اليوم الأحد، الأول من يوليو هو يوم الحسم فى ملف اللجوء والهجرة مع تولى النمسا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبى، ومناقشة لجان الحزب الديمقراطى المسيحى، برئاسة ميركل، نتائج قمة الاتحاد الأوروبى التى عقدت على مدار يومى 28 و29 يونيو، والنهج التالى فى سياسة اللجوء. ويحذر محللون من تأثير الدومينو فى حالة الفشل فى حل تلك الأزمة وما قد يثيره من فوضى سياسية عارمة تبدأ من ألمانيا. أكدت ميركل أن نتائج القمة الأوروبية ستكون مكشوفة، لكن فى حال فشلها فى إقناع الدول الأعضاء بمقترحاتها، من المتوقع أن يرى هورست زيهوفر الأمور بطريقة مختلفة تماما وأن يأمر بتنفيذ خطته، وهذا ما قد يفسر تصريحاته السابقة، حينئذ تظهر فوضى كبيرة داخل الحكومة، وقد تبدأ بإقالة زيهوفر، ومسألة كسب الثقة لميركل، مرورا بالانتخابات الجديدة واستقالة المستشارة. سيكون كل شىء ممكنا وستعمل كل هذه العوامل على تسريع انشقاق الائتلاف الكبير.
يذكر أن الفشل فى التوافق السياسى حول ملف اللجوء والهجرة كان من أكبر التغييرات فى الغرب مع التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وفوز ترامب برئاسة الولاياتالمتحدة وأخيرا وصول الشعبويين للحكم فى إيطاليا، تلك التغييرات دفعت بالمناخ السياسى الدولى باتجاه معاكس للأسواق الحرة والمجتمعات المفتوحة. والأخطر استمرار اتجاه الناخبين فى أنحاء الدول الغربية لمنح أصواتهم لمرشحين يلقون باللوم على الأجانب فى جميع المشكلات.
وشهدت الأيام الماضية اجتماعات طارئة ومكثفة لحل الخلاف الخاص باللاجئين فى باريس وفيينا وروما وبروكسل، أما فى ألمانيا فكانت المفاوضات أكثر احتداما فى اللجان المعنية فى الحزب المسيحى البافارى والحزب المسيحى الاجتماعى اللذين يشكلان التحالف المسيحى الديمقراطى بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل. فمن جانبه، حذر وزير الداخلية هورست زيهوفر، ميركل من إقالته من منصبه، معتبرا أن ما يجرى أشبه ب»ميكى ماوس» يتم تضخيمه ليكون وحشا. واليوم تنتهى مهلة حل مشكلة الهجرة، وربما سيبدأ فى منع بعض طالبى اللجوء الذين يصلون إلى حدود ألمانيا. وحذرت ميركل من أن القرارات أحادية الجانب على الحدود ستخلق مشاكل مع جيران ألمانيا وتقوض تضامن الاتحاد الأوروبى. وبدلا من ذلك، فإنها تدفع باتجاه الإصلاح الأوروبى المشترك لنظام الهجرة واللجوء. وما بين تقديم التنازلات السياسية أو المالية تظل المعادلة الصعبة بين السياسات والقيم، بين غلق الحدود حماية للأوطان من تدفق البشر وبين القوانين والإنسانية. تعد إيطاليا البلد الأكثر تضررا من تدفقات الهجرة، أما النمسا فهى شريك مهم، مع توليها رئاسة الاتحاد الأوروبى فى الأول من يوليو، وتظل ألمانيا محورا رئيسيا فى إيجاد حل لتلك الأزمة المتفاقمة مع تصاعد الخلاف بين الحزبين الحاكمين فى برلين. فعلى عكس خطة وزير الداخلية زيهوفر بشأن إغلاق الحدود أمام اللاجئين، تبحث ميركل عن حل أوروبى. فخلال زيارتها إلى الأردن ولبنان فى ال21 و 22 من يونيو، قامت ميركل بحملة تهدف إلى استقبال اللاجئين فى البلدان المجاورة بدلا من اللجوء إلى أوروبا. الطريق أمام ميركل لا يزال طويلا من أجل إنقاذ سياستها الخاصة باستقبال اللاجئين، والثمن الذى ستدفعه مقابل هذا، سوف يظهر تدريجيا. لكن مهما كانت نتيجة الخلاف حول اللجوء والهجرة فى برلين والاتحاد الأوروبى، فهو من وجهة نظر اللاجئين، سياسة معادية للمهاجرين. إذ يبدو أن أوروبا تريد اتخاذ خطوة كبيرة نحو مزيد من العزلة عدم تمكن اللاجئين القادمين من إفريقيا من الوصول إلى القارة الأوروبية.
هل تحل الأموال أزمة اللجوء؟ يدعم سياسيون مقترح إنشاء مراكز لجوء فى شمال إفريقيا، كما يطالبون بتأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبى بشكل أكبر من ما هو عليه. واقترح رئيس مجلس الاتحاد الأوروبى، دونالد توسك نقل اللاجئين الذين تم إنقاذهم داخل نقاط تجمع مركزية، حيث يتم هناك اتخاذ قرار بشأن حاجتهم للحماية على أن يتم إعداد نقاط التجمع هذه خارج الاتحاد الأوروبى. وقد طالب الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى البداية بمليارات الدولارات، فى حين لم تطالب ميركل بأى مبلغ، وتركت المجال مفتوحا حول تحديد كيفية دمج هذه الميزانية فى ميزانية الاتحاد الأوروبى. وهناك حديث حول نسبة ثابتة من الناتج المحلى الإجمالى، تصل إلى 0.5%، أى ما يعادل نحو 15 مليار يورو لألمانيا. كما يدعم سياسيون مقترح دفع المزيد من المال للدول الأعضاء كى تقوى جهودها، فتريد مفوضية الاتحاد الأوروبى تعيين10 آلاف حارس حدودى لإثارة الانطباع بأن أوروبا محصنة جيدا. ولكن حتى الآن يوجد عدد قليل من الدول المتطوعة لتوفير الموظفين والمال، ويتعلق الأمر فى الحقيقة بإغلاق الطريق البحرى عبر البحر المتوسط. كما طلبت إيطاليا سفن دوريات إضافية لدول أخرى فى الاتحاد الأوروبى وتعنى بذلك بوجه خاص فرنسا المطلة على البحر المتوسط. والرئيس ماكرون يدعم مبدئيا الحكومة فى روما فى عدم الرغبة فى انتشال اللاجئين من المياه أمام الشواطئ الليبية، فقوى خفر السواحل هناك هى التى يجب أن تتولى المسئولية عن ذلك وتتلقى فى المقابل مزيدا من التجهيزات والأموال، ولم يعد أحد يتحدث عن قانون البحر والقانون الدولى. هناك مخططات إضافية حول معسكرات خارجية مثلا فى ألبانيا أو فى أى مكان آخر فى شمال إفريقيا يتم طرحها فى سرية فى إطار اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف بين دول محددة. لكن هناك إرادة التخلص بهذه الطريقة من طالبى اللجوء المرفوضين الذين لا تنجح عملية إعادتهم إلى بلادهم. وماكرون ينصاع لأنه لا يريد منح اليمينيين المتطرفين عنده مجالا للهجوم عليه، وينضم إلى ذلك النمسا الشعبوية اليمينية و»رابطة الجنوب» الجديدة، يعنى الحزب المسيحى الاجتماعى فى ألمانيا. والخوف من هذا المحور للشعبويين كبير إلى حد أن غالبية دول الاتحاد الأوروبى مستعدة لإلقاء حقوق المهاجرين واللاجئين فى عرض البحر، والمستشارة ميركل ليس بوسعها هنا سوى أن تسبح ضد التيار وحدها.