إعداد: شريفة عبدالرحيم .. تقرير: العزب الطيب الطاهر بينها عبر هذه السكك، الذى حصل على دفعة قوية من المؤتمر الأول لتوطين صناعات السكك الحديدية والمترو فى دول المجلس التعاون الخليجى، والذى نظمته مؤخرا وزارة النقل والاتصالات بسلطنة عمان بالتعاون مع الأمانة العامة للمجلس بالعاصمة مسقط، وقد وصلهذا المشروع بالفعل مرحلة التنفيذ داخل أغلب الدول التى أنشأت هيئات ومؤسسات مسئولة عنه ضمن أجهزتها الحكومية، وبعضها حقق تقدما كبيرا فى انتظار القرار السياسى من قادة المنظومة لتحقيق الربط عمليا وهو ما سيجعله واحد امن أهم التأثيرات الإيجابية، التى ستدفع المنظومة الخليجية باتجاه مرحلة مغايرة تماما لما كان سائدا على مدى السنوات الأربع والثلاثين المنصرمة، هى عمر المجلس منذ انطلاقته فى مدينة أبوظبى فى الخامس والعشرين من مايو 1981، عنوانها التكامل الحقيقى والتفاعل المباشر بين مكونات دول المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية، الأمر الذى من شأنه أن يشكل الأرضية الصلبة التى بوسع الاتحاد الخليجى أن ينطلق منها، عندما تنتهى اللجنة المشكلة من دراسته. وتقدر الاستثمارات التى سيتم إنفاقها لتوطين وتأسيس صناعة حقيقية بنحو 250 مليار دولار خلال العشر سنوات المقبلة، وذلك لتنفيذ ما يقارب عشرة آلاف كيلومتر من السكك الحديدية والمترو بدول المجلس، وفقا لما أعلنه الدكتور عبد اللطيف الزيانى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى، فى مداخلته أمام مؤتمرمسقط. ويجمع الخبراء على الأهمية الاقتصادية لتوطين صناعات السكك الحديدية والمترو فى دول مجلس التعاون الخليجى لأنه سيشكل العمود الفقرى لنقل السلع والركاب وهو ما ينعكس بالإيجاب على تكاليف السلعة المنقولة لما للسكك الحديدية من قدرة كبيرة على نقل الحمولات الثقيلة ولمسافات بعيدة وبسرعة واضحة تفوق الكثير من الوسائل الأخرى كما أن قطاع النقل بالسكك الحديدية يأتى على رأس القطاعات التى تدعم الهيكل الاقتصادى للدول ويمثل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد القومى لأى دولة لأنه من أهم وسائل النقل التى تحقق شروط النقل المطلوبة وهى الأمان والتكلفة المنخفضة. ولا يمكن فى هذا الشأن إغفال ما تساهم به السكك الحديدية فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث تساعد فى تنفيذ كل المشروعات التنموية الاستراتيجية ومنها تعزيز الاكتشافات البترولية من خلال نقل المعدات وآليات المشروعات فضلا عن نقل خام البترول من الآبار كما تقوم السكة الحديد بالإيفاء لكل متطلبات النقل الاستراتيجى وتحت ظروف تشغيلية صعبة ومعقدة للغاية مثل نقل كل مواد الغذاء كما تساهم فى النهضة العمرانية والاجتماعية، فمن المتوقعأن يتم التوسع فى المدن الجديدة بوصول الخط الحديدى إليها وهى المورد الرئيسى لإمداد الكثير من المدن والتجمعات السكانية التى تقع على الخط الحديدى كما تنتشر فى كل السكك الحديدية الرئيسية أندية ثقافية ورياضية ليست حكرا على عامليها بل تستوعب كل المواطنين المقيمين حول هذه المحطات كما تساهم السكة الحديد أيضا فى إنشاء المدارس والمراكز الصحية والصيدليات فى العديد من محطاتها الرئيسية. ويشير الخبراء الى أن هناك عددا من التحديات والمعوقات التى تواجه مشروعات السكك الحديدية والمترو بدول مجلس التعاون، التى يجب التعاون المشترك على مواجهتها وتذليلها من خلال وضع استراتيجية شاملة تحقق التكامل وتكون جزءًا من التخطيط الاستراتيجى الشامل لدول المجلس وتتمثل أبرز هذه العقبات فى التمويل، فبناء سكك حديدية متطورة يحتاج الى بنية تحتية باهظة الكلفة وهو ما يفرض انشاء صندوق تنموى لتمويل هذا المشروع فى دول المجلس مما يسهل انشاء هذه الخطوط ويقضى على أكبر تحد يواجهه ويغنى عن اللجوء إلى طرق أبواب الدول الكبرى للاقتراض خاصة أن الاستثمارات الأجنبية قد تبدى اهتماماً بتشغيل خدمات السكة الحديدية وليس ببنائها لأن التشغيل يتضمن مخاطرة أقل، وذلك يتطلب من الدول الخليجية توفير التمويل اللازم لبناء المشروع الذى سيكون شرياناً حيوياً لهذه الاقطار وهو لا يمثل عبئا كبيرا رغم الظروف الحالية كما أن من مميزات دول مجلس التعاون الخليجى عدم وجود عراقيل أمام انتقال الركاب والبضائع لتبنى هذه الدول منظومة واحدة. وفى ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة تجب مراعاة هذا التطور فى الدراسة التى سيتم تقديمها من خلال اللجنة المكلفة بها من الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجى لأن إنشاء السكك الحديد وتحديثها بالوحدات المتحركة الحديثة والمنشآت الثابتة من الخطوط الحديدية يستوجب مراعاة خصائص الاستثمار فى قطاع السكك الحديدية التى يتمثل أهمها فى ضخامة الاستثمارات المطلوبة، باعتبارها صناعة كثيفة بحاجة إلى رأس المال وتكامل الاستثمارات بمعنى أنه فى حالة شراء قاطرات ذات سرعة عالية فلابد من تجديد الخطوط الحديدية لتتحمل هذه السرعات وكذلك تعتبر السكك عاملاً من عوامل التوطن الصناعى حيث تبرز أهميته فى مرحلتى الإنتاج والتوزيع حيث توفر فرصا لنقل المواد الأولية وعنصر العمل والسلع الوسيطة وكذلك نقل الإنتاج إلى مناطق التخزين والاستهلاك. فى ضوء هذا التوجه، فإن القطاع الخاص سيكون شريكا مهما فى توطين صناعات السكك الحديدية من خلال تشجيع القائمين على هذا القطاع لجذب استثماراتهم والاستفادة من خبرات هذه الشركات خاصة الشركات الأجنبية ذات الخبرات فى قطاع السكك الحديدية والمترو للدخول فى شراكة حقيقية مع القطاع العام وللاستثمار فى مشروعات السكك الحديدية والمترو فى دول مجلس التعاون، للاستفادة من خبراتها الفنية والإدارية، على أن يتم تطوير السياسات والقوانين التشريعية ذات العلاقة بما يتناسب مع متطلبات تنفيذ تلك المشروعات، وتوفير البيئة المناسبة وأنظمة المشتريات التى تضمن المنافسة العادلة والشفافية. هناك بعد مهم آخر يتمثل فى أن توطين صناعات السكك الحديدية والمترو فى دول مجلس التعاون الخليجى سيشكل نواة لتنفيذ مخطط الربط البرى العربى بالسكك الحديدية وتفعيل العمل لانشاء السوق العربية المشتركة حيث سيؤدى إلى ترابط اقتصادى وتكامل كبير بين الدول العربية فضلاً عن التقارب الاجتماعى وهناك فوائد وآثار إيجابية مباشرة فى مشروع ربط دول مجلس التعاون فيما بينها خاصة فى تيسير حركة التجارة البينية بين دول المجلس وحرية التنقل لمواطنيها والمقيمين فيها وتسهيل انتقال الخدمات بالإضافة إلى الاستثمارات المشتركة بين دول المجلس التى تعد داعماً سياسياً لاقتصادياتها. ولا تتوقف الأهمية لهذا المشروع الذى يوصف فى المنطقة بأنه المشروع الحلم عند الأبعاد الاقتصادية وإنما يرصد الخبراء مجموعة من الأهداف السياسية والاستراتيجية على النحو التالى: أولا: توفير قدرات هائلة لانتقال البشر والمنتجات والسلع، وبكميات أكبر مما تقوم به وسائل النقل الأخرى، على الرغم من وتيرتها الأسرع من السكك الحديدية وذلك يعنى المزيد من الترابط بين دول المجلس، على نحو يقوى استراتيجياتها التوحيدية على المستوى السياسى، مما يمكن أن يشكل فى حد ذاته قفزة نوعية باتجاه الانتقال الى مرحلة الاتحاد الخليجى التى تحلم بها شعوب المنطقة، لبناء كيان أقرب الى صيغة الفيدرالية يكون مجال حركته السياسة الخارجية وشئون الدفاع، محافظا فى الوقت نفسه على خصوصية كل دولة عضو فى مجلس التعاون وهياكلها السياسية وبنيتها الاقتصادية والاجتماعية، وإذا كانت سلطنة عمان قد أبدت بعض التحفظات على الانتقال الى هذه المرحلة فى وقت سابق، الا أن ذلك لم يكن مؤشرا على عدم موافقتها على قيام الاتحاد. التى ترى ضرورة توافر شروط موضوعية للانتقال اليه بعد الدراسة المتأنية، وفى تقديرى فإن وجود عامل الربط بين دول المجلس عبر السكك الحديدية، من شأنه أن يوفر أهم هذه الشروط، فعندئذ تكون تضاريس الاتحاد قد أصبحت أكثر وضوحا، والتواصل بين وحداته أكثر فاعلية من قبل. ثانيا: بوسع الربط القائم بين دول منظومة مجلس التعاون بالسكك الحديدية أن يشكل مقوما شديد الأهمية فيما يتعلق بتطبيق استراتيجية الدفاع والأمن، صحيح أن الوسائط البرية والجوية والبحرية منوط بها أدوار مهمة فى هذا الشأن، بيد أن وجود هذه الشبكة من شأنه أن يجعل هذه الاستراتيجية أكثر قابلية للتطبيق السريع بالذات فيما يتعلق بنقل المعدات والعتاد العسكرى الثقيل وآلاف الجنود عند الحاجة اليها فى أى بقعة فى المنطقة، مثلما حدث مرارا فى تاريخ الكيانات والدول الكبرى ذات المساحات الشاسعة، ولاشك أن المساحة الجغرافية التى تتمتع بها دول مجلس التعاون تجعل هذه الشبكة من الأهمية بمكان لأى استراتيجية دفاعية، سواء فى الوقت الراهن أو فى المستقبل، كما أنه بإمكان هذه الشبكة أن تعزز قدرات الأجهزة الأمنية المعنية فى محاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة بل توفير قدرات استباقية فى إجهاض عملياتها من خلال توفير إمكانية الحركة عبر أفق جغرافى ممتد يتيح المناورة بشكل أكثر اتساعا من الوسائل الأخرى خاصة فى حال استخدام تقنية القطار السريع مثلما هو الحال فى أوروبا واليابان والصين والولايات المتحدة. ثالثا: من المأمول أن تعمق ما يمكن وصفه بالتواصل الشعبى المكثف بين دول منظومة مجلس التعاون التى لا يمكن أن توفرها وسائل النقل الجوى أو البرى أو حتى البحرى إن وجدت، فشبكة السكك الحديدية قادرة على استيعاب نقل آلاف البشر من بقعة خليجية أخرى فضلا عن تجاوز صعوبات الانتقال التى لا يكون بمقدور الوسائط الأخرى أن تتجاوزها وأهمية هذا التواصل تكمن فى أنه يعطى مصداقية للمقولة التى تؤكدها الأدبيات السياسية لمنظومة المجلس وتتمثل فى قدرته على ملامسة متطلبات واحتياجات المواطن الخليجى.