التجارة الداخلية احد المقومات الاساسية لاستتباب الامن الاجتماعي والاقتصادي حيث يكرس لها البعض نشاطا يتمخض عن تصرفات تدور بين النفع والضرر في اطار قواعد تقوم علي تلبية مقتضياتها اللازمة, فليس من الصحيح الاعتقاد بأن اقتصاد السوق إضعاف لدور الدولة بل الحقيقة ان السوق لا يعمل الا في إطار دولة قوية تضع الاطار العام للنشاط الاقتصادي وتحدد له شروط مباشرته دون الخروج عليها.. من المسلم به ان التجارة الداخلية لا تقوم الا في احضان دولة قوية يخضع فيها جميع الاطراف لاحكام القانون والدستور بما يحقق الاتزان العادل بين حقوق كل من الهياكل الانتاجية والتجارية وحقوق ومصالح المستهلك سعيا لرفع اداء السوق الداخلي نحو المستوي الامثل والمطلوب من خلال توفير احتياجات الاسواق الداخلية من المنتجات اليومية بأسعار عادلة ومواصفات سليمة وهذا الامر يستوجب الاستعانة بمن استبانت بهم الخبرة وليس اهل الثقة ممن تتعارض مصالحهم بالمصلحة العامة للبلاد سواء تعارضا مطلقا ام نسبيا ومن ثم فان تنمية التجارة الداخلية تتوقف علي الشعور بالثقة والمصداقية في الأوضاع الاقتصادية القائمة وقدرتها علي الثبات والاستمرار بالسوق الداخلية للبلاد, فاذا ما شاب تلك الثقة ما يعكر صفو اريجها فان اقبال المستثمرين الوطنيين والاجانب لابد ان يعتريه قدر من التردد والقلق قد يعسف بحركة التجارة الداخلية ويعوق التوجه نحو الاسواق الخارجية.. لهذا كانت التجارة الداخلية هي التكأة الاساسية في العلاقات الدولية التجارية, ومن ثم فان الالتزام بقواعد وأحكام القوانين المنظمة لها وتنفيذها علي النحو الصحيح هو حجر الزاوية لحماية الاقتصاد الداخلي من القلق والاهتزاز الذي قد يعتريه بين الحين والآخر وهذا يتطلب توفير الشفافية والمكاشفة عن حقيقة اوضاع الهياكل الاقتصادية للاشخاص الطبيعية والاعتبارية بالسوق الداخلية وتنقيتها من ذوي النفوس المنحرفة والنوايا السيئة الذين يتخذون من التعامل بالاوراق التجارية مثل الشيكات والكمبيالات والسندات وسيلة لجمع الاموال والتحايل بطرق من الايهام والتضليل للضحايا التي تقع في براثن حبالهم وشباكهم دون باعث من دين او وازع من ضمير, وهذا الامر يثير قضية المعلومات والبيانات المالية والتجارية والاقتصادية التي قد تتناقض فيما بينها نتيجة لسوء الادارة وانعدام الدراية بأهميتها كوسيلة كاشفة لفساد السوق الذي طالما هناك تعتيم علي قواعد البيانات التجارية والمالية المتعلقة بحركة التجارة الداخلية وتلك هي مأساة حقيقية. لهذا فقد جاء قانون التجارة رقم17 لسنة1999 المعدل بالقانون رقم156 لسنة2004 بقواعد قانونية كاشفة للتشوهات التي تصيب التجارة الداخلية تحقق الجانب الوقائي المانع من تعرض المعاملات التجارية لاخطر الجرائم التي تهدد السوق الداخلية للبلاد نتيجة العبث بحقوق الدائنين علي يد بعض المستهترين بها كما تحقق الجانب العلاجي القامع بالحبس والغرامة لكل من تعمد اصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف او استرد كل الرصيد او بعضه او تصرف فيه بعد اصدار الشيك بحيث يصبح المتبقي لا يفي بقيمة الشيك او اصدر امرا للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك في غير الحالات المقررة او حرر شيكا او قام بالتوقيع عليه بسوء نية علي نحو يحول دون صرفه او قام بتظهير شيك لغيره ناقلا للملكية او سلمه شيكا مستحق الدفع لحامله مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء يفي بكامل قيمته او انه غير قابل للصرف فاذا قضت المحكمة بالادانة في احدي هذه الجرائم جاز لها ان تأمر بنشر الحكم علي نفقة المحكوم عليه في مجلة تصدر عن الاتحاد العام للغرف التجارية تسمي مجلة الاحكام بحيث يتضمن هذا النشر اسم المحكوم عليه وموطنه ومهنته والعقوبة المحكوم بها, والغرف التجارية تؤول تبعيتها لوزير الصناعة والتجارة وهو امر مخالف لصريح اعمال القانون ولكن يبقي السؤال هل هذه المجلة شأنها شأن باقي وسائل الاعلام المقروءة التي يسهل الاطلاع عليها؟ كما أوجبت احكام القانون رقم156 لسنة2004 المعدل للقانون17 لسنة1999 علي مكاتب السجل التجاري بجهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزير التموين والتجارة الداخلية امساك دفاتر لقيد بيانات الاحتجاج بعدم الوفاء بقيمة الكمبيالات المقبولة والسندات لامر الواردة بقوائم قلم المحضرين التي تشمل تاريخ الاحتجاج واسم صاحب الكمبيالة ومهنته وموطنه واسم محرر السند لامر او اسم قابل الكمبيالة ومهنته وموطنه وتاريخ الاستحقاق ومبلغ الكمبيالة او السند لامر وملخصا لاسباب الامتناع عن الوفاء التي ذكرها المدين وقت تحرير الاحتجاج ولكل شخص حق الاطلاع علي هذه البيانات بعد سداد رسوم مقررة وعلي مكاتب السجل التجاري عمل نشرة تتضمن تلك البيانات وعلي الاتحاد العام للغرف التجارية نشر هذه البيانات في مجلة الاحكام المشار اليها سلفا, فأين حكومة القتال والبناء من تنفيذ تلك التشريعات؟ ان كنا قد عرفنا من تقاتل هذه الحكومة ولكن ما هو البناء الذي اقامته علي ارض هذه التشريعات وتحت اي سماء؟ ------------------ رئيس مصلحة التسجيل التجاري وعضو مجلس إدارة جهاز المنافسة