انتقل كريستيانو رونالدو أشهر لاعبى العالم إلى نادى يوفنتوس الإيطالى فارتفعت أسهم النادى فى بورصة ميلانو بنسبة 5.7% فى يوم واحد، لكن عمال شركة فيات لصناعة السيارات الذين تسهم شركتهم فى تمويل صفقة الانتقال عبروا عن احتجاجهم على هذا الإنفاق السخى على نادى الكرة الشهير، ونظموا احتجاجا استمر 3 أيام طالبوا فيه بالكف عن إجراءات التقشف التى تعتمدها الشركة للخروج من متاعبها وتحويل أموال رونالدو لصندوق تحسين أحوال العمال الذين يعانون من تراجع المميزات، ويعانون كذلك من آثار إجراءات التقشف التى اتخذتها الحكومات الإيطالية فى السنوات الأخيرة وأدت إلى انخفاض مستويات المعيشة لغالبية الإيطاليين. إدارة مجموعة انيللى المالكة للشركة والنادى أكدت فى بيان أن الصفقة مربحة من الناحية الاقتصادية، وهذا صحيح، فقد دفع النادى الإيطالى 100 مليون يورو إلى نادى ريال مدريد لشراء اللاعب وانتقاله إلى يوفنتوس حيث سيحصل رونالدو على 30 مليون يورو سنويا لمدة أربعة أعوام «مضمونين»، أما العوائد فسوف تتجاوز ذلك بكثير خاصة عند تحقيق هدف الحصول على بطولة دورى أندية أوروبا بما يعنيه ذلك من زيادات ضخمة فى قيمة النادى السوقية وزيادة حصيلة الإعلانات والأنشطة التجارية الأخرى. لكن الصحيح أيضا أن الصفقة استفزت عمال فيات «220 ألف عامل» الذين يعانون من تراجع أداء الشركة فضلا عن مناخ التقشف العام الذى تعيش فيه إيطاليا وأدى إلى حرمان الإيطاليين من مزايا اجتماعية عديدة أصبحت حقا مكتسبا للناس بمرور الزمن. مناخ التقشف هذا كان سببا رئيسيا فى صعود اليمين الفاشى إلى سدة الحكم فى روما لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن زاد إحباط الإيطاليين جراء تفشى ظاهرة الهجرة إلى بلادهم والعيش فى ظل موازنات تقشف منذ عام 2009. الشكوى من التقشف وتقلص المزايا الاجتماعية ظاهرة عامة فى أنحاء أوروبا رغم زيادة إنفاق القارة العجوز على الرفاه الاجتماعى من 5% من الناتج الأوروبى الإجمالى فى بداية الستينيات إلى ما يزيد على 20% الآن، لكن المستحقين تضاعفت أعدادهم بفعل الزيادة الطبيعية وتسهيل الهجرة، كما أن تكلفة الخدمات الاجتماعية قفزت عدة أضعاف ما حدا بالحكومات إلى تقليص الإنفاق على هذه المزايا خاصة بعد الأزمة المالية العالمية فى 2008 وأثرها المباشر فى موازنات أوروبا. ومن هنا بدأ صعود اليمين المتطرف إلى أن وصل قبل شهرين إلى إيطاليا رابع أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى. فيات كذلك لها متاعبها فهى لم تعد قاطرة الاقتصاد الإيطالى كما كانت منذ نشأتها عام 1899. ومع حلول الألفية الجديدة خرجت من قائمة العشرة الكبار فى صناعة السيارات والآن هى تجاهد للحفاظ على ما تبقى من حصتها فى أسواق أوروبا والشرق الأوسط ومناطق أخرى عبر شراكة مع شركة كرايسلر الأمريكية. وتدور مبيعات فيات حاليا حول 58 مليار دولار سنويا فيما تقلصت أرباحها إلى مليارى دولار، وهو رقم زهيد للغاية فى عالم صناعة السيارات. فى زمن سابق لم تكن انتقالات اللاعبين بين الأندية تلقى كل هذا الاهتمام، غير أن التطورات المتسارعة التى تشهدها صناعة كرة القدم وتحول الفيفا إلى دولة لها قواعدها وقوانينها التى تتقدم على قوانين الدول قفز بعوائد هذا النشاط الرياضى إلى ما نراه الآن، كما قفز بأجور اللاعبين والمدربين إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما أثار حفيظة الناس فى أوروبا الذين يقاسون ويلات الإصلاح المالى ومن ضمنها ضعف الأجور وتقليص الإنفاق على الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعى. الأسبوع الماضى نشرت صحفة «يو اس توداى» الأمريكية أن ثروة جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون دوت كوم قفزت إلى 150 مليار دولار وهو ما يعادل الدخل السنوى لنحو 2.3 مليون أمريكى، وهذه فوارق ضخمة تصنع معادلات جديدة حيث تشهد الهوة فى الدخول بين أصحاب الثروات والابتكارات وغيرهم من التنفيذيين فى الخدمات المالية والمعلوماتية وبين ملايين الناس من أصحاب الوظائف العادية تشهد اتساعا غير مسبوق ولا يمكن تجاهله، تماما كما حدث من عمال فيات تجاه صفقة رونالدو. لكن التفاوت المذهل فى الدخول حول العالم يحتاج إلى نقاش مطول، ربما فى حديث آخر.