رصدت تقارير عديدة زيادة غير مسبوقة فى الاستحواذات الصينية على شركات غربية منذ بداية العام الحالي. ومن الولاياتالمتحدة إلى بريطانيا وألمانيا وأستراليايتزايد العداء للشركات الصينية -التى تكون عادة مدعومة بحكومتها- ولا سيما تجاه تلك الساعية إلى شراء او الاستثمار فى قطاعات حيوية مثل محطات الطاقة وبخاصة النووية، وتخزين البيانات وتكنولوجيا الروبوتات. ويبدى السياسيون الغربيون مخاوفهم إزاء التأثير المحتمل لتلك الاستثمارات على البنية التحتية الحيوية وعلى التكنولوجيا، وذلك بسبب مخاطر تتعلق بالامن القومى والمناخ السياسى الدولي. وقد أشار تقرير لصحيفة التليجراف البريطانية إلى سعى الشركات الصينية إلى اكتساب مكانة راسخة فى اكثر الاسواق تنافسية فى اوروبا وامريكا. وقال ان مبادرة الحزام الاقتصادى لطريق الحرير والبنك الاسيوى للاستثمار فى البنى التحتية، ستعزز الاتجاه الصينى للاستحواذات الخارجية وذلك بمساعدة الشركات الصينية فى تحركاتها. واضاف التقرير ان موجة التسوق الصينية الخارجية لا تستهدف مجرد تحقيق مكاسب مالية على المدى القريب وانما الحصول على التكنولوجيا الصناعية اضافة إلى «الجدوى» السياسية منها. فى الوقت نفسه يرى البعض ان الاستثمارات الخارجية للشركات الصينية الخاصة هى الباب الخلفى لنقل الاموال للخارج وسط توقعات بمزيد من خفض فى قيمة العملة الصينية بالاضافة إلى تأثر الشركات الصينية بتباطؤ النمو الاقتصادى ما يدفعها للتوسع عالميا. فى الولاياتالمتحدة تراجع لجنة الاستثمار الاجنبى الصفقات الاجنبية للاستحواذ على الشركات الامريكية او الشركات التى لديها علاقة بالولاياتالمتحدة وامنها القومي. ومن ثم كان التحرك لوقف صفقة اسحواذ شركة كيم تشاينا الصينية على سينجنتا السويسرية أكبر شركة منتجة للمبيدات الحشرية فى العالم، وهى صفقة الاستحواذ الأكبر على الإطلاق من قبل شركة صينية. على الجانب الاخر تشير بنوك وول ستريت -التى تقدم استشارات بخصوص صفقات الاستحواذ الصينية- إلى حاجة الولاياتالمتحدة إلى البقاء منفتحة على الاستثمارات الاجنبية، ويبررون ذلك بانخفاض معدلات الادخار. وفى اعقاب منع صفقة صينية لشراء حصة مسيطرة فى شركة «فيليبس»، قال الصينيون ان الولاياتالمتحدة لا تزال رهينة نظرية «الحرب الباردة». مقاومة أوروبية على الصعيد الاوروبى، مقاومة الحكومات للاستثمارات الصينية ظهرت بوضوح مؤخرا فى الصفقات التى اثارت جدلا واسعا مثل مشروع مشاركة شركة صينية عامة فى بناء محطة نووية فى بريطانيا بقيمة 24 مليار دولار، وكذلك رفض استراليا لاكثر من عرض صيني. فبعد موافقة حكومة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون على المشروع فى العام الماضى اعلنت الحكومة الحالية إرجاءه واعادة النظر فيه، وذلك بعد تحذيرات قوية من جانب مستشار رئيسة الوزراء تيريزا ماى من السماح لدولة وصفها بأنها «معادية» بالنفاذ إلى البنية التحتية للمملكة، ما أثار تكهنات بأن المخاوف الامنية كانت وراء تلك المراجعة. مثال آخر على المخاوف المشروعة بشأن الاستثمارات الصينية ظهر من خلال تدخل الحكومة الأسترالية لمنع البيع فى المرحلة الأخيرة من عملية تقديم العطاءات العامة ل»أوسجريد» أكبر شبكة كهرباء فى البلاد إلى مشترين صينيين مقابل عشرة مليارات دولار أسترالى (7.7 مليار دولار أمريكي). وقال وزير الخزانة الأسترالى سكوت موريسون إن القراء جاء بسبب مخاوف متعلقة بالأمن القومى لم يحددها. يذكر أن هذه هى المرة الثانية التى تقوم فيها الحكومة الأسترالية برفض استثمارات صينية على أراضيها، حيث إنها فى وقت سابق من هذا العام قامت بمنع كونسورتيوم صينى من شراء شركة من أكبر شركات المواشى الأسترالية، وكان السبب هو المخاوف الأمنية. هذا، رغم أن الصين تعد أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية فى أستراليا وفقا لتقرير مجلس مراجعة الاستثمار الأجنبى الصادر فى أبريل. بكين اتهمت استراليا بالحمائية وهددت ان منع البيع يضر بشدة برغبة الشركات الصينية فى الاستثمار فى أستراليا، محذرة من تأثيره السلبى المتوقع على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. كما انها هددت بريطانيا بأن العلاقات بين البلدين مرهونة بالمشروع النووى. كان آخر التحركات الصينية فى استراليا فوز شركة استثمار مالى صينية خاصة بشراء فندق «بارك ريجز هوتيل» فى مدينة سيدنى مقابل 46 مليون دولار أسترالى (7.43 مليون دولار). كما تسعى الشركة إلى شراء مشروع إقامة مبنى سكنى فى مدينة سيدنى مقابل 90 مليون دولار أسترالى ( 98.76 مليون دولار أمريكي) وهو مشروع حصل على التراخيص اللازمة لإقامته. وفندق «بارك ريجز» هو ثانى صفقة استحواذ تقوم بها الشركة الصينية خلال الأسابيع القليلة الماضية وترجع أهميته الاستثمارية لانخفاض عدد الفنادق الموجودة فى الحى الاقتصادى بوسط سيدني. شهد هذا العام موجة من الاستحواذات الصينية على شركات صناعية المانية ما دفع مراقبين إلى التحذير من انها مجرد مسألة وقت حتى تقع شركة المانية كبرى فريسة للصينيين. وكانت صفقة استحواذ مجموعة ميديا الصينية للأجهزة الإلكترونية على شركة كوكا الألمانية لصناعة الروبوتات قد أثارت مخاوف كثيرين، ومن ثم قامت وزارة الصناعة بمراجعة الصفقة، مؤكدة انها تراقب الاستثمارات الصينية لضمان عدم خسارة التكنولوجيا الاساسية. وأسفرت المراجعة عن عدم وجود أى دلائل تفيد بوجود تهديد للنظام العام أو أمن جمهورية ألمانيا. تجدر الإشارة إلى أن قانون التجارة الخارجية يتيح لوزارة الاقتصاد فحص صفقات البيع التى تسمح لمستثمر من خارج دول الاتحاد الأوروبى بالاستحواذ على حصة لا تقل عن 52% من أسهم أى شركة ألمانية، حيث تتم مراجعة ما إذا كانت الصفقة تمثل تهديدا «للنظام أو الأمن العام فى ألمانيا»، وعندئذ يمكن منع الصفقة أو تمريرها بشروط، وينطبق هذا الإجراء بشكل خاص على القطاعات الحيوية مثل الاتصالات وإمدادات الكهرباء والمياه. فريسة سهلة الاستحواذات الصينية فى الخارج لم تقتصر هذا العام على قطاعات الطاقة والعقارات وغيرها من القطاعات الاقتصادية المهمة لكنها شملت ايضا الرياضة وذلك فى ظل سعى الحكومة لأن تصبح صناعة الرياضة الصينية الاكبر عالميا بحلول عام 2025. وقد تزايد اهتمام الصينيين بكرة القدم الانجليزية فى الأشهر الأخيرة، فترصد شركة استثمار صينية مدعومة من الحكومة 800 مليون جنيه استرلينى (مليار دولار) لشراء نادى ليفربول حسب ما ذكرت صحيفة «صنداى تايمز». وأوضحت الصحيفة ان شركة «تشاينا ايفربرايت» المالية، المدعومة من صندوق الثروة السيادى الرئيسى فى الصين، تأتى فى طليعة المهتمين بليفربول. كما اشترى مستثمرون صينيون ناديى استون فيلا وولفرهامبتون (يلعبان فى الدرجة الاولى)، ويجرى برمنجهام سيتى مفاوضات مع مستثمرين صينيين آخرين لشرائه من مالكه كارسون يوينج من هونج كونج الذى حكم عليه بالسجن فى 2014 بسبب غسيل الاموال. وسبق لمانشستر سيتي ان اعلن فى ديسمبر 2015 عن بيع حصة من النادى لكونستورم صينى مقابل 256 مليون أسترالى. وكانت بيانات صادرة عن وزارة التجارة الصينية قد أظهرت أن الاستثمار المباشر الصينى غير المالى فى الخارج ارتفع بنسبة 61.8% على أساس سنوى فى الأشهر السبعة الأولى هذا العام. ووفقا لبيانات وزارة التجارة أن الاستثمار المباشر الصينى فى الخارج بلغ 673.24 مليار يوان (نحو 102.75 مليار دولار أمريكي) فى الفترة من يناير حتى يوليو هذا العام. ووصل إجمالى الاستثمار المباشر فى الخارج خلال شهر يوليو إلى 13.89 مليار دولار أمريكى، بتراجع 9.5% على أساس سنوى، وفقا لوزارة التجارة الصينية.