أصاب التوتر السياسي مؤخرا بين مصر وأمريكا اتفاقية التجارة الحرة التي لم تخرج عن حيز الكلام والأمنيات منذ عشرة أعوام تقريبا وحتي الآن لم ييأس رجال الأعمال والمصريون من تحقيق هذا الحلم البعيد المنال.. مع بداية الألفية الجديدة التي شهدت تحرك القاهرة نحو تحويل اتفاق الشراكة الاقتصادية مع واشنطن إلي نظام التجارة الحرة فاننا نجد أن هذا التحرك لم يتوج بثمرة توقيع الاتفاقية التي ستضمن للصادرات المصرية دخول الأسواق الأمريكية دون جمارك رغم تعاقب الزيارات بين الجانبين وما أعلنه مجلس الاعمال المصري الامريكي وغرفة التجارة الأمريكية عن تصدر هذه الاتفاقية لأجندة أعمالهم. وبحسب تصريحات السفيرة الأمريكية السابقة آن باترسون فإن حجم التبادل التجاري بين مصر وأمريكا بلغ8 مليارات دولار, و ذلك بنهاية العام الماضي تتوزع ما بين6 مليارات دولار صادرات امريكا لمصر و2 مليار دولار صادرات مصرية لامريكا. ويختلف خبراء اقتصاد ورجال أعمال حول مستقبل الاتفاقية الخاصة بالتجارة الحرة بين واشنطنوالقاهرة حيث يري فريق أن الجانب الأمريكي لن يوافق عليها ليس فقط بسبب توتر العلاقات السياسية بين البلدين ولكن لأن الجانب الأمريكي يهدف تحجيم الواردات الأجنبية الي السوق الأمريكية في حين يري فريق آخر أن الأمريكا ستمضي في التشاور بشأن هذة الاتفاقية مع مصر لان الأخيرة تتمتع بثقل سياسي كبير في المنطقة ومن المهم للجانب الأمريكي أن يعزز من علاقاته بالقاهرة. وبعيدا عن العلاقات السياسية فإن مصر ستستفيد بشكل كبير من تطبيق اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا في تعزيز اختراق الصادرات المصرية الي الأسواق الأمريكية فيما يتعلق علي وجه الخصوص بصناعات الملابس الجاهزة والأسمدة والأثاث والزجاج خاصة في ظل تدني حجم صادراتنا الي هذا السوق العملاق الذي يتمتع بشره رهيب من مستهلكيه. يؤكد الدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد والخبير السابق بصندوق النقد الدولي أن أمريكا لن تفكر حاليا في تدشين اتفاقية للتجارة الحرة مع مصر بعيدا عن الوضع السياسي الذي يشوبه الاحتقان حاليا إلا أن أمريكا تستهدف تحجيم الواردات الأجنبية الي السوق الأمريكية, مشيرا الي أن التفاوض بشأن إعادة التفكير في تنفيذ هذه الاتفاقية أمر ليس باليسير حاليا ولكن في حال تدشينها فإن مصر ستستفيد بشكل كبير من هذه الاتفاقية خاصة أنها ستسهم في نفاذ الصادرات المصرية بشكل كبير الي الاسواق الامريكية متمثلة في صناعات هامة علي رأسها الملابس الجاهزة والاسمدة والزجاج والاثاث. وقال الفقي ربما تنظر الولاياتالمتحدة الي هذه الاتفاقية مستقبلا بطريقة مغايرة للوقت الراهن نتيجة توتر العلاقات السياسية بين البلدين جراء التضارب في تقييم الأحداث التي شهدها الشارع المصري بعد30 يونيو, مشيرا الي أن الأهم حاليا هو تحسين المنتج المصري الذي نرغب في أن يمثلنا بالأسواق العالمية حتي لا يكون هناك أي تعنت في دخول المنتجات المصرية الي مختلف الأسواق فنحن لا نستهدف السوق الأمريكية وحدها رغم أهميتها وكبر حجمها وارتفاع مستويات القدرة الشرائية لمواطنيها. في حين يري محمد قاسم, رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة أن إعادة الحديث عن تدشين اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين ليس أمرا مستحيلا ولكن تطبيقها حاليا قد يكتنفه بعض الغموض ولكنها تمنح المنتجات المصرية مميزات كثيرة أهمها النفاذ بقوة الي السوق الأمريكية أحد أكبر الأسواق العالمية التي تستهدف أي دولة التواجد فيها, مشيرا الي أن الجانب الأمريكي يهتم بشكل دائم بضرورة وجود تمثيل دبلوماسي واقتصادي قوي مع مصر وهو ما سيعزز من فرص تدشين الاتفاقية حال عودة الهدوء الي العلاقات بين البلدين. أما جلال الزربة, رئيس اتحاد الصناعات المصرية السابق فيري أن تأخير تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وأمريكا ليس وليد التوتر الحالي في العلاقات السياسية ولكنه يعود بشكل رئيسي الي أن أمريكا لا تفكر جديا في توسيع دائرة اتفاقياتها للتجارة الحرة مع دول أخري نظرا للمخاوف الاقتصادية الناجمة عن الغزو الكبير في الواردات اليها. اضاف: حجم الصادرات المصرية الحالي الي امريكا ضعيف ويمكن زيادته من خلال تدشين هذه الاتفاقية مع ضرورة الإبقاء علي اتفاقية الكويز وعدم إلغائها باعتبارهما طريق الصادرات المصرية نحو الانطلاقة. ومن جانبه أكد محمد فاروق عضو المجلس المصري للشئون الاقتصادية أن زيادة الصادرات المصرية من السلع المصنعة سواء الغذائية أو الاستهلاكية احد أهداف تطبيق نظام اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين مشيرا الي أن عدم قدرتنا علي إنتاج سلع تستطيع منافسة المصنعين العمالقة المتعاملين مع الاسواق الامريكية يجعلنا نبحث جيدا عن تحسين المنتج المصري ورفع كفاءته قبيل الشروع في تطبيق هذه الاتفاقية. واضاف: تعتبر أمريكا الشريك التجاري الاكبر لمصر وثاني أهم شريك بعد الاتحاد الاوروبي لكن لابد من مراعاة بعض القواعد الخاصة عند تطبيق هذه الاتقاقية ومنها مراعاة الضوابط الجمركية التي تضعها امريكا علي منتجات معينة مثل السكر ومنتجات الألبان, لذلك يجب أن تمنح مصر معاملة تفضيلية تتناسب مع مكانة قطاع الزراعة في اقتصادنا. وهناك فوائد علي المدي البعيد ستحصل عليها أهمها مصر علي المدي الطويل من اتفاقية ارتباطنا بأكبر دولة رائدة في الاقتصاد المعرفي الأمر الذي سوف يعزز من قدرة الاقتصاد المصري علي النجاح. وأشار الي أن البعض قد يعترض علي اشتراطات الولاياتالمتحدة للتوافق مع اتفاقية التجارة الحرة ولكن تكييفها بما يخدم السوق المصرية هو الهدف الأسمي في ظل انفتاح السوقين الأمريكي والمصري علي بعضهما بموجب هذه الاتفاقية الأمر الذي قد يصعب الوضع علينا في ظل عدم قدرتنا علي منافسة المنتجات الأمريكية علي الوجه الملائم