إن توسيع وتنشيط الإنتاج الزراعي أمر بالغ الأهمية في الوقت الراهن, حتي نتمكن من تلبية احتياجاتنا الغذائية المتزايدة الناجمة عن النمو السكاني, وكأساس للتنويع الاقتصادي والتنمية. ومن ثم هناك حاجة ماسة وملحة إلي زياد ة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي. ويمكن أن تسهم الاستثمارات المحلية والأجنبية في تنمية قطاع الزراعة, وهناك إمكانيات كبيرة للتفاعل بين الاثنين. ويشكل القطاع الخاص المحلي المصدر الرئيسي للاستثمار في القطاع الزراعي, بيد أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد يضطلع بدور تكميلي هام, ولاسيما فيما يتعلق بإنتاج محاصيل ذات قيمة مضافة عالية وتحديث هذه الصناعة. غير أن الاستثمار من جانب الشركات عبر الوطنية في الزراعة لا يزال محدودا في مصر. وتؤثر الشركات عبر الوطنية أيضا في الإنتاج الزراعي- وتستثمر بالتالي بطريقة غير مباشرة في هذه الصناعة- بوسائل أخري منها الزراعة التعاقدية. وهذه المشاركة من جانب الشركات عبر الوطنية في الإنتاج الزراعي قد تصرف النظر عن الاستثمار في المحاصيل الراهنة, لكن من المهم إنشاء روابط بين المستثمرين الأجانب والمحليين في مجال الزراعة وأن تكون لاستثماراتهم تأثيرات غير مباشرة. ويقدم الاستثمار الأجنبي المباشر رءوس الأموال اللازمة والتكنولوجيا والمدخلات الأخري من أجل زيادة الطاقة الإنتاجية, ويمكن أن يساعد المنتجين المحليين علي الاندماج في سلاسل القيم الدولية للأغذية. وفي ذات الوقت, لابد من مراعاة ألا تؤدي الاستثمارات الأجنبية إلي استبعاد المستثمرين المحليين, ولاسيما صغار المستثمرين. وعلاوة علي ذلك, ينبغي التشديد علي أهمية استثمار القطاع العام في هذا المجال, فهو يساعد في توصيل الهياكل الأساسية إلي المناطق الريفية, وفي تمكين صغار المزارعين وتوفير بيئة مواتية لاستثمارات القطاع الخاص. وهناك العديد من المجالات التي يمكن أن يحدث فيها التفاعل من أهمها ما يلي: 1- يمكن أن يشترك المستثمرون الأجانب والشركات المحلية والمزارعون المحليون في الإنتاج الزراعي. 2- يمكن أن يتعاون المستثمرون الأجانب والشركات المحلية أو المزارعون المحليون في مختلف المراحل المتصلة بسلاسل القيم المتعلقة بالأغذية. فعلي سبيل المثال, يمكن أن تتولي الشركات المحلية/المزارعون المحليون عملية الإنتاج, بينما يشارك المستثمر الأجنبي في مرحلة تجهيز المنتجات الغذائية/ أو كجهة للبيع بالتجزئة. 3- يمكن أن يتعاون المستثمرون الأجانب والمحليون في البحث والتطوير في مجال الزراعة. ويشمل ذلك, علي سبيل المثال, إمكانية إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال. والتحدي الكبير الذي يواجه التصدي لأزمة الغذاء هو كيفية حفز إقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص بحيث يتمكن القطاع العام من استخدام وتكييف التكنولوجيات التي تطورها الشركات عبر الوطنية بغية التغلب علي المشاكل التي تواجه المزارعين الفقراء. 4- يمكن أن يتعاون المستثمرون الأجانب والمحليون في تطوير الهياكل الأساسية, وينبغي التسليم بأن تأثيرات تطوير هذه الهياكل الأساسية علي الزراعة قد تكون أكبر من مجرد تأثير اقتصادي. لكن كيف نعزز التفاعل بين الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار المحلي؟ أ- التفاعل علي مستوي الإنتاج, بينما يفضل معظم المستثمرين الأجانب في الإنتاج الزراعي أن تكون لديهم سيطرة كاملة علي الاستثمار- إما كملاك أو مستأجرين- فإن هناك أيضا حالات مشاريع مشتركة بين المستثمرين الأجانب والمحليين. وقد يكون أحد أسباب ذلك هو أن الشريك الأجنبي لا يحق له امتلاك أو استئجار الأراضي بمفرده. وهناك أمثلة علي هذه المشاريع المشتركة, حيث يختلف نموذج دخول الشركات عبر الوطنية باختلاف المناطق والبلدان, ويتوقف ذلك جزئيا علي ما إذا كان يسمح للأجانب بامتلاك الأراضي. وتفتح الحاجة إلي توقيع عقد مشروع مشترك الباب لإمكانية تحديد بعض الأهداف التي يجب علي المستثمر الأجنبي أن يحققها كشرط مسبق لإقامة الشراكة. وبصياغة هذه القواعد بعناية, يمكن إنشاء حالة مربحة للجميع بإخضاع المستثمر الأجنبي لعدد من الالتزامات الرئيسية مقابل حق القيام بالاستثمار. ويتصل أحد المواضيع الحاسمة بالآثار الاجتماعية والبيئية لهذه المشاريع, وبالإسهامات التي يمكن إلزام المستثمرين الأجانب تعاقديا بتقديمها للنهوض بهدف التنمية الزراعية المستدامة. وقد سمحت بعض الحكومات بالاستثمارات الأجنبية في الإنتاج الزراعي, شريطة أن تعود هذه الاستثمارات بفوائد إضافية علي البلد المضيف, مثل تنمية الهياكل الأساسية. وتشمل المواضيع الأخري التي يجب النظر فيها توزيع الإنتاج والإيرادات. فإذا كان الإنتاج يتصل بمواد غذائية أساسية, يمكن للمرء أن ينظر في ترتيب تعاقدي مع المستثمر الأجنبي تخصص بموجبه حصة معينة من الإنتاج للسوق المحلية لتعزيز الأمن الغذائي. ويتمثل التحدي الذي يواجهه صانعو السياسات في زيادة فوائد هذا التفاعل إلي أقصي حد وتقليل تكاليفه إلي أدني حد. وقد وضح أن تحسين إنتاجية المزارعين المحليين أمر أساسي لتعزيز التنمية الزراعية. لذلك, ينبغي أن يتمثل أحد العناصر الرئيسية للاستراتيجية الناجحة في تعزيز الروابط من خلال ترتيبات تعاقدية بين المستثمرين الأجانب والمزارعين المحليين تمكن هؤلاء من تعزيز وتحسين قدراتهم, لاسيما بنقل التكنولوجيا وغيرها من المعارف. فهذا إذن مجال يمكن أن تلتقي فيه مشاركة المستثمرين الأجانب والاستثمار المحلي. وينبغي لصانعي السياسات دراسة سلسلة القيم كاملة بغية تحديد العوائق التي تحول دون التعاون الفعال بين المستثمرين الأجانب والمزارعين المحليين. وتشمل العوائق المحتملة ما يلي: عجز الملاك الصغار عن توفير منتجات ذات نوعية متسقة وفي الوقت المناسب. انعدام التكنولوجيا والمعايير الحديثة. انعدام رأس المال. بعد مناطق الإنتاج. الدور المحدود لاتحادات المزارعين والنقابات الزراعية. انعدام الصكوك القانونية الملائمة لتسوية المنازعات. وهناك عدة خيارات لمعالجة هذه العوائق المحتملة للتعاون, ومن أهمها: أ- الدعم المالي للمزارعين المحليين. ب- كانت هناك خدمات إرشادية تقدم في فترة من الفترات عادت بالفائدة علي صغار الملاك من حيث زيادة إنتاجيتهم وتخصصهم. ج- تعزيز دور اتحادات ونقابات ومنظمات المزارعين. د- خدمات المعلومات والمطابقة مثلا, تسعي منطقة هيزي في مقاطعة شادونج في الصين بنشاط إلي الحصول علي استثمار أجنبي مباشر في الإنتاج الزراعي والأنشطة التحويلية ذات الصلة من أجل تحويل المنطقة إلي قاعدة إنتاج وتصدير رئيسية للمنتجات الزراعية العضوية في البلد. وأعدت الحكومة المحلية فهرسا للمشاريع يزود المستثمرين الأجانب المحتملين بمعلومات مفصلة عن إمكانيات السوق, والاحتياجات المقدرة من الاستثمار, والأرباح المقدرة, والأسلوب المفضل لدخول الشركات عبر الوطنية. وهناك مجال آخر يمكن فيه للمستثمرين الأجانب والمحليين أن يتفاعلوا وهو البحث والتطوير الزراعيان. ويمكن أن تكون الشراكات بين القطاعين العام والخاص للبحث والتنمية التي تشمل شركات عبر وطنية وسيلة سياساتية رئيسية لتعزيز الابتكار, وجعل البحث والتطوير الزراعيين أكثر استجابة للاحتياجات المحلية وتحدي الاستدامة, وتخفيض التكاليف, وتوزيع مخاطر المشاريع بين الشركاء المعنيين. ويمكن لصانعي السياسات أن ييسروا هذه الشراكات بين القطاعين العام والخاص بتقديم حوافز للابتكار من خلال منح منخفضة الفائدة تشارك في تمويل كل من البحث والتطوير والاختبار التجريبي للابتكار. ويتمثل خيار آخر في تعزيز التعاون مع مؤسسات البحث الزراعية الدولية. فعلي سبيل المثال, أقامت المؤسسة البرازيلية للبحوث الزراعية, وهي مؤسسة عامة رائدة في البحوث الزراعية في البرازيل, مختلف أنواع الشراكات المحلية والدولية مع شركات عبر وطنية فيما يتصل باستحداث تكنولوجيات جديدة, وإدماج تكنولوجيات من شركات أخري في منتجات المؤسسة البرازيلية للبحوث الزراعية وإقامة شراكات تقدم فيها هذه المؤسسة تراخيص تكنولوجياتها إلي شركات عبر وطنية. وهناك أهمية لوضع عقود نموذجية للزراعة التعاقدية, وينبغي وضع هذه النماذج بهدف مساعدة المزارعين المحليين, بوصفهم الطرف الأضعف, في المفاوضات مع الشركات عبر الوطنية بتحديد العناصر الأساسية التي يتعين إدراجها في العقود. وستحدد هذه العناصر الأساسية الحقوق والالتزامات الرئيسية للأطراف المتعاقدة, ويمكن أيضا أن تحدد دور السلطات الحكومية في هذا السياق. ووجود عقد نموذجي لا يسهل المفاوضات فحسب, بل يسهم أيضا في التفاوض بصورة أكثر توازنا, مع الفائدة الجانبية المتمثلة في المساعدة علي الحد من المنازعات بين الأطراف المتعاقدة في المستقبل. إن تنمية الهياكل الأساسية المناسبة أمر حاسم لتحسين ظروف الإنتاج الزراعي وجعل بلدنا أكثر إغراء للمستثمرين الأجانب. وهناك إمكانيات كبيرة للشراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال. ويتمثل أحد المجالات في الري. وعند وضع السياسات المتعلقة بالاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار المحلي في الإنتاج الزراعي, علي صانعي السياسات أن ينظروا في الطريقة التي يمكن بها لهذه المشاركة أن تخدم علي أفضل وجه أهدافهم الإنمائية الطويلة الأجل. ويمكن تحقيق ذلك علي النحو التالي: 1- تهيئة بيئة مواتية لجلب الاستثمار الأجنبي. 2- مطابقة الاستثمار الأجنبي المباشر مع الموارد المحلية لإيجاد تآزر إيجابي. 3- تعزيز الروابط بين فروع الشركات الأجنبية والكيانات المحلية( لاسيما الشركات الصغيرة). 4- كفالة أن الإبقاء علي نسبة كافية من القيمة المضافة في الاقتصاد المضيف وتقاسم عادل للفوائد الاقتصادية فيما بين مختلف أصحاب المصلحة. وفي الوقت نفسه, علي صانعي السياسات أن يتعاملوا مع الآثار الاجتماعية والبيئية البعيدة المدي التي يمكن أن تترتب علي الاستثمار الأجنبي في الزراعة. ويجب وضع استراتيجيات لمنع استبعاد المزارعين الصغار, وتأمين حيازة الأراضي للمزارعين المحليين, ودعم الحق في الغذاء وتشجيع أشكال الإنتاج الزراعي المستدامة بيئيا.