إبراهيم عيسى: الفكر السلفي معطل للاقتصاد المصري وخطر على الدولة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    "قتلوا مدنيين".. بايدن يعلق على قرار أمريكا وقف تصدير السلاح لإسرائيل    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    ملف رياضة مصراوي.. تأبين العامري فاروق.. تأهل ريال مدريد.. وقائمة الزمالك    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    نقل زوجة شريف رمزي إلى المستشفى بعد تعرضها لوعكة صحية مفاجأة    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    انتخاب أعضاء مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    التابعي: الزمالك يمكنه حصد الكونفدرالية وأنصح هذا اللاعب بعدم التهور    محافظ الإسكندرية يكرم أبطال سلة الاتحاد عقب فوزهم بكأس مصر    صفقة سوبر على أعتاب الأهلي.. مدرب نهضة بركان السابق يكشف التفاصيل    ميدو يوضح رأيه في اعتراض الزمالك على حكام نهائي الكونفدرالية    إعلام إسرائيلي: تصريح بايدن حول وقف شحنات الأسلحة "زلزال قوي" للعلاقات بين البلدين    نقابة الموسيقيين تنعي كريم عبد العزيز في وفاة والدته    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    محمد فضل: جوزيه جوميز رفض تدريب الأهلي    نماذج امتحانات الثانوية العامة 2024 بصيغة «PDF» لجميع المواد وضوابط اللجان    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في السعودية: تخطيط لاستمتاع بأوقات العطلة    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    العظمى بالقاهرة 36 درجة مئوية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 9 مايو 2024    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    عيار 21 الآن بعد الزيادة.. أسعار الذهب بالمصنعية اليوم الخميس 9 مايو بالصاغة (آخر تحديث)    نبيل الحلفاوي يكشف سبب ابتعاد نجله عن التمثيل (تفاصيل)    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    توفر مليار دولار سنويًا.. الحكومة تكشف أهمية العمل بجدول تخفيف الأحمال (فيديو)    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    التحالف الوطنى يقدم خدمات بأكثر من 16 مليار جنيه خلال عامين    رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    رئيس لجنة الثقافة: الموقف المصرى من غزة متسق تماما مع الرؤية الشعبية    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    طالب صيدلة يدهس شابا أعلى المحور في الشيخ زايد    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    الكشف على 1209 أشخاص في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    أيهما أفضل حج الفريضة أم رعاية الأم المريضة؟.. «الإفتاء» توضح    رئيس«كفر الشيخ» يستقبل لجنة تعيين أعضاء تدريس الإيطالية بكلية الألسن    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصادق المهدي في حوار خاص لالاقتصادي نمتلك المال.. القوي العاملة.. الأرض نفتقد الإرادة السياسية

الصادق المهدي.. يخطئ من يختصر سيرته الذاتية في أنه رئيس وزراء السودان الاسبق في ظل نياشينه الفكرية في العمل السياسي والاقتصادي معا التي تقلدها عبر سنوات عمره الذي يناهز فيها ال78 عاما.. ولد قائدا منذ نعومة أظفاره في العمل السياسي متمردا علي ما لا يستهويه فترك دراسة الزراعة ليقبل علي دراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة ويحصل علي درجة الماجستير فيها بعد عامين اثنين من تخرجه.
كانت مجاديف الاسئلة التي حرك بها الاقتصادي مياه الذاكرة عنده تؤكد حضور الذهن والقدرة علي تواصل الرؤي بين الماضي والحاضر.. وكانت تضرب بقوة حول علاقة مصر بالسودان ومثلث العلاقة اذا اضفنا الجنوب.. ثم كان السؤال الشائك الذي يعوق التكامل الآن خاصة بعد ازالة ألغام الماضي واتفاق الرؤي الايديولوجية بين رئاستي الدولتين.
ثم عرجنا علي سبر اغوار أعقد الملفات واكثرها تهديدا في المرحلة المقبلة وهو ملف المياه خاصة انه كان شاهدا ومشاركا وله مؤلفات في هذا الشأن.
ثم اتسعت دائرة الاسئلة لتشمل العوائق التي مازالت قائمة نحو التكامل العربي.. ولم نغفل ان يكون سؤالنا مباشرا عن دوره الآن في ظل ثورات الربيع وتحديات المرحلة..
كانت الاجابات واضحة.. مفاجئة.. صادمة احيانا اختلطت فيها اللغة بين السياسة والاقتصاد والفلسفة رغما عنه وعنا.. لأن الانفصال فيها انفصال عناصر الجسد الواحد.
*في حزب الامة كنا نقود الموقف ضد مصر والآن صرنا نقود نحوها.. وهذا دليل علي زوال عقدة الماضي.
*علاقتنا مع افريقيا جنوب الصحراء لا تتماشي مع حجم المصلحة بيننا وبينهم.
*الحكومة المصرية لم تستثمر مؤتمر التكامل الاقتصادي الافريقي لاصلاح العلاقة المرشحة للتفاقم والاستقطاب التي هي اكرث ضررا واسوأ من الحروب.
*كانت اقتراحاتي الثلاثة كفيلة بحل ازمة اتفاقية1969 للخروج من دائرة الوعيد التي نعيشها حاليا.
*اذا اتفقنا سنوفر20 مليار متر اضافية نخسرها سنويا حاليا ولسنا في حاجة الي مظلة الامم المتحدة.
*لابد في مشروع جونجلي ان يقيم مشروعا متوازنا للمضارين بسببه من ابناء الجنوب
* ليس من مصلحة النظام المصري ان يبدو كأنه ابن عم النظام السوداني رغم الاتفاق الايديولوجي
*هناك فرق بين النظام المصري الذي وصل عبر الصندوق والنظام السوداني الذي وصل عبر الدبابة
* المبادرات الاقتصادية والشعبية اهم في اعادة الروابط من المبادرات السياسية
*الجنوب إما أن نحتضنه أو تأخذه اسرائيل
*50 مليار دولار يمكن أن نجذبها من الدول العربية لأننا أكثر أمانا من الغرب وفرصتنا كبيرة للعب دور الوسيط بين العرب والإفريقيين لأننا أفارقة وعرب معا.
*أعترف بأن هناك دولا عربية تدعم أنظمة الربيع العربي ودولا أخري تقود الثورة المضادة ومحاولة العرقلة والأولي أن تتحد لقيادة التنمية العربية
*النميري أسس علاقته مع مصر لكي يحتمي من شعبه وهذا أصل للخلاف مع مصر
*دفق النيل في السودان84 مليار متر مكعب والأمطار1000 مليار ولا نجد من يستثمرها
*سد النهضة يحقق وفرا في الكهرباء وتوفيرا لمياه دول الحوض وخطورته التحكم في دفق المياه وقت الأزمات
*إسرائيل تغتنم الفرصة لإيقاد شرارة العداوة في المنطقة لمصلحتها
*القرار السياسي في مصر صادرته سابقا جهات جاهلة ومحدودة الأفق ومستبدة والفرصة الآن واعدة
*زيارة الرئيس للسودان علاقات عامة وإثارة ملف حلايب وشلاتين فرقعة لبطولة وهمية
*20 مليار دولار استثمارات سودانية في مصر لا يتحدث عنها أحد
* الثروة الحيوانية في السودان يمكن أن تحقق الأمن الغذائي لمصر
*الاستثمار الحقيقي يمنع أسلحة القرار الشامل
*المعارضون في مصر كفاءتهم في المعارضة أكبر من كفاءتهم في الحكم
*الإخوان فوجئوا بالسلطة فتصرفوا بشيء من العشوائية
*شباب الفيس بوك صاروا ثورة محتملة ولا مجال لعودة حكم العسكر
*الكفراوي توقع صدام الإسلاميين والليبراليين في98 ودعاني لتكوين حزب وسط لجمع الشمل في مصر
*لو سقطت مصر فستجر الجميع خلفها.. وهذا يفرض المساندة من الجميع لها
*دولتا السودان إما أن تتعاونا بصورة كاملة وإما أن تندفعا لانتحار متبادل
* أولا نود أن نعرف تقييمكم للأوضاع في مصر والسودان؟
**وصلنا لدرجة من الهبوط التي ليس بعدها مرحلة اخري ولم يعد أمامنا إلا البناء والصعود وقد اشتدت الازمة ولم يعد إلا ان تنفرج وأنا متفائل لأن النظام القديم رسخ فكرة( استقرار القبور) بمعني أن كل شيء تحت السطح يغلي لكن فوق السطح فيه استقرار ثم انفجرت الحكاية وكل الخيارات انفتحت ثم دخلنا في مرحلة اضطراب, ومن المعروف أن الديمقراطية لها نظام متقدم جدا أخذ مئات السنين كي يستقر والأوربيون اكثر من نادوا بها, واول من نادوا بالديمقراطية هم أكثر من اقتتلوا وسفكوا دماء بعضهم البعض, وعلينا أن نستفيد من كل ذلك حتي لا نقع في نفس الأخطاء.
*بالنسبة لخصوصية العلاقة بين مصر والسودان.. لماذا لم تترجم إلي علاقات اقتصادية واضحة حتي الآن؟
**سؤال مهم ولكن نجيب أولا عن سؤال أهم ألا وهو: لماذا هناك مشكلة أصلا؟ سؤال تشخيص حالة.. وأنا في رأيي هناك عوامل كثيرة تجعل العلاقة بين مصر والسودان وحدوية مثل النيل, الأمن الغذائي, الأمن المائي, الوحدة الثقافية, الدين واللغة, الجوار, هناك عوامل كثيرة موضوعية تبرر علاقة وحدة بين البلدين ولكن المشكلة أن الطبقة الحاكمة المصرية في العهد الملكي طرحت العلاقة بين البلدين علي أساس السيادة المصرية علي السودان وليس علي أسس الاخاء والمصلحة المشركة, وهذا كله بسبب ذهنية الفكرة الإمبريالية القديمة لأن بموجبها اصطحب الإنجليز- وكانوا محتلين مصر- مصر فيما سمي بالغزو الثنائي علي السودان وأقاموا الحكم الثنائي في السودان, فأصبح وضع مصر يشابه وضع إنجلترا بالنسبة للسودانيين كمحتلين مع أن الدولتين تقعان تحت الاحتلال البريطاني, ومصر كانت مجرد أداة, لكن الطبقة الحاكمة المصرية قبلت هذا التصنيف الذي جعل مع بداية الحركة الوطنية المصرية صارت تتحدث عن أنه لا للدور البريطاني ولكن نعم للسيادة المصرية فهذا الأمر خلق حركة استقلالية في السودان تنادي بألا يفرض علينا شيء فالسيادة السودانية للسودان ومن قاموا بهذه الحركة قالوا إنهم لا ينكرون المصالح المشتركة.. لكن ننكر دعوي السيادة, هذا هو الإشكال الأول, أما الإشكال الثاني وهو ما خلق فعلا من ذهنية معادية للعلاقة مع مصر باعتبار العلاقة قائمة مع مصر علي أساس السيادة, أما المشكلة الثالثة فهي أن الإنجليز وهم كانوا مهتمين جدا بمسألة التشويه المتعمد للعلاقة بين مصر والسودان فبدأوا يتعاملون مع القضية في السودان كأنما أي فائدة للسودان تعني ضررا لمصر.. والعكس صحيح.
*ما الذي جعلك تغير اتجاهك نحو مصر؟
**عام1997 انفتحنا علي المجتمع المدني المصري كله من جامعات ونقابات وغير ذلك, ومن خلال وجودنا هنا ومن خلال انفتاحنا علي المجتمع المصري من خلال حزب الأمة والقوي والأحزاب السياسية حكومة ومعارضة نقابات وجامعات وأفرادا, وفي رأيي هذا مكننا من أن نطرح العلاقة بين البلدين علي أساس المصالح المشتركة وعلي أساس مبرأ من الخلفية القديمة وكان هذا له دور مهم جدا في إعادة قراءة تاريخنا, حتي مسألة المهدية باعتبارها دعوة وثورة كان ينظر إليها في مصر علي أساس أنها حركة فوضي وضد المصريين ودراويش وخلافه مع انه في الحقيقة هناك قراءة جديدة لهذا الأمر, وفي عام1998 ألقيت محاضرة هنا بالقاهرة في الجامعة العمالية حول موضوع تحرير الخرطوم علي يد الدعوة المهدية, والمدهش أنني قلت في المحاضرة إنها احتفال بانتصار الثورة المهدية ضد السلطة العثمانية التي كانت توظف الانجليز لخدمة مصالحها منذ سنة1885 وأن هذا احتفالي بها في القاهرة وقلت: صدق أو لا تصدق, وكان حاضرا في هذه المحاضرة المؤرخ والروائي يونان لبيب رزق فقال: أنا أصدق.. لأنه لما قامت الثورة المهدية في السودان كان الشارع السياسي المصري يرحب بها لأن الشارع السياسي المصري كان تسيطر عليه في ذلك الوقت حركتان, حركة إسلامية بقيادة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني والحركة الوطنية بقيادة العرابيين, والحركتان كانتا تصفقان للحركة المهدية ويريدان لها أن تنتصر وهناك وثائق علي ذلك كتبها محمد عبده والأفغاني ومسجل في جريدة العروة الوثقي وهي مجلة تصدر في باريس, وأما كلام العرابيين فكان واضحا جدا في رسالة سميت برسالة( العوام) تخص أحمد العوام وهو أحد قادة الثورة العرابية الذي كان منفيا بالخرطوم وحكم عليه بالإعدام لأنهم اعتبروه خائنا لأنه أعلن تأييده للدعوة المهدية أثناء ما كان الخرطوم محاصرا وأعدم بالفعل.. في ذلك الوقت- والكلام علي لسان يونان لبيب- لم يكن المصريون أنفسهم يحكمون مصر بل كانت تحكمها طبقة تركية عثمانية أجنبية وكان المصريون عندهم حدود في الجيش, فالمصريون كانوا محكومين وليسوا حاكمين, نحن محتاجون لإعادة قراءة تاريخنا ومع وجودنا هنا في القاهرة بدأنا نفتح صورة جديدة للعلاقة مجردة من التشويه الذي ذكرناه, فعلي المستوي السياسي كنا نتحدث مع كل القوي السياسية الحاكمة وغير الحاكمة والمدهش اننا نحن من كنا نتصل بالأحزاب والأنشطة الليبرالية كالوفد ومركز ابن خلدون وأيضا كل الأحزاب الاسلامية وكنت أجتمع معهم هنا باستمرار ليظل هناك اتصال بالحركة السياسة المصرية.
*هل أصبحت الظروف مواتية الآن لتحقيق التكامل بين البلدين؟
**في رأيي بدأت فكرة الاتجاه إلي التخلص من كوابيس الماضي والتحدث عن المصالح المشتركة الآن وأري أن الظروف مواتية لذلك الآن علي أساس أن هناك مصالح كثيرة جدا, أما عن العقدة الخلفية القديمة فهي مازالت في ذهن السودانيين لكنها تزول شيئا فشيئا الدليل علي ذلك أن حزبنا كان يقود الموقف ضد مصر, صرنا نقوده الآن نحو مصر وهذا خير دليل علي التحول الكبير.. الظروف مواتية للتحدث عن أشياء أساسية فنحن الاثنان مصر والسودان نحتاج لعمل توازن في علاقاتنا الخارجية مع افريقيا عموما لأن علاقاتنا بإفريقيا جنوب الصحراء ضعيفة جدا ولا تتمشي مع مستوي المصلحة الكبيرة بيننا وبينهم, فوجود النيل والاقتصاد والأسواق يعظم المصلحة المشتركة.. هم في افريقيا لديهم منتجات استوائية لها أسواق عندنا ونحن لدينا منتجات لها أسواق عندهم وبالتالي هناك مجال لتبادل تجاري كبير جدا وهذا مهم جدا.. لابد من إصلاح وتصحيح علاقاتنا مع افريقيا جنوب الصحراء لذلك أنا في خطابي الأخير أمام مؤتمر التكامل الاقتصادي انتقدت ضعف الوجود الرسمي في الوقت الذي جاءت فيه وفود من بلاد افريقيا جنوب الصحراء وأعتقد أن هذا النوع من الحضور كان يجب أن يقابله شعور بالترحيب الكبير من قبل الحكومة المصرية وهذا ما لم يحدث وهذا جزء من السياسة كان المفترض أن نستثمر لإصلاح العلاقة مع هذه الدول وأولها موضوع النيل فإن لم نعمل دبلوماسية مائية ناجحة فسيتحول الأمر إلي استقطاب بين دول المجري والمصب ودول المنبع في حوض النيل فتصبح هناك كتلتان وهذا الاستقطاب يضر بمصالحنا جميعا ضررا بالغا جدا وهذا الأذي المتبادل لمصالحنا أسوأ من الحرب.
*ماذا عن الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل؟
**منذ عام1999 ظهرت مبادرة حوض النيل وكانت أول منبر جمع ما بين الدول العشر التي تمثل دول حوض النيل ووضعوا أساسا لاتفاقية تحكم التصرف في النيل الاتفاقية من1999 حتي2011 وتم الاتفاق تقريبا علي كل النقاط وتقنين كل الأمور المتعلقة بالاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل التي يجب أن تقوم بتكوين مفوضية تجمع دول الحوض وتكون هي السلطة المعنية بإدارة شئون حوض النيل لكن مع نهاية الاتفاق اختلفوا علي ثلاث نقاط جعلت مصر والسودان تقفان في جانب ومعهم الكونغو والباقون وقفوا بعضهم مع البعض في جانب آخر وهذا نوع من الاستقطاب سيؤدي إلي مشكلة كبيرة وهذا هو السبب الذي دفعني سنة1999 لإصدار كتابي( مياه النيل.. الوعد والوعيد) فكأن مياه النيل اذا اتفقنا فهي واعدة وإذا ما اختلفنا فسيكون وعيدا استقطابيا يضر بعضنا البعض وأذي بالغا خاصة أن القوي المتربصة تستغل كل المشاكل.. المهم أنهم اتفقوا علي كل شيء ماعدا ثلاث نقاط, الأولي: ما هو الموقف من الحقوق المكتسبة في الماضي فبعض دول المنبع يرون ضرورة المراجعة بصورة لا تصيب الدول الأخري بأذي بالغ لكن مصر والسودان رفضتا المساس أو الاقتراب من موضوع النيل أصلا, الخلاف الثاني: في داخل المفوضية كيف يكون الترجيح.. هل ترجيح القرار يكون بالإجماع أو بالأغلبية, الخلاف الثالث: موضوع الاخطار المسبق, وقد اقترحت حلا لهذا الخلاف في المؤتمر.. ففيما يتعلق بمسألة التصويت فإنه في المسائل الجوهرية يكون التصويت بنسبة عالية فوق ال70% أما في المسائل العادية فيكون التصويت عاديا, وبالنسبة للإخطار فتخطر سكرتارية المفوضة فيما يتعلق بالبند الخاص بالاتفاقيات السابقة, أيضا السودان ومصر اتفقتا سنة1959 علي اتفاقية لاقتسام مياه النيل وفي هذه الاتفاقية ذاتها بند يقول إنه إذا جاء أي طلب لدول الحوض الأخري واقتنعنا به فإننا نقتسم ذلك نحن ومصر.
*وكيف يمكن حسم هذا الخلاف حول اتفاقية عنتيبي؟
**هناك قضايا كثيرة جدا إذا اتفقنا حولها من الممكن أن تزيد المياه لوجود إمكانية زيادة مياه النيل بمقدار20 مليار متر مكعب من مشروعات معروفة مثل مشروع قناة جونجلي الأولي والثانية التي ستأتي ب9 مليارات متر مكعب و7 مليارات من قناة بحر الغزال و4 مليارات من السوباط ومشار.. المهم أننا بحاجة للتوقيع علي الاتفاق الإطاري وندخل المفوضية وكان هناك ضرورة لذلك ضرورة كي نصل إلي حلول في الأمور الثلاثة وكانت هناك توصية بأن يجتمع رؤساء اجتماع قمة لينظروا في هذا الحل الجديد وهذا ضروري أن نتحدث وكأنها معاهدة جديدة لضبط كل المسألة في النيل دون الحاجة لمظلة الأمم المتحدة لابد من اتفاق بيننا لتحل هذه الاتفاقية محل مثيلتها القديمة حيث إن دول الحوض لم تعترف بالاتفاقيات القديمة لأنها كانت أيام الاستعمار علي أي حال هذا موضوع يحتاج إلي مفاوضات.
*ماذا عن مشروع قناة جونجلي في جنوب السودان؟
**اثيوبيا اعتبرت أن التصرفات المصرية والسودانية في مياه النيل ألغت دورها ولذلك لما قامت حركة جارنج احتضنوها واتفقوا معها علي أول عملية يقومون بها ليهددوا مشروع جونجلي وفعلا المشروع كاد أن يكتمل لكن هم هددوا وتوعدوا وخطفوا العمال والمهندسين والفنيين ولذلك فإن الشركات المنفذة خرجت من المشروع وتعطل بسبب حركات جارانج.. الجنوبيون عندهم أسباب موضوعية وأسباب غير موضوعية أما الأسباب الموضوعية فيقولون إن مشروع جونجلي يسحب المياه لمجري واحد ويحرم أناسا كثيرين جدا يعيشون حول أسماك هذه البرك في معيشة مرتبطة بالوضع الحاضر فهم يعتبرون أن القائمين علي مشروع جونجلي نظروا للمجري دون النظر لمعيشة القبائل التي حوله فلابد إذا من الوضع في الاعتبار مشروع لمعيشة القبائل المعنية, هناك أيضا مشكلة ثانية وهي أن أي توتر بين دولة السودان ودولة جنوب السودان سيكون من نتائجه عرقلة جونجلي خاصة أن هناك الآن أكثر عمليات تمرد ضد جوبا تقع في منطقة جنوب السودان واتهم السودان بأنه يدعم هذا التمرد, فهناك إذا مشكلة سياسية لكن ليس هناك شك اننا جميعا من مصلحتنا زيادة تدفق مياه النيل ولكن لابد من إتمام المشروع ومعه مشروع تنموي للجنوب يراعي مصالح كل الأطراف وهذا مطلوب الآن وبقوة.. مصر والسودان تحتاجان أن تتفقا كي تهيئا كل العوامل التي تقضي سياسة موحدة وهذا ممكن فيما يتعلق بزيادة التدفق لمياه النيل.
*مع وصول الاخوان للرئاسة في مصر وتوافق بعض الرؤي والأفكار مع نظام البشير, هل الوقت مناسب الآن لتوافق الرؤي بين البلدين حول فكرة التكامل؟
**نعم من حيث النظرية.. كون وجود حكومة ذات أصل اخواني في الخرطوم وحكومة ذات أصل اخواني في القاهرة فنظريا من المفتروض أن يكون هناك تقارب لكن في رأيي مصر إذا كان قد بدا أنها متقاربة مع النظام في السودان وهو نظام صاحب سمعة سيئة الآن من ناحية حقوق الانسان والحريات ومن ناحية العلاقات الدولية ليس من مصلحة النظام في مصر أن يبدو كأنه ابن عم النظام في السودان لذلك مثلا الرئيس مرسي لم يفكر في زيارة السودان منذ سنة وكذلك البشير لم يفكر في زيارة مصر لمدة سنة.. لا نريد ظلالا لأن هذه الظلال الأيديولوجية الموجودة بالسودان ستفعل في مصر كما فعل البشير في السودان ويكون نفس المصير, فلابد أن تبرأ العلاقات بين مصر والسودان من هذه الأيديولوجية وتكون العلاقة بينهما علي أسس بعيدة عن الأمور السياسية.. النقطة
الثانية أن النظام في مصر يحب أن يبين نفسه أنه ديمقراطي وأن الوصول للسلطة عن طريق الصندوق يعني أنه لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يضاف لهذه الحكومة التي وصلت للسلطة عن طريق الدبابة فهذا مدني وذاك عسكري, كما أنه لو حدث ذلك فأنت تعطي شرعية للوصول للسلطة عن طريق الدبابة في الوقت الذي نكرس فيه مبدأ ممنوع الدبابة.. لابد من التحدث علي أساس المصالح المشتركة ويجب أن تحميها قوة شعبية في مصر والسودان وأن تكون دائمة أيا كان الحكم وتظل ثابتة مهما تغيرت الحكومات وهذا ما بادرت بطرحه أن يكون تعامل شعب مع شعب وهذا يحتاج لذكاء من الحكومات, وإذا حدث نظام ديمقراطي في مصر واستمر وكذلك في السودان فهذا أفضل مناخ للتباحث لأن الديكتاتور لا يعطي لوزرائه أي صلاحيات بل يعتبر نفسه هو السلطة.. فالشاهد مثلا أن البلاد الأوروبية تتعامل بمنطق المصلحة العامة وتوزيع السلطات أما الديكتاتور فلا يعرف ذلك نحن في أمس الحاجة لنظرة جديدة للعلاقات بعضنا مع البعض, نظرة لا تتوقف علي وجود اخوان هنا واخوان هناك لكن تتوقف علي ديمقراطية هنا وأخري هناك.
كيف تتحقق هذه العلاقات الجديدة؟
هذا يتم عن طريق مبادرات شعبية تكون ميثاقا ومحادثات بين رجال الأعمال, رجال أعمال يتحدثون عن المصلحة الاقتصادية وهم قادرون بالفعل علي القيام بعمل كبير جدا لكن هناك أشياء يجب أن تفعلها الحكومات من بنية تحتية ودساتير.. أعتقد أن المجال انفتح الآن للبناء علي أسس سليمة, فمصر والسودان وجنوب السودان العلاقة الثلاثية بينهم ضرورية جدا ولا نحاول أبدا أن تأتي العلاقة بين السودان ومصر علي حساب العلاقة بالجنوب لأننا محتاجون جدا للجنوب.. الجنوب إما أن نحتضنه أو تأخذه اسرائيل والصراع حول هذا الأمر سيكون في رأيي أكبر صراع حضاري علي الإطلاق ونحن كشعب سوداني علي وعي تام بذلك لكن هناك قصر نظر لدي الحكومة السودانية.. الآن مصر والسودان في حاجة لإقامة علاقة تكاملية مصرية سودانية وكذلك مع الجنوب تكون هناك علاقة منفتحة مع إفريقيا جنوب الصحراء وإذا لم نقم بذلك فينطبق علينا قول: من رعي غنما في أرض مسبعة ونام عنها تولي رعيها الأسد..
مع التفكير بشدة في جذب الأموال العربية للاستثمار في افريقيا.
*كيف يمكن جذب البلاد العربية للاستثمار في افريقيا؟
**البلاد العربية عندها حوالي50 مليار دولا سنويا توجهها لاستيراد أغذية هذا الاستيراد الغذائي يمكن أن يوجهوه حقيقة للاستثمارات في افريقيا.. العالم يواجه صراعا كبيرا جدا علي كل الموارد هذا الصراع جعل الأنظار تتجه إلي افريقيا فهي أكثر قارة( بكر) فيها كل هذه الامكانات وسوف يكون هناك تنافس بين الغرب أوروبا وأمريكا وآسيا الصين والهند والبرازيل حول موارد افريقيا.. العرب عندهم اكبر فرصة لثلاثة أسبابا أولا لأنهم الوحيدون الذين لديهم في الوقت الحالي سيولة نقدية وهذه السيولة ثبت أن استثمارها في أوربا وامريكا خطر لسببين أنهم يستثمرون في دول عندها القوي الأعلي فيمكن أن تجمد أرصدتها في أي وقت كما حدث من قبل مع إيران والعراق, الخطر الثاني هو أن الرأسمالية الغربية وصلت لدور الشيخوخة واقتصادها يقوم علي المضاربات والفقاعات لذلك جاءت الفقعة التي أنتجت كارثة2008 وهناك تقدير بأن الصناديق السيادية العربية والأفراد فقدوا حوالي3 تريليونات دولار فلو أن لديك اقتصادا حقيقيا من أراض زراعية وبشر ومنتجات( منظومة تكاملية) فمن المفتروض أن يفكر العرب في اتجاه استثماراتهم نحو افريقيا, ونحن في السودان وفي مصر يمكن أن نلعب دور الوسيط في هذه النقطة علي أساس أننا أفارقة وعرب معا وعندنا القدرة للعب هذا الدور.
*كيف تكون الخطة للعب هذا الدور الوسيط؟
**أولا البلاد العربية بلاد نفطية عندها تخوف كبير جدا من بلاد الربيع العربي التي حررت شعوبها كلها, والشعب العربي موحد الوجدان يستمع لفضائيات واحدة ولغة واحدة ولذلك كل الشعب العربي في كل مكان في العالم استقل وانعتق, والخليج يجب أن ينظر لهذا الأمر علي أنه خير ويحاول دعم هذا الاتجاه بأن يتم عمل صندوق عربي أقوي من( المارشال بلان) لدعم التنمية في البلدان العربية ذات الربيع العربي وذلك لتحقيق ثلاث مصالح أولها أنك بذلك ستكون متحالفا مع الربيع العربي وهناك نظريتان في هذا الأمر.. انت تستطيع أن تكسبه بأن تكون ممولا للتنمية لأنه في هذه البلدان في شمال افريقيا هذه البلدان التي حدث فيها الربيع هي بلدان كثيفة السكان وفقيرة فلابد أن تكون أنت المساهم في حل المشكلات بها كالبطالة وغيرها فإذا أخذت موقفا ايجابيا فكأنك بذلك أصبحت حليف هذه التحولات, ومن الممكن أن تأخذ موقفا رجعيا تحاول عمل ثورة مضادة أو تحاول أن تكسب القوي السياسية ذاتها.. في رأيي هذا كله خطأ لأن هناك دولا في الخليج لا داعي لذكرها كل دولة بحثت لها عن جهة داخل بلدان الربيع العربي وصارت تدعمها وهذا خط غير صحيح.. الخط الصحيح ان نظرتهم يجب أن تأخذ بعين التنمية فعندنا مصلحة عربية مشتركة ومشروع نهضوي عربي مشترك وفي سبيل ذلك ندعم تكوين مشروع صندوق سيادي عربي لعملية تشبه( مارشال بلان) فخطة مارشال بأمريكا بعد الحرب الثانية فكرت أنه ستكون هناك مشكلة كبيرة جدا في أوروبا, وأوروبا من الممكن أن تتجه للاتحاد السوفيتي لذلك عملوا مارشال بلان وصرفوا بليون دولار كي يستنهضوا الدول الأوروبية وبالفعل نهضت الدول الأوروبية, فهذه خطة في رأيي مستنيرة وهي بالطبع أفضل من الخطة الثانية( دعم الثورة المضادة ومحاولة العرقلة).. بنفس المنطق نفعل صندوقا سياديا تنمويا لإفريقيا بتريليونات الدولارات فالمسألة ليست مسألة( بوكت ماني) هذا تفكير محدود, أنا افكر في كلام استراتيجي لأننا نريد ان ندعم التنمية في هذه البلدان والعائد ليس سياسيا فقط بل اقتصاديا لأنه من الأفضل أن تستثمر هنا أم في أمريكا؟ إذا استثمرت في امريكا فستكون عرضة للخسارة في أي وقت.. الغربيون يعاملونك بالخير فقط إذا كانوا راضين عنك أما إن انقلبوا عليك فإن لديهم وسائل يؤدبونك بها لذلك من الممكن أن يقولوا لأسباب معينة( عفوا جمدنا الأرصدة) والأسباب موجودة طبعا من تمويل إرهاب أو غسل اموال ولا أحد يستطيع أن يتكلم ولو تكلمت ما الفائدة؟ هم عندهم القوة والقنابل الذرية لذا فهم مسيطرون استراتيجيا والقوة تفرض منطقها لذا فمن الأفضل للبلدان العربية أن تستثمر في جهات تستطيع التعامل معها بندية.
*الشركات المصرية لا تقل كفاءة عن نظيرتها الأجنبية خاصة في مجال الزراعة فلماذا لم يكن لنا نصيب من خير السودان؟
**هذا كله يجب أن يوضع ضمن الخطة الاستراتيجية التي يجب وضعها شعبيا وحكوميا وكقوي سياسية ومقترح حتي أن مصر يمكن أن تزرع في السودان باعتبار أن الفلاح المصري عنده خبرة منذ آلاف السنين يجب النظر للموضوع بمنظور المصلحة المشتركة وليس بمنطق كأنه منحة من الحكومة بل هي حقوق ومصلحة الشعوب ويجب التوافق عليها, وأنا أقترح تنظيم مؤتمر شعبي مصري سوداني غير حكومي يضع المصلحة المشتركة والتنمية أساسا ويتفق علي أساس هذه الأمور والظروف مواتية له الآن نحن بحاجة لمشروع تنموي ومصيري بين شعبين يوضع أمام الحكومة لكن لا تنحصر عليها بل يشارك الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والقوي المدنية تشترك فيه جميعا علي أنه مشروع مصيري علي مستوي الشعب والحكومة.
*كنت رئيسا لحكومة السودان لفترة طويلة.. لماذا تمت عرقلة مشاريع التنمية المشتركة مع مصر؟
**المشكلة كانت ببساطة في ذلك الوقت أن النميري عمل علاقة مع مصر كي يحتمي بها من شعبه ولما جئنا في السلطة وحتي العناصر الاتحادية قلنا لابد من إعادة خطة تكامل لما فعله النميري علي أساس جديد, لكن الحكومة في مصر غضبت وأصرت ألا نراجع ما فعله النميري. هذه كانت العرقلة الأساسية التي حالت دون تنفيذ ما يجب أن ينفذ.. علي كل حال أنا في رأيي الآن في إطار ان هناك حرية في مصر نأمل أن تكون هناك حرية في السودان كي نستطيع أن نوظفها لمصلحة الشعوب وليس الحكومات فقط ولابد أن نفكر بالمنطق الجديد ونتفق علي ان هناك مصالح مشتركة لكل القوي السياسية الحاكمة والمعارضة ونتفق علي ان هذا الموضوع لا هو حكومي ولا معارضة فقط هي مصالح مشتركة.
*ولكن كيف يمكن الاستثمار في بلد تشهد قلاقل سياسية؟
** لكي تحدث تنمية من الضروري جدا إنهاء الحروب وتحقيق الاستقرار من اجل التنمية ونحن نسعي لذلك ومصر نفسها يجب أن تلعب دورا في ذلك ومن ضمن الأشياء المهمة أن امريكا والاتحاد الأوروربي كلهم يساهمون في انهاء الحروب داخل السودان أما البلاد العربية فهي بعيدة تماما عن الصورة, ولم يحاولوا أصلا.. الحروب تشكل أزمة فعلا ولا يمكن تحقيق التنمية إلا بالسلام, وداخل الشمال نفسه توجد حروب وكذلك الحال في الجنوب, الحرب قائمة ولابد من إنهاء الحرب وهذا ليس بالأمر المستحيل, وأنا هنا أتكلم علي انه بافتراض أننا استطعنا تحقيق هذا الاستقرار وإنهاء الحروب في السودان وترسيخ الديموقراطية بافتراض ان هذا ممكن فبالتأكيد يؤدي ذلك لتطور العلاقات المصرية السودانية علي أساس تكاملي يشمل كل هذه الأشياء, لكن الآن في هذه المرحلة بالذات مصر نفسها واقعة في مشكلة والسودان في مشكلة.. والحديث عن أن هناك نظريتين في هذا الموضوع هل تحقيق التكامل الاقتصادي يؤدي إلي استقرار شامل أم العكس؟ أقول أولا العالم كله يسعي للاستثمار في السودان لكن لن يستطيع ذلك إلي في وجود السلام والاستقرار وهناك دول عربية مثل قطر وغيرها قالوا أنهم مانحون وفي اكثر من لقاء أبدوا استعدادهم لدفع حتي6 مليارات دولار استثمارا, لكن لابد أن يسبق هذا السلام, فكيف تستثمر إذا كان أي حامل لأي استثمار عرضة للضرب فلا شك أن السلام يسبق الاستثمار.. صحيح أنه في البداية الذي جاء بالحروب هو التدهور الاقتصادي لكن الآن لابد من عمل اتفاقية سلام توقف الحرب ثم نفعل التنمية, وصحيح أن قلة التنمية جاءت بهذه الظروف العصيبة لكن الآن مادام كانت الحرب فليس هناك حل إلا أن تنتهي الحرب من أجل التنمية, والتنمية ممكنة حيث وفرة الموارد البشرية بالتساوي في مصر والسودان وكذلك الموارد الطبيعية.
* فيما تتمثل تلك الإمكانات وكيف يمكن تفعيلها؟
**نحن في السودان نعتقد مثلا إن كان دفق مياه النيل84 مليار متر مكعب, نحن نعتبر المياه السطحية التي تسقط علي السودان في السنة تبلغ ألف مليار متر مكعب هي موجودة لكنها تحتاج إلي حصاد, وإمكانية حصاد المياه بوسائل غير النيل كثيرة.. ثانيا فيه المياه الجوفية هذا كله مخزون وافر, كما أن مصر والسودان لابد أن ينتقلوا من الري بالغمر إلي الري بالتنقيط والرش وهذا يجعلنا نوفر40% من مياه النيل لأن الري بالغمر يجعل المياه تتسرب وتتبخر بنسبة تشكل40% من المياه لذلك يجب منع الري بالغمر فهذه كلها فرص تحتاج لإرادة سياسية وإدارة كفء, وأنا شخصيا في النهاية متفائل فالموارد موجودة والطاقة البشرية موجودة والاستثمار الخارجي موجود( مال, قوي عاملة, أرض) يتبقي فقط إرادة سياسية وإدارة واعية بها كفاءة, هذا ما يكمل الصورة لكن من ناحية أن الأمر موجود فهو موجود بالفعل ويمكن أن يتحقق.
*ماذا عن سد النهضة الاثيوبي؟
**هناك لجنة فنية ثلاثية بها خبراء من مصر والسودان وأثيوبيا بالإضافة إلي أربعة خبراء أجانب يبحثون الأمر, لكن أقول هذا السد فيه فوائد وفيه مضار, أما الفوائد فبدلا من أن تفيض مياه النيل بطريقة فوضوية, السد سوف يضبط هذا الفيضان وسيقوم بمهمة السد العالي للنيل كله وليس لمصر فقط بل الجزء الجنوبي أيضا. هذه واحدة, الثانية أن السد سيولد طاقة كهربائية أضعاف أضعاف ما تحتاجه مصر والسودان واثيوبيا مما يجعل امكانية استيراد الطاقة الكهربائية بثلث تكاليفها الآن أمرا متاحا ذلك لأن الأرض هناك عالية جدا وبقدر علوها توضع توربينات توليد الكهرباء, ثالثا أن أي مياه تحجز هناك أفضل من أن تحجز في أي مكان آخر من ناحية البخر لأن الطقس هناك معتدل ولذلك تقلل جدا نسبة البخر وهذا يكسبنا كمية كبيرة من المياه لأن جزءا من المياه كما قلنا يضيع في البخر, وكل هذه النقاط يجب أن تناقش لزيادة الحصة وستكون هناك كهرباء بتكاليف أقل وتخزين مياه. رابعا أن السد سيقلل من تراكم الطمي وهذا له فوائد وفيه ضرر.. الفائدة ان الطمي يقلل كفاءة الخزانات ويطول عمر السد العالي لأنه يتراكم أما الضرر انه يقلل من الطمي الذي يخصب التربة الزراعية, فقد ظهرت في السودان دلتا بها مليون فدان من الطمي الذي احتجزه السد العالي.. المشكلة ان اثيوبيا سوف تتحكم في دفق المياه لحين امتلاء البحيرة وراء سد النهضة, ثانيا أنها تتحكم في مواعيد إطلاقها فلو أن هناك عداوة سيكون هناك ضرر لذا يجب أن تكون هناك علاقات طيبة مع اثيوبيا للتقليل من الخسائر ولنزيد من المنافع, وفي اثيوبيا حتي هذه اللحظة يقولون ذلك ويتحدثون بلغة التفاهم وهذا الأمر يتوقف علي الدبلوماسية في مصر والسودان في التعامل مع هذا الملف, يجب أن نقيم علاقات طيبة مع افريقيا حتي لا يأخدوا موقفا مشتركا ضد مصر والسودان لأن الاتفاقات القديمة تمت علي حسابهم وعندما وقعنا اتفاقية1959 غيبناهم من حساباتنا بنظرة استعلاء, كل المعاني يجب تجاوزها بالعلاقات الطيبة التي تقوم علي المصلحة المشتركة والتعاون.. وبالمناسبة كتابي( مياه النيل الوعد والوعيد) وطبعته الأهرام ونشرته علي حلقات كان أمرا يثير الدهشة لأن في ذلك الوقت كان ممنوع الكلام عن ملف المياه في مصر وكان الحديث في هذا الشأن أمر حساس كأنك تتحدث عن أفيون مثلا, هناك مصلحة استراتيجية واعتقاد أنها مسألة أمن قومي آنذاك, ونحن بحاجة لتفكير جديد, كيف نكسب دول الحوض والمنبع؟, وفي رأيي هم لديهم استعداد لكن إذا لم نكسبهم سوف تكسبهم اسرائيل, واسرائيل تسعي بأي ثمن أن تدخل بأي طريقة للتحكم في حوض النيل.
*هل هناك أدلة علي المساعي الاسرائيلية للتحكم في حوض النيل؟ وما الذي ينقص قياداتنا لإيقافها؟
**إسرائيل قامت بكل الدراسات الممكنة لذلك وتسعي لتفكيك كل الشعوب المعادية لها فهي تريد تفكيك السعودية إلي5 دول والسودان إلي5 دول أيضا ومصر إلي3 دول, وبعد تفكيكها يسهل السيطرة بحكم وجود الأقليات, ثانيا اسرائيل تسعي لأن يكون هناك عداء بين افريقيا جنوبا وشمالا.. بين العرب والأفارقة.. ويقومون بالتدخل في كل شئ, وكلما ظهر أي عداء بين افريقيا جنوب الصحراء وافريقيا شمال الصحراء يكون بالنسبة لهم نعمة كبري.. أنا كرئيس حكومة سابق أري أن هناك فجوة وأحيانا نقول أشياء ولا نفعلها.. القرار السياسي في مصر والسودان صادرته جهات جاهلة ومحدودة الأفق ومستبدة.
*ماذا عن زيارة الرئيس محمد مرسي إلي السودان؟ وإثارة ملف حلايب وشلاتين في هذا التوقيت؟
**لظروف داخلية لم يكن هناك استعداد لعمل أي شيء, في النهاية كانت مجرد زيارة علاقات عامة لم تناقش شيئا, فقط تبادل الطرفان الغذاء والعشاء والفطور, لم يكن هناك هدف واضح وأثاروا ملف حلايب وشلاتبن بدلا من التفكير في حل مشاكلنا للوصول إلي ديموقراطية وحرية.. وعن حلايب وشلاتين فهناك رجل سوداني هو مساعد الرئيس البشير يقول أنه من هذه المنطقة وهو من المتشبثين بالسودان واثارها في وقت اعتبر نفسه أنه قام بعمل بطولي.. وأنا شخصيا أري أن هذه الزيارة كان من المفترض أن يتم التحضير لها جيدا وأن نتفق علي هدف واضح من الزيارة خاصة وأنت تمثل دولة بحجم مصر, كان يجب وضع أولويات لتطوير العلاقات ومناقشة ملف مياه النيل وتدارس العلاقة مع الجنوب ودوره والاتفاق علي شكل العلاقة والسياسة المشتركة حتي حكاية جونجلي كان يجب التحدث بشأنها لنستأنف العمل فيها, فالجنوبيون مهتمون بالدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في موضوع الأمن في السودان خاصة أن هناك أشخاص منهم موجودون هنا في مصر وكل ما تستطيع عمله الحكومة السودانية أن تقول لحكومة مصر' اطردوهم' وهذا ليس بالحل الصحيح فأين دور مصر؟ كان من المفترض أن تساعد في المصالحة, فعلي سبيل المثال كان هناك شخص اسمه خليل ابراهيم هو قائد حركة العدل والمساواة بالسودان جاء إلي هنا بالقاهرة في عهد الرئيس السابق وأراد أن يقيم بها لكن الحكومة السوادنية طلبت من الحكومة المصرية أن تطرده فذهب إلي ليبيا التي استخدمته ككارت صنعت به مشاكل كبيرة جدا في دارفور, فلو أنه مكث في القاهرة كان من السهل السيطرة عليه وكم نادينا أن يستضيفوا خليل ويتحاوروا معه لحل المشاكل.. مصر يمكنها أن تلعب دورا في السلام في السودان وجنوبه وهذا كان أفضل مهما كان فمصر هي التي ستستفيد خاصة أنه ليس هناك أرض مشتركة كما هو الحال في ليبيا ودارفور لذا من السهل أن تلعب مصر دورا في السلام.
* في رأيك كيف يكون تحضير الرئيس لزيارة لسودان؟
**كان من المفترض أن يزور الجنوب واثيوبيا مع السودان, فالمصلحة تقول أن هناك أولوية أولي وهي التحدث عن ملف مياه النيل, ثانيا مناقشة امكانية العلاقة التي يجب أن تقوم بين الدول الثلاث, كان يجب أن يخرج الرئيس مرسي من الخرطوم متجها إلي جوبا وذلك لمناهضة فكرة الاستقطاب, ثالثا بدلا من طرد الجماعة الدارفورية أن تتم استضافتهم ومناقشتهم ولعب دور في السلام. أعتقد أن هذه كانت الأجندة التي يجب أن تحضر لها مصر,هم موجودون هنا في مصر والحكومة السودانية تقول اطردوهم والسفير السوداني قال في مؤتمر صحفي: نستنكر وجودهم في مصر ويجب طردهم, وأنا أقول لا تكرروا هذا الخطأ.. الحقيقة كان ممكن لهذه الزيارة أن تخرج بفوائد ونتائج قابلة للتحقيق حيث الطرق ومناطق التجارة الحرة والحريات الأربعة والطريق الدولي وغيرها من المشروعات المشتركة.. كانت الزيارة كلاما خاليا من العمل في حين أن رؤوس الأموال والسياحة لم تتأثر في السودان والاستثمارات لم تطرد من السودان لدينا استقرار وعندنا20 مليار دولار استثمارات مصدرها السودانيين وهناك مصانع سودانية وسياحة نهرية وتعدينية لكن السياحة المصرية السودانية غير مرنة بسبب مصر..
* من المعروف أن السودان به ثروة حيوانية هائلة.. هل يمكنها سد الفجوة الموجودة في مصر؟
** نعم بل يمكنها أن تحقق لمصر الأمن الغذائي والمسائل الاقتصادية فالمجال واسع.. والقصور في هذا الشأن يمكن التغلب عليه بإرادة سياسية وإدارة واعية.. الحقائق موجودة والسودان قادر علي ملءالفجوة الغذائية فعندنا150 مليون رأس من المواشي نسميها ثروة البترول الأحمر لأنها تتوالد, النعجة تنجب مرتين في السنة فهناك فرص كثيرة جدا, والفرص الآن أفضل بكثير جدا, وهناك تنازع بين الشرق والغرب علي الاستثمار في السودان وإذا ما قمنا بحل مشاكله الاقتصادية سوف يتسرب ما سميته أسلحة الفرار الشامل من الهجرة غير الشرعية وخلافه والتفلت وعدم المسئولية الصحية والسكانية وفيه اضرار كثيرة يمكن أن تصيب دول العالم الثالث تكسر بها فإذا لم نحل مشاكلنا فستزحف إلينا..
* قمت من قبل بعرض وساطة لتجميع الفرقاء في مصر وتم رفضها من قبل الرئاسة.. لماذا رفضت وهل تسعي لعرضها مجددا؟
** بكل سرور أسعي لها مرة أخري, والحقيقة الرئاسة لم ترفض الفكرة ولم تقبلها, نحن نلبي نداء الكنانة والفكرة هي انه لا يمكن لأحد من الطرفين أن يلغي الاخر, هذا الاستقطاب ليس فيه إمكانية إلغاء الاخر. ثانيا الاخوان سلطة موجودة حاليا ليس لها تجربة حكم مسبقة جاءت مفاجئة بالسلطة وتصرفوا بطريقة بها قدر عال جدا من العشوائية, لكن إذا رحل الاخوان وجاءت السلطة المعارضة ستكون مشاكلها اكبر لأن المعارضين كفاءتهم في المعارضة أكبر من كفاءتهم في الحكم, لذلك لابد من التعايش دون أن يلغي احد الطرفين الآخر مع ضرورة إيجاد قبول للتعددية دون أي اصرار علي إلغاء الاخر, حالة تشبه الزواج, والزواج تراضي, وليس هناك أي طريقة اخري والكلام عن تولي الجيش للسلطة( كلام فارغ) فالشعب ذاق طعم الحرية وميدان التحرير جعل استحالة حكم العسكر والشعب انطلق وكل الشباب بالفيسبوك كلهم صاروا ثورة محتملة ولذلك أي شخص يطلب السلطة ويقول أنا سوف أحكم كما حكم مبارك لا يوجد هذا الاحتمال لذلك لابد من التراضي وحصلت تجارب اتجاهات اسلامية توصلت إلي أنه يجب أن تتراضي مع التيار المدني ونوع من القبول للتوفيق بين التوجه المدني والمرجعية الاسلامية.. صحيح في مصر لا يوجد ذلك, لكن أكثر القوي الاسلامية الآن في الغالب خارج العصر ويتحدثون بلغة خارج العصر والقوي الأخري خارج الوجدان, فهؤلاء المتحكمون في الوجدان وخارج العصر لابد أن يقبل بعضهم البعض, انت لا تستطيع أن تستورد مفاهيم امريكية للشعب المصري, لن يقبله, انت يهمك انك تتعامل مع الشعب المصري بوجدانه فيجب أن نبحث عن طريقة للتعايش.. في عام1998 جاءني حسب الله الكفراوي وزير التعمير والاسكان الأسبق وقال سأخبرك بشيء قد تقول عني بعده انني مجنون, قال نحن في مصر نتوقع مواجهة ما بين التيار الاسلامي والمعارضة وإذا لم تحل ستؤدي في النهاية إلي حرب اهلية لأن الجانبين لهم سند قوة اجتماعية هائلة جدا.. صحيح هناك أفراد في مصر واعيين لذلك, لكن القوي السياسية ليس لديها هذا الوعي, وقال انت لديك هذا الفكر تعال اعمل حزب في مصر ويوم أن تفعل هذا الحزب في مصر سأجلب لك إمضاء4 ملايين مشترك كي تدعو لشيء من هذا الفكر يمكن أن يعمل نسيج ما بين هاتين الفكرتين لأنك علي وعي تام بهما, ثم نحل في مشاكل السودان لأن لو مصر سقطت سوف تجر الجميع وراءها, لذلك نحن لدينا مصلحة في الاستثمار مع بعضهم البعض.. هذا الكلام نبوءة في رأيي صحيحة لكن نحن من نخطئ في قراراتنا دائما, أدعو فعلا لمستقبل تكاملي بين مصر والسودان مع محاولة إيجاد نظرة ذات مرجعية إسلامية وذات وعي بالعصر وهذه هي القضية المهمة.
* هل هناك نموذج فعلي لدولة تجمع بين الفكرتين؟
** تركيا وماليزيا أقرب النماذج لكن مرجعيتهما الاسلامية ضعيفة ونحن نحتاج لمرجعية إسلامية أقوي الآن وتونس تسير علي هذا الخط. أما في مصر فنحن نحتاج لنظرة اسلامية متطورة مدركة للعصر وتفهم الاسلام بصورة فيها اجتهاد, الفهم الظاهري للنصوص الجامدة يحتاج مراجعة.
* أخيرا ما هو المطلوب عمله لإقامة التكامل الاقتصادي بين دول حوض النيل؟
** نحن محتاجون بإلحاح إلي الإجراءات التالية:أولا: إعادة قراءة تاريخ قارتنا بالصورة التي تؤكد التلاقح الثقافي بين شعوبها, وتعطي معاني ثقافية للتطلع السياسي والاقتصادي للوحدة الأفريقية, ثانيا: العالم اليوم يشهد صراعا حادا علي الموارد, وأفريقيا فيها موارد طبيعية هائلة, والعالم العربي لديه بموجب البترول والغاز الطبيعي رؤوس أموال هائلة, مثلما لديه حاجة ماسة للأمن الغذائي. هذه الصورة تتطلب قرارا إستراتيجيا عربيا بأن تدعم استثمارا عربيا كبيرا في أفريقيا, بما يحقق مصالح الشعوب الأفريقية والمنفعة المتبادلة. هذا النهج هو الذي يمكن أن يزاوج بين الموارد الطبيعية ورؤوس الأموال والتكنولوجيا الحديثة لإقامة درب تنموي لمصلحة شعوب المناطق المعنية, ومستقل عن حبال الهيمنة الدولية, ثالثا: حسم الخلاف حول اتفاق عنتيبي, وذلك بالدعوة لاجتماع قمة لدول حوض النيل للنظر في النقاط الثلاث الخلافية الباقية, وأقترح:بالنسبة للموقف من الاتفاقيات السابقة, تجاوزها علي أساس عدم إحداث أذي لأي من دول الحوض, وهذا التجاوز نصت عليه اتفاقية مصر والسودان في عام1959 م نفسها.بالنسبة للتصويت في المفوضية يكون بأغلبية عالية النسبة في المسائل الجوهرية, وبالأغلبية العادية في المسائل الأخري. أن يكون الإخطار المسبق بأي مشروعات لسكرتارية المفوضية, رابعا: حسم الخلاف حول سد النهضة بإقرار توصيات اللجنة الفنية, وبصيغة مشاركة في الإدارة, وقد قدمت دراسة متكاملة للضوابط المطلوبة لتعميم فائدة السد, خامسا: العلاقة بين السودانين لا تخص الدولتين وحدهما, وقد ساهم مجلس السلم والأمن الأفريقي والأمم المتحدة في الدفع نحو السلام والتعاون. والحقيقة كما قدمت في محاضرة بجامعة أوكسفورد في نوفمبر من العام الماضي, فإن دولتي السودان إما أن تتعاونا تعاونا تكامليا, وإما أنهما سوف تندفعان لانتحار متبادل. إن حسن العلاقة بين دولتي السودان أمر يهم دول الكوميسا, ودول حوض النيل بصورة أساسية, سادسا: إذا استطعنا تخطي تلك العقبات فإن أهداف الكوميسا التكاملية يمكن أن تتحقق. كذلك وفي ظل مناخ تكاملي بين دول الكوميسا يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بدور تنموي وتجاري عظيم. صحيح سوف تواجه التحرير التجاري مسائل التباين التنموي في البلدين, ولكن هذه يمكن حلها في إطار خريطة تنموية تخصص لكل بلد ما يتوافر فيه من امتياز نسبي,مع الأخذ في الاعتبار أن إنجازنا سيكون متواضعا. لذلك ينبغي أن نتجه لتشخيص جذري للمسائل, ونهج ثوري لحلها, هذا ممكن, بل هذا واجب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.