الزراعة العضوية بمفهومها العام هى الزراعة التقليدية Traditional Farming التى مورست منذ آلاف السنين أو عصور ما قبل التاريخ.. وقبل اعتماد الزراعة على تكنولوجيات علمية مستحدثة مثل استعمال الأسمدة ومبيدات الآفات وما قدمته الثورة الصناعية التى أضافت إليهما الميكنة الزراعية والرى المطور تحت شعار الثورة الخضراءGreen Revolution . ويرجع تاريخ استعمال الأسمدة، خصوصا تلك الناتجة من صناعة البتروكيماويات إلى منتصف القرن التاسع عشر وذلك لرخصها وفاعليتها فى زيادة الناتج من محاصيل الحقل وزيادة أربحيتها. وكان الاعتماد المتزايد على مبيدات الآفات اضطرارا نتيجة التوسع الزراعى وازدياد انتشار الآفات الذى بدأ بعد ما يقرب من مائة عام من استعمال الأسمدة المصنعة أى فى عام 1940 أو فى أواسط القرن العشرين. وهو ما كان يطلق على زمن مبيدات الآفات Pesticides Era. ورغم الفوائد العظيمة أو «المتعاظمة» لتلك التطبيقات على المدى القصير فقد ظهرت سلبياتها على المدى الطويل من حيث تدهور خصوبة الأراضى نتيجة التكثيف الزراعى وكذلك تراكم التوكسينات الضارة التى قد تجد طريقها بطبيعة الحال إلى سلة الغذاء. كما كان للاتجار فى المجال الزراعىAgribusiness وبمنطق حسابات المكسب والخسارة أثره الفعال فى تفاقم الآثار الضارة افتراضا على المدى الطويل. وقد كان عالم النبات البريطانى Sir Albert Howard (1905) الذى يطلق عليه «أبو الزراعة العضوية» هو أول من طبق الإنجازات العلمية فى ذلك الوقت على الزراعة التقليدية. وقام بعرضها بمفهوم أكثر عمقا العالم الالمانى Rudolf Steiner (1924) تحت مسمى Biodynamicsوهو التعبير الموازى للزراعة العضوية، معتمداً على ثوابت ومفاهيم Anthroposophy من روحانيات وغيبيات وقوى ما فوق الطبيعة. وقد استحث ما سبق عالم الميكروبيولوجى اليابانى Fukuoka (1937) على ابتداع نظام الفلاحة الطبيعية Natural Farming أو فلاحة اللا فعل Do-nothing Farming أو طريقة عدم الحرث no-till أو فلاحة فوكوكا Fukuoka Farming. يمكن الاستنتاج بناء على ما سبق أن بدايات الزراعة العضوية الحديثة بمفهومها الحالى هى الارتداد إلى الزراعة العضوية التقليدية القديمة بعيداً عن قواعد الثورة الخضراء Green revolution التى ابتدعتها الولاياتالمتحدة فى عام 1944 ومارستها فى المكسيك وشجعت فيه زراعة الهجن النباتية والتوسع فى استعمال مبيدات الآفات طبيعية كانت أو مصنعة وكذلك الميكنة الزراعية، اعتماداً على حقيقة النمو السكانى المتزايد الذى كان من المتوقع أن يؤدى الى فجوة غذائية ما لم يتم التصحيح بتكنولوجيات زراعية متقدمة. جدير بالذكر أن الزراعة العضوية الحديثة - فى الوقت الحالي - تتعرض لكثير من الصعوبات ولها بعض السلبيات مما أدى الى رفع شعار «Know your farmer know your food»... لتنشيط استعمال الأغذية العضوية المنتجة محلياً، بعد ملاحظة تلاعب بعض الشركات فى مستويات الجودة. وهنا ظهرت تجارة التجزئة فى الأغذية العضوية التى انتعشت بمعدل 20٪ سنويا فى الاقتصادات النامية حيث تضاعفت الزراعات العضوية فى كل من إفريقيا وآسيا ست مرات لكل منهما فى الفترة ما بين أعوام 2002 الى 2006 مقارنة بأوروبا التى سجلت تضاعفا مقداره (1.27 مرة) وأمريكا الجنوبية التى سجلت (1.36 مرة) للفترة نفسها. يتضح مما سبق أن البلاد النامية فى آسيا وإفريقيا هى ربوع المزارع الواسعة للزراعات العضوية، حيث لا تزيد مساحات تلك الزراعات فى ألمانيا على 2٪ من مساحة الأراضى الزراعية ولا تتعدى 7٪ فى سويسرا والسويد وفنلندا... وتزيد قليلاً فى النمسا حيث تصل الى 10٪، بينما فى مصر لا تزيد على 1.7٪ من المساحة المنزرعة! وهذه ملاحظة لها مدلولها سنتناولها فيما بعد. إن الارقام المختصرة السابقة تخفى أكثر مما تظهر من تساؤلات عن حيود الزراعة العضوية عن الهدف الأسمى لإنتاج الغذاء النظيف جنوحاً إلى منتجات أخرى مثل التوسع فى الزراعة العضوية للقطن. وهو بالقطع من محاصيل الألياف وليس للطعام. ففى اوغندا سجلت 7000 مزرعة عضوية للقطن وفى المكسيك وصلت الى 10000 مزرعة.. فما الهدف من التوسع فى زراعة القطن العضوى الذى يقل فى إنتاجيته كثيراً.. شأن باقى المحاصيل؟ ومن المعلن أن الإنتاج تحت ظروف الزراعة العضوية يقل كثيرا عن الناتج بالطرق التقليدية بمقدار 15 مرة. وفى تقديرات أخرى أكثر تفاؤلاً يقل الإنتاج العضوى للمحصول بمقدار 50٪ فقط.. ورغم التضارب فى مصداقية تلك التقديرات والاتهام بالمبالغة فإن الواقع المؤلم يؤكد انخفاض الإنتاجية تحت ظروف الزراعة العضوية التى تمارس على نطاق واسع فى المناطق الأكثر فقراً من العالم، مع تغطية إعلامية شديدة من الهيئات الدولية لبرامج مكافحة الجوع فى تلك المناطق.. هل هو تضارب أم عدم وضوح للرؤية؟.. بل من المسئول عن توجيه اقتصاديات العالم؟ وما مدى مسئوليته؟ وهل من الحكمة تزكية التوسع فى الزراعة العضوية فى الدول الفقيرة او التى تعانى من الكثافات السكانية العالية؟ وتعد تكنولوجيا المعلومات من أهم وسائل تطور ونشر الزراعة العضوية فى الوقت الحالى وهناك ما يربو على خمسمائة موقع الكترونى على الشبكة العنكبوتية تبارك وتشجع الزراعة العضوية... إلا أن تلك الشبكة نفسها لم تخف الخلل الحادث فى تطبيق قواعد اللعبة وسلبياتها. ولما كان لكل فعل ما يساويه من رد فعل... فقد كان لازدهار التجارة فى المنتجات العضوية - وأرباحها التى تتعاظم يوماً بعد يوم لزيادة الطلب عليها بسبب الحملات الإعلانية والإعلامية - أثرها الفعال فى تعثر تطبيق انجازات التكنولوجيا الحيوية الاخرى وخصوصا المنتجات المهندسة وراثيا (GM) Genetically modified crops التى تعنى فى المقام الأول زيادة الإنتاجية من وحدة المساحة المنزرعة.. خلافاً للزراعة العضوية التى تعنى بالكيف وليس الكم. ففى دراسة حصرية حديثة اجريت فى المملكة المتحدة بواسطة إحدى الوكالات الرائدة فى مجال بحوث العلوم البيولوجية أوضحت أن كل 26 مشروعGM يقابله مشروع واحد للزراعة العضوية وفى هذا إشارة واضحة الى توقعات المستقبل.. وعلينا أن نقرر المفاضلة ما بين الكم والكيف فى إنتاج الغذاء لإطعام الأفواه الجائعة فى مناطق كثيرة من العالم. ففى الهند مثلا... وفى الفترة ما بين اعوام 1950- 1960 اضطرت الحكومة الى استيراد الحبوب من الخارج وذلك بسبب الزيادة السكانية المستمرة والنقص الحاد فى منتجات الحبوب... وبدلاً من البكاء على اللبن المسكوب قامت الهند بمعايشة الواقع وتطبيق برامج الثورة الخضراء Green revolution والاعتماد على كل ما رفضته برامج الزراعة العضوية مثل استعمال بذور الهجن والأسمدة الكيمياوية والمبيدات التخليقية حتى أصبح لديها من فائض إنتاج الحبوب ما يكفى للتصدير حول العالم وذلك فى عام 1990 ونظراً لجاذبية الاتجار فى المنتجات الزراعية العضوية لكثير من الدول فقد قامت الهند فى ضوء اتساع مساحات أراضيها وتنوع أجوائها بالدخول الى حلبة المنافسة فى هذا المجال حيث وصلت رقعة الزراعة العضوية الى 2.5 مليون هكتار (6 ملايين فدان) بحلول عام 2004 موزعة على 15000 مزرعة عضوية معتمدة Certified وهناك خطة لتحويل مقاطعات Kerala وSikkim الى الزراعة العضوية بالكامل. لازدياد الطلب العالمى على تلك المنتجات العضويه وبلوغ المساحات العالمية المنزرعة عام 2011 الى ما يقرب من 37 مليون فدان (إكر) فى جميع البلاد أو ما يصل الى 1٪ من المساحات الزراعية على مستوى العالم. قد تكون تجربة الهند مع الثورة الخضراء السابق الإشارة إليها.. وما أعقبها من التوسع فى الزراعة العضوية هى الإجابة الشافية عن التساؤل السابق طرحه حول المفاضلة بين الكم والكيف فى إنتاج الغذاء. وتؤكد كذلك إن قارتى آسيا وإفريقيا هما الأماكن الأكثر توقعاً للتوسع فى الزراعة العضوية إذا ما بقيت الأحوال على ما هى عليه دون تغيير. جدير بالذكر أن إجراءات ووسائل الزراعة العضوية لها قواعدها المنظمة عالمياً والمقننة محلياً فى كل دولة من الدول المشاركة فى هذا النشاط والمندرجة تحت مظلة "IFOAM International Federation of Organic Agriculture Movement" الذى تأسس فى عام 1972 ليضم تحت مظلته الهيئات والشركات المنوط بها المراقبة والاعتماد. ويوجد فى مصر شركتان مصريتان تقومان بعمليات الرقابة والاعتماد وهما: )The Egyptian Center of Organic Agriculture) ECOA,(Center of Organic Agriculture in Egypt) COAE وهما معتمدتان من السوق الاوروبية بالإضافة الى شركة أجنبية IMC Egypt for Inspection and Certification.. وهذه الشركات تقوم باعتماد إنتاج 600 مزرعة مسجلة موزعة على 150000 فدان. وصادرات 190 شركة عاملة فى مجال المنتجات الزراعية العضوية. ولكن فى ظل غياب تدخل حكومى مباشر!!!.