تشهد سوق الابتكارات الجديدة نموا غير مسبوق فى انحاء العالم مع حرص كثير من الدول على ترجمة البحث العلمى الى سلع وخدمات جديدة تغزو بها الاسواق المحلية والعالمية من أجل خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادى . فى ظل توقعات بنمو كل من اليابان وأوروبا بنسبة 1٪ فقط، وكذلك تباطؤ اقتصادات مثل البرازيلوروسيا وعدم نجاة حتى الصين من تباطؤ النمو هذا العام، يصبح أفضل علاج للركود هو «الابتكار» . ابتكار سلع وخدمات جديدة تجعل حياة الناس أفضل. ومثلما كان الحال من قبل، وسواء كان جهاز تكييف، لقاحا، أو رسائل نصية، الجديد هو الذى يمكن ان يكسر حاجز الركود والتباطؤ مثلما أشار تقرير لمجلة بيزنس ويك. ومن ثم تخوض الدول المتقدمة سباقا لتشجيع مناخ الابتكار . لكنها ليست عملية سهلة، والجميع يتساءل عن كيفية بناء وادى سيليكون، على غرار عاصمة التكنولوجيا العالمية «سيليكون فالي» الامريكية، موطن أكبر شركات الحاسبات والانترنت فى العالم. وقد تصدرت كوريا الجنوبية مؤشر الابتكار العالمى 2015 ، الذى يحدد قائمة بالخمسين دولة الأكثر ابتكارا فى العالم من قبل وكالة بلومبرج. فى حين احتلت القوى الاقتصادية الولاياتالمتحدة المرتبة السادسة، والصين المرتبة ال 22 وكانت المغرب آخر من لحق بالقائمة. والمهم فى قائمة الدول الاكثر ابتكارا ما تكشف عنه من القدرة الشاملة لتلك الدول على الابتكار، وهو ما يتم تحديده وفقا لستة معايير تتمثل فى نشاط البحث والتطوير، التصنيع، شركات التكنولوجيا المتقدمة، التعليم الجامعى، عدد العاملين فى مجال البحوث وبراءات الاختراع. ويتم تحديد ترتيب الدول من خلال مجموع الوزن النسبى لهذه المعايير. وعلى سبيل المثال، جاءت روسيا فى المرتبة الحادية عشرة فى القائمة هذا العام لكنها احتلت المركز الثانى بعد كوريا الجنوبية بالنسبة لمعيار التعليم ما بعد الثانوى وذلك بفضل ارتفاع نسبة القوة العاملة ذات المؤهل العالى. وتقول بلومبرج انه على الرغم من تفوق روسيا فى مجال العلوم والرياضيات، لكن الابتكار ليس من مواطن قوة الدولة. واضافت ان بعضا من أفضل الدول أداء فى كل معيار من الستة هى بالكاد من الدول المبتكرة. فدول مثل روسيا لم تتمكن من تحويل التفوق العلمى إلى ابتكار نتيجة للروتين والفساد وغيرهما من «معوقات» الابتكار. تصدر بلومبرج مؤشر الابتكار العالمى منذ عام 2007 . وتنظر فى بيانات أكثر من 200 دولة، اعتمادا على مصادر من بينها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ومنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة. وفيما يلى لوحة الشرف للدول الاكثر ابتكارا فى العالم واسباب تفوقها وفقا للمعايير الستة: البحث والتطوير تصدر كوريا الجنوبية هذا المعيار دليلا حيا على قدرة الدول على التقدم من خلال جهود مشتركة بين القطاعين العام والخاص. فالبحث والتطوير لا يسمن ولا يغنى من جوع اذا ظل حبيسا فى المعامل. وفى دول مثل فرنسا، العلماء وهم موظفون فى الدولة يعملون فى معاهد مرموقة برواتب مجزية، لكن ليس لديهم حافز لتحويل أعمالهم الى منتجات تجارية، ومن ثم تكون استفادة الدولة من جهودهم بطيئة. وفى المقابل، النموذج الناجح للاستفادة الاقتصادية من البحث العلمى بترجمته الى سلع وخدمات هو مؤسسة العلوم الامريكية التى تقدم 94٪ من المنح البحثية الى علماء فى مختبرات الجامعات والشركات. وفى كوريا الجنوبية، كان للشركات الكثيفة الابتكار - بقيادة سامسونج - الفضل فى تحديث اقتصاد البلاد وتعزيز النمو. كانت سامسونج قد خصصت 14 مليار دولار لنشاط البحث والتطوير فى عام 2014 مقارنة ب 9.1 مليار دولار فى عام 2011 . وترتيب الدول الخمس الاكثر نشاطا فى مجال البحث العلمى هو: كوريا الجنوبية - اسرائيل - فنلندا - السويد - اليابان . التصنيع السبب فى أهمية التصنيع عند قياس مستوى الابتكار فى دولة ما انه لا يمكن تحقيق انجازات صناعية دون توافر مستوى عال من الnow-how وقد شكلت الصناعات التحويلية 68٪ من نشاط البحث والتطوير لشركات الاعمال الامريكية فى عام 2011، وهى آخر سنة توافرت عنها بيانات. والمهم هنا هو القيمة المضافة للابتكار، فابتكار رقائق بطاطس لا يساوى ابتكار رقائق الكمبيوتر . وعلى سبيل المثال، تقدر القيمة المضافة لقطاع صناعة الادوية فى سويسرا بنحو 27 مليار دولار . والدول الاكثر ابتكارا فى مجال التصنيع بالترتيب هى : سويسرا، ايرلندا ،سنغافورة، ألمانيا واخيرا وليس آخرا النمسا. شركات التكنولوجيا المتقدمة : بالطبع، الولاياتالمتحدة هى الابرز فى الابتكارات التكنولوجية. ويتضمن القطاع مجالات متنوعة تبدأ شركاتها من جوجل (انترنت) الى لوكهيد مارتن (دفاع) الى مونسانتو (هندسة تعديل وراثى زراعية). والدول الخمس الاكثر ابتكارا فى مجال التكنولوجيا المتقدمة هى: الولاياتالمتحدة، الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، كندا. وهذا العام تحتل الشركات الامريكية تسعة مراكز فى قائمة أكبر الشركات التكنولوجية فى العالم من حيث القيمة السوقية وهى: آبل وقيمتها السوقية 625 مليار دولار، مايكروسوفت 377 مليارا، جوجل 342 مليارا، فيس بوك 210 مليارات، اوراكل 189 مليارا ، انتل 175، اى بى ام 154 مليارا، سيسكو 141 مليارا وكوالكوم 118 مليارا. وكان الاستثناء فى القائمة من نصيب شركة تينسنت الصينية وتقدر قيمتها السوقية بنحو 147 مليار دولار. التعليم ما بعد الثانوى ويقيس هذا المعيار مستويات التعليم لقوة العمل (وليس مجموع سكان البلد). وفى حين تتصدر القائمة كوريا الجنوبية يأتى فى آخرها دول تكافح من أجل الوصول الى الحد الادنى من التعليم العام وهى باكستان، كينيا، البرازيل، اندونيسيا. ورغم أهمية التعليم بالنسبة للابتكار، فإنه لا يكفى وحده (كما هو الحال فى روسيا)، وتونس لديها أكبر عدد من خريجى العلوم والهندسة لكل ألف شخص فى قوة العمل لكنها لم تلحق بالخمس الكبار وهى: كوريا الجنوبية تليها روسيا، فنلندا، اسرائيل، اوكرانيا . عدد المهنيين فى مجال البحوث ترتيب الدول التى تتمتع بأكبر عدد من العاملين فى مجال البحوث هو: فنلندا، ايسلندا، الدنمارك، اسرائيل ثم سنغافورة .فبعد سقوط فنلندا من على عرش التليفونات المحمولة تعهد الفنلنديون بالتنوع والاستفادة بشكل أفضل من المواهب الهندسية المتوافرة فى البلاد. والقطاع الجديد الذى تراهن عليه هو ألعاب الكمبيوتر الذى تتفوق فيه الشركة المنتجة للعبة «آنجرى بيرد» أو «الطيور الغاضبة». اما ايسلندا فهى دولة رائدة فى علم الجينوم، والدنمارك فى المستحضرات الدوائية، واسرائيل فى البرمجيات وسنغافورة فى الالكترونيات. وبالنسبة للدول الاقل نموا، يأخذ الابتكار شكل محاكاة التكنولوجيا المتقدمة فى دول أخرى . ويقدر عدد المهنيين الذين يعملون فى مجال البحث والتطوير لكل مليون نسمة فى فنلندا بنحو 7482 شخصا مقابل 3979 فى الولاياتالمتحدة. براءات الاختراع هى نعمة ونقمة فى الوقت نفسه. فهى تحمى وتشجع الابتكار من خلال السماح للمخترعين بإبعاد منافسيهم عن سرقة أفكارهم. ولكن عندما يتم استخدامها كسلاح (فى دعاوى قضائية) يمكن ان تعوق الآخرين عن تطوير التكنولوجيات القائمة بالفعل. ويقدر عدد الدعاوى القضائية المتعلقة ببراءات اختراع فى الولاياتالمتحدة بحوالى 5000 دعوى فى عام 2014 مقارنة ب6000 دعوى فى العام السابق. مناخ الابتكار: وهو ما يصعب تحديده ويتعلق بالتنظيم الحكومى الذى يمكن ان يعمل على تسريع أو إعاقة اعتماد الأفكار الجديدة. وعلى سبيل المثال، يقول الرئيس التنفيذى لشركة أودى إنه بسبب قواعد قيادة السيارات الصارمة فى ألمانيا، أجرت شركته جميع أعمالها على النظم الآلية الجديدة فى الولاياتالمتحدة، حيث هناك المزيد من الحرية للقيام بذلك. وتطبيق التليفون المحمول المسمى ب«أوبر» الذى يربط السائقين بالراغبين فى الحصول على خدمة التوصيل، هو مثال آخر على مدى تأثير السياسات الحكومية على الابتكارات التى تهدد النظام القائم. (سائقو سيارات الأجرة فى جميع أنحاء العالم يكرهون اوبر). وفى الولاياتالمتحدة هناك محاولات لوقف شركة أوبر عن العمل.