تعد الهند من الدول البراجماتية التى تعقد تحالفات وصداقات مع كثير من دول العالم، خصوصاً المتقدم منه والعسكري، ولسان حالها التعاون مع هذه الدول بغرض التنسيق للقضاء على الإرهاب، ومحاولة كبح جماح الترسانة النووية الباكستانية التى تقض مضاجع الهنود منذ عقود طويلة، وهو ما ارتأت فيه الهند المفتاح القوى لعقد تحالف وثيق الصلة مع الكيان الصهيونى الطامع فى شرعنته دوليًا، وبالتالى تزداد الصداقة الهندية الإسرائيلية قوة بمرور الوقت، خصوصا مع تبادل الزيارات المستمرة بين الطرفين، على مستوى الرؤساء. ومن بين الزيارات التاريخية فى هذا الإطار، ما قام به الرئيس الإسرائيلى رؤوبين ريفيلين من زيارة مهمة إلى الهند أخيرًا، وتحديدًا فى الرابع عشر من الشهر الجاري، فى زيارة استمرت ثمانية أيام كاملة، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية والتوقيع على عشرات الاتفاقات المهمة بين الطرفين، بعد أن رافق ريفيلين وفد كبير يضم العشرات من رؤساء الشركات الأمنية والعسكرية ورجال الأعمال ورؤساء الجامعات والأكاديميين. وبحسب الموقع الإلكترونى الإسرائيلى " واللا "، فإن زيارة ريفيلين للهند، تأتى للاحتفال بالذكرى ال 25 لبدء التحالف بين الطرفين، الهندى والإسرائيلي، أو ما يسمى بتطبيع العلاقات، وكذا لأهمية الهند بالنسبة للكيان الصهيوني. . يشار إلى أن آخر زيارة قام بها رئيس إسرائيلى للهند كانت، فى العام 1997، حينما زارها عيزرا وايزمان، فيما كانت آخر زيارة لرئيس هندي، كانت للرئيس الحالى براناب موخيرجي، فى أكتوبر من العام الماضي. من بين المرافقين للرئيس الصهيونى رؤساء الجامعات الإسرائيلية الثماني، نظرًا لأهمية التطور الأكاديمى الهندى الذى برز، وبشكل واضح، خلال السنوات القليلة الماضية، فالأكاديميون الهنود اخترقوا العالم وتمكنوا من تطورهم العلمى والتقنى فى الحصول على جوائز عالمية وتدشين مصانع تكنولوجية وتقنية فى كثير من أنحاء العالم، ما دفع ريفيلين إلى توقيع أكثر من عشرين اتفاقية للتعاون الأكاديمى والتكنولوجى مع الهند، وهو ما ذكرته الإذاعة الإسرائيلية. ومن المعروف أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودى من أقوى الحلفاء والداعمين للكيان الصهيوني، وسبق له زيارة إسرائيل، غير مرة، ومن ثم لا نندهش حينما نقرأ فى وسائل الإعلام الصهيونية، الصادرة باللغة العبرية، أن مودى رافق ريفيلين، خصص زيارته لموقع الهجمات التى تعرضت لها مومباى فى العام 2008، التى شهدت مصرع أكثر من 170 شخصًا، ليتأكد أن " القضاء على الإرهاب " أحد الأهداف الرئيسية لزيارة الرئيس الإسرائيلى للهند، فى الوقت الذى التقى ريفيلين الجالية اليهودية فى الهند، واستمع إلى شكواهم، فيما سيعمل على تلبية طلباتهم، مشددًا على كونهم حلقة وصل مهمة مع الهند! وكذلك زار ريفلين مركز التعاون الدولى الزراعى التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية فى مدينة كارنال الهندية شمال غرب نيودلهي، وهى المراكز الزراعية التى تخترق بها إسرائيل المجتمعات الأخرى، كونها تشتهر باستصلاح الأراضى والرى بأفضل وسائل الرى العالمية. فيما دشن ريفلين ونظيره الهندى مودى المركز التعاونى الزرعى " أغروتيك "، وافتتاح مؤتمر تكنولوجيا الزراعة، بمرافقة الرئيس براناب موخرجي. وذلك بحسب صحيفة " يديعوت أحرونوت " العبرية. بيد أن أهم ما خرجت به زيارة ريفيلين للهند تأكيد إسرائيل دعم نيودلهى فى حقها الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن الدولي، ليكون لها الحق فى حق النقض، ما يعنى زيادة أرقام حق النقض ( الفيتو ) لصالح إسرائيل فى الهيئة الأممية، فضلاً عن المطلب الثنائى لمحاربة الجهات التى تمول وتدعم الإرهاب، فى إشارة واضحة إلى باكستان، على الأقل، وكذا رفع سقف حجم التعاون الأمنى والاستخباراتى بين الدولتين، مع تشكيل قيادة دفاع مشتركة بينهما، ناهيك عن رفع مستوى شراء الهند للأسلحة الإسرائيلية، إضافة لتوقيع العشرات من الصفقات التجارية والاقتصادية والاتفاقات الأكاديمية والثقافية. واستكمالاً للزيارة المهمة والتاريخية لوزير الحرب الصهيونى السابق، موشيه بوجى يعالون للهند، التى جرت فى فبراير من العام الماضي، وهى الزيارة الأولى لوزير دفاع إسرائيلى للهند منذ تطبيع العلاقات بين الطرفين، الهندى والإسرائيلي، فى العام 1992، أكدت صحيفة " معاريف " العبرية أن أكثر من أربعين رئيساً للشركات الصناعية العسكرية رافق ريفلين للهند بهدف التوقيع على اتفاقات عسكرية ضخمة. يرجع التقارب الهندى الإسرائيلى خلال السنوات القليلة الماضية إلى استشراء موجات العنف والإرهاب، وبعض حالات الاحتراب الداخلي، وقضايا العنف الإثني، من قبل جماعات " أصولية " إسلامية، والنزاع حول إقليم كشمير، والخلافات الخارجية المستمرة مع باكستان، وظهور تنظيم " القاعدة " فى أفغانستان، خصوصاً تجاه محاولة القضاء على " التطرف الإسلامى "، ومكافحة الإرهاب، بدعوى أن لإسرائيل باعاً طويلاً فى ذلك، من خلال حروبها الدائمة تجاه الصراع مع العرب والفلسطينيين! وبالتالى فإن أسباب التقارب الصهيونى للهند يعزى إلى توسيع مفهوم الشرق الأوسط الجديد، وتأمين الأمن القومى الإسرائيلى من مخاطر عدة، وتوسيع نفوذ إسرائيل، سياسياً واقتصادياً، والخروج بمصطلح الشرق الأوسط ليضم إلى دفته الهند ودول جنوب آسيا، وكذا تشكيل محور جديد داعم للمخططات الإسرائيلية، استخباراتياً وسياسياً وأمنياً، فى ظل التوتر المتسارع بعلاقة إسرائيل مع الدول الأوربية وكثير من دول الأمريكتين، وارتفاع موجات المقاطعة الدولية لإسرائيل، سياسياً وأكاديمياً.