من اللحظة الاولى للوصول الى مدينة جوانزو الصينية، يساور اى شخص الشعور بانه فى مدينة عربية وبالتحديد مصرية. فجاحفل التجار تأتى من بلاد الفراعنة بحثا الرخيص لتحقيق الثروة. والطائرات تهبط بين كل حين وحين لتعلن عن بداية صفقة جديدة فى بلاد التنين، لجلب المزيد من البضائع باقل الاسعار وبالطبع باقل المواصفات فى اتفاقية تبادل مشترك للمصالح بين الطرفين. ساقتنى الظروف خلال الرحلة من القاهرة الى العاصمة الصينيةبكين لحضور اولمبياد نانجينج للشباب للجلوس بجوار شباب صينى من الاقلية المسلمة فى الطائرة اسمه "عبدالرحمن". كان هو المفتاح الحقيقى لمعرفة الحقيقة الخفية وراء "كنز" جوانزو للمصريين. فقد بدأ حديثه بتعريف نفسه بانه تاجر صينى مقيم فى القاهرة ومعه اسرته ولديه ستة اولاد. وانه ذاهب لجلب بضاعة الى مصر للاتجار بها خاصة ان الاسعار فيها رخيصة للغاية وانها حسب الطلب وطبقا لما تريده من مواصفات. واضاف ان هناك شبه تعاقد دائم بين التجار المصريين وهذه المدينة وذلك من خلال وسيط يقوم بانتظارهم فى المطار يتولى انهاء كل شىء لهم مع اصحاب المصانع المحدودة الامكانيات او ما يطق عليه فى مصر "مصانع بير السلم". حيث يتم تصنيع ما يريدون باقل التكاليف وايضا الجودة، إذ ان هذه البضاعة لا تطرح على الاطلاق فى السوق الصينية لانها تضعهم تحت طائلة القانون. وكشف عبدالرحمن عن ان هذا المتعهد له عمولة فى كل اتفاق وان حجم التجارة يتعدى الملايين من "الايوان" وهى العملة الصينية فى كل مرة، مشيرا الى ان جوانزو تمثل عنق الزجاجة فى العملية الشرائية للمصريين والعرب، والبيع فيها ليس بالقطاعى ولكن بالجملة يعنى يمكن لك ان تحصل فقط على قطعة كعينة فقط على ان يتم بعد ذلك الاتفاق على الجملة فى كل شيء. ويبدو ان تجار جوانزو تعلموا الشطارة من المصريين، فبمجرد ان يلمحوا اى اجانب داخل الاسواق. تجد اهل مدينة العجائب يضربون الاسعار فى ثلاثة. بمعنى ان الشيء اذا كان سعره خمسين يصبح فى ثانية 150 او ربما 200 وبعد شد وجذب بين الطرفين ينزل السعر الى ما يريد البائع مع اضفاء بعض المشاعر من الضيق والتبرم، على اساس انه خاسر لا محالة فى هذه الصفقة. وبالطبع هذا الامر غير صحيح. وتتنوع الاسواق فى مدينة العجائب بحيث ان كل شيء له ركن خاص به. فمثلا هناك جزء للجلود واخر للملابس وثالث للاكسسوارات. وفى كل مرة تجد من ينتظرك ويرحب بك لدرجة انه بمجرد ان تدخل المحل تجد من الصعب ان تخرج منه. فى ظل الحرص الشديد من البائع او البائعة على ان تشترى حتى ولو وصل الامر الى الجذب من الملابس او الانطلاق خلفك للحاق بك من اجل التفاوض حول السعر وكل ذلك من خلال الآلة الحاسبة وليس الكلام، لان اغلبهم لا يجيد سوى اللغة الصينية وقلة منهم فقط تفك الخط بالانجليزية. وتقع جوانزو جنوبىالصين وتعد ثالث اكبر مدينة بعد بكين وشنغهاى، عاصمة مقاطعة غواندونج تقع على ضفة نهر تشو جيانج او ما يسمى بنهر اللؤلؤ وتعد من اهم وأكبر الموانى الصناعية والتجارية على مر العصور وقصدها العديد من التجار العرب واخرين من بلاد فارس والهند. كما انها تمثل واحدة من اهم المراكز الصناعية والتجارية فى جنوب شرق اسيا حيث يقام فيها معرض الكانتون فير الذى يعد من اهم واضخم المعارض الصناعية فى العالم وكان أول افتتاح له فى ربيع عام 1957، وهو الحدث الرئيسى فى المنطقة حيث يقام هذا المعرض برعاية وزارة التجارة الصينية وحكومة مقاطعة غواندونج ويحتوى على اكبر تجمع للمنتجات الصناعية والتجارية لمعظم مصانع الصين ويعقد به اكبر عدد من الصفقات التجارية فى البلاد، ويعقد المعرض مرتين فى شهر ابريل واكتوبر من كل عام. ورغم ندرة المتحدثين بالانجليزية من الناس العاديين، فإن بعض المبانى فى وسط المدينة تحمل لافتات بالعربية، فالمدينة مركز تجارى مهم وفيها كثير من المطاعم العربية والتركية التى تلقى رواجا كبيرا لدى العرب الذين لا يستسيغون كثيرا الطعام الصيني، ولأنهم غالبا ما يريدون تناول لحوم (حلال) لا توفرها المطاعم الصينية. ومن هذه المطاعم على سبيل المثال وليس الحصر: مطعم قصر الشرق، مطعم المائدة، مطعم سبأ، مطعم الشامي، مطعم السدة، مطعم السلطان ومطعم الباشاوات.