جيهان محمود تصوير - موسى محمود - عاشق للتاريخ وباحث في "المصريات"، يحرص على عقد "صالون ثقافي" آخر "جمعة" من كل شهر، يحضره نخبة من المثقفين والمهتمين بقضايا الوطن، السياسية والثقافية والاجتماعية، مصري مستنير ووطنى حتى النخاع، إنه الدكتور وسيم السيسي. "الأهرام العربي" حاورته فى القضايا الشائكة وفى صدارتها المخاوف من صعود الإسلام السياسي وتعديل الدستور: ما رؤيتك لحال مسيحيي الشرق في ظل الصعود الإسلامي؟ - الإسلام كجوهر جميل جدًا، إنما بعض التيارات تستطيع أن تلوي "عنق" الحقائق وتفسرها كما تشاء، لكن لابد أن نلتفت لشيء مهم، وهو أن "الكلام" خارج السلطة غيره عندما يكون في برلمان، وما يقال كثيرًا، وليس المهم الأقوال، إنما الأفعال هي التي نعتمد عليها، والمسألة في نظري أكبر من هذا ليست مسألة مسلمين ومسيحيين، فأنا أرى الصهيونية العالمية ليست خادمة للولايات المتحدةالأمريكية، بل أمريكا هي الخادمة للصهيونية العالمية، والآن تخطط لصالح إسرائيل، وقوة إسرائيل تكمن في تفتيت الدول الكبرى التي حولها إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونحن بغبائنا مازلنا نقول مسلما ومسيحيا، والولايات المتحدة دائمًا تساعد على خلق رجل واحد، إما عسكري أو رجل دين، للتفاوض مع رجل واحد ليس مع برلمان، وهم يسعدون جدًا بالثورات العربية لصعود الإسلام السياسي، بل يدعمونهم، فلا مانع لديهم من تأسيس خلافة إسلامية سُنية لتصبح في مواجهة الشيعة المتمثلة في إيران. وهل تتوقع مواجهات بين الإسلاميين والمسيحيين؟ - لا أتوقع أن تكون هناك مواجهة بينهما، ومن الممكن أن تكون على مستوى الأفراد، خصوصًا في مصر، لأن مسيحيى مصر ليسوا "جيتو" بل هم نسيج مشترك .. في السكن والعمل وفي كل مكان، ولا أخشى من شيء، فما تداولته وسائل الإعلام مجرد تصريحات فردية غير مسئولة، حتى السلفيين أنفسهم ينكرونها، والإخوان لهم تجربة سياسية جيدة جدًا، وهم ليسوا بالسذاجة أن يقعوا في مستنقع مثل هذا.. وكل ما أرجوه هو سيادة القانون فقط. البعض يطالب بتخصيص كوتة للمسيحيين في البرلمان.. فهل يؤثر ذلك في الأغلبية البرلمانية الإسلامية؟ - نعم هي ضرورية، فلابد من تواجد المرأة والمسيحيين في البرلمان، ولا يكون تعيينا، وأرى أنها لابد أن تكون منظمة، وأن تشكل تلك الكوتة حوالي 15% أو 20%، والمرأة كذلك، حتى يمثل المجتمع كله في البرلمان.. لابد أن نعرف أن مصر قوتها في توحد أبنائها. هناك إحصائية عن هجرة ما بين 30 ألفا و40 ألف مسيحي من مصر منذ شهر مارس الماضي حتى الآن؟ ألا يُعتبر رد فعل سلبياِ؟ - لا أعرف كيف جاءت هذه الأعداد، إنما ما أعلمه أن كثيرا من المسيحيين يحملون جنسيات متعددة، فمن الممكن أنهم سافروا لفترة إلى أن تهدأ الأمور ثم يعودون. تناولت الصحف أثناء الانتخابات المصرية الأخيرة أن الكنائس لعبت دورا في حشد الأصوات لصالح فصيل محدد.. فما حقيقة ذلك؟ - قرأت بالصحف أن البابا شنودة قال: عليكم أن تنتخبوا مسلما أو مسيحيا الذي يصلح للحكم، لم يكن أكثر من ذلك، إنما أن الكنيسة حشدت للكتلة، فالكتلة تضم 90% منها مسلمون وفيها حزب التجمع وعدد من الأحزاب، الفكرة أنهم ممكن أن يكونوا انحازوا إلى هذه الأحزاب الليبرالية، بسبب ما يقوله بعض السلفيين. ما الدور الواجب على قادة الكنائس في الوقت الحالي؟ - المفروض ألا يقام احتفال إلا ويدعو إليه مسلمين، أو ندوة تعقد يشارك فيها مسلمون، والكاتدرائية تفعل هذا من خلال ما ينظم تحت اسم "المشاركة الوطنية" يحرص عليها الأنبا "موسى" أسقف الشباب، فكل أول جمعة من الشهر يدعو مسلما يتحدث، ونتمنى أن يكون المثل عند المسلمين، فيدعوا المسلمون في احتفالاتهم مسيحيين للمشاركة أيضاً، وقد كان القمص "سارجيوس" في ثورة 1919 كان يخطب في 49 مسجدا منها الجامع الأزهر، لهذا جمعت ثورة سعد زغلول كل المصريين على قلب رجل واحد. كيف ترى أحداث قنا؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات إثارة المسلمين بالرسوم المسيئة للإسلام؟ ولماذا قنا وأسيوط تحديدًا التي تشهد مثل تلك الأحداث؟ - هي أحداث مفتعلة، وإذا وُجِدَت رسوما على جدار منزل شخص مسيحي نفى عملها، فليس معنى هذا أن تُحرق بيوت بأكملها، "لا تزر وازرة وزر أخرى"، لابد من التحقيق ومن تثبت إدانته يحاكم بالقانون، أيًا كان شخصه أو عقيدته، وسبب تكرار المشاحنات بين المسلمين والمسيحيين في هاتين المحافظتين تحديدًا هو ضعف سيادة القانون وانتشار الجهل في الصعيد، ولتجنب وقوع هذه الأحداث لابد من الاهتمام بالتعليم أكثر، فحينما يكون هناك قانون قوي يطبق ستختفي مثل هذه الأحداث، لكن الناس تتشجع بارتكاب الجرائم عندما تجد من يكسر القانون لا يعاقب. بعد أحداث ماسبيرو نادى البعض بضرورة التدخل الأوروبي لحل مشاكل المسيحيين في مصر والشرق؟ - هذا مرفوض، مشاكلنا لا يصح أن تتدخل فيها أي دولة سواء أوروبية أم غيرها، بل نحلها بالحرص على الوحدة الوطنية ولا ننصاع إلى أصوات التفرقة، والسياسة الحكيمة تجنبنا الفتن، التي لا تخدم إلا العدو الصهيوني ومصالحه وما يتمناه لنا، ربما يلجأ البعض إلى الاستعانة بجهة قانونية خارجية عندما تغيب سيادة القانون، وأيًا كانت الأسباب، فأنا أرفض اللجوء إلى الخارج، لأن الخارج يشجع الخصومات، فمبدأهم "فرق تسد"، وإذا توافرت سيادة القانون في الداخل والحياد المطلق والعدالة الاجتماعية بين الناس جميعًا، لن يلجأ أحد إلى الخارج الغريب علينا. هل المادة الثانية من الدستور تقلقكم؟ ما تصورك للدستور الأمثل؟ - المادة الثانية ليست مشكلة طالما لا تتعارض مع المواثيق الدولية، والمشكلة أن البعض يفسرها أو يؤولها على هواه، ولدينا مثل إسلامي قوي جدًا يتمثل في الحكيم "علي بن أبي طالب" –ما في جملة أقرأها له إلا وأبقى مبهورا بها- عندما يرسل أحد للتفاوض يقول له: إياك أن تحادثهم أو تجادلهم بالقرآن، لأنه حمال أوجه"، بمعنى أنه نص إلهي أن كل واحد يفسر الآية على "كيفه"، فمثلاً آية "ومن لم يحكم بما أنزل الله فيه" يفسرها البعض أن أي حاكم لا يحكم بالقرآن يصبح كافرا، وتسمى هذه مدرسة "عموم اللفظ"، وتأتي مدرسة أخرى يراها مدرسة "نزول السبب" وآخر يقول إنها موجهة لليهود عندما ذهبوا إلى الرسول يسألونه في موضوع فقال لهم "كيف يحكموك وعندهم التوراة والإنجيل فيها حكم الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله" أي بالتوراة.. المشكلة ليس في النص إنما في تأويله، والمشكلة في تفسير النص، فحين يكون الدستور شاملا جامعا لا يتعارض مع المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، لن يعترض أحد، وكلما قلت عدد مواده كان أفضل، فمثل الدستور الأمريكي وعدد بنوده سبعة فقط، ومادامت هناك عدالة اجتماعية فلن توجد مشاكل أو اعتراضات من أحد، فلابد من إخراج الدستور أولاً، وفي أسبوع واحد –أو أقل- يمكن إصدار الدستور ولدينا فقهاء دستوريون يجب الاستفادة بهم، ولا حاجة لتشكيل لجان أو غيرها.. الدستور هو الذي يبنى عليه سياسة الدولة ومن يحكمها، من الممكن أن يكون رئيسا سيئا جدًا، ولكن يوجد دستور جيد يحجمه ويعرف صلاحياته محددة فينصلح، وشخص جيد جدًا ويعطيه الدستور صلاحيات للنهاية فينقلب حاله، ومثال ذلك "خوراتشوف" عندما جاء بعد "ستالين" قال: إن ستالين كان مجرما وسفاحا قتل 4 ملايين في سيبريا، لدرجة أنه أخرج عظامه من مقبرته وتركها في الشارع وفرح الناس كلهم، لما عانوا منه، وصفقوا له وقالوا عنه إنه رجل عظيم، لكن النظام لم يتغير، ونتيجة لذلك تأتي المجر فيفعل "خوراتشوف" ألعن مما فعله "ستالين" ويرتكب مذابح المجر عام 1956، فالمهم الدستور هو الأساس، ليس مهمًا من سيأتي للحكم، لذلك لابد من إصدار دستور. أمامنا نماذج عديدة علينا الاستفادة من تجارب العالم كله، والغزالي قال: الحكم الديني لم ينجح في 99% من تاريخه، فلماذا لا نستفيد من تلك التجربة، وأمامنا الدول التي أحكمت دينيًا، مثل: السودان وأفغانستان وباكستان وإيران، وها هي النتيجة تقسم السودان وسينقسم إلى ثلاثة. وهذا ما يريده الصهاينة. وفي كتاب "الحرية في الدولة الحديثة" ل "هارولد بلاسكي" يقول فيه إن أسوأ الحكم نوعين، الحكم العسكري والحكم الديني ويكون أسوأ وأسوأ إذا كان "عسكري ديني" وذلك في رأيه لغياب "النقد" بمعناه العلمي: إيجابيات، سلبيات، طرق علاج، فالنقد غائب في الحكم العسكري، لأن النقد في الحكم العسكري "أجندة أجنبية" كلنا نذكر "عمر سليمان" عندما قال عن شباب التحرير أجندة أجنبية، والنقد للحكم الديني "حزب الشيطان"، ولا يمكن لبلد أن يتقدم من دون نقد، وهذا ما قاله "فولتير": إذا طرق الرقي باب أمة سأل أولاً: هل لديهم النقد؟ إذا أجابوه نعم، دخل وارتقت الأمة، وإذا أجابوه لا، ولى هاربًا وانحطت الأمة.. فتقبل الآراء المتعددة وفيها وسائل الإصلاح، بطرح كيفية إصلاح السلبيات في نفس الوقت، وهذا ما جعل "فولتير" يقول: إن الديكتاتور "طبعًا يكونون عسكر"، تمنيت لو أتيت بآخر ديكتاتور وخنقته بآخر رجل ديني، لأن الاثنين يتحالفان معًا ضد مصالح الشعب.. فلابد من الاستفادة من تجارب العالم.