نستكمل فى هذا العدد القراءة النقدية فى مشروع تعديل قانون البنوك، حيث تضمن المشروع شروطا جديدة فى اختيار القيادات المصرفية تؤكد استقلاليتهم وكفاءتهم المهنية، ومن أهمها: أولا: اشترط فى المحافظ ونوابه وأعضاء مجلسه ألا يكونوا أعضاء فى أى جماعة أو حزب أو أعضاء فى الحكومة بخلاف ممثل وزارة المالية أو رؤساء أو أعضاء فى كيانات خاضعة لأحكام القانون الجديد أو لإشراف الهيئة العامة للرقابة المالية. ثانيا: اشترط استقلالية رؤساء مجالس إدارة البنوك تطبيقا لمعايير الحوكمة ومنعا لتضارب المصالح، كما تسرى الشروط نفسها على اثنين على الأقل من أعضاء المجلس بحيث: أ. لا يكون موظفاً تنفيذيا فى البنك نفسه. ب. لا يكون مساهماً رئيسياً به. ج. كان يمثله خلال السنوات الثلاث السابقة لبدء العمل بالقانون. د. لا تكون له أى صلات قرابة حتى الدرجة الرابعة بأى من أعضاء المجلس أو الإدارة العليا. ه. لا يتقاضى راتباً أو مبالغ مالية باستثناء ما يتقاضاه، مقابل عضويته بالمجلس. و. كما نص مشروع القانون على اختيار مجلس إدارة البنك، مسئولاً تنفيذياً من غير أعضائه، له الحق فى حضور الجلسات دون تصويت، على ان تحدد اللائحة التنفيذية للقانون سلطة تحديد الحد الأقصى لفترة عمل المسئول التنفيذى. ز. كما أعطى مشروع القانون البنك المركزى حق اختيار ممثل له لحضور اجتماعات مجلس إدارة أى بنك دون الحاجة الى توجيه دعوة. هذه المادة لا تشكل قيداً على مجالس إدارة البنوك العاملة فى مصر خاصة فى ظل تزايد مخاطر العولمة المالية بعد الأزمة المالية العالمية. ثالثا: دعم وجود كيانات قوية مصرفية وغير مصرفية خاضعة لرقابة البنك المركزى بالنص على زيادة الحدود الدنيا لرؤوس أموال تلك الكيانات، بهدف الحفاظ عليها وتمتعها بكفاية رأسمالية تتفق مع معايير بازل ولتعكس ما طرأ من انخفاض على قيمة الجنيه المصرى بسبب ارتفاع الدولار بنحو ثلاثة أمثال مستواه منذ سن القانون الحالى عام 2003، تضمنت هذه التعديلات: 1- زيادة الحد الأدنى لرأسمال البنوك من نصف مليار جنيه الى 1.5 مليار جنيه. 2- زيادة رأسمال شركات الصرافة والاستعلام والتصنيف الائتمانى من 5 ملايين جنيه إلى 20 مليون جنيه، و10 ملايين جنيه حداً أدنى لشركات تحويل الأموال مقابل 5 ملايين جنيه. قد يترتب على ذلك مزيد من التركز المصرفى بحدوث استحواذات واندماجات مصرفية لا بد من دراسة آثارها وتبعاتها المستقبلية. رابعا: تحديد ضوابط تأسيس شركات ذات أنشطة جديدة مطلوبة التى ستخضع لرقابة البنك المركزى، فسمح مشروع القانون للمحافظ بالترخيص لشركات تقدم خدمات ضمان مخاطر الائتمان الموجه للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، سواء من البنوك أو المنظمات غير الحكومية أو المؤسسات المالية، وحدد لها حد ادنى 20 مليون جنيه رأسمالها. هذا فضلا عن السماح لمحافظ البنك المركزى، بالترخيص للشركات والجهات العاملة فى نظام المدفوعات القومى التى تقدم كل الخدمات التى ترتبط بأوامر الدفع والتمويلات المالية بالعملة المحلية والأجنبية، وإصدار وسائل الدفع كالشيكات وبطاقات الدفع والنقود الإلكترونية. كما سمح مشروع القانون للمحافظ الترخيص لبعض الجهات القيام بمهام تقييم فاعلية الرقابة على أعمال الأطراف المرتبطة بأنشطة تكنولوجيا المعلومات والدفع الإلكترونى. وفى هذا السياق سيتم تحديث الشكل القانونى لدار طباعة النقد بتحويلها الى شركة مساهمة مصرية لطباعة وسك العملة مع تحويل كل أصولها والتزاماتها الى الكيان الجديد بحيث يساهم البنك المركزى فى رأسمالها بنسبة 99% والباقى يمتلكه صندوق التأمين الخاص بالعاملين بالبنك المركزى وكذلك نقابة العاملين بالبنك مناصفة. تعليق: سيحسن ذلك الأوضاع المالية والوظيفة للعاملين بالبنك المركزى كونهم جهة رقابية وإشرافية على وحدات الجهاز المصرفى. خامسا: زيادة رسوم الرقابة السنوية وكذلك التراخيص والخدمات المفروضة على الكيانات الخاضعة للبنك المركزى، وذلك مراعاة للانخفاض الكبير فى قيمة الجنيه على إثر تحرير سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم. 1- زيادة رسم الرقابة السنوى إلى واحد فى الألف من متوسط المراكز الشهرية للبنوك بدلا من 10 فى الألف ويسدد فى يناير من كل عام. 2- شمول مهام صندوق تحديث أنظمة العمل لكل البنوك على اختلاف ملكيتها بدلا من اقتصارها على البنوك العامة. ونص على فرض القانون توجيه 5% من صافى أرباح البنوك القابلة للتوزيع لهذا الصندوق. 3- زيادة رسم قيد البنوك والشركات فى سجلات المركزى إلى 100 ألف جنيه للمركز الرئيسى لكل بنك بدلاً من 10 آلاف، و50 ألفاً عن كل فرع أو وكالة، بدلاً من 4- آلاف فقط. وسمح بتعديلها بقرار من مجلس إدارة البنك المركزى، شرط ألا يتجاوز التعديل 25% من الرسم المحدد. هذه الزيادة الكبيرة تعكس ما حدث من انخفاض كبير فى قيمة الجنية المصرى منذ سن القانون الحالى عام 2003. سادسا: فتح مشروع القانون آفاقا جديدة للبنوك، منها: 1- الاعتراف بقانونية المستندات الإلكترونية المتعلقة بالمعاملات المصرفية، الأمر الذى يعفى البنوك من التكلفة التى كانت تتحملها نتيجة الاحتفاظ بالمستندات الورقية وتداولها. 2- النص على عدم تدخله فى السوق الأولية لأدوات الدين الحكومية كمشتر لها تجنبا لأى آثار تضخمية جراء ذلك. 3- السماح للبنوك الإسلامية بالتعامل على الأصول المنقولة والعقار بالشراء والبيع والمقايضة، وهى أدوات تتناسب مع طبيعة عملها ونظم أدواتها التمويلية. سابعا: منح مشروع القانون فترة انتقالية سنة لجميع الكيانات الخاضعة له لتوفيق أوضاعها مع جواز مدها بقرار من البنك المركزى على ألا تتجاوز تلك المهلة 3 سنوات. أعتقد أن فترة السنوات الثلاث كافية لتلك الوحدات لتوفيق اوضاعها خاصة المصارف للالتزام بالحدود الدنيا الجديدة لرؤوس أموالها. ثامنا: تتسم مواد مشروع القانون بدخولها فى تفاصيل يمكن ترك تناولها للائحة التنفيذية. سوف يتم ذكرها فى مقال قادم. تاسعا: ينتاب القارئ للمرة الاولى لمشروع القانون شعور بأن محافظ البنك المركزى يستهدف عن قصد ولأسباب شخصية تركيز مزيد من السلطات فى يده. سوف نتناول تفنيد ذلك فى مقال آخر خاصة لبيان الحد الفاصل بين تلك المواد التى تعزز استقلالية البنك المركزى وتلك التى فيها تركيز لسلطات محافظ البنك المركزى.