طرح احدث التسريبات لويكيليكس اجتماعات الجولة السادسة التي جرت ابريل الماضي من مفاوضات تحرير قطاع تجارة الخدمات بين اطرافها: الولاياتالمتحدة, الدول الكبري, هي المفاوضات المعلنة بعضها والسرية بعضها الآخر. من تسريبات اتفاقية التجارة في الخدمات الي تسريب وثائق جديدة تؤكد تقديم قطر رشاوي لاستضافة كأس العالم تستمر رحلة كشف الاسرار والبحث عن الحقيقة وتداعياتها. علي الرغم من التهوين من شأن اضرار تسريبات ويكيليكس الشهيرة وتطمينات مايكل روجرز مدير وكالة الامن القومي الامريكي الجديد ومسئول الدفاع الرقمي بانها اقل مما كان يخشي منه الا ان تداعيات تسريبات عميل الاستخبارات الامريكية السابق ادوار سنودن التي بدأت العام الماضي لاتزال مستمرة وذلك مع ظهور حلقات جديدة من مسلسل التسريبات. كان اخر هذه الحلقات ما كشف عنه احدث التسريبات لمحادثات سرية بين الولاياتالمتحدة والدول الكبري في العالم لرفع القيود المالية والمصرفية في اطار توجه نحو تخفيف القواعد التنظيمية سرا. الوثيقة السرية هي مسودة لاتفاقية التجارة في الخدماتTradeInServices او تيسا الاختصار باللغة الانجليزية التي انطلقت في اواخر عام2012 من خلال مفاوضات جانبية منفصلة بين23 دولة غنية من اعضاء منظمة التجارة العالمية وهي الاتفاقية التي تحظي بأقل قدر من الاهتمام الاعلامي من بين الاتفاقيات الاخري التي يتم التفاوض بشأنها هذه الايام وان كان هذا لا يعكس اهميتها الحقيقية. ولكن تسريبات ويكيليكس توضح مخاطر الاتفاقية التي توسعت لتشمل خمسين دولة تمثل ما يقرب من70% من اجمالي تجارة العالم في الخدمات, وكان ابرز الداعمين لها الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي اللذان صاغا معظم التغييرات فيها التي تغطي ايضا عملية تبادل المعلومات وانتقال البيانات. بحسب مسودة الاتفاقية المسربة, تم الاتفاق علي سرية بنودها لمدة خمس سنوات من دخولها حيز التنفيذ, وليس حتي انتهاء جولة المفاوضات وذلك في مناورة واضحة للتحايل علي الشفافية والمصداقية من جانب الدول المشاركة فيها لحماية مصالحهم. فالبرغم من الفشل الواضح في التنظيم المالي الدولي خلال الازمة المالية العالمية2007 2008 والتوصيات المتكررة بتحسين الهيكل التنظيمي العالمي فإن الداعمين لاتفاقية تيسا يسعون الي مزيد من تخفيف القيود علي اسواق الخدمات المالية العالمية, الاتفاقية تضع قواعد من شأنها المساعدة في توسع الشركات المالية المتعددة الجنسيات مقرها اساسا في نيويورك ولندن وباريس وفرانكفورت في دول اخري عن طريق منع الحواجز التنظيمية. الوثيقة المسربة لاجتماعات جنيف في شهر ابريل الماضي كشفت حرص الولاياتالمتحدة المتحدة بشكل خاص علي تعزيز عملية تدفق البيانات عبر الحدود التي قد تسمح بتبادل غير مسبوق للبيانات الشخصية والمالية. فالولاياتالمتحدة ترغب في تقييد قدرة حكومات الدول الأخري وحتي بالنسبة لحلفائها علي تنظيم قطاع الخدمات والتعديلات التي صاغها مكتب التمثيل التجاري الامريكي تستهدف تخلي الحكومات عن تقديم الخدمات التي توفرها مثل ادارة صناديق المعاشات العامة التي يشارك اليها علي انها احتكار ووضع حدود لتنظيم الخدمات المالية بتجميد التنظيم عند المستويات الحالية لكن هذا يعني عدم قدرة الحكومات علي التعامل مع ازمات مالية عالمية اخري جديدة, وحسب تقديرات بعض المحللين, اذا حقق بيزنس التجارة في الخدمات نفس امكانيات الصادرات السلعية علي مستوي العالم فان الولاياتالمتحدة قد تتمكن من زيادة صادراتها بنحو800 مليار دولار. تجري حاليا مفاوضات اتفاقية تيسا خارج اطار منظمة التجارة العالمية والاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات الجاتس, ومع ذلك هناك حرص علي توافقها مع الاخيرة حتي يتمكن المشاركون فيها من الضغط علي بقية اعضاء منظمة التجارة العالمية للانضمام والتوقيع عليها في المستقبل, ونظرا لطبيعة اتفاقية تيسا الحصرية فان الغياب الواضح لدول مجموعة بريكس: البرازيل, روسيا, الهند, الصين عن المفاوضات يعني ضعف موقفهم التفاوضي في مفاوضات تجارة الخدمات مستقبلا. ولكن بحسب الفاينانشال تايمز, الولاياتالمتحدة هي التي رفضت انضمام الصين ثالث اكبر سوق للخدمات في العالم بمفاوضات تيسا. وهنا تجدر الاشارة الي انه من بين الدول المشاركة في مفاوضات اتفاقية تيسا: استراليا, كندا, شيلي, تايوان, اسرائيل, اليابان, تركيا بالاضافة الي الداعمين الرئيسيين الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي. ومع اتساع نطاق المشاركة في المفاوضات من المتوقع ان يكون تأثير التسريبات الخاصة بها كبير بالنظر الي تجربة سابقة وهي فضيحة تجسس الولاياتالمتحدة علي قادة اوروبا والعالم التي اثارتها تسريبات ويكيليكس الشهيرة العام الماضي وكادت تتسبب في الغاء اكبر اتفاقية للتجارة الحرة في التاريخ. فمع الكشف عن عمليات تنصت واسعة النطاق لوكالة الامن القومي الامريكي علي اكثر من35 من قادة الدول من بينهم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تعثرت مفاوضات التجارة الحرة بين الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الاوروبي. وحسب تصريحات نائب رئيس المفوضية الاوروبية فيفيان ريدينج, خسائر الشركات الامريكية بسبب تلك الفضيحة قد تصل الي25.8 مليار يورو خلال السنوات الثلاث القادمة بسبب رفض تعامل الاوروبيين مع شركات التكنولوجيا الامريكية. وبالفعل وحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز, خسائر الشركات الامريكية باتت امرا واقعا مع خسارة مايكروسوفت لعدد من عملائها من بينهم حكومة البرازيل واضطرار آي بي إم الي انفاق ما يزيد علي مليار دولار علي بناء مراكز بيانات تابعة لها في اوروبا لطمأنة عملائها الاجانب بوجود بياناتهم في مكان آمن بعيدا عن اعين الحكومة الامريكية. وتتوقع مؤسسة فورستر للابحاث ان تصل خسائر صناعة الحوسبة السحابية الامريكية بسبب تسريبات ويكيليكس الي180 مليار دولار او25% من ايرادات الصناعة بحلول عام2016 مع تقويض الثقة في شبكة الانترنت وشركات الانترنت الامريكية مثل جوجل. علي ما سبق.. باتت التسريبات شبحا يهدد الجميع ولاسيما اذا كانت تلك التسريبات تساوي مئات من الدولارات كما هو الحال بالنسبة لتسريبات اسواق المال, وعلي سبيل المثال لمعرفة نتائج اختبارات التحمل للبنوك الاوروبية قبل اعلانها رسميا, هذا الشهر حلم اي سمسار في البورصات العالمية, ومثل هذه التسريبات تساوي الكثير. نتائج اختبارات التحمل التي تقيس قدرة البنوك علي الصمود في حالة حدوث ازمة اقتصادية او مالية كبري سواء محليا او دوليا ينتظرها المستثمرون بشغف فالبنوك التي ستفشل هي تلك التي لن يكفي راسمالها وستضطر الي تدبير سيولة جديدة من المستثمرين او من بيع اصول لديها وربما تمتنع عن توزيع الارباح. ومن ثم ونظرا لحساسية هذه المعلومات لما لها من تأثير كبير علي اسواق المال واستقرارها, تكتسب المحافظة عليها اهمية خاصة. لكن احتمالات تسريبها مع تخزينها في الفضاء الالكتروني تتضاعف في ظل وجود آلاف من المستشارين والمحللين الذين يتولون مهمة تحليل بيانات البنوك لصالح التقييم الشامل الذي يجريه البنك المركزي الاوروبي لاهم واكبر128 بنكا اوروبيا. ولذلك تم تقييد صلاحياتهم بخصوص التعامل مع هذه البيانات فلا يسمح لهم بتصويرها او اخذ نسخة منها بأي شكل كان, والمحللون لديهم نفاذ علي الجزئية الخاصة بهم في مشروع التقييم لفترة محددة بانتهاء عملهم, واي شخص يثبت تورطه في تسريب معلومات عن نتائج اختبارات التحمل يعرض نفسه لعقوبة الحبس فحسب تصريحات البنك المركزي الاوروبي جميع العمليات التي تتم علي بيانات البنوك تخضع لرقابة مشددة ويمكن تعقب مستخدميها. علي صعيد اخر قد تثير تسريبات نوعا اخر من المشاكل فمن التسريبات التي اثارت جدلا واسعا في الايام الاخيرة ما كشفت عنه عمليات التنصت علي صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين. فقبل اسبوعين كشفت تسريبات للرسائل الالكترونية الخاصة بالبنك الدولي عن توجه لتخفيف شروط الاقراض بما يتيح اكثر من50 مليار دولار سنويا لتمويل مشروعات الطاقة والتعدين والزراعة ولكن الرسائل التي اطلعت عليها صحيفة الاوبزرفر البريطانية تكشف ايضا عن مخاوف مسئولين كبار في البنك الدولي ازاء تخفيف القيود التنظيمية ما يؤدي الي زيادة المشروعات التي تكتنفها مشاكل, وقد اعربت جماعات حماية البيئة وحقوق الانسان عن استيائها وغضبها مما اعتبرته سوف يفتح الباب امام تدمير البيئة وبالفعل تضمنت احدي الرسائل المسربة السماح بتدمير الطبيعة اذا كان هناك استفادة من ذلك في مكان اخر وهو ما يعني ضمنيا التغاضي عن الشروط البيئة سرا. يذكر ان البنك الدولي يقدم قروضا بقيمة50 مليار دولار سنويا للقضاء علي الفقر في مائة دولة تقريبا وتم وضع قيود علي الاقراض في الثمانينيات والتسعينيات بعد سلسلة من المشروعات المدمرة للبيئة مثل سد نارمادا في الهند ومشروع مزارع النخيل في اندونيسيا الذي تسبب في اعادة توطين مئات الآلاف من المواطنين. وقد بينت التسريبات حرص مسئولي البنك علي زيادة الاقراض بوجه عام علي اعتبار ان المعايير الحالية مجحفة ورادعة للدول الراغبة في الاقتراض كما انهم ابدوا رغبة في التهرب من مسئولية الرقابة علي المشروعات التي يمولها البنك.