مِنْ نَبَإ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ )
فلفظ ( من ) كما هو معلوم من معانيه و استخداماته اللغوية التالى:- من معانيه أيضاً التبعيض؛ أي بمعنى بعض، مثل: نجح من الطلابِ واحدٌ، وتفيدُ أيضاً بيان الجنس لما قبلها، وفلقد اثبتنا بنص واضح سابقا فى سورة الشعراء ان قصة سيدنا موسى مع فرعون من آيات الكتاب المبين لذا يوضح لنا هذا النص القرآنى هنا بتمام وضوح لفظه و بيانه الذى لا يقبل اللبث او الشك ان الآيات التى ستذكر هنا بعض من الآيات الربانية المنطوية فى قصة سيدنا موسى مع فرعون و من كما ذكرنا تفيد التبعيض اى ليست كل الآيات
و هذا يعكس المعنى أن داخل كل آية من الآيات الكبرى آيات فرعية ممهدة لها و تتلاحم فيما بينها لظهور الآية الكبرى و هذه الآيات الكبرى اشير اليها كما بينا بنص قرآنى صريح فى سورة الشعراء و نجد فى سورة القصص ما يؤكد هذا بقول الحق سبحانه و تعالى:-
هنا نجد الحق سبحانه و تعالى اشار الى الآيات بانها بينات و ذلك يتناسب مع ان الآيات من كتاب مبين و نحن هنا ركزنا على ما هو واضح بأمر الله لقهر الكفرة المعتدون
و السورة مليئة بالآيات القاهرة و التى جعل الله فيها ختم لغوى يوضح حالها الذى يتسق مع وضوحها عند المؤمنين و غموض امرها عن الكافرين فنجد الحق سبحانه و تعالى وراء كل آية منها يختمها .
وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) أنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) هذا الختم هو ختم لآيات مبينة من الله للمؤمنين كيف يعد الله لسريان أمره و حكمه و كيف ان كلمات ( لا يشعرون – لا يعلمون ) كلها تعبيرات عن جهل الكافرين و طمس بصيرتهم و هذا الطمس هو عين المعنى الذى ذكرناه آنفا من معانى ( طسم ) فى سورة الشعراء و لدقة الفهم فى الايات الفرعية و كثرة تفاصيلها نكتفى بما ذكرنا لتوضيح ما افهمنا الله من درر معانى كلماته العظيمة و قرآنه الكريم و نسأل الله القبول و التوفيق و السداد و ان يهيأ لنا من الفهوم الراقية و المدارك المستنيرة بنور الله ما يساعدنا على نشر رسالة الفهم فى كتاب الله و على استمرار نهر العطاء منه وحده لا شريك له .