لقد كان ما قامت به عدد من الدول العربية (مصر والمملكة والإماراتوالبحرين) تجاه دولة قطر من مقاطعة دبلوماسية وغيرها من الإجراءات المؤثرة فى أداء النشاط الاقتصادى بها نتاجا لما دأبت عليه وما اقترفته السلطات القطرية بحق هذه الدول العربية وإصرارها على دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وزعزعة الأوضاع الأمنية والسياسية بها. لقد قامت هذه الدول الأربع قبل الإقدام على هذه الخطوة بالإعلان لشعوبها وشعوب العالم أجمع بأن ما قامت به يستند إلى حيثيات ومبررات تتفق مع العقل الإنسانى والقانون الدولى. تعد دولة قطر ثانى أصغر دولة عربية خليجية من حيث المساحة (11.5ألف كم مربع) كما يبلغ عدد سكانها 2.4 مليون نسمة، 75% منهم وافدون) ولكنها ثالث أكبر دولة عالميا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعى، ويبلغ ناتجها الإجمالى المحلى نحو 2.5 مليار دولار، لذلك فإنها تتمتع بأعلى متوسط دخل للفرد عالميا الذى يبلغ نحو 112ألف دولار سنويا. ورغما عن ذلك، وللأسف الشديد قام حكام دولة قطر بإهدار الكثير من ثروة شعبها فى تمويل ورعاية جماعات الإرهاب والتطرف سعيا وراء زعزعة الوضع فى المنطقة العربية بعد ثورة شعوبها (الربيع العربى) على أنظمتها البالية بغية إحداث التغيير والنهوض بمستوى معيشتها نحو حياة أفضل. وبعد تحذيرات متكررة بأن يبتعد حكام قطر عن اللعب بالنار ودعم وتمويل جماعات إرهابية بالسلاح والمال على مستوى المنطقة العربية لإضعافها وتفكيكها بل بات يهدد استقرار المجتمع الدولى بلا استثناء. وبعد طول صبر ووساطة العقلاء من الحكام العرب لم تجد كل من مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومعهم مملكة البحرين أمامها سوى المبادرة باتخاذ إجراءات قاسية ضد السلطات القطرية تمثلت فى قطع العلاقات الدبلوماسية وحظر التعاملات المالية وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية بين تلك الدول العربية ودولة قطر، لقد أخذت المقاطعة تتسع رقعتها لتشمل دولا عربية أخرى منها ليبيا واليمن والأردن. من الملاحظ أنه عندما تنعم بعض الأنظمة الاستبدادية بفوائض مالية بترولية تتعدى قدرتها على استيعابها فى إحداث تنمية حقيقية مستدامة، فإنها تقدم على إهدارها فى طموحات شخصية غير محسوبة وأحيانا غير مفهومة. فى هذ المقام تكفى الإشارة إلى هوجو تشافيز فى فنزويلا ومعمر القذافى فى ليبيا وصدام حسين فى العراق، وكذلك تميم فى قطر. إلا أن الأخير أصبح مصدر قلق إقليمى ودولى فى دعمه ورعايته للمنظمات الإرهابية من منطلق فكر سياسى منحرف وغير سوى. الخسائر الأولية لقطر ستكون هائلة نظرا لأنها دولة صغيرة لا تمتلك قدرات إنتاجية حقيقية سوى الغاز والنفط الذى تصدره، كما أنها تعتمد اعتمادا كبيرا فى الحصول على احتياجاتها من خلال الاستيراد عبر المرور بالأجواء والموانى الخليجية، وكذلك المعاملات المالية والاستثمارية الخليجية. إن تحدى دولة صغيرة كقطر لأقطاب المنظومة العربية (مصر والسعودية والإمارات) الأكبر من حيث المساحة (3.2 مليون كم مربع)، بينما دولة قطر لا تتعدى مساحتها 11.5 ألف كم مربع (0.3%)، والأكثر سكانا البالغ عددهم نحو 130 مليون نسمة أى أكثر من 50 ضعف من يقطنون دولة قطر، والأوفر إنتاجا (1.3 تريليون دولار) مقارنة 0.25 تريليون دولار لدولة قطر. وفيما يلى يمكن استعراض أهم تلك الخسائر التى ستتحملها دولة قطر من جراء مقاطعة أقطاب المجموعة العربية لها: تعرض الريال القطرى والتعاملات عليه فى بنوك الدول التى فرضت عقوبات على قطر لضغوط شديدة أدت إلى هبوط قيمته لأدنى مستوى له منذ 2009، كما سيتعرض النشاط المصرفى القطرى لضغوط شديدة سوف تؤثر فى مستوى ربحيته بعدما أرجأ عدد من المصارف السعودية والإماراتيةوالبحرينية معاملاتها المالية مع المصارف القطرية فى ضوء تعليمات مصارفها المركزية. كذلك تعرضت البورصة القطرية إلى هبوط حاد أول أيام المقاطعة بلغت نسبته 7.3%. إن استمرار المقاطعة لقطر قد يترتب عليه قيام وكالات التصنيف الائتمانى بخفضه إلى مستوى أقل مستواه الحالى (AAA) ما يزيد الطين بلة. خسائر كبيرة تتعرض شركات الطيران القطرى، والبث الإعلامى المدفوع خاصة الرياضية منها التى تعتمد أكثر من نصف إيراداتها على دول الجوار. كذلك تعرضت حركة التبادل التجارى بين قطر والدول الثلاث الخليجية لخسائر كبيرة التى تقدر بنحو 5 مليارات دولار، علاوة على نحو 2 مليار حجم التبادل التجارى لها مع مصر بعدما أوقفت بعض المصارف السعودية والإماراتية فتح الاعتمادات المستندية مع البنوك القطرية. إن إجراءات المقاطعة قد تتضمن إلغاء بعض الإعفاءات الجمركية مع قطر وبالتالى سيؤدى ذلك إلى ارتفاعات سعرية غير مسبوقة بالسوق القطرى. كما ستتأثر سلبا الاستثمارات القطرية فى دول الخليج وفى مصر البالغة نحو 30 مليار دولار التى تدر عليها دخلا لا يستهان به. بالإضافة إلى ما سبق، ومع تفاقم الآثار السلبية لاستمرار المقاطعة العربية لقطر، لنا أن نتصور الخسائر الفادحة التى يمكن أن تتعرض لها إذا ما أقدم الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) على اتخاذ قرار بسحب تنظيم مونديال 2022 من قطر إلى دولة أخرى، بعدما أعلنت العديد من الدول رفضها لفكرة المشاركة فى البطولة، فمثلا تم نقل مونديال 1986 من كولومبيا إلى المكسيك بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.