60% من الاستثمارات العالمية تتوجه للسوق الأمريكية وأوروبا تتبنى سياسات مالية مضادة بدأ صعود الدولار والتوقعات بارتفاع معدل نمو الاقتصاد الامريكى يجذب انتباه المستثمرين فى أنحاء العالم مع توقعات باستقطاب الولاياتالمتحدة لنحو 60% من الاستثمارات العالمية والفضل يرجع لسياسة مجلس الاحتياطى الفيدرالى فى رفع سعر الفائدة ضمن مخطط ترامب «أمريكا أولا»، فما تأثير سياسات المركزى الامريكى على الاقتصاد العالمى؟ منذ بداية العام، ارتفعت العملة الامريكية بنسبة 3.3%.وتعد قوة الدولار -مع رفع الفائدة- مشكلة للاقتصاد العالمى فى ظل زيادة أعباء سداد الديون الدولارية سواء للحكومات أو الشركات. وكان انخفاض سعر الفائدة على الدولار سببا رئيسيا فى الماضى لاقبال المستثمرين على سندات الاسواق الناشئة بسبب عوائدها المرتفعة وعلى الاسهم، لكن مع قيام المركزى الامريكى برفع الفائدة مرتين منذ بداية العام إلى 2%، والحديث عن زيادتين أخريين، تبدأ مرحلة جديدة من تراجع شهية المخاطرة واتجاه الاموال إلى اكبر اقتصاد فى العالم. وبحسب توقعات نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال سوف تستقطب الولاياتالمتحدة 60% من الاستثمارات العالمية. فالاعتقاد السائد لدى المستثمرين الدوليين حاليا ان قوة الدولار ليست أمرا مؤقتا. ويقول سماسرة ان صعود الدولار سوف يسحق الاسواق الناشئة، سواء كان ذلك زيادة اعباء ديونها أو خروج استثمارات ضخمة من بورصاتها. والواقع انه على الرغم من كون مجلس الاحتياطى الفيدرالى هيئة مستقلة، فإن ترامب هو من قام بتعيين رئيسه. وفى حين ان سياسات المركزى الامريكى كانت دائما بمعزل عن الخطط السياسية فإن عصر ترامب يختلف، ويشير مراقبون دائما إلى سيطرة اجندة الرئيس الامريكى، بدليل ان الاوضاع الاقتصادية فى البلاد لا تستحق رفع سعر الفائدة إلى 3% كما هو متوقع. حتى الآن يبدو أن باول أكثر جرأة ووضوحا من رؤساء بنوك مركزية كثيرين، حيث اجرى تغييرات كبيرة تتعلق باجتماعات المجلس بما سيفرض على الاسواق اعادة النظر فى كيفية التعامل مع تصريحات الرئيس. ويشير محللون إلى استمرار نهج رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى، نحو مزيد من التشديد فى السياسة النقدية. ويتوقع صناع السياسة فى البنك المركزى الأمريكى استمرار الزيادات على مدى السنتين المقبلتين، وهو توقع يزيد كثيرا على تقديرهم لسعر الفائدة المتوازن على الأمد الطويل. لكن التشديد النقدى على المدى القصير للغاية ربما يكون منطقيا، بعد ان أقرت إدارة ترامب صفقة تحفيزية ضخمة من المالية العامة. فى الوقت نفسه، لم تكشف أرقام النشاط الاقتصادى للربع الاول حتى الآن كثيرا من مؤشرات الاستجابة لتخفيضات ترامب الضريبية – باستثناء تسارع استثمار الشركات فى المبانى ورأس المال غير الملموس– مع ذلك تشير بعض المؤشرات إلى نمو قوى للغاية فى الربع الحالى. كان مجلس الاحتياطى الفيدرالى رفع سعر الفائدة الرئيسى مؤخرا بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 2% فى إجراء يزيد تكاليف قروض الشركات والأفراد وبطاقات الائتمان، لكن ما سيقوم به فى الخطوة التالية يعتمد بشكل كبير على الاقتصاد وترامب. وتشير النظرية الاقتصادية التقليدية إلى وجوب رفع الفائدة عدة مرات خلال العام الجارى والمقبل ليعود سعر الفائدة الاساسى مرة أخرى إلى ما يزيد على 3% وهو المستوى الملائم لاقتصاد صحى بجميع المقاييس، فالتوظيف زاد وانخفضت البطالة إلى ادنى مستوى منذ عام 2000 مع انتعاش النمو، بل ان معدل التضخم ارتفع إلى المستوى المستهدف عند 2% بحسب بيانات اسعار المستهلكين الاخيرة. غير أن إشعال ترامب لحرب تجارية عالمية يدفع قادة العالم والشركات لدراسة كيفية الرد على أجندته التجارية. حسب اعتقاد مسئولى الفيدرالى، إذا كانت الحرب التجارية ستؤدى إلى تباطؤ النمو، فمن المتوقع تثبيت أسعار الفائدة. ومؤخرا انضم بعض من مسئولى مجلس الاحتياطى الفيدرالى إلى الكورس العالمى لقادة العالم والشركات فى تحذيراتهم لترامب من تصعيد التوترات التجارية. مخاطر محتملة وعبر صانعو السياسة بالمجلس الفيدرالى عن القلق بشأن المخاطر الاقتصادية المترتبة على إجراءات تجارية انتقامية واسعة لكنهم قالوا انهم لن يغيروا سياساتهم أو توقعاتهم حتى تتحقق تلك المخاطر. فى نهاية الامر، اشتعال الحرب التجارية معناه معدل نمو اقل وتضخم اعلى وحياة اقل جودة فى انحاء العالم. فى مقابل خطط ترامب ل»امريكا اولا» تتجه بنوك مركزية كبرى لانتهاج سياسة مضادة. وكشف الاجتماع الاخير لرؤساء البنوك المركزية الاوروبية عن تباين واضح فى السياسات النقدية للقارة العجوز عن الولاياتالمتحدة، ففى الوقت الذى يخطط فيه مجلس الاحتياطى الفيدرالى لرفع سعر الفائدة الرئيسى إلى 3%، تعتزم نظيراته الاوروبية إلى الرفع التدريجى لأسعار الفائدة وبوتيرة أبطأ. من جانبه حذر ماريو دراجى رئيس البنك المركزى الاوروبى من ان التوترات التجارية وارتفاع أسعار النفط وتقلبات اسواق الاسهم جميعها عوامل تؤثر فى نمو منطقة اليورو، فى اشارة إلى صعوبة رفع الفائدة مثل الولاياتالمتحدة. ومن غير المتوقع ان ينهى البنك المركزى الاوروبى قريبا برنامج شراء الاصول. ويرى محللون انه فى ظل تدهور العلاقات التجارية بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبى قد يضطر المركزى الاوروبى إلى خفض الفائدة وليس رفعها. ومع اتجاه الاحتياطى الفيدرالى إلى تقييد السيولة العالمية يستعد المركزى الاوروبى لأزمة مصرفية بسبب تفاقم الديون السيادية لبعض من اكبر الاقتصادات فى الاتحاد الاوروبى مثل ايطاليا واسبانيا. يرى مسئولون فى التحديات العالمية تهديدا للنمو الاقتصادى الاوروبى واختبارا جديدا للتكتل. فيقول وزير المالية الفرنسى ان تلك التهديدات ستكون فرصة، اما إلى تقوية منطقة اليورو أو التخلى تماما عن المشروع الاوروبى. فالحرب التجارية العالمية ستفرض على ألمانيا اعتناق مشروع الاصلاح الاوروبي. ومن حيث المبدأ، وافقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على المشروع لكن دون ان يتضمن مشاركة ديون الدول الاعضاء فى التكتل. فرؤية المانيا لمنطقة اليورو ان تكون «ألمانية اكثر» بعيدا عن الولاياتالمتحدة فى ظل تهديدات عولمة النظام العالمى الحالى. لكن فى النهاية يجب على البنك المركزى الاوروبى قبول فكرة ان مصيره بات على المدى القريب فى يد الرئيس الامريكى دونالد ترامب ورئيس الاحتياطى الفيدرالى جيروم باول.
بنوك مركزية تغرد خارج السرب الأمريكى: بدأت البنوك المركزية فى أنحاء العالم التحول تدريجيا عن السياسة النقدية الرخوة التى انتهجتها فى أعقاب الأزمة المالية العالمية من اجل تحفيز النشاط الاقتصادى بتوفير التمويل الرخيص. وباعتبار مجلس الاحتياطى الفيدرالى بوصلة البنوك المركزية، فقد رفع العديد منها أسعار الفائدة فى الآونة الأخيرة، مثل السعودية والبحرين والهند والتشيك. لكن هذا لا يعنى انتهاء عصر الأموال الرخيصة مع اتجاه بنوك مركزية رئيسية لتفضيل التمهل فى رفع الفائدة مثل البنك المركزى الاوروبى واليابانى والصينى. فالبنك المركزى الاوروبى يترقب تعافى اقتصاد منطقة اليورو من التباطؤ الأخير. وقال مسئولو البنك إن أسعار الفائدة ستظل عند مستوياتها المتدنية حتى صيف 2019. وتعهد رئيسه ماريو دراجى، الذى سيترك منصبه فى اكتوبر 2019، ب»الصبر»، وان كان اعلن انهاء برنامج مشتريات الاصول بنهاية العام الجارى. ويعد الصراع التجارى الحالى مع الولاياتالمتحدة أبرز التحديات التى ستحدد توقيت رفع سعر الفائدة بالاضافة إلى معدل التضخم الذى لا يزال أقل من المستوى المستهدف. أما البنك المركزى اليابانى فقد قام مؤخرا بتثبيت سعر الفائدة حيث لا يزال معدل التضخم عند 1% وهو ما يساوى نصف المستوى المستهدف. هذا فى حين يواجه البنك المركزى الصينى مأزق تباطؤ النمو وزيادة التوترات التجارية بالاضافة إلى تفاقم ديون الشركات. وعلى الرغم من انه رفع تكلفة الاقتراض الشهر الماضى فإنه فى الوقت نفسه قد زاد التمويل للشركات الصغيرة لتحفيز النمو الاقتصادى.