شاع تعبير' الاقتصاد الموازي' أو' القطاع غير الرسمي' علي نطاق واسع منذ نحو أربعة عقود. وهذا القطاع يضم الاعمال التي تتم مزاولتها خارج إطار القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي, مثل: قوانين العمل والتأمينات والضرائب, والسجل التجاري أو الصناعي, سواء بشكل كلي أو جزئي. ويمكن أن نميز بين شريحتين في القطاع غير الرسمي. الشريحة الأولي هي الانشطة الهامشية أو الطفيلية في قطاع الخدمات الضعيفة الإنتاجية, التي تتم ممارستها بصفة مؤقتة أو دائمة بما يكفل لممارسيها الحد الأدني لتكلفة المعيشة. أما الشريحة الثانية فتتعلق بالأنشطة الانتاجية الصغيرة أو المتناهية الصغر التي لها قيمة مضافة والتي يمكن بتأهيلها ودعمها أن تصبح نقطة انطلاق لأعمال أكبر وأكثر إنتاجية مثل: ورش الميكانيكا والكهرباء والحدادة والنجارة والسباكة وورش الصناعات الجلدية والنسجية.. الخ. وهذه كلها تمثل عناصر للتنمية الحركية التي يمكن بتطويرها أن تصبح أكثر عائدا وأكثر إنتاجية في الاقتصاد القومي. هذا القطاع جدير بالاهتمام فهو يشغل حيزا نسبيا كبيرا في الاقتصاد المصري, يصل- وفقا لبعض التقديرات- لما يتراوح بين50% و60% من الناتج المحلي الاجمالي, كما يعمل في إطاره نسبة كبيرة من المشتغلين لحسابهم أو لحساب الغير, حيث يقدر أن هذه الانشطة تستوعب عدة ملايين من العمال. ونظرا لما يملكه هذا القطاع من قدرة عالية علي التكيف مع الظروف, والاستجابة للمتغيرات, وما يتصف به من طبيعة مرنة تسمح له بالتوسع والاستيعاب المستمر, فإنه يستطيع أن يقوم بدور مواز للقطاع الرسمي في دفع حركة النمو. وينظر الكثير من الباحثين الي القطاع غير الرسمي باعتباره قاطرة جديدة للنمو الاقتصادي نظرا لإسهامه في توسيع الطاقة الانتاجية للاقتصاد القومي وخلق مئات الالاف من فرص العمل المنتجة, وامتصاص فائض البطالة في ظل عجز الحكومة والقطاع الخاص عن استيعابها, وبالتالي خلق دخول جديدة وتوليد قوي شرائية إضافية داخل الاقتصاد المحلي, مما يساعد علي تعزيز الطلب الكلي, وتحفيز الاستثمار والانتاج. هذا القطاع- أيضا- له أهميته في توسيع قاعدة الملكية وانتشارها في الريف والحضر علي السواء, وذلك لضآلة قيمة رأس المال المستثمر, وبساطة أساليب الانتاج مما ييسر الدخول في سوق العمل والانتاج. كما يسهم هذا القطاع في تكوين قاعدة عريضة من الحرفيين والعمالة الماهرة, وإحياء وتنشيط الصناعات الصغيرة والحرف اليدوية. فضلا عن توفير سلع وخدمات إنتاجية للمواطنين بأثمان قليلة تتناسب مع القدرة المالية للفئات الاقل دخلا, الامر الذي يسهم في تلبية احتياجاتهم المعيشية, أضف الي ما تقدم فإنها تدفع في اتجاه تنمية البيئات المحلية والمجتمعات الفقيرة التي تضم هذه الوحدات الانتاجية. ونظرا لأن هذا القطاع غير قادر بمفرده علي التطور والنمو لذلك يكون من الضروري توفير عناصر الجذب اللازمة لدمجه في القطاع الرسمي, حتي يصبح مكونا أساسيا وذا إنتاجية عالية في الاقتصاد القومي, كما أصبح بالفعل في جنوب شرقي آسيا عن طريق توسيع وتعميق ارتباطاته الديناميكية( من الامام ومن الخلف) مع القطاعات الاخري في الاقتصاد القومي. لابد- إذن- من وضع جدول أعمال يشمل العديد من السياسات والاجراءات, وتكون نقطة البدء فيه هي توافر فهم واضح للاحتياجات المتعددة لهذا القطاع والمتمثلة- أساسا- في تطوير نوع التكنولوجيا المستخدمة, واساليب التسويق ووسائل التمويل, والتدريب وتوفير مستلزمات الانتاج من أفضل المصادر. ثمة ضرورة أيضا لتيسير إجراءات التسجيل الهادفة للدمج في القطاع الرسمي, وخفض نسب الاشتراك في التأمينات الاجتماعية,وتخفيف العبء الضريبي الواقع علي الوحدات الاقتصادية. ولاشك أن تعثر أو تعذر عملية الدمج له آثاره المتعلقة بعدم دقة البيانات الخاصة بحسابات الدخل القومي, وصعوبة تحليل النشاط الاقتصادي في المجتمع, وضعف الالمام بحركة النظام الاقتصادي في دوراته المتعددة كدورة الانتاج ودورة الانفاق ودورة توزيع الدخل, وارتفاع درجة عدم التأكد التي تحيط بالحجم الحقيقي للمجاميع الكلية الرئيسية, ناهيك عن فقدان قوة دفع كبيرة للنمو الاقتصادي.