أوروبا وروسيا والصين فى مواجهة قرار ترامب حول مستقبل الاتفاق النووى الإيرانى مرة أخرى، يستحوذ الرئيس الأمريكى على اهتمام العالم وجدل الاوساط السياسية والاقتصادية، فقراره بخصوص الاتفاق النووى التاريخى لا تقتصر تداعياته على المشهد السياسى فحسب وانما تمتد إلى التأثير على اسواق النفط وكعكة مليارات الدولارات التى ستشعل معركة جديدة بدأت أوروبا وروسيا والصين الاستعداد لها ضد ادارة ترامب. فى احدث حلقة من سلسلة ترامب لاثارة الجدل العالمى، كان قرار الرئيس الأمريكى الاخير برفض التصديق على الاتفاق النووى مع إيران، معلنا انه بموجب القانون الأمريكى، فإن الاتفاق لا يحقق افضل مصلحة للولايات المتحدة. ومن ثم امام الكونجرس ستون يوما لتحديد ما اذا كان سيتم اعادة فرض عقوبات على إيران، وهو ما يعرض الاتفاق للخطر. ويفرض القانون الأمريكى على الرئيس ان يبلغ الكونجرس كل 90 يوما ما اذا كانت إيران تحترم الاتفاق وما اذا كان هذا النص متوافقا مع المصلحة الوطنية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من ان الخطوة لا تمثل انسحابا صريحا من الاتفاق المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، أكد ترامب انه ما لم يتم التوصل لاتفاق مع الكونجرس أو حلفاء أمريكا، فقد ينسحب فى نهاية المطاف من الاتفاق الذى وقعته القوى الكبرى مع إيران (الولاياتالمتحدةوالصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا) وقضى بتخلى طهران عن السلاح النووى مقابل رفع تدريجى للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وقد أبدت تلك القوى اعتراضها على قرار ترامب خوفا على مصالح شركاتها فى إيران. وحذر محللون من أنه إذا فرضت الولاياتالمتحدة عقوبات على إيران وعلى المتعاملين معها فقد تتخذ أوروبا اجراءات عقابية ضد الشركات الأمريكية العاملة فى أوروبا ردا على ذلك. ويقول خبراء ان الاتحاد الأوروبى لن يوافق على فرض عقوبات على إيران مرة أخرى. فأشار تقرير للمجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية إلى الجدل الأوروبى بخصوص حشد الجهود لحماية مصالح الشركات الأوربية، وحتمية رسم خريطة طريق واضحة المعالم للتحوط ضد عقوبات أمريكية جديدة والاستعداد لخوض معركة مع إدارة ترامب. وقال التقرير إنه فى حال فشلت الدبلوماسية مع ترامب ربما تلجأ أوروبا والصين وروسيا إلى اتخاذ إجراءات قانونية للحفاظ على سريان الاتفاق النووى. وأشار إلى موقف مماثل فى التسعينيات، عندما دارت معركة حامية بين أوروبا وأمريكا حول عقوبات ضد إيران وليبيا وكوبا. وذكر انه فى ذلك الوقت اضطرت أوروبا إلى رفع دعوى ضد أمريكا فى منظمة التجارة العالمية، لكنه أوضح ان الأمر اكثر تعقيدا اليوم مع تداخل المعاملات المالية بين الدول. يذكر انه منذ تفعيل الاتفاق النووى برفع العقوبات الاقتصادية على طهران تهافتت الشركات العالمية على إيران للفوز بنصيب من كعكة البيزنس الشرق أوسطى، وتعد صفقة بوينج، وقيمتها 19 مليار دولار، نموذجا بسيطا لتلك الكعكة. يذكر انه منذ تفعيل الاتفاق النووى برفع العقوبات الاقتصادية على طهران فى يناير الماضى، واصل إنتاج النفط الإيرانى وصادراته ارتفاعه المطرد، ليصل إلى 3.8 مليون برميل يوميا و2.3 (م ب ي) فى سبتمبر بحسب تقرير اوبك الشهرى الاخير. وتعد الاحصاءات الحالية قفزة كبيرة مقارنة بمتوسط إنتاجها فى عام 2013، وكان 2.8 مليون برميل يوميا، وصادراتها 980 الف برميل يوميا، عندما كانت إيران تحت طائلة العقوبات الدولية بسبب برنامجها النووى. وتقدر إيرادات إيران من صادرات البتروكيماويات العام الماضى بنحو 9.55 مليار دولار و5.57 مليار خلال النصف الاول من العام الجارى مع ارتفاع الصادرات 12% من حيث الكمية و8% من حيث القيمة. ومن ثم فإن فرض عقوبات اقتصادية مرة اخرى على طهران سيفرض ضغوطا على صناعة النفط الإيرانية وعلى سوق النفط العالمية بصفة عامة. من المؤكد أن انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق لن يؤثر، من الفور، على تدفق إمدادات النفط العالمية حيث ان أمريكا ليست مشتريا للنفط الإيرانى. ومن غير المرجح ان ينجح ترامب فى اقناع أوروبا أو الصين –اكبر زبائن لإيران- بإعادة الحظر مرة أخرى على التعامل مع طهران. ومع ذلك فإن الولاياتالمتحدة قد تهدد مشترين آخرين للنفط الإيرانى، أو اى شركة طاقة لديها استثمارات ضخمة فى القطاع بفرض عقوبات مالية عليها حال عدم التزامها بعدم التعامل مع طهران(مثل تجميد أرصدتها أو فرض غرامات مالية). وهذا سوف يجبر شركات –ولا سيما تلك التى لديها اصول فى الولاياتالمتحدة- على الابتعاد عن قطاع النفط الإيرانى، خوفا من التعرض للغضب الأمريكى. حدوث اضطراب فى صادرات النفط الإيرانى وفى الاستثمارات الموجهة للقطاع قد يخفض إمدادات الخام العالمية وهو ما قد يؤدى إلى ارتفاع الاسعار. خلال الاشهر الماضية، ومع بقاء بعض العقوبات الأمريكية المحددة على طهران، لم تكن الشركات الأمريكية تستطيع الدخول فى شراكات فعلية مع الشركات الإيرانية. لكنها كانت تسعى للتحايل على هذا الوضع بمحاولة الحصول على تصاريح خاصة من مكتب «مراقبة الاصول الاجنبية» التابع لوزارة الخزانة الأمريكية «اوفاك»، للعمل فى إيران فى قطاعات محددة تشمل النفط والغاز مع التأكيد على عدم المساس بالمصالح الأمريكية. على صعيد آخر، لم يكن هناك اى مشكلات بالنسبة للشركات الاوروبية والاسيوية والتى بدأت بالفعل التفاوض مع شركات إيرانية من اجل الوجود أو التوسع فى السوق الإيرانى. وقائمة الشركات الاوروبية هذه تشمل شركات عملاقة مثل «رويال دويتش شل» و»ايني» و»شلمبرجير». لكن الاوفر حظا بنصيب جيد من الكعكة كانت شركة توتال الفرنسية التى أبرمت صفقة تزيد قيمتها علي خمسة مليارات دولار فى اكبر مشروع لتحديث البنية التحتية النفطية فى إيران، بتطوير حقل «ساوث بارس» للغاز. وهى الصفقة التى أعادت توتال إلى إيران بعد خروجها منها عام 2006. كان صندوق النقد الدولى قد توقع ان يسجل الاقتصاد الإيرانى معدل نمو 3.5% فى 2017، وكذلك البنك الدولى ذكر فى تقريره «آفاق النمو العالمى» انه يتوقع نموا قويا فى إيران خلال 2018-2019 بدعم من تدفق الاستثمارات الاجنبية، فهل ستصدق توقعات المؤسسات الدولية؟