موبايلI Phone أهم منتجات شركة آبل الأمريكية العملاقة يتم تصميمه فى مركز هندسى ضخم فى كاليفورنيا لكن الإنتاج والتجميع بالكامل يجرى فى مصانع الشركة بالصين، أما المكونات فتسهم فى توريدها شركات من 6 دول أوروبية وآسيوية، والمعادن المستخدمة فى تصنيع المنتج يتم جلبها من أفريقيا. هذا الأمر لا ينسحب فقط على بقية منتجات آبل ولكن وربما بصورة أكبر يسرى على آلاف السلع والمنتجات ذات المنشأ الأمريكى ويجرى إنتاجها فى الخارج بدءا من المكسيك فى الجوار الأمريكى ووصولا إلى الصين فى أقصى الشرق. عشرات السلع مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية المنزلية وأجهزة الاتصالات والملابس وغيرها استفادت من قوانين العولمة التى أطلقت قوانينها وقواعدها إدارة الرئيس ريجان فى بداية الثمانينيات وأصبح إنتاجها داخل الولاياتالمتحدة محدودا أو غير موجود لضعف الجدوى الاقتصادية، فالتكلفة فى الداخل الأمريكى أصبحت مرتفعة جدا قياسا على فرص الإنتاج الرخيص فى دول ومناطق أخرى من العالم. ومن هنا اتجهت غالبية الشركات الأمريكية خلال الثلاثين عاما الأخيرة للفصل بين مراكز التصميم والابتكار التكنولوجى لمنتجاتها كما فى حالة آبل وبين مراحل الإنتاج الفعلى الذى يتوزع الآن على دول كثيرة على رأسها الصين. لا توجد أرقام توضح حجم القيمة المضافة الناتجة عن فصل مراحل إنتاج الشركات الأمريكية بين الداخل والخارج، ولكن مجلة الإيكونوميست تقول إنه بعد 23 عاما من تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية الثلاث « النافتا « فإن ثلثى الناتج المحلى الإجمالى فى المكسيك يعود لأنشطة الشركات الأمريكية العاملة فى أراضيها، وتقول أيضا إنه فى كل دولار تتحصل عليه المكسيك كعائدات تصدير فإن 40 سنتا منه يذهب لمصلحة الاقتصاد الامريكى، أى أن الاستفادة من النافتا عادلة للبلدين. غير أن إدارة ترامب تتجه إلى إعادة التفاوض على بنود النافتا وتقييد الحريات التجارية الواردة فيها إو إلغائها كلية، ولا ننسى أن أول قرار وقعه ترامب كان انسحاب أمريكا من اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادى التى تعنى عمليا موت المبادرة التى تتشارك فيها 12 دولة ليس من ضمنها الصين، فبدون الصينوالولاياتالمتحدة ليس هناك جدوى للمشاركات التجارية أو الاقتصادية!. ترامب يعتزم كذلك وقف التفاوض على اتفاقية الشراكة عبر الأطلنطى التى تمثل ضربة قوية للاقتصاد الأوروبى وبدلا من ذلك يسعى لعقد اتفاق ثنائى مع بريطانيا شريكة أمريكا فى إطلاق قوانين العولمة التى خرجت للتو من الاتحاد الأوروبى وتنخرط الآن فى عملية تفاوض صعبة للحد من تأثير الخروج فى الاقتصاد البريطانى. إذا قواعد العولمة التجارية تضرب بانتظام وبقوة نتيجة صعود اليمين فى الغرب ووصول ترامب إلى البيت الأبيض، تأثيرات الرجوع عن سياسات الانفتاح التجارى بين دول العالم لم تتضح بعد لكن التوقعات السلبية على الاقتصاد العالمى تظهر على ألسنة قادة الصندوق والبنك الدوليين، كما أن الهبوط الثابت والمنتظم فى قيمة الدولار الأمريكى يمثل رد فعل مبكرا من الأسواق لما تنتظره أحوال الاقتصاد من فوضى هى نتيجة طبيعية للنكوص عن مقررات العولمة التجارية التى عمل الاقتصاد الدولى فى إطارها لما يزيد على 30 عاما. الوظائف والاقتصاد الامريكى هى الهاجس الأساسى لإدارة ترامب وهى كذلك الشغل الشاغل لبريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى وهى بكل تأكيد الهدف المسيطر على كل الأحزاب اليمينية الصاعدة فى أوروبا . ومع ذلك فإن مخاطر التراجع السريع وغير المنظم عن قواعد العولمة تبدو جلية على الصعيدين الاقتصادى والسياسى، فى أمريكا يتحدثون عن نتائج إجبار الشركات الأمريكية للعودة إلى العمل فى الداخل عبر نظام ضريبى وجمركى معقد سيجعل تكلفة السلع الأمريكية المنتجة فى الخارج مرهقة لإدارات هذه الشركات، كما أن أسعار اقتناء هذه السلع بالنسبة للمستهلك الأمريكى ستكون فادحة، وهذا يعنى أرباحا أقل للشركات وإنفاقا أكثر للمستهلكين، عودة الشركات الأمريكية للإنتاج فى الداخل يمكن أن توفر وظائف أكثر لكن نمو الاقتصاد نفسه سيكون أكثر بطئا لأن العوائد النهائية للشركات ستكون أقل بسبب زيادة التكلفة » متوسط أجر العامل الأمريكى فى الساعة 27 دولارا مقابل 11 دولارا فى الصين ونحو 7 دولارات فى المكسيك و5 فى فيتنام، أما العواقب السياسية التى لا يراها ترامب فهى مفتوحة على احتمالات كثيرة أبرزها ما يمكن أن تفعله حكومة المكسيك المهددة بركود اقتصادى عنيف جراء سياسات ترامب التى من بينها غض الطرف عن الهجرة غير المشروعة عبر حدودها مع الولاياتالمتحدة، فضلا عن تسهيل تهريب المخدرات وغيرها من المهربات، فماذا يمكن أن يصدر عن اقتصاد يائس تجاه الجار الغنى الذى يملك أقوى اقتصاد فى العالم؟! فرانك فالتر شتاينماير وزير خارجية ألمانيا نبه العالم فور تنصيب ترامب إلى أن يتهيأ لحقبة من الفوضى، ومبشرا بميلاد نظام عالمى جديد لا يعرف أحد بعد ملامحه ولاتفاصيله.