فجر قبول جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية التابع لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية لشكوى شركات صناعة الحديد المحلية من إغراق الحديد المستورد من كل من دول الصينوتركياواوكرانيا، ومن ثم اعلان بدء التحقيق في القضية لفرض رسوم إغراق على الدول المغرقة، الصراع القديم بين الصناع والتجار. إذ أثار بدء التحقيق في القضية حفظية التجار والمستوردين معلنين في تصريحاتهم ل"الأهرام الإقتصادي" عن تخوفهم من استغلال الصناع لتلك الرسوم للسيطرة على السوق وورفع الاسعار تحقيقا لمزيد من الارباح. فيما شدد الصناع ل"الأهرام الاقتصادي" أن الهدف من فرض رسوم الأغراق حماية الصناعة الوطنية للحديد والتي بالفعل تتكبد خسائر كبيرة جراء تضررها من استحواذ المنتج المستورد على حصة كبيرة من السوق، ووجهوا الاتهام ذاته للمستوردين حيث قالوا ان المستوردين هم الذين يرفعون اسعار المنتج المستورد ويستغلون فارق السعر بينه وبين المحلي لزيادة ارباحهم وذلك على حساب المستهلك الذي لا يستفيد من سعر المستورد المنخفض. قال أحمد الزيني رئيس الشعبة العامة لتجار مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية ، ممثلا عن تجار ومستوردي الحديد، أن موافقة جهاز مكافحة الدعم والأغراق الوقاية على بدء التحقيق في فرض رسوم إغراق على الحديد المستورد من تركياواوكرانياوالصين، ستجر ضرر بالغا على السوق المحلي والمستهلك حال فرضها فعلا. وأكد ان استحواذ الصناع على السوق والتحكم بالاسعار ورفعها لتحقيق مزيد من الارباح دون مبالاة أو خوف من أي منافسة أجنبية، ستكون النتيجة الحتمية المتوقعة حال اقرار فرض رسوم الإغراق. وشدد أنه لا يوجد أي مبرر لفرض رسوم إغراق على الحديد المستورد من تلك الدول، وذلك لسببين الاول انخفاض الكمية المستوردة حيث لا تتجاوز مليون طن سنويا ذلك مقابل أكثر من 7 مليون طن حجم الانتاج المحلي، فضلا عن أن الاشهر الاخيرة وتحديدا عقب تعويم الجنيه وما تبعه من ارتفاع سعر الدولار بالبنوك، شهدت حركة استيراد الحديد انخفاضا كبيرا، حيث لم يتجاوز حجم الاستيراد خلال الشهرين الماضيين 30 ألف طن، كاشفا عن أن الحديد المستورد المتداول حاليا بالاسواق هو بواقي الصفقات الاستيرادية التي تم دخولها قبيل قرار تعويم الجنيه، الامر الذي يؤكد الاتجاه التراجعي لحركة استيراد الحديد. ولفت الى ان الحديد الصيني على وجه الخصوص يواجه المستوردين صعوبة كبيرة في استيراده وذلك نظرا لبعد المسافات واستغراقه وقت طويل في الشحن، ومن ثم ارتفاع تكلفة الشحن، الامر الذي يجعل المستوردين انفسهم لايقبلون على استيراده. وأضاف الزيني أن السبب الثاني الذي يجعل الاتجاه لفرض رسوم اغراق على الحديد المستورد غير مبرر، هو ان سعر الحديد المستورد من ايا من الدول الثلاث "تركيا، أوكرانيا، الصين"، متقارب لدرجة كبيرة من سعر بيع الحديد المحلي، حيث يتراوح سعر الحديد التركي على سبيل المثال ما بين 430 الى 450 دولار للطن، ما يقدر بما يوزاي 8500 جنيها، يضاف اليها 13 % ضريبة القيمة المضافة، كذلك 3.5 % رسم وقاية مفروض على الحديد المستورد، بالاضافة الى رسوم الشحن والتفريغ بالميناء وتقدر بنحو 200 جنيها، الامر الذي يدفع باجمالي تكلفة الحديد المستورد بما يتجاوز سقف 10 آلاف جنيه، في المقابل يبلغ سعر الحديد المحلي حاليا 10300 جنيها للطن، ومن ثم فإن السعرين متقاربين جدا – بحسب وصف الزيني - ولا يوجد أي شبه في ممارسة الحديد المستورد لسياسة حرق الاسعار أو البيع باسعار منخفضة شديدة التنافسية أمام الحديد المحلي، الأمر الذي يؤكد عدم وجود اي سبب منطقي أو داعي حقيقي وراء مطلب الصناع بفرض رسوم إغراق. وذكر أن ارتفاع أسعار الحديد المحلي بلغت نسبته طوال عام 2016 المنصرم، نحو 150 % ، حيث ارتفع من 4000 جنيه للطن مطلع العام إلى 10300 جنيها للطن في نهايته، محذرا من مزيد من الارتفاع حال تحقيق مطلب الشركات بفرض رسوم اغراق على الحديد المستورد. وتابع أن التجارب السابقة لصناع الحديد مع رسوم الوقاية تكشف نواياهم من وراء المطالبة بفرض رسوم الإغراق، حيث أقدمت شركات انتاج الحديد على رفع أسعار الحديد ألف جنيه دفعة واحدة بمجرد صدور قرار فرض رسوم الوقاية على الحديد المستورد عام 2015، وذلك بلا اي مبرر او سبب، الامر الذي يؤكد ان هدفهم الرئيسي هو طرد المنافس الاجنبي والاستحواذ على السوق بما يساعدهم في تحقيق مزيد من الارباح. يذكر أن جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية قد أصدر قرارا ابريل 2015 بفرض رسوم وقاية على الحديد المستورد من مختلف دول العالم بواقع 8 % بحد أقصى 480 جنيها على الطن، وتم بعد ذلك خفضها إلى 3.5 % منتصف عام 2016. كما تجدر الإشارة الى أن مطالبة صناع الحديد لفرض رسوم إغراق على الحديد المستورد من تركياواوكرانياوالصين، ليست للمرة الأولى، بل كانت هناك محاولات عدة من قبلهم على مدى السنوات الماضية لفرض هذه الرسوم، أخر هذه المحاولات نجحت قبل نحو عامين في اقناع جهاز مكافحة الدعم والاغراق بالتحقيق في شكوى اغراق واردات الدول المذكورة من الحديد للسوق المحلي، غير أنه تحقيقات الجهاز انتهت باعلان عدم وجود أي شبهة اغراق من قبل تلك الدول للسوق المصري . وحول اجراءات التحقيق في إغراق الحديد من الدول المذكورة، قال الزيني أن هناك بعض المطالب يمكن وصفها بالتعجيزية، حيث يطالب الجهاز باحضار مستندات للشركات الموردة يعود تاريخها ل 4 سنوات ماضية، وهو ما وجده بعض الموردين خاصة الاتراك صعب تحقيقه، وليس في متناول جميع الشركات الموردة، ذلك مع العلم بحرصهم على التعاون وتقديم كامل المستندات المطلوبة في التحقيق، بحسب الزيني. في المقابل، قال رفيق الضو نائب رئيس الغرفة ورئيس شركة السويس للحديد و الصلب، أن خسائر صناعة الحديد بلغت هذا العام 3 مليار جنيه بسبب زيادة سيطرة المنتج المستورد على السوق المحلي، حيث تراجعت الحصة السوقية لمصانع الحديد بالسوق المحلي بنسبة 23 % مقارنة بالعام الماضي، وذلك على الرغم من زيادة حجم الاستهلاك والذي بيلغ 8.7 مليون طن سنويا، مرجعا ذلك لاستحواذ الواردات على نحو 25 % من السوق المحلي، مؤكد ان عام 2013 كان اخر الاعوام التي حققت فيها صناعة الحديد ارباحا، بعدها تحولت للخسائر. وقال أن واردات الحديد خاصة من تركياواوكرانياوالصين جرت خسائر فادحة على صناع الحديد المحليين، كاشفا عن أن إجمالي واردات الحديد والتي تمثل وادرات تلك الدول 98% منها، زادت في الفترة من عام 2003 حتى عام 2016 نحو 5 أضعاف، لتسجل 1.7 مليون طن في 2016 تقدر بقيمة 800 مليون دولار، مشيرا إلى ارتفاع نسبته 107 % في تدفق واردات الحديد خلال الاشهر التسعة الأولى من العام مقارنة بالعام الماضي، فضلا عن أن متوسط الارتفاع السنوي للواردات يقدر ب 103 % بداية من عام 2013. وأوضح أن الواردات التركية تأتي في المرتبة الأولى حيث تبلغ نسبتها 52 % ، تليها أوكرانيا بنسبة واردات قدرها 34% ، ثم الصين بنسبة 12% ، فيما تبلغ واردات الحديد من مختلف دول العالم 2 %. وأشار إلى انخفاض العائد على الاستثمار بنسبة 10.3% ، حيث ارتفع الراكد المخزون من الحديد المحلي بشكل ملحوظ، وانخفض الانتاج المحلي بنسبة 6 %، حيث بلغت نسبة استغلال الطاقة الانتاجية 65% فقط. وقال الضو أن قيمة الاستثمارات الحالية في صناع حديد التسليح تقدر ب 100 مليار جنيه من خلال 28 مصنعا، بالاضافة الى 30 مليار جنيه موجه لمشروعات توسعية تحت الانشاء، ويبلغ عدد العمالة في القطاع ب 60 ألف عامل مباشر، تبلغ قيمة اجورهم 6 مليارات جنيه، ذلك بالاضافة الى حوالي 500 ألف عامل غير مباشر في الصناعات ذات الصلة . وتابع: تساهم صناعة الحديد في الناتج القومي بنسبة 4 % بواقع 66 مليار جنيه ، وبلغ حجم الانتاج المحلي من الحديد في 2016حوالي 7.1 مليون طن، فيما تبلغ الطاقات الانتاجية الكاملة لمصانع الحديد 12 مليون طن سنويا، ذلك فضلا عن ان صناعة الحديد تمثل من الممولين الاساسين للضرائب العامة، بواقع 8.5 مليار جنيه وذلك لقيمة الضريبة المضافة فقط. وقال حسن المراكبي عضو غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات ورئيس شركة "المراكبي للصلب"، أن هناك بالفعل فوارق سعرية بين الحديد المستورد من الدول الثلاث المذكورة وبين الحديد المحلي، غير أن 85% من تلك الفوارق السعرية تذهب لارباح المستوردين ولا يستفيد منها المستهلك، وهو ما يفسر مقاربة الاسعار فيما بين الحديد المحلي والمستورد بالسوق، فيما يتحمل المستهلك قيمة هذه الزيادات غير المبررة في اسعار المستورد. ولفت إلى أن الفروق السعرية فيما بين الحديد المستورد والمحلي تقدر بحسب دراسة أعدتها الغرفة مؤخرا وفقا لتقارير دولية، بنحو 11.1% انخفاضا لصالح الحديد الصيني، و9.3 % لصالح الحديد التركي، و10.7 % لصالح الاوكراني. وأكد ان كل من الصينوالتركيا يحصلان على دعم من بلادهم، فالنسبة للصين يتم توفير الطاقة "فحم الكوك، والكهرباء" لمصانعها بأقل من تكلفتها الحقيقية دعما من الحكومة، وانخفاض سعر فائدة القروض لمستويات متدنية، كذلك الحفاظ على العملة منخفضة بصورة مصطنعة "بتدخل من الدولة" بالاضافة الى الامتيازات الضريبية والمنح المالية، الامر الذي يجعل 90 % من أرباح الصناعة في الصين يعود الفضل فيه لبرامج الدعم الحكومية، مضيفا أنه بالنسبة لتركيا، فتحصل على الاراضي في بلادها باسعار تفضيلية، كذلك القروض، فضلا عن الامتيازات الضريبية، وحوافز الاستثمار، وائتمانات التصدير "دعم الصادرات"، أما بالنسبة لاوكرانيا فلديها مصنع حديد وحيد، إلا ان جميع مدخلات الانتاج الخاصة به متوفرة محليا، ذلك فضلا عن انخفاض عملتها المحلية بنسبة 80 % مقارنة بالدولار. وشدد المراكبي أن الهدف من وراء المطالبة بفرض رسوم إغراق على الحديد المستورد من الدول الثلاث، يرجع للسعي لتحقيق العدالة والتكافؤ في المنافسة بين منتج هذه الدول والمنتج المحلي، بما يضمن استمرار نشاط المصانع المحلية دون خسائر أو أضرار. من جهته، قال جورج مته عضو غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات ومدير قطاع التسويق بشركة "حديد عز"، أن هناك 111 قضية إغراق مرفوعة من مختلف دول العالم ضد واردات الحديد من الدول الثلاث "الصين ، تركيا، اوكرانيا"، وأن 37 دولة بالاضافة الى غالبية دول الاتحاد الاوروبي نجحت فعلا في فرض اجراءات تجارية حمائية على وراداتها من الحديد من تلك الدول، فميا لم تحمي مصر صناعتها من تلك الواردات إلا من خلال رسم وقاية ضعيف نسبته لا تتجاوز 3.5 %، لافتا إلى ان تركيا نفسها تفرض رسوم حماية على وارداتها من الحديد تتراوح ما بين 30 و40 %. وقال أن قيمة رسم الوقاية المفروض حاليا على الحديد المستورد منخفض للغاية وليس في مقدوره تحقيق الهدف المرجو منه بالحد من واردات الحديد، خاصة بعد تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار، ومن ثم انخفاض حصيلة هذه النسبة لدرجة تجعلها غير مؤثرة على الإطلاق، والدليل على ذلك استمرار ارتفاع الواردات دون أي تأثر. ونفى مته أن يؤدي فرض رسم اغراق على الحديد المستورد، اتجاه الشركات المحلية لارتفاع اسعارها، مؤكدا ان الهدف من الرسوم المطلوبة ارجاع الاسعار لمستوياتها الحقيقية بلا زيادة او انخفاض، وأن بيع المستورد باسعار غير حقيقية يعد من اهم الاسباب وراء المطالبة، فيما لا يؤدي ذلك لارتفاع غير مبرر في اسعار الحديد المحلي. من جانبه، قال ابراهيم السجيني رئيس جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية أن قبول شكوى شركات الحديد المحلية وبدء التحقيق في فرض رسوم إغراق على كل من الصينوتركياواوكرانيا، جاء بعد فحص المستندات التي قدمتها الشركات المحلية في شكواها من تضررها من واردات الحديد من "أسياخ ولفائف، وقضبان، وعيدان" الاتية من الدول الثلاث، مؤكدا أن الفحص اشار الى ثمة ما يستوجب التحقيق للفصل فيما إذا كان هناك اغراق من عدمه، وتم اعلام سفارات الدول الثلاث بذلك. يشار الى أن مدة فحص قضايا الاغراق تمتد لعام كامل، يتم بعدها حسم القضية بفرض الرسوم ام لا، وفي حال فرض الرسوم يتم تحصيلها باثر رجعي منذ تاريخ قبول بدء التحقيق في الشكوى، وتصل أقصى مدة لرسم الاغراق ل 5 سنوات قابلة لتجديد.