محسن عوض الله حذر خبراء ومراقبون من أن تفتح عملية اغتيال الكاتب الصحفي الأردني ناهض حتر الباب أمام موجة من العنف والفوضي بالمملكة الأردنية الهاشمية .
واعتبر الباحث اللبناني فادي عاكوم الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع الراحل إبان وجوده بلبنان أن الرفيق ناهض حتر من العقول العربية النادرة التي تسطيع مقارعة الحجة بالحجة، مشيرا إلى أنه لو قدر للراحل الحصول على المساحة الكافية فكريا لقدم نماذج فكرية جميلة نقلت المجتمعات العربية وعلى رأسها المجتمع الأردني نقلات كثيرة إلى الأمام.
وأكد عاكوم ل"الأهرام العربي" أن نقاشات "حتر" كانت هادئة مقنعة، حتى بالنسبة لخصومه الفكريين، وربما يكون هذا السبب من الأسباب الرئيسية لاتخاذ قرار التخلص منه.
وشدد عاكوم على أن الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وتصادف وقوعها في مملكة الأردن ليس بالأمر الغريب،إذ أنها كان من الممكن أن تقع في أي بلد حول العالم، بعد أن انتشر الفكر الإرهابي الظلامي في جميع أرجاء المعمورة، فالأمر لم يعد مرتبطا بمكان أو زمان أو حتى بالأشخاص، فناهض حتر واحد من آلاف الأشخاص الذين قد يتعرضون في أي وقت للاغتيال على يد شخص ما في مكان ما، فالتنظيمات التكفيرية وإن تعددت إلا أنها تتفق على مبدأ واحد فقط، ألا وهو قتل كل من يصل إلى مرحلة التاثير في المجتمع بآراء تفضح ممارساتهم وأفكارهم السوداء.
وأشار إلى أن وقوع الجريمة أمام مركز قضائي وفي وضح النهار أمام المارة مقصود لترهيب كل من تسول له نفسه المجاهرة بعداوة الجماعات المتطرفة التي استطاعت وللأسف التغلغل بالمجتمعات العربية بشكل يفوق الوصف، حتى باتت لدى البعض المسار الصحيح وكل من يخالفها كافر او مرتد، لافتا إلى أن هذا الأمر موجود في الأردن منذ عشرات السنين، وربما يعود الى مرحلة تأسيس المملكة الذي ترافق مع ظهور وانتشار جماعة الإخوان المسلمين التي استطاعت تأسيس القواعد الشعبية في العديد من المناطق الأردنية، وتولى الكثير من أعضائها مراكز حكومية مرموقة حتى باتت أشبه مشاركة في الحكم، كما عقدت التحالفات مع بعض العشائر الأردنية، وهذا امر بالغ الأهمية. نظرا لما لا تزال تلعبه العشائر الأردنية من دور أساسي في سياسات المملكة الداخلية.
وأضاف الباحث اللبناني "مع انتشار الفكر الإخواني الإرهابي في المجتمع الأردني كان لا بد من أن تنتشر الأفكار التكفيرية التي تفرعت من الفكر الاخواني، وبالتالي فإن اغتيال حتر ورغم حالة الرفض الظاهرية في الأردن. إلا أنها تلاقي الكثير من الاستحسان لدى شريحة ليست بقليلة من المجتمع الأردني، وربما خير دليل على هذا ما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي من شماتة بموت المفكر الشهيد واعتبار قتله قصاصا واجبا.
وحمل عاكوم الأمن الأردني مسؤولية عملية الاغتيال خصوصا وأن الراحل كان قد أبلغ السلطات عن تلقيه تهديدات جادة بالقتل بعد قضية الكاريكاتير المشؤوم، مشيرا إلى أنه كان من الواجب مراقبته بشكل لصيق ودقيق أو حتى فرض الإقامة الجبرية عليه وحماية مسكنه .
وأكد أن الوضع في الأردن بعد اغتيال ناهض حتر لن يختلف عما كان قبله، ولن يتغير شيئ، معتبرا أن الفتك بالجماعات الارهابية داخل المملكة ليس بالأمر المتاح حاليا، بسبب صعوبة وتشابك التركيبة السياسية - السكانية والجيوسياسية، فأي تحرك أمني قد يصطدم بهذه العشيرة أو تلك وستدخل البلاد معها في موجة من الفوضى سيتم استغلالها من قبل الإرهابيين أنفسهم، خصوصا جماعة الإخوان وتنظيم داعش وجبهة فتح الشام او النصرة سابقا، مع التذكير بأن الكثير من الأردنيين التحقوا بهذه التنظيمات في سوريا ويعتبرون قنابلا موقوتة إذا ما عادوا الى المملكة.
من جانبه أكد الكاتب الأردني ميشيل الحاج أن الاحتمال الأكبر أن يكون قاتل حتر عضوا في تنظيم الدولة داعش.
وقال الحاج ل"الأهرام العربي" إن نشر الصورة التي تسببت فى مقتل حتر كان محدودا خاصة أنها لم تتعد حدود مواقع التواصل الاجتماعي ولم تعرض فى صحف أو فضائيات ،مشيرا إلى أن اعتقال حتر وتقديمه للمحاكمة هو الذي ألقى الضوء على القضية ولفت نظر داعش له .
واستبعد الحاج حدوث فتنة طائفية بالمملكة الأردنية على خلفية الحادث،مشيرا إلى أنه سيتم استدراك تداعيات الحادث بسرعة فى ظل حالة الألفة والاستقرار بين المسيحيين والمسلمين بالأردن منذ عقود طويلة وفشل كل محاولات إثارة الفتنة بين الجانبين.
بدوره أكد عمرو عبد المنعم الباحث فى الحركات الجهادية أن تنظيم الدولة متوغل حاليا في جميع الدول العربية والأفكار الخاصة بهذه العملية مناخها سائد في الواقع العربي.
وقال عبد المنعم ل"الأهرام العربي" إن احترام الأديان حق كفله القانون الدولي وازدرائه عمل مخالف للواقع والعرف، لافتا إلى أن هذه الأفعال تتيح الفرصة لأهل الغلو والتطرف في تنفيذ مخططاتهم وتفتح الباب لهذه الأفكار بالانتشار والتمدد.
وكان الكتاب الأردني ناهض حتر قد نشر كاريكاتيرا مسيئا للذات الإلهية على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) بعنوان (رب الدواعش) مما أثار حالة من الغضب الواسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث قرر عدد من المحامين والناشطين رفع دعوى قضائية ضده.
وقام الكاتب الأردني بشطب المنشور من صفحته ثم قام بعد ذلك بنشر توضيح قال فيه إنه يسخر من الإرهابيين وتصورهم للرب والجنة وأن الكاريكاتير لا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروجوه الإرهابيون .
لكن هذا التوضيح لم يشفع للكاتب الأردني ناهض حتر ،حيث لقي مصرعه أمام قصر العدل بالعاصمة الأردنيةعمان حيث كان سيمثل للمحاكمة في اتهامات متعلقة بازدراء الدين ،أمس متأثرا بطلق ناري من مسلح مجهول.
وذكرت وكالة الأنباء الأردنية أن المسلح اعتقل في موقع الحادث، وتبين أن القاتل عمره 39 عاماً ويعمل واعظاً إسلامياً بأحد مساجد العاصمة عمان.وسادت حالة من الحزن الأوساط الثقافية العربية معتبرة أن الحادث يمثل ضربة جديدة لقيم التسامح بالمنطقة .