ناقش تقرير لمجلة «الايكونومست » مشاكل البنوك العالمية موضحا» إن هناك ثلاثة أسباب للورطة التي تجد البنوك نفسها فيها ،وهى: ما كشفت عنه الأيام من صعوبة إدارة شبكة عالمية من الفروع،واحتدام المنافسة عما كان يبدو لها،وهما كانا عاملان مؤثران قبل الأزمة العالمية . ولكن بعد الأزمة ظهر (السبب الثالث للورطة) ما يتعلق بتداعيات القواعد المصرفية الجديدة. بالرغم من اختبارات تقييم البنوك ، التي تجتازها معظم البنوك،إلا إن هناك اختبارا آخر فشل فيه الكبار . فما هو الاختبار الذي لم ينجح فيه احد من البنوك العالمية الكبيرة ؟ قالت لجنة بازل للإشراف المصرفي : إن أكبر البنوك العالمية لا يزال ينقصها أصول آمنة بقيمة 300 مليار يورو لكي تمتثل للقواعد الجديدة المصممة لتقليص تعرضهم للمخاطر. ورغم أن البنوك استكملت إلى حد كبير الاشتراطات التي كانت مطلوبة في عام 2013، والتي بلغت 353 مليار يورو، فلا تزال تحتاج إلى 305 مليارات يورو لتمتثل بالكامل للقواعد العالمية التي تنظم حجم الأصول السهلة البيع المفترض امتلاكها. ودخل ما يعرف بنسبة تغطية السيولة حيز التنفيذ في يناير، على أن يتم استكمال النسبة بحلول 2019، وينبغي أن تمتلك البنوك في 2015، سيولة بنسبة 60٪، وهذا المستوى المستهدف يشكل نقصا بمقدار 155 مليار يورو، طبقا لبيانات يونيو الماضي التي فحصتها اللجنة. وتعد هذه النتائج جزءا من إجراءات الإشراف التي تقوم بها لجنة بازل مرتين سنويا، بالتوازي مع تلك التي تجريها هيئة البنوك الأوروبية، وتنظر الجهتان في رءوس أموال البنوك، بالإضافة إلى ثلاثة معايير مختلفة للسيولة، مستخدمة المعلومات عن ميزانيات البنوك في يونيو. 2014 وقالت هيئة البنوك الأوروبية :إن أكبر البنوك العالمية في أوروبا ينقصها 115 مليار يورو من الأصول السائلة لتتوافق مع نسبة التغطية، ولكنها أضافت أن 82٪ من البنوك التي فحصتها استوفت بالفعل مستوى نسبة تغطية السيولة المستهدفة في 2019. علي صعيد آخر أعلنت هيئة البنوك الأوروبية إنها لن تجري اختبارات تحمل العام الجاري، وسوف تؤجل الجولة القادمة حتى 2016، وسوف تركز بدلا من ذلك على مراجعة شفافية البنوك. وأوضحت الجهة التنظيمية أن قرارها جاء مدفوعا» بالتقدم الذي أحرزته بنوك الاتحاد الأوروبي في تعزيز رءوس أموالها بعد مراجعات جودة الأصول، واختبارات التحمل في 2014. وفي الوقت الذي يعد هذان الإعلانان مشجعين لداعمي الإصلاحات المصرفية ، فإنهما يكشفان مدى تأثير القواعد التنظيمية وتنفيذها على ربحية البنوك ونماذج أعمالهم. وصرحت دانييلا نوي، كبير المشرفين في البنك المركزي الأوروبي، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» أنها تتوقع أن ترفع البنوك الأوروبية مقدار رءوس أموالها في ظل ضغوط المركزي الأوروبي عليها في أنحاء منطقة اليورو. ولكن مرة أخري تجد البنوك العالمية نفسها في ورطة،وإذا لم تحسن أداءها سيكون مصيرها مؤلما. فالضغوط شديدة ،وعلي سبيل المثال،أعلنت مجموعة باركليز المصرفية البريطانية،قبل أيام ،تراجع أرباحها لعام 2014 بنسبة 21 في المائة قبل احتساب الضرائب،وذلك بسبب اضطرار المجموعة إلى تخصيص750 مليون جنيه إسترليني1.15مليار دولار) لتغطية الالتزامات المحتملة بسبب التحقيقات الدائرة معها بشأن تورطها في عمليات للتلاعب في سوق العملة. ودويتشه بنك مضطر إلي إعادة النظر في إستراتيجيته، بعد سنوات من الأداء الضعيف .أما HSBC، البنك العالمي فقد تلقي ضربات متتالية بسبب فضيحة التهرب الضريبي في سويسرا وبسبب أرباحه الضعيفة. وكذلك،ستاندرد تشارترد أعلن إنه يطمح إلى خفض التكاليف بواقع 1.8 مليار دولار على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة في إطار خطة للنهوض بالبنك الذي تتركز أعماله في آسيا بعد تراجع الأرباح 25 بالمائة العام الماضي بسبب قفزة كبيرة في خسائر القروض الرديئة. وبحسب تقرير للفاينانشيال تايمز ،يخطط بنك آر بي إس للاستغناء عن 14 ألف وظيفة،في إطار تصفية عملياته للاستثمار المصرفي في 25 بلدا في أوروبا واسيا والشرق الأوسط. وفي ظل الممارسات السيئة للبنوك العالمية ،يتجدد النقاش حول تقييم ادائها.فما بين تهم غسل الاموال ((HSBC) وسيتي جروب) ،وانتهاك العقوبات (ستاندرد تشارترد وبي.ان.بي باريبا)،قررت البنوك إنها عانت بما فيه الكفاية ،وبدأت تقلص نشاطها ووجودها العالمي ،مثلما أعلنت سيتي جروب. والسبب في ذلك،موجة من التنظيم التي اجتاحت الصناعة منذ الأزمة المالية . وكانت الأزمة المالية بين عامي 2007 و2009 أجبرت دافعي الضرائب على إنقاذ البنوك وهو ما دفع واضعيو السياسات لإقرار مجموعة من القواعد الأكثر صرامة بخصوص رأس المال تعرف باسم بازل 3 والتي من المقررأن تدخل حيز التطبيق الكامل في يناير 2019. وواجهت البنوك في العالم ضغوطا من الأسواق وبعض الجهات التنظيمية لتطبيق قواعد بازل مبكرا كي تسهم في استعادة ثقة المستثمرين في القطاع. وطبق أكبر 30 بنكا في العالم ومن بينها جولدمان ساكس ومورجان ستانلي قاعدة تخص «ضريبة إضافية» على رأس المال بسبب حجم تلك البنوك ووجودها العالمي. وحاليا» ،بنوك جي بي مورجان تشيس، سيتي ودويتشه وHSBC تحتفظ برأس مال يزيد عما كان لديها في عام 2007،بنسبة 92٪،وقد ينتهي الأمر بالبنوك العالمية إلي تحمل تكلفة الرأسمال الإضافي الذي يقارب ثلث رأس مال البنوك المنافسة لها علي المستوى المحلى . وذلك ،لأنه، إذا تعثرت البنوك العالمية، فإن التداعيات ستكون خطيرة. وتقدر تكلفة الامتثال للقواعد الجديدة لبنك HSBC بحوالي 2.4مليار دولار في عام 2014، بزيادة 50٪ مقارنة بالعام السابق. ومن تداعيات ذلك ، فشل البنوك العالمية في اختبارا مختلفا،يهم حملة أسهم البنوك ،بالدرجة الأولي،وهو العائد على حقوق المساهمين،حيث تكافح معظم البنوك الكبيرة لتحقيق عائد يفوق ما تحققه الشركات الصغيرة ،الأقل أهمية منها. ويذكر انه خلال العام الماضي ،سجل بنك سيتي جروب٪ 3.4 فقط . وتشير تقديرات جي بي مورجان تشيس إلي زيادة أرباحها بما يتراوح بين 6 مليارات دولار و7 مليارات دولار سنويا. غير إن تكاليف رأس المال الإضافي ،وتكاليف الامتثال للقواعد الجديدة وما تتضمنه من تعقيدات ،تفرضها عليه حجم البنك الكبير يستنزف جزءا كبيرا من تلك الأرباح. والواقع ،انه لم تنجح نصف الاستثمارات في البنوك العالمية الكبيرة ،في تحقيق عائد يصل إلى 10 أو أكثر ،في العام الماضي. وهكذا يتساءل المستثمرون ،إذا كانت تكلفة الانتشار العالمي تفوق العائد منه. ومن ثم يحذر تقرير الايكونومست إن البنوك الكبيرة ،مثل سيتي وHSBC ،إذا لم تحسن أداءها ،وعلي المدى القريب،فأنها ستتلقى الضربة الجديدة ،ليس من قبل المنظمين، ولكن من خلال مساهميها. من ناحية أخري،تؤكد البنوك العالمية أن لديها ميزة تنافسية. وإنها تقوم بما لا يستطيع غيرها القيام به. وان وجود مئات من البنوك المحلية ،بدلا» منها، سيجعل مهمة الرقابة عليها ،كابوسا» بالنسبة للمنظمين وللجهات المعنية. ومع ذلك،ينبغي علي شركات التكنولوجيا العملاقة (في سيليكون فالي) ،اختراع بنك دولي افتراضي. أما بالنسبة للنجوم الصاعدة،مثل بنك الصين،فهي لا تزال بعيدة عن العالمية بعشر سنوات. العمليات المصرفية العالمية حقا، مثل تداول العملات الأجنبية وتقديم الخدمات المصرفية عبر الحدود إلى الشركات المتعددة الجنسيات، تمثل عادة ربع إيرادات البنوك الكبرى فقط. من الصعب تجنب استنتاج مفاده أن البنوك العالمية هي- وفقا لمعايير الشركات التقليدية-عبارة عن تكتلات معيبة ،تكافح من اجل تخصيص الموارد بشكل أفضل. والآن مهمة رؤسائها محاولة خفض تكلفة ومخاطر عملياتها الدولية. إذا شعر العملاء بقيمة الخدمات التي تقدمها البنوك العالمية، ستتمكن تلك البنوك من تحصيل ما يغطى نفقاتها الضخمة، ويعيد البسمة لمساهميها.أما إذا لم يرض العملاء فسيكون نموذج البنك العالمي مجرد ذكرى.