شارك في الحوار: محمد إبراهيم - رحاب سيد احمد الاقتصاد المصري يشبه ما كانت عليه ألمانيا بعد الحرب جوهر الإشكالية هو عدم وجود نموذج اقتصادي مصري السياسيون في مصر يركزون علي المشكلات اليومية منظومة الخبز خطوة في الاتجاه الصحيح الفحم ليس البديل الأمثل للغاز وأكثر تكلفة التعليم مسئولية الدولة وعليها إنفاق المزيد من الأموال للتدريب --------------- التجربة الالمانية ثرية وتعد نموذجا متميزا لدولة خرجت من الحرب العالمية بعد أن خسرت كل شيء, ولكنها استطاعت أن تبني ثالث أقوي الاقتصادات في العالم والاقتصاد الاقوي في أوروبا القارة العجوز. النموذج الالماني في التنمية يعد الافضل علي مستوي العالم في تحقيق التوازن بين سياسة اقتصاد السوق الحر وتحقيق العدالة الاجتماعية, والتجربة الالمانية لا تقف عند حد بناء دولة عصرية بعد انهيار اقتصادها عقب الحرب العالمية الثانية, ولكن لدي ألمانيا تجربة فريدة أيضا في تحقيق التوازن بين القسمين الشرقي الفقير والغربي الغني بعد هدم سور برلين وتحقيق الوحدة بين طرفي ألمانيا. وفي صالون الأهرام الاقتصادي يشرح كريستيان هانز مانجلسدورف رئيس القسم الاقتصادي بالسفارة الالمانية بالقاهرة أوجه الشبه بين الأوضاع الاقتصادية في مصر الان والوضع في ألمانيا عقب الحرب العالمية, وضرورة إيجاد نموذج مصري في التنمية يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية وهي أهداف ثورتي25 يناير و30يونيو. أكد هانز أن التحديات صعبة وأن الوضع الاقتصادي في مصر خطير, ومع ذلك فإن الخطوات التي بدأتها مصر تدعو للتفاؤل. .................. الاقتصادي: تمر مصر حاليا بظروف مشابهة لما مرت به ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية من ناحية الازمات الاقتصادية والاجتماعية, وقد تبنت ألمانيا بعض الافكار لتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع معدلات النمو الاقتصادي.. فكيف تري الوضع بالنسبة لمصر, والاستفادة من التجربة الالمانية في التغلب علي المشكلات الراهنة؟ *هانز: ان الوضع الاقتصادي في مصر الان يضاهي الي حد كبير ما كان عليه الاقتصاد الالماني في أعقاب الحرب العالمية الثانية, لكن جوهر الاشكالية في مصر هو عدم وجود نموذج اقتصادي, علي عكس ألمانيا التي انتهجت بعد الحرب العالمية الثانية طريقا ثالثا يقع بين الرأسمالية المتوحشة والاشتراكية هو نظام' اقتصاد السوق الاجتماعي', وهذا يعني أن الدولة تضمن شروط آليات السوق وضمان التكافؤ الاجتماعي, وهو نظام يجمع بين اقتصاد السوق الحر والحماية الاجتماعية وإتاحة المنافسة ومنع الاحتكار والحرية الشخصية التي تضمن النمو والتوظيف, وعدم استغلال العاملين والسماح لهم بتكوين نقابات عمالية قوية. وعندما أنظر الي مصر الان اري أن السياسيين لا يهتمون بالسياسات الاقتصادية والتعديلات التشريعية بل يركزون علي المشكلات الحياتية اليومية, ويجب عليهم وضع برامج تعزز النشاط الاقتصادي, لأن الاصلاح يبدأ برؤية, واذا عرف السياسيون ما يصبون اليه فمن السهل عمل برنامج اقتصادي, لكن الاشكالية الجوهرية في مصر تتمثل في عدم معرفة أي نظام اقتصادي تتبعه في المرحلة القادمة؟, حتي الدستور الجديد اتسم بالتجريد ولم يحدد هوية النظام الاقتصادي الذي تتبعه الدولة. ان الوضع الاقتصادي في ألمانيا بعد الحرب العالمية كان مشابها لحد كبير الوضع الاقتصادي في مصر الان, حيث كان الانفاق موجها للتسليح, وكان الاقتصاد يعاني الانهيار, لكن الحكومة ركزت علي صياغة اطار عام للسياسات المالية والنقدية, كما وضعت سياسات تضمن حرية المنافسة وتمنع الاحتكار وتركت المبادرة للافراد, وسمحت بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج والتصرف في رءوس اموالهم, والسر وراء نجاح الاقتصاد الالماني هو اتاحة الحرية للافراد في اطار التنافس الحر. الاقتصادي: كيف يمكن لمصر ان تتعامل مع هذه السياسات في ظل مركزية اتخاذ القرار؟ *هانز: لا يمكن ادارة البلاد بطريقة مركزية من أعلي إلي أسفل, لأن هذه عملية مستحيلة, فحرية المنافسة واتاحة الفرصة للمبادرات الفردية ووضع الاطار الصحيح للاقتصاد الخيار الوحيد أمام الحكومة المصرية. الاقتصادي: كيف تغلبت ألمانيا علي البطالة ؟ *هانز: ان مصر في حاجة الي نظام تعليمي جيد لأنه بدون تعليم يصبح من المستحيل وجود افراد يملكون المبادرة, وعلي الدولة ان تتحمل نفقات التعليم, وتأهيل خريجي التعليم وتدريبهم بما يتوفق مع متطلبات سوق العمل, فالواجب يقتضي من الحكومة التدخل في شئون التعليم وانفاق المزيد من الاموال لأنه عامل حاسم في عقود الزمن التالية, وعامل حاسم ايضا في كسر طوق الفقر والارتقاء الي مكانة اجتماعية اعلي, حتي لا ندفع ثمن ذلك باهظا, وكلما كان عدد القوي العاملة المتعلمة تعليما جيدا أكبر كان الانتاج اكبر والبضائع المنتجة افضل جودة. كما أن تخصيص المزيد من الاموال للتعليم يحقق مردودا كبيرا خلال بضع سنوات, ولن يتم بين عشية وضحاها, وانما عملية مستمرة من جانب الدولة, وعلي رجال الاعمال توفير الآلات والمكان للمتدربين ليخرج بعد ذلك الشاب مؤهلا علميا وعمليا ليتلاءم مع احتاجات سوق العمل. الاقتصادي: كيف ينظر المستثمر الالماني لمصر؟ *ان المستثمرين الالمان مهتمون بالاستثمار في مصر, حيث يقدر معدل الطلبات التي تتلقاها الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة اسبوعيا بنحو6 طلبات من جانب المسثمرين الالمان بهدف التعرف علي السوق المصري, ومن المتوقع ان يكون هناك إقبال أكبر من الشركات الالمانية بعد الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية, كما ان الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة تضم2000 شركة, ولم ينسحب من السوق المصري بعد ثورة يناير إلا شركة واحدة هي ماكرو مصر لتجارة الجملة, وتوجد أهمية كبيرة لمشاركة مصر في المعارض التي تنظمها المانيا سنويا للاستفادة من فرص التسوق التجاري والسياحي, كما ينبغي علي وزيرالتجارة والصناعة والاستثمار زيادة الاستثمار في مجالي التعليم والتدريب للوفاء باحتياجات الشركات من الموارد البشرية, اضافة الي تهيئة مناخ الاستثمار, وتحديث التشريعات, وتسهيل إجراءات الاستثمار, وإزالة العقبات من أجل دفع عجلة التجارة والاستثمار, لرفع معدلات النمو. الاقتصادي: هل واجهت الحكومة الالمانية اعتراضات علي النظام الاقتصادي في ذلك الوقت؟ *هانز: في البداية لم يكن هناك احد في ألمانيا يتحدث عن النظام بالاسم, وكانت العبرة بالشركة والعمالة, حيث كانت الشركة تبحث مع العمال قضايا الاجور, وكان دور الحكومة تعزيز قوة وضع العمال, ولا تتفاوض باسم أحد, لأن الاقتصاد يحتاج لعمالة ماهرة, وان الاقتصاديين لم يدفعوا اموالا للمدارس بصفة منفردة, ودور الدولة الاهتمام بالتعليم, وتأمين العاملين ضد البطالة لمن يخسر عمله, وليس معني فقدان العمل الانزلاق في الفقر, ففي هذه الحالة تتدخل الحكومة وتوفر الدعم لمساعدة العاطلين للبحث عن فرصة عمل, كما تضع الحكومة اطارا يسمح للضعيف بالمنافسة في سوق العمل, فالنطام الالماني يركز اكثر علي البعد الاجتماعي. الاقتصادي: كيف يمكن التغلب علي معضلة دعم الخبز ؟ * هانز: منظومة الخبز التي تم تطبيقها في عدد من محافظات مصر مؤخرا خطوة في الاتجاه الصحيح وكانت مطبقة في المانياالشرقية قبل الوحدة, حيث كان يحصل كل مستهلك علي بعض النقاط وهو حر في استهلاكه. الاقتصادي: هل تتضمن الموازنة الألمانية نفقات اجتماعية ؟ * هانز: بلغ اجمالي الانفاق في موازنة2014 حوالي300 مليار يورو منها30 مليارا نفقات اجتماعية للصحة والبطالة والمعاشات والتعليم وحضانات الاطفال تتحملها الحكومة الفيدرالية, بينما اجمالي المصروفات في موازنة2013 بلغ307 مليار يورو منها145 مليارا نفقات اجتماعية يخص التأمين الاجتماعي ضد البطالة100 مليار, وسوق العمل والتدريب32 مليارا, كما أن ألمانيا لا تقدم اي دعم نقدي للمواطنين ولم تدعم اي سلعة. الاقتصادي: كيف تعاملت الحكومة مع الفقر والبطالة في الشرق بعد سقوط جدار برلين؟ *هانز: المشكلة كانت في وجود نظامين علي طرفي نقيض الاول يتبع نظام الاقتصاد الموجه والاخر يتبع اقتصاد السوق, وكانت انتاجية الشركات والمصانع ضعيفة للغاية نظرا لقدمها, كما أعلنت العديد من الشركات إفلاسها, الامر الذي ادي الي ارتفاع اعداد العاطلين عن العمل, كما قتلت الحكومة الابداع والابتكار, لذا كان لابد من عمل اعادة الهيكلة, وإعادة بناء الشرق علي حساب الغرب, وتم تحويل مبالغ ضخمة من الغرب الي الشرق وضخت الحكومة الاتحادية مئات المليارات من الماركات الالمانية علي البنية التحتية, وتقديم تسهيلات ضريبية للاستثمار في الشرق لتأسيس مصانع جديدة للقضاء علي مشكلة البطالة واحداث التوازن بين الشرق والغرب لان غالبية المصانع كانت ومازالت في الغرب لأن الظروف مواتية في الغرب أكثر من الشرق من حيث المصانع المتوسطة الحجم, فالغرب مازال يدفع ثمن بناء الشرق حتي اليوم. الاقتصادي: ما دور الدولة في اقتصاد السوق الاجتماعي؟ * هانز: ينبعي اعادة النظر في دور الدولة, فلماذا تملك وتدير المصانع؟, لأن دور الدولة منظم ومراقب, وينبغي عليها الانسحاب من المشروعات بهدف تعظيم كفاءة النظام الاقتصادي, لأن هذا ما يجب علي الحكومة المصرية القيام به, كما يجب عليها ان تضمن عدم وجود احتكار, كما يجب عليها ايضا عدم ترك الامر للشركات لتضع اسعارا مبالغا فيها للمنتجات. كما ان الشركات العاملة بمصر تحقق ارباحا عالية جدا,رغم ان الوضع الاقتصادي غير جيد, وهذا يؤكد وجود قوة احتكارية تسيطر علي السوق, وأن الربح دائما يكون علي قدر المخاطرة ويتراوح بين5% و10% علي اقصي تقدير فعلي سبيل المثال سعر لتر اللبن في المانيا يعادل4 جنيهات في حين يباع في مصر ب9 جنيهات. والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر يعد نموذجا جيدا للرقابة علي الشركات ويشرف علي المنافسة التي تؤدي الي انخفاض الاسعار, وعلي الحكومة المصرية أن تشدد الرقابة علي الواردات وفحص مواصفات السلع وجودتها بشفافية حماية للمستهلك, وغير القادرين علي المنافسة. الاقتصادي: كيف تواجه ألمانيا الفساد؟ * هانز: هناك طريقتان لمحاربة الفساد الاولي, ان تجعله مكلفا عن طريق تغليظ العقوبة, حيث قامت المانيا بزيادة قيمة الغرامة علي الشركات المحتكرة من200 مليون يورو إلي300 مليون يورو, الثانية: دفع اجور مجزية للعاملين بالجهاز الاداري للدولة وقاية من اغراءات الفساد. الاقتصادي: تعاني مصر في هذه الاونة من نقص في انتاج الغاز الطبيعي لذا لجأت الي استخدام الفحم كبديل لتوليد الطاقة والموافقة علي استخدامه في الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة مثل صناعة الاسمنت والسرميك والاسمدة, ورغم الاعتراضات الشديدة من جانب بعض فئات من المجتمع إلا ان المؤيدين لاستخدامه يتعللون بان هناك دولا متقدمة مثل المانيا تسخدم الفحم في صناعة الاسمنت وتوليد الطاقة الكهربائية.. فما هو رأيكم كخبير اقتصادي دولي في هذا القرار؟ * هانز: ازمة الطاقة في مصر مؤقتة ولن تدوم اكثر من ثلاثة اعوام علي أقصي تقدير, لأنها تملك احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي وتعتمد عليه كمصدر رئيسي للطاقة, لكن نتيجة عدم ضخ استثمارات جديدة توقفت اعمال البحث والتنقيب عن الغاز والبترول, والحل الأمثل للأزمة الراهنة يتمثل في استيراد الغاز المسال والتحول إلي استخدام البترول والاسراع في استخدام وزيادة فاعلية الطاقة الجديدة والمتجددة التي من شأنها ان توفر جزءا كبيرا من احتياجات مصر من الطاقة في خلال24 شهرا. ولا أري اي منطق من استخدام الفحم كمصدر للطاقة في مصر حيث ان مصر لا تمتلك وفرة من الفحم سوي فحم المغارة الذي يعتقد أنه رديء النوعية وبالتالي سوف تقوم مصر باستيراده. إضافة إلي ان استخدام الفحم له آثار بيئية ضارة جدا كما يحتاج إلي وقت طويل لتعديل البنية التحتية بالمصانع لاستخدامه, فالحالة الألمانية تختلف شكلا وموضوعا عن الحالة المصرية حيث ان ألمانيا بدأت في استخدام الفحم لتوليد الكهرباء منذ خمسينيات القرن الماضي وكان في بداية استخدامه ضارا جدا بالبيئة الا انه قد تم تطوير التكنولوجيا بمرور الوقت لتصبح اقل ضررا بالبيئة, لكن السبب الأساسي وراء لجوء ألمانيا لاستخدام الفحم هو امتلاكها احتياطيات ضخمة, كما انه جيد النوعية وبالتالي لا تقوم باستيراده من الخارج مما يجعله مصدرا رخيصا لتوليد الكهرباء, كما ان الحكومة الالمانية تضع معايير وشروطا لاستخدام الفحم في الصناعة, واذا التزم رجل الاعمال بالشروط فتسمح له باستخدام الفحم. الاقتصادي: هل تتوقع ان تصبح مصر مثل ألمانيا في يوم من الايام أم انه ضرب من الخيال ؟ * هانز: في حالة واحدة هي, ان تمطر السماء بشكل يومي علي مصر, فمصر مازالت في بداية رحلتها الاقتصادية والاجتماعية, ومن الصعب حدوث ذلك في المستقبل القريب, وعلي الرغم من موقعها الاستراتيجي فإن جيرانها صعب, ورغم ما تشهده مصر في الوقت الراهن فإنني علي ثقة بان الحكومة القادمة تملك رؤية استراتيجية سليمة, واداء رائعا علي مستوي الادارة, وانها قادرة علي تبني نهج اقتصادي خاص بها يحقق العدالة الاجتماعية ويرفع معدلات النمو, ومن الممكن ان تكون جسرا لأوروبا وافريقيا التي تعد بمثابة الحديقة الخلفية لمصر, وعلي الحكومة ان تستفيد من الصعوبات والتحديات التي تمر بها مصر وتعي ان الوصول الي هذا الوضع لن يتأتي الا بالاعتماد علي النفس وتطوير التعليم والبنية التحتية والاستغلال الامثل للموارد. الاقتصادي: هل توجد ارصدة وحسابات بالبنوك او ممتلكات لمبارك واتباعه تم تجميدها؟ * هانز: ان المانيا جزء من الاتحاد الاوروبي, والقوانين الاوروبية الخاصة بتجميد تلك الاموال تنسحب علي المانيا, كما انه لا توجد اموال او ممتلكات لمبارك في المانيا. الاقتصادي: هل توجد استثمارات لجماعة الاخوان المسلمين في المانيا؟ *هانز: ليس لدي معرفة بذلك, الا انه في الوقت ذاته اعتقد انه طالما ان اي مستثمر إخواني التزم بالقوانين الألمانية ولم يقم بتمويل الإرهاب باي شكل من الأشكال فليس هناك ما يمنعه من الاستثمار بحرية في ألمانيا. وفي نهاية اللقاء قال هانز ان المانيا تدعم العديد من المبادرات التي من شأنها دعم الاقتصاد المصري وحل مشكلة البطالة, اضافة الي بعض المشروعات في الطاقة المتجددة مثل مزرعة الطاقة الشمسية في كوم امبو.