يدخل التنظيم المالي مرحلة جديدة هذه الأيام هي مرحلة النزاع الأخير بين الجهات التنظيمية والبنوك العالمية لإقرار الإصلاحات الشاملة، حيث تبين خطأ إلغاء القيود التنظيمية بحجة تعزيز النشاط ودفع النمو فبعد الأزمة المالية تم تشديد القواعد التنظيمية على البنوك، مع الإصرار على ضرورة أن يكون لديها المزيد من رأس المال والسيولة الكافية لمواجهة الضغوط قصيرة الأجل. ويتعين حاليا على البنوك الحفاظ على احتياطيات أعلى، والمزيد من السيولة، وهو ما يعكس مكانتها باعتبارها مؤسسات مهمة للنظام المالي. كما يتعين عليها أن توضح كيف تريد أن يتم تقليص حجمها في الأزمات من دون الاستعانة بأموال دافعي الضرائب. ولكن تزعم البنوك أن القواعد التنظيمية الجديدة من شأنها أن تخفض الائتمان وان تعمل على إبطاء وتيرة التعافي الاقتصادي وتطالب بنظام أكثر مرونة. دوجلاس فلين، رئيس مجلس إدارة بنك "إتش.إس.بي.سي" البريطاني، وهو أكبر بنك أوروبي، يعتقد انه ونستون تشرشل الجديد. فعند إعلانه نتائج البنك الفصلية للنصف الأول من هذا العام أعاد إلى الأذهان روح الأربعينيات وهو يصف الصعاب التي يواجهها المصرفيون في الالتزام بالقواعد الجديدة المفروضة على القطاع المالي منذ الأزمة المالية العالمية. ولكن الواقع كما تقول الجارديان إن سبب معاناة البنوك حاليا هو انتهاكها للنظام القديم غير المتشدد. فهي تلاعبت بسعر الليبو، وقدمت مشورة سيئة للعملاء بشأن الرهون العقارية، وفى حالة اتش اس بى سى، قامت بتسهيل عمليات غسل أموال لصالح تجار مخدرات مكسيكيين. ومع ذلك عندما احتاجت هذه البنوك إلى مساعدة تم إنقاذها على حساب دافعي الضرائب. واليوم تبدى مقاومة للإصلاح. وبالفعل، تنفست البنوك الصعداء عندما تم تأجيل تنفيذ مقترح فصل البنوك الاستثمارية عن بنوك التجزئة. ففي مسألة "أكبر من أن يُسمَح له بالفشل"، توصلت لجنة فيكرز التي عينتها الحكومة البريطانية إلى وجود خطورة تتمثل في تجميع أنشطة التجزئة المصرفية وأنشطة البنوك الاستثمارية في نفس الكيان القانوني، فاقترحت فصل الاثنين. مما يعنى اضطرار البنوك البريطانية الكبرى إلى تقسيم عملياتها ورأسمالها.وأوصت اللجنة بإلزام البنوك العالمية بإقامة أفرع تجزئة تابعة بحصة أكبر من رأس المال وان لا يُسمَح إلا لأفرع التجزئة بالاعتماد على البنوك المركزية بوصفها الملاذ الأخير للإقراض. وهو ما تم تأجيله إلى 2019. (أما في الولاياتالمتحدة، فقد تم تقييد المتاجرة في الملكيات من قِبَل البنوك التجارية بدلاً من إحياء شكل ما من أشكال التقسيم وفقاً لقانون جلاس - ستيجال لبنوك الاستثمار والتجزئة.) ومن جانبهم يزعم رؤساء البنوك التنفيذيين أن القواعد التنظيمية المتزايدة تفرض ضغوطا غير مسبوقة على العاملين وتثنيهم عن المخاطرة. وتكشف تحذيرات "إتش.إس.بي.سي"، عن المقاومة الشرسة التي تبديها البنوك العالمية تجاه الإصلاحات الرامية إلى منع عمليات إنقاذ جديدة مستقبلا". كان دوجلاس فلين، رئيس مجلس إدارة البنك، قد حذر في بيان شديد اللهجة الهيئات التنظيمية العالمية ودعاهم إلى توضيح ما يتوقعونه من موظفي البنك بعد أن أدت غرامات قياسية في الفترة الأخيرة إلى إثارة الخوف من تبعات أي قرار. وقال فلين "يوجد. خطر ملحوظ ومتزايد من تسلل قدر غير متناسب من العزوف عن المخاطرة إلى صناعة القرار في أعمالنا، مع سعي الأفراد لحماية أنفسهم والشركة من تحمل اللوم في المستقبل، نظرا لعدم التيقن بشأن ما قد يكون محلا للانتقاد بعد فوات الأوان، وفي ظل افتراض عدم التسامح مع الخطأ". وأشار "إتش.إس.بي.سي" إلى التوترات الجيوسياسية المتصاعدة مع إعلانه تراجع الأرباح قبل الضرائب بنسبة 12% في المئة في الأشهر الستة لنهاية يونيو إلى 12.3 مليار دولار، بينما كان متوسط توقعات 15 محللا استطلعت الشركة آراءهم 12.5 مليار دولار. ويرجع الانخفاض إلى الأداء الضعيف في الأشهر الثلاثة الأولى حيث هبطت الأرباح 20 في المئة مقارنة بها قبل عام، عندما تعززت إيرادات البنك من بيع اُصول، إلى جانب تأثير فاقد الإيرادات الناجم عن غلق أنشطة أو بيعها. و"إتش.إس.بي.سي" في المرحلة الثانية من خطة إصلاح بدأت عام 2011 لتبسيط أعمال البنك وزيادة الكفاءة وتحقيق عوائد وتوزيعات أفضل للمساهمين. واستغنى البنك عن أكثر من 40 ألف موظف، وأغلق 60 نشاطا، وقال إنه حقق من ذلك وفورات سنوية تتجاوز الخمسة مليارات دولار. لكن بيع الاُصول أضر بالإيرادات. ويعتبر تعويض ذلك من أكبر التحديات التي تواجه البنك. وتراجعت أسهم البنك اثنين في المئة إثر إعلان النتائج ثم تعافت لترتفع 0.2 في المائة. اتش اس بى سى ليس وحده والأمثلة عديدة، فبنك جيه بي مورجان تشيس تكبد أول خسارة فصلية له خلال أكثر من عشرة أعوام ووافق أيضاً على اتفاق مبدئي بدفع 13 مليار دولار أميركي لحكومة الولاياتالمتحدة كعقاب له عن بيع أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري بطريقة غير قانونية. وتلوح في الأفق تكاليف قانونية وتنظيمية كبيرة أخرى. أما ستاندرد تشارترد فقد تكبد غرامة 300 مليون دولار في الولاياتالمتحدة بسبب تهمة غسل أموال، وهو ما قال عنه الرئيس التنفيذي للبنك بأنه تتم معاملة المصرفيين الآن كمجرمين. وبحسب دراسة حديثة، القواعد التنظيمية الجديدة بلغت تكلفتها أكثر من سبعين مليار دولار بالنسبة للبنوك الستة الكبار في الولاياتالمتحدة. حيث كشفت بيانات شركة " فيدرال فاينانشال اناليتيكس " الاستشارية ارتفاع التكاليف التنظيمية خلال الفترة منذ نهاية عام 2007 وآخر 2013 بما يزيد علي 100% - أو 35.5 مليار دولار لبنك أوف أمريكا، سيتى جروب، مجموعة جولدمان ساكس، جى بى مورجان تشيس، مورجان ستانلى وويلز فارجو. التكاليف الإضافية تأتى من مجموعة من المتطلبات الجديدة لرأس المال، وتلك التي تتعلق بالبنوك التي تزيد قيمة أصولها علي 50 مليار دولار. ونظرا" لحجم أصول البنوك الستة الكبار ومخاطرها فكانت التكلفة باهظة. هذه التكاليف لم تشمل قيمة الغرامات التي اضطرت البنوك إلى دفعها منذ الأزمة. وتكشف بيانات حديثة أيضا" أن التسويات القانونية التى أجرتها هذه البنوك مع السلطات قد ارتفعت بنسبة 62% في تسعة أشهر إلى أكثر من 107 مليارات دولار. ووفقا" لبيانات من وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز، توقعت الدراسة انخفاض الأرباح قبل خصم الضرائب بما يتراوح بين 22 مليار و34 مليار دولار سنويا" في هذه البنوك بسبب القواعد التنظيمية فى قانون دود فرانك، وذلك استنادا الى بيانات عامى 2011 و2012. ومن بين القواعد الجديدة التي رأت الدراسة أنها ستقيد قدرة البنوك على تقديم المنتجات المصرفية: القيود على تداول الملكية، حظر بعض الاستثمارات ومعايير الإقراض الجديدة للرهن العقاري.