زينب ربة منزل: لدينا خمسة أبناء ونعيش أصلا فى مقاطعة.. وسامية موظفة بالشهر العقارى: نعتمد على الخضار بدون لحوم
فى السبعينيات قاطع المصريون اللحوم لمواجهة جشع الجزارين ونجحوا فى خفض أسعارها
الغلاء يتوحش يومًا تلو الآخر، والحكومة تسعى لضبط الأسعار لكن دون جدوى، فالمسألة معقدة لأن بعض السلع له ارتباط بالدولار، والحقيقة المؤكدة أننا لم نجد سلعا ارتفعت أسعارها وعادت للانخفاض، كما أن المرتبات لم تعد قادرة على ملاحقة تلك الزيادة المضطردة، ويبقى الأمل الوحيد فى تراجع الأسعار بين أيدينا نحن! نعم، إنه «سلاح المقاطعة» الذى استخدمته بعض الشعوب فى خفض الأسعار ونجحت، وهو سلاح المقاطعة، ولا أمل بدونه فى تراجع الأسعار وضبط الأسواق، خصوصا أننا استخدمنا هذا السلاح فى السبعينيات ضد غلاء اللحوم، وأتى بنتائج مبهرة. طالما أن هناك حلولا نملكها لمواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار، فلا نتوقع أن يقدم أحدا لنا حلولا لها، فهناك أمثال عديدة لعملية المقاطعة تمت فى مصر والعديد من دول العالم، حيث حدثت فى مصر مقاطعة ضد اللحوم لمرة واحدة فى السبعينيات، وكانت بدعوى من الحكومة لمقاطعة اللحوم ومواجهة جشع الجزارين، وبالفعل نجحت، كما نجد مثلا فى دولة الأرجنتين عندما اتفق التجار على رفع سعر البيض مرة واحدة، دون أن يفكروا لحظة واحدة أن هناك من لا يستطيع أن يجد قوت يومه، حدث ما لم يتوقعه أحد، كان المواطن الأرجنتينى ينزل إلى السوبر ماركت ويأخذ البيض وعندما يجد سعره مرتفعا كان يعيده إلى مكانه، إلى أن تكدست الكمية وأصبح التجار لا يستطيعون التوريد، وتم خفض سعره إلى أقل من السعر قبل الارتفاع، بخصم وصل وقتها إلى 75٪ من السعر الأصلى، كما قام الشعب السعودى بحملة ضد غلاء أسعار الدجاج باسم «خلوها تعفن» ونجحوا فى خفض سعرها. ولكن ما نراه الآن هو حالة لا نرى لها توصيفا على الرغم من ثبات الدخل وارتفاع الأسعار، وبطرح السؤال لفكرة مقاطعة المنتجات المرتفعة الأسعار وتركها لفترة زمنية بسيطة، واتفاق الشعب على وقت محدد يقومون به بمقاطعة أى منتج يعانون من غلائه، كانت الإجابة من بعض المواطنين كالتالى: الحاج محمود إسماعيل يبلغ سن المعاش يقول: أعيش مع زوجتى ولدى أربعة أبناء، زوجت منهم ثلاثة ولا أستطيع شراء لحوم أو دجاج كل أسبوع فالفترة الوفيرة معى هى عندما أقبض المعاش أول الشهر الذى لا يتجاوز ال850 جنيها. بينما تقول مدام سعاد صادق تعمل بالشهر العقارى: أقوم بشراء العديد من المنتجات من منافذ الجيش فهذه المنافذ وفرت علىّ الكثير جداً من المصروفات ولا أستطيع شراء لحوم من الجزار، أو جبن أو طيور من السوبر ماركت والأسعار نار، ولا أستطيع أن أقاطع الجبن والبيض لاحتياج أولادى لهم، فأنا من الممكن أن أحرم نفسى أنا وزوجى لكن لا أستطيع حرمان أولادى. وتقول السيدة زينب على ربة منزل: زوجى يعمل باليومية، فالغلاء والأسعار «أكلنا» والمعاناة التى نعانيها أثناء فترة دخول المدارس وعمل وجبة إفطار للأولاد فالمعتاد يومياً على الأخطار الفول والطعمية، ولدينا خمسة أبناء، فنحن نعيش أصلا فى مقاطعة حقيقية. أما السيدة سامية فتقول: أنا أعمل موظفة بالسجل المدنى، ومرتبى ليس بكبير ولدى طفلان وزوجى يعمل على تاكسى ونعيش بشقة قانون جديد ندفع إيجارا شهريا 1000 جنيه، فالأهم بالنسبة لنا هو العيش فى بيت وليس الأكل والشرب، فأنا وأسرتى نعتمد على الخضار بدون أى منتجات، نعتمد على شراء الأسماك لأنها قليلة السعر واللحوم فى المواسم أو أول الشهر فقط. وبعد طرح فكرة المقاطعة على المواطنين، لابد من معرفة أسباب المشكلة من خلال متخصصين وخبراء فى الاقتصاد المصرى، فتقول د. بسنت فهمى الخبيرة المصرفية ونائب رئيس حزب الدستور للشئون الاقتصادية، نحن الآن ليست لدينا قدوة حقيقة ننساق وراءها ويؤمن بتصرفاتها، فقد كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قدوة حقيقة للشعب وكان الشعب مؤمن به ويطبق أفعالة ويقف بجانبه، ولكن على مدار 60 عاماً فقدنا القدوة، وأصبحنا ندعم الاستهلاك وليس الإنتاج، نحن شعب يتحدث ولا يفعل، وبالتالى نحتاج إلى ثورة فكرية وقرارات شديدة قوية ولا يتم استئذان الشعب لتطبيقها.كما ترى د. بسنت، أن تلك المشكلة بالتأكيد سوف تأخذ وقتا طويلا لتحقيقها، ولكن الفترة المقبلة لابد أن نتوقف عن شراء احتياجات كثيرة لمواجهة فترة الغلاء المقبلة. بينما يرى د. رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع، ونائب رئيس جامعة حلوان الأسبق، أن هناك متغيرات مهمة وراء تلك المشكلة وعدم قدرتنا على المقاطعة للمنتجات المرتفعة الأسعار، منها هى أن المنتج المحلى لا يستطيع المنافسة، وليست هناك عملية اختيار أو مقارنة بين المنتج المحلى والأجنبى، بينما سنوات السبعينيات كانت فى مصر مصانع عديدة تنتج وتهتم بنوعيته، وتوفر على المواطن البسيط عملية الشراء التى تناسب عملية الدخل، فنحن الآن ندور فى دائرة مفرغة، ومن الصعوبة أن يقوم المواطن حالياً بعمل مقاطعة قوية لأى منتج حتى إذا كان مرتفع السعر، لأنه فى حاجة أساسية له ولا يوجد بديل تقوم بتوفيره الدولة. ويقول د. إيهاب الدسوقى، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، نحن ليس لدينا جمعيات أهلية قوية تقود الشعب لمثل هذه الأفكار، وتدعم المواطن وتنمى لديه الحس الوطنى، وتقوم بعمل مبادرات من خلاله تنظم حملة تدفعه من خلالها لمقاطعة المنتجات التى ترتفع أسعارها بدون أسباب حقيقية. وليس هناك ثقافة فالفكر الذى يسود فى دول العالم، شعوبه تعمل لعمل اجتماعات من خلال الحكومات المسئولة اقتصادياً لحماية المواطن الذى يقوم بدفع الضرائب. ليس هناك بدائل، هكذا يرى د. عيسى فتحى الخبير الاقتصادى، مشيرًا إلى أن المشكلة الحقيقة تكمن داخل المصريين لعدم قدرتهم على اختيار بدائل متوافرة لديهم، فالمعروض دائماً والمتحكم هو الدولة، وليس هناك مرونة فى الطلب على السلع، فعندما ترتفع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء لا يتم توفير الأسماك بأسعار أقل بل ترتفع أكثر، بينما فى أوروبا المطروح أكثر بكثير من احتياج المواطن وبالتالى يستطيع الاختيار وفرض حريته ورأيه. لكن التجار يراهنون دائماً على عدم قدرة المواطن على الاحتمال، لأن نفس المصريين قصير، وهناك من يخاف أن يطرح الفكرة نفسها وعمل دعوة لحس الشعب لمقاطعة المنتجات التى ترتفع أسعارها خوفا من الأضرار بالاقتصاد القومى. لكن المشكلة من وجهة نظر د. أسامة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس والخبير الاقتصادى بجامعة الدول العربية، تعود إلى أن درجة تحضر الشعب المصرى منخفضة بالمقارنة بالدول المتقدمة، واعتاد الشعب على عدم الالتزام، وليس هناك مواجهة قوية من قبل الحكومة للمتسببين فى الغلاء. كما نجد الإسراف واضحا فى استهلاكنا، فرغم الشكوى الدائمة من قلة الدخل وعدم القدرة على العيش نجد تصرفات عكس ذلك تماماً ويذهبون للشراء بشراهة فى موسم مثل رمضان والأعياد، فالشعب المصرى لا يرغب فى التوفير أو التقشف للحد من استهلاكه الذى نجده خارجا عن الحد فى كثير من الأحيان. كما يرى د. فخرى الفقى أستاذ الاقتصاد ومستشار صندوق النقد الدولى أننا نحتاج إلى ثقافة الترشيد، وإذا نظرنا إلى الغرب فى رفاهيته وطريقة العيش ومستوى الدخل الذى يحصل عليه، فنجده أيضاً يقوم بعملية الترشيد فى الشراء، فرغم توافر المال لديه لا يشترى غير الذى يحتاجه فقط، ويتبع سياسة الترشيد، والشغل الشاغل لديه هو الإنتاج وليس الاستهلاك فقط، والسؤال المهم هل وارد أن يصبح الشعب المصرى منتجا فى الفترة المقبلة للخروج من تلك الأزمة؟!