السؤال المحير الذي يجب أن يشغل بال الكثيرين لماذا رغم الازمة الحالية والفقر المائي الذي تعاني منه مصر منذ أكثر من عقدين تلقي مصر جزءا كبيرا من مياهها بالبحر المتوسط. المهندس المصري اسماعيل حماد أعد مشروعا يقوم من خلاله بتوفير هذا الكم الهائل المهمل اطلق عليه مشروع' الباب الدوار' والتي سارعت جمعية بنك الافكار بالاتصال بمهندسنا المصري لعمل مؤتمر موسع لشرح الفكرة و أخذ رأي المسئولين حول امكانية تنفيذها. يقول مهندس حماد.. تبلغ كمية المياه العذبة المهدرة الملقاة منها في عرض المتوسط بين1.2 مليون متر مكعب يوميا إلي5 مليارات متر مكعب سنويا. وهذه الكمية المهدرة تستطيع أن تصنع فرقا سواء في مياه الشرب أو المياه الواصلة إلي ترعة السلام المتجهة إلي سيناء أو ترعة النصر والحمام إلي مطروح, فكلا الترعتين قريبتان من فرعي دمياط ورشيد وتتغذيان منهما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. ويضيف م.حماد قائلا: سيحاول النيل شئنا أم أبينا إلقاء كميات كبيرة من مياهه العذبة في البحر كي تستمر المياه في الانحدار نحو الدلتا من جنوب مصر إلي شمالها. وأظن أن وضع باب دوار عند مداخل فرعي رشيد ودمياط من شأنه الإبقاء علي هذه الكميات المهدرة وإعادة التوازن المائي لمصر, فوجود مثل هذا الباب سواء ثلاثي أو رباعي الأذرع سيعمل علي إقامة فاصل مستديم بين مياه البحر الأبيض ونهر النيل عند كل درجة من درجات دوران الباب بهدف فتحه لأغراض الملاحة مثلا. ومعظم المراكب المارة من البوغاز هي في مجملها مراكب صيد أو لنشات تستطيع بأحجامها المتوسطة المرور من الباب الدوار. ويشرح م.حماد فكرته قائلا: دوران مثل هذا الباب سيحتاج إلي موتور كهربائي متوسط القدرة لأن ضغوط المياه متعادلة تقريبا علي جميع أوجه أذرع الباب. وبالاعتناء بالشكل الجمالي إلي جانب الشكل الوظيفي للباب الدوار يمكن جعله أعجوبة من عجائب الدنيا ومزارا سياحيا كبوابة سيدني وبوابات فينيسيا وقناة بنما, وذلك بعد أن تعودت أعيننا علي كل ما هو كتلي وخرساني وقبيح من كباري وقناطر بدعوي أنها تؤدي وظيفتها وكفي في حين أن العالم يستغل وجود أنهاره لإنشاء كباري وقناطر كالتبلوهات الفنية تسر الناظرين الي جانب القيام بوظيفتها خير قيام. بوابة ثلاثية الأذرع تناسب عرض النيل عند رأس البر وعزبة البرج ويضيف حماد.. عند ارتفاع منسوب المياه أمام الباب الدوار إلي حد معين, تؤخذ هذه الزيادة من مآخذ مياه ترعة السلام المتجهة إلي سيناء وترعة النصر أو الحمام المتجهة إلي الساحل الشمالي ومطروح, كل ذلك بالتنسيق مع قناطر فارسكور وإدفينا وما قبلهما في منظومة واحدة وبرنامج واحد يعمل علي الاستفادة والحفاظ علي كل قطرة من مياه النيل داخل مصر. أما في حالة زيادة منسوب المياه أمام الباب بشكل خارج عن السيطرة لأي سبب أو الحاجة إلي غسيل النهر فيمكن عمل بوابات طوارئ تفتح في جسم زراع الباب نفسه في اتجاه البحر. ونستطيع بالترع والقنوات الموجودة بالفعل والقليل منها الذي يتم إنشاؤه إيصال ما سيتم توفيره من مياه النيل المهدرة في البحر إلي منخفض القطارة لاستصلاحه وزراعته كما هو الحال في منخفض الفيوم. القطارة.. الغيث والقمح والغذاء وحول امكانية استخدام مياه نهر النيل في زراعة الصحراء الغربية يقول حماد: مع الرأي السائد في مصر والقائل باستخدام مياه النيل لاستصلاح الصحراء, فصحراء مصر الغربية لديها مصادر مياهها الطبيعية سواء أمطار في الساحل الشمالي بكامله بما فيه أجزاء كبيرة من منخفض القطارة فمعدل سقوط مياه الأمطار علي صحراء مصر الغربية يتراوح سنويا مابين150 مم علي ساحل البحر وحتي25 مم علي بعد80 كم جنوبا منه, أو مياه جوفية في الكثير من مناطقها مثل الخزان النوبي والنهر العظيم الذي تستغله ليبيا وحدها.. وما أتصوره عن تعمير الصحراء هو أن تصبح مساحات وواحات زراعية ورعوية في مناطقها الغنية بالأمطار وبالمياه الجوفية, ومدن ومراكز سكانية قائمة علي التعدين وأعمال المناجم وآبار البترول ومحطات عملاقة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية, وأماكن جذب سياحي قائمة علي الآثار والمعابد والأديرة وعلي عجائب الطبيعة بها مثل الصحراء البيضاء ووادي حيتان. إذن ماذا عن تخزينها في منخفض القطارة ؟؟!! لست مع الرأي السائد في أوساط علماء مصر بتخزين مياه النيل في المنخفض فلهذا الرأي طرافته, فأي كمية يتم توفيرها من مياه نهر النيل علي قلة إيراده سترمي في المنخفض علي اتساع مساحته التي تقترب من مساحة دولة الكويت ستكون أشبه بمن يلقي كوب ماء علي سطح صفيح ساخن فمصيرها إلي البخر, ولكني أميل إلي زراعة منخفض القطارة نفسه للأسباب الآتية: أولا: مصر لا تنقصها مزيد من البحيرات المالحة حتي إن كان الهدف توليد الكهرباء. فلدي مصر الكثير منها والتي تحاول ردم بعض أجزائها للاستفادة من أراضيها كما حدث قديما مع بحيرة كنج مريوط لإنشاء حي سموحة بالإسكندرية,وكما يحدث الآن في معظم بحيرات مصر. وهولندا علي سبيل المثال لم تستغل أراضيها الواطئة في توليد الكهرباء بماء البحر ولكن زرعتها واستغلتها كيابسة واعتمدت علي طاقة الرياح لإدارة طواحينها. ويطرح نقطة ثانية وهي أن المنخفض غني بمياهه الجوفية وبمياه الأمطار سواء الساقطة عليه مباشرة أو المنحدرة إليه من مناطق الساحل الشمالي المشغولة بالقري السياحية المواجهه للمنخفض والتي لا تحتاج لها. وكل هذه المياه تصلح لزراعة اقتصادية مع رية تكميلية بالمياه التي سيتم توفيرها من مياه النيل المهدرة في البحر والتي ستصل إلي المنخفض بترع وقنوات كما هو الحال في منخفض الفيوم, أومن خزان المياه الجوفي المتجدد بمياه النيل والموجود أسفل الدلتا بالقرب منه والذي يقدر بمئات المليارات من الأمتار المكعبة.. ويضيف حماد: مساحة منخفض القطارة مع النطاق الممطر المحيط به تقارب المساحة الزراعية بوادي ودلتا النيل مما قد يؤدي إلي إنشاء مجتمعات عمرانية حقيقية جديدة تستوعب المزيد والمزيد من الزيادة السكانية ومضاعفة مساحة مصر الزراعية بمساعدة مياه الأمطار بدلا من إهدار هذه المساحات بتحويلها إلي خزان للمياه المالحة يملح ما حوله من أراض,الأمر الذي قد يضر علي المدي الطويل بأراضي الدلتا الزراعية المتاخمة له فيملحها بدلا من مضاعفة مساحتها.. التضاريس الطبيعية لمنخفض القطارة ويضيف في لمحة أخري أن الاتجاه الطبيعي لهجرات المصريين الداخلية منذ قديم الزمان هي من الجنوب الحار والمغلق والفقير نسبيا في ثرواته إلي الشمال المعتدل مناخيا والرحب بدلتاه والمنفتح علي العالم ببحره الأبيض. لذلك يصبح منخفض القطارة هو المكان المثالي لإقامة مشروع مصر الزراعي المستقبلي. ويدلل م.حماد علي رأيه متحدثا عن مشروعات مشابهة مثل مشروع توشكي الجنوبي وكذلك مشاريع استصلاح مديرية التحرير والنوبارية قائلا: كلها مشاريع أقيمت في شمال مصر ومتاخمة أيضا لمنخفض القطارة وتقريبا لها نفس ظروفها المناخية وهي مشاريع اجتذبت جموع المصريين من مختلف أنحاء البلاد جنوبها وشمالها بإقبال لا يشوبه حاجز نفسي.. ويضيف م.حماد أن ميول المنخفض متدرجة ناحية الشرق والجنوب عكس حوافه الشمالية والغربية ذات الحوائط الصخرية الممتدة من شماله إلي غربه بارتفاعات تتراوح ما بين200 متر إلي350 مترا. وهذا التدرج شبيه إلي حد قريب بميول منخفض الفيوم, مما يجعل المنخفض من ناحية الشرق امتدادا متصلا للوادي و للدلتا. وعن توليد الطاقة الكهربية يقول حماد أن الطاقة الشمسية قد تكون البديل المناسب لمصر لتوليد الكهرباء عن أي طاقة أخري بترولية أو نووية أو بتساقط مياه البحر في منخفض القطارة. فكمية الطاقة الحرارية الشمسية الساقطة علي صحراء مصر بالكيلووات قد تفوق أي من هذه الطاقات السابق ذكرها مفردة أو مجتمعة. واخيرا يقول م.حماد إن هذا الفصل المستديم بالباب الدوار بين مياه البحر ومياه النهر سيمكننا من الاستفادة من كل نقطة من مياه نهر النيل وسيكون بمثابة حائط صد يدفع مياه البحر بعيدا عن الاختلاط بمياه النيل بفرعي رشيد ودمياط ودخول الدلتا وتمليح أراضيها ومخزون مياهها الجوفي. وكذلك زراعة منخفض القطارة علي مياهه المباشرة وغير المباشرة قد يكون الاستغلال الأمثل لمواردنا وثرواتنا الطبيعية من أراض و أمطار ومياه نيل وطاقة شمسية.