يمضى نظام الحكم فى مصر على طريق وعر ويبدو أنه من قدر شعبها أن تخرج من مطب لتقع فى آخر، ولا تكاد تعبر أزمة حتى تنفتح لها أخرى أشد. . هكذا هو الحال على مدى الأشهر الخمسة الماضية منذ تولى الرئيس محمد مرسى مقاليد الحكم فى أول يوليو. . ترى هل هى أخطاء من الرئيس وطاقم مستشاريه؟ أم أنه موروث نظام الحكم الساقط البائد للرئيس المخلوع "حسنى مبارك"وبطانة الفساد السميكة التى خلفها وتربت وترعرعت فى عهده بحيث استشرت فى كل أنحاء الجسد الإدارى والاجتماعى المصرى حتى النخاع وطالت مختلف الأجهزة، هل كانت هى السبب وراء كل هذه المصائب؟ليس من شك أن الرئيس مرسى كان يدرك منذ اليوم الأول وحتى حين دخل حلبة المنافسة على مقعد الرئاسة "الأثير" أن المهمة لن تكون سهلة ولا هى مفروشة بالورود، وأن طريقه وعر ملىء بالحفر والمطبات" خاصة أنه ذو توجه عقيدى "إخوانى بالذات" وأنه سيواجه بتربص ومكائد من الداخل والترقب والقلق من الخارج معا. . ولعل ما واجهه الرئيس من حملات شرسة بلغت حدا غير مسبوق مع أى رئيس فى أى من دول العالم "حتى المتخلف" لم يقف عند التشكيك به فحسب وإنما بلغ قدرا من التطاول، كان يتعين أن يفطن مرسى لها وأن يعد العدة لكيفية تجفيف مصادر الغضب واحتواء هذه الأمواج والعواصف العاتية. لكن سامح الله بعض مستشاريه الذين ربما ضللوه، أو تسببت خبراتهم القليلة بدهاليز الحكم والتعامل مع البيروقراطية المصرية بالذات وما يعرف بالدولة العميقة "المتجذرة فى الفساد" فيما جرى. . صحيح أن الرئيس أدار العديد من الملفات الخارجية بشىء أقرب إلى الإعجاز والبراعة الذى نال إعجاب الكثيرين به، فى التعامل معها سواء فى ملف العلاقات مع الغرب وفى قلبه الولاياتالمتحدة أو مع الدولة العبرية اليهودية "الكيان الصهيونى فى العرف الدينى والسياسى الراديكالى" ولعل اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل بعد بضعة أيام من العداون "التى صاغها بوساطة مصرية صرفة" خير دليل على الحنكة التى جرى التعامل بها، إلى جانب زيارته طهران ورسائله الشديدة السخونة والوضوح. . اللافت أن إدارة الرئيس وطاقم حكمه للشأن الداخلى شهد الكثير من العجلة التى قادت إلى أخطاء كانت بمثابة هدايا على طبق من ذهب لخصومه وكارهيه وجماعته أيضا، لا يكفى معها حسن النية أو الرغبة فى حماية الثورة وتنفيذ مبادئها التى قامت من أجلها. واللافت أيضا أنه لم يستفد من كياسة وحكمة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان فى فنون ودهاء الحكم، الذى بلغت به القوة بالنجاح فى تقليم أظافر الجيش القوة الأكبر، والذى ظل حارسا للعلمانية مستأسدا ضد أى حكومة تعلن خروجها على مبادئها وقواعدها. . وربما ما افتقده الجراح"مرسى" فى استئصاله لأركان الفساد المستشرى فى جسد الكنانة من حنكة وترو وحسابات دقيقة كان وسيبقى وراء كل أزمة تشتعل من آن لآخر، ذلك أن مهارة الحكم تقتضى تحسس مواضع القلق والتوتر وتجنبها، والرهان على ما يحظى بالتوافق إن لم يكن الرضاء العام. ولا يمكن تفسير ما جرى على الساحة المصرية طوال الأيام الماضية سوى أنه"صراع مصالح وتناحر إرادات دفاعا عن مكاسب شخصية". تأتى مصلحة الدولة المصرية فى المرتبة الأخيرة أيا كانت الادعاءات حولها والاتجار بها. لم يكن الرئيس بحاجة إلى تدبيج هذا الإعلان"الذى وصفه البعض بأنه فرعوني"، وكان يكفيه إطاحة النائب العام الذى يتهم بأنه ينتسب إلى نظام مبارك وتحديد سن المعاش للقضاة عند 65 عاما ليوفر الكثير على ميزانية الدولة التى تذهب إلى جيوب عشرات بل المئات ممن تجاوزا هذه السن. وليس سرا أن كثيرين استفادوا من نظام مبارك ولا يروق لهم أن يروا أنفسهم فجأة عرايا من كل هذه المميزات سواء من كانوا بالسلطة أو من ينتمون إلى جماعات وفئات عديدة التقوا عند كراهية النظام الجديد وشن الحروب ضده بالحق مرة وبالباطل فى بقية المرات. . وليس أمام الرئيس سوى أن يحنى رأسه "ولا أقول ينحنى" لهذه العواصف حماية للكنانة التى منحه القدر هم تولى أمرها فى وقت عصيب.