في ظل تزايد الاعمال والمهام التي يمكن ان تتم بصورة آلية بما يتيح الاستغناء عن العمالة البشرية تتنامي المخاوف من تأثير التقدم التكنولوجي علي فرص العمل. وتحدث مقارنات عديدة هذه الايام بالثورة الصناعية. فالتكنلوجيا الحديثة علي الرغم مما تقدمه من سلع وخدمات جديدة- بمستوي رفاهية غير مسبوق- فإنها بالفعل تؤدي الي خسارة وظائف, وبعض انواع الوظائف مهددة بالانقراض. وحيث ان هناك اتفاقا عاما بين المحللين والخبراء علي ان البطالة ستكون هي المشكلة الأبرز خلال السنوات القادمة, كان تحليل مجلة الايكونومست عن تأثير التكنولوجيا علي مستقبل الوظائف جديرا بالاهتمام, لاسيما انه يدق ناقوس الخطر من جديد الي قضيتين موضع اهتمام الدول الغنية والنامية. وهما: ان اتساع فجوة الدخول أمر- أو شر- لا مفر منه وسيكون من الصعب علي السياسيين الوقوف أمام هذا التيار, واهمية الاهتمام بنظام التعليم والعمل علي تكيف العمال وتأهيلهم لاحتياجات سوق العمل. الاختراعات الجديدة- إكسير التقدم- كثيرا ما كبدت الناس وظائفهم. فالثورة الصناعية اطاحت, علي سبيل المثال, ب الخياطين وعلي مدار الثلاثين عاما الماضية تسببت الثورة الرقمية في خسارة بعض من انواع الوظائف التي كانت توكل الي اصحاب المهارات المتوسطة الذين كانوا يشكلون شريحة الطبقة المتوسطة للقرن العشرين, وظائف مثل السكرتارية, الصرافين, موظفي البريد, مسئولي الارشيف لم يعد لها وجود في اماكن كثيرة. بالنسبة لهؤلاء- وكذلك مجلة الايكونومست نفسها- الذين يعتقدون بأن التقدم التكنولوجي قد جعل العالم مكانا افضل, فإن مثل هذه الزوبعة هي أمر طبيعي في سبيل زيادة التقدم, فبالرغم من خسارة بعض الوظائف بسبب الاختراعات الجديدة فإن الأخيرة توفر وظائف أخري, حيث يزيد الطلب علي السلع والخدمات مع نمو ثروة المجتمع ككل, وفي حين تقلص اليوم عدد الموظفين الذين يعملون كسكرتارية او صرافين, هناك عدد اكبر يتم توظيفه من مهندسي البرمجيات ومديري الشبكات عن أي وقت مضي. التفاؤل يظل هو البداية الصحيحة, حتي وان لم تتبين المكاسب علي الفور, فبالنسبة للعمال التأثير الفوري سلبي, وعلي المدي القصير بالرغم من توافر فرص عمل جديدة, فانها عادة اقل عددا مما تم فقدانه, وفجوة الدخول تتسع بما يسفر عن اضطربات اجتماعية وربما تغيير في السياسات( لابد علي سبيل المثال من تهيئة العمالة اللازمة) غير ان تأثير التكنولجيا يكون مثل إعصار يصيب الدول الغنية أولا, لكنه يمتد بمرور الوقت الي عالم الفقراء ايضا ونادرا ما تستعد له اي حكومة. والتاريخ يعيد نفسه, في بداية الثورة الصناعية, لم يشعر الجميع بمكاسب زيادة الانتاجية. لكن فيما بعد, بدأ العمال يحصلون علي بعض منها واليوم الوضع مشابه بالنسبة للثورة الرقمية. اكثر المستفيدين منها هم اصحاب رأس المال والعمالة الماهرة فقط الذين استحوذوا علي مزاياها. فعلي مدي الثلاثين عاما الماضية, تقلصت حصة العمالة من الناتج العالمي من64% إلي59%. وفي الوقت نفسه, اليوم أغني1% من الناس في امريكا يستحوذون علي22% من ثروات العالم, مقارنة بحصة لا تتجاوز9% في فترة السبعينيات. اما معدلات البطالة فقد وصلت الي مستويات خطيرة في معظم الدول الغنية. ويبدو ان موجة التأثير السلبي للتكنولوجيا علي سوق العمل في مراحلها الاولي. وهناك اختراعات موجودة بالفعل قد تطيح بالعديد من انواع الوظائف. ابتداء من سائقي السيارات( سيارة جوجل بدون سائق) الي حراس العقارات( مع تطور اجهزة كاميرات المراقبة) والتغييرات التي يمكن ان تقوم بها التكنولوجيا الحديثة سيكون لها تأثير كبير علي وظائف الطبقة المتوسطة. حتي الان, كانت الوظائف المعرضة لخطر الانقراض بسبب التكنولوجيا هي تلك الوظائف الروتينية التي تعتمد علي المهام المتكررة لكن بعدما تم تطوير الروبوتات او الانسان الآلي ليصبح اكثر ذكاء, يمكنه تعلم مجموعة من المهام التي يقوم بها العامل. واجهزة الكمبيوتر تستطيع الان القيام بمهام معقدة بشكل افضل وبتكلفة اقل من البشر. الاجهزة الحساسة يمكنها التعرف علي وجود اي شخص غريب في مكان ما افضل من اي حارس. وبمقارنة البيانات البيومترية( الالكترونية, مثل بصمات الاصابع لتحديد الهوية) يمكن تشخيص اي داء واكتشاف اي تلاعب بدقة اكبر من الاطباء والمحاسبين. وقد توقعت دراسة حديثة لاكاديميين في اكسفورد ان تتم أتمتة47% من الوظائف الحالية في غضون عشرين عاما. اشكالية إحلال الالة مكان البشر ليست جديدة علي الاطلاق لكن ابعادها تغيرت بشكل ما. والثورة الرقمية تغير عملية الابتكار ذاتها. فبفضل الحوسبة السحابية وأبل آب ستور والترويج عبر فيس بوك فقد تضاعف عدد الشركات الرقمية الجديدة عدة مرات. وكما اخترع مصممو ألعاب الكمبيوتر منتجا لم تكن البشرية تعلم يوما ما, انها في حاجة اليه لكن الان لا يمكن الاستغناء عنه, فان هذه الشركات ايضا, وبدون شك, تحلم بابتكار سلع وخدمات جديدة مما سيوفر ملايين الوظائف عبر انحاء العالم. ولكن في الوقت الحاضر, التوظيف شحيح. وعلي سبيل المثال, عندما تنتج شركة نيسان سيارات في اليابان, فانها تعتمد بصورة كبيرة علي الروبوتات. لكن مصانعها في الهند, علي العكس, تعتمد اكثر علي العمالة المحلية الرخيصة. ومثال اخر, عندما استحوذت فيس بوك علي انستجرام, أكبر موقع لمشاركة الصور, في مقابل مليار دولار في عام2012, كان لدي الموقع30 مليون عميل يقوم بخدمتهم13 موظفا فقط لا غير, وفي المقابل فإن شركة كوداك الرائدة في صناعة الكاميرات اعلنت إفلاسها في يناير2012 وكان لديها في وقت ما145 الف موظف. المشكلة كما تبدو للبعض, هي مشكلة وقت فجوجل توظف حاليا46 الف شخص, لكن الامر يستغرق عدة سنوات حتي تنمو صناعات جديدة, وشركة مثل ايربنب وهي عبارة عن موقع علي شبكة الانترنت لتأجير الغرف المنزلية, هذه الشركة, قد تحول الناس العاديين الذين لديهم مجرد غرف او مساحات خالية في مساكنهم الي أصحاب مشاريع. لكنها في النهاية قد تهدد بيزنس الفنادق الذي يوظف عمالة ضخمة. اختتمت مجلة الايكونومست تقريرها بأنه اذا كان نصف ما جاء فيه صحيحا فإن هذا يعني آثارا اجتماعية هائلة نظرا لأن الوظائف المعرضة للخطر هي وظائف الطبقة المتوسطة, أما الوظائف التي تتطلب مهارات عالية فهي بأمان. وهذا يعني ثبات متوسط الاجور لبعض الوقت وترجيح اتساع فجوة الدخول وبالطبع الاستياء والغضب الشعبي تجاه زيادة عدم المساواة سوف ينمو بمرور الوقت ولكن يكون بإمكان السياسيين علاج تلك المشكلة بسهولة وتجاهلها لن يفيد الآن, وكما كان الحال في بداية الثورة الصناعية. أي دولة حاولت عدم اللحاق بها خوفا من المظاهرات العمالية الحاشدة وقعت فريسة للتخلف وراء منافسيها. ومن ثم, الخيار الأفضل للحكومات الراغبة في تجنب هذه المشاكل يكون من خلال نظم التعليم وتشجيع الابتكار والسنوات الأولي للأطفال تحدد الي حد كبير مستقبلهم التعليمي والوظيفي. وفي حين ان نجاح ابتكارات جديدة قد يعني الاستغناء عن وظائف فان هناك وظائف سريعة النمو مثل مسئولي الرعاية الصحية والتمريض علي سبيل المثال الذين لا يمكن استبدالهم بآلة وكذلك مهندس البرمجيات والتطبيقات والمحللين وغيرها من الوظائف التي تتطلب ابداعا ومهارة حل المشكلات. ومع ذلك في عالم قطبي اقتصاديا وعلي نحو متزايد, سيري كثيرون غيوما علي مستقبلهم الوظيفي وافضل طريقة لمساعدتهم لن تكون كما يقترح كثيرون, برفع الحد الأدني للأجور, وإنما بالسعي لتوزيع مكاسب الثورة. الاختراعات حققت تطورا كبيرا للبشرية ولا يمكن ان يفكر أحد في الرغبة في العودة الي عصر ما قبل الثورة الصناعية. ولكن يتعين علي الحكومات القيام بالتغييرات اللازمة قبل ان يثور عليهم الناس.