حسناء الجريسى النظام يصنع الأزمات ويتهم المعارضة بالتآمر ولابد أن ينتهى الحكم البوليسى
مازلت أطالب بإلغاء وزارة الثقافة وأن يكون المجلس الأعلى للثقافة المختص بالشأن الثقافى فى مصر
حتى الآن لم نجد صدى للقاء رئيس الدولة مع المثقفين.. تحدثنا معه فى كل شىء، مثل الإفراج عن الشباب المثقفين، ومنع حبس المبدعين وقدمنا كشوفا بأسمائهم
حاز الروائي إبراهيم عبد المجيد علي جائزة الشيخ زايد عن كتابه “ما وراء الإبداع والكتابة “ والذي يحكي فيه حياته منذ ولوجه عالم الكتابة، فقبل الشروع في كتابة الرواية يشعر بحالة معقدة يدخل في عالم التوهان والشرود الذهني، والشخصيات تتجلي أمامه وكأنها من لحم ودم ، يشعر بحالة من التوتر الجميل تزاحمه حتي في أحلامه، صدره يكاد ينفجر وكأن هذه الحالة جاءت إيذانا لخروج الرواية للنور يكتبها دون أن يدري ويتركها ليعود لها ثانية وبكامل إرادته هذه المرة ليصيغها بشكل لغوي ويضع عنوانها..«الأهرام العربي» التقت الروائي إبراهيم عبد المجيد وكان هذا الحوار معه. عقب حصولك علي جائزة الشيخ زايد قلت بعد الجائزة سأسافر للعيش بعيدا؟ طبعا عندي 70 عاما وعندي أمراض لا تحتمل الزحام والعيش الصعب في مصر في ظل المشاكل الكثيرة، ونظرا لأنني مثقف أصبحت أسهم في أحداث كثيرة ما يجعلني غير قادر علي تحمل العديد من الأحداث السياسية الكثيرة في مصر والمشاكل الصغيرة، مثلا أزمة نقابة الصحفيين الأخيرة قانون نقابة الصحفيين ينص علي أنه لو تم القبض علي صحفي داخل النقابة يتم القبض عليه في حضور النقيب ووكيل نيابة، هل هذا كان صعبا علي الداخلية فعله؟ لكن ما حدث أنه تم اقتحام المبني بالقوة ما تسبب في إحداث مشكلة وأزمة بين الصحفيين والداخلية لا ندري ما الشكل الذي ينتهي عليه. إذن ما المكان الذي تريد العيش فيه بعد جائزة الشيخ زايد؟ قررت السفر إلي فرنسا فالمكتب المركزي للثقافة هناك دعاني للاستضافة من قبل وقضيت ثلاثة أشهر هناك كنت مستمتعا، وهناك قدمت ندوات جميلة في العديد من المدارس والمراكز الثقافية، وهناك وجدت ترحيبا شديدا من الطلاب والجمهور، الناس هناك جميلة خصوصا في مدينة القوارب البحرية التي ذهبت إليها مع أحد أصدقائي و التي فيها كتبت رواياتي الجديدة التي سأقوم بنشرها العام المقبل . رواياتك الجديدة ما اسمها؟ هي رواية فانتازيا كتبتها والآن تركتها لأعود لها ثانية، لأراها بعين أخري وهي رواية تحكي عن ثورة 25 يناير بشكل فنتازي ولم أضع لها اسما حتي الآن وهي لا تتناول السياسة، بشكل مباشر كلها خيال بها ثعابين ووحوش كاسرة وصقور ونسور وعالم أسطوري. بالنسبة لفرنسا هل الواقع الثقافي هناك يختلف كثيرا عن الواقع الثقافي في مصر؟ طبعا يختلف كثيرا، مثلا هناك لا نجد رقابة علي الكتب كما يحدث في البلدان العربية، لا نجد دعاة الوهابية والسلفية ولم نجد كاتبا فرنسيا رفعت عليه قضية خدش حياء أو ازدراء للأديان كما نسمع كل يوم. وكما، حدث مع أحمد ناجي وغيره من الكتاب العرب ولا نجد عندهم قانون الحبس الاحتياطي الذي يطبق في مصر . ووصفت حبس المبدعين في مصر بالعبث ما تعليقك؟ نعم هو عبث مثال عملي لهذا العبث أحمد ناجي نشرت روايته منذ عام وبيعت 50 نسخة خارج مصر، دخلت مصر، وهذا معناه أن الرقابة موافقة عليها، لكن للأسف تم مقاضاته بحجة الخوف علي الحياء العام، لكن هذه الرواية حققت أعلي نسبة قراءة على الإنترنت، لا أري أن هناك رواية تخدش الحياء في التاريخ، فكل الروايات التي تعرضت للمحاكمات في بداية القرن 19 و20 مثل “نساء وعشاق” أصبحت من الروايات العظمي في العالم وكذلك كأولاد حارتنا” ، حتي الروايات التي ظهرت في الاتحاد السوفيتي أثناء انهياره أصبحت أعظم روايات في تاريخ الأدب ، فإذا كانوا لايدركون هذا التاريخ ولا يدركون حجم الترويج للرواية الذي يتم من خلال هذا الحبس، إذن فهو عبث بمنعهم حرية الكاتب لكنهم روجوا للرواية. ما الحل لهذه الأزمة إذن؟ نحن شعب له تاريخ وأعظم فترات تاريخنا كانت في الفترة من عصر الملك إسماعيل حتي عام 1952 العصر الليبرالي، علينا أن نعود ثانية لهذا العصر نرجع 80 سنة للوراء لعصر الحريات، تخيلي في هذه الفترة كان لا يتم القبض علي امرأة بتهمة السياسة باستثناء مرة واحدة، أما بعد ثورة يوليو السجون امتلأت بالكاتبات منذ عام 1959 وحتي الآن. وكان هناك قضية واحدة لطه حسين وانتهت على لاشىء ، والكاتب الوحيد الذي سجن في هذه الفترة العقاد لأنه سب الذات الملكية، وكان هناك قانون يمنع ذلك، لكن في هذه المرحلة كانت مصر للجميع، منذ خمسين عاما حصلت القاهرة علي لقب أجمل مدن العالم ثلاث مرات، اليوم هي أقبح مدن العالم نظرا لافتقادنا للجمال والثقافة ولانتشار ثقافة المحسوبية وكان هذا منذ بداية السبعينيات، من قبل كانت حلوان مشفي لمرض السل في العالم، للأسف المدن تم تدميرها، بسبب الفساد والرشوة، هل من المعقول ردم بحيرات الماء؟! للأسف المحافظون ورؤساء الأحياء ليس لديهم رؤية واضحة، في صغري كنت أحرص علي صيد السمك مع أصدقائى ومن كثرته كنا نشاهده يخرج علي الشاطئ، لذلك أري أنه لابد من تدريب المحافظين والوزراء علي فهم معني الجمال والموسيقي والفن. إقحام السياسة في الأدب يفسده هكذا قلت سابقا ما تعليقك؟ طبعا لأن الأدب مواقف إنسانية وليست شعارات كما يحدث في السياسية فإقحام السياسة في الأدب جعل هناك أناسا يتجهون لاستخدام شخصيات سياسية معروفة للتلسين عليها تحت بند عمل أدبي، وهذا في رأيي أدب صحفي لا يعيش كثيرا ، لكن الأدب الإنساني يظل عظيما ويستمر. حاليا يقام في بيروت مؤتمر للرواية فهل هذه المؤتمرات تروج لكتابتها؟ طبعا تروج لها. تري أن الرواية أصبحت مهنة من لا مهنة له لماذا من وجهة نظرك؟ نعم لأن هناك أناسا كثر يتعاملون مع الرواية علي أنها حكاية وهناك العديد من الروايات الساذجة علي الساحة، وهذا يأخذ وقته وينتهي. أيضا تري أن كتابة الرواية تحتاج إلي دراسة؟ طبعا وهذا مهم جدا، لابد الدراسة مع الموهبة، عندما بدأت أكتب تعلمت ممن سبقوني أنه شرط أساسي للكتابة أن تتعلم ممن سبقوق حتي تبدأ من حيث انتهوا، و تجدد فيما تكتب ، والمدارس الأدبية جميعها اهتمت بالشكل السريالي في الفن معناها الأحلام والكوابيس، غير الواقعية التي تهتم بالعالم المباشر، الرواية ما وراء الواقعية تهتم بالأسطورة، الشائع في المدارس الأدبية إن اللغة هي وعاء الأدب وهذا تفكير كلاسيكي قديم، لكن اللغة أصبحت جزءا أصيلا في الأدب، ولأن الشخصيات تتعدد لغاتها أما الموضوعات واحدة لكن كيف تعبر؟ لماذا بعدت عن القصة القصيرة؟ دون إرادتى، وحزين لهذا الأمر لكن الرواية أخذتني بشكل غير عادي. أين الناقد الجاد؟ النقاد موجودون لكنهم معذورون لأن الأعمال كثيرة. من الذي يصنع الأزمات في مصر؟ النظام هو من يصنع الأزمات ويتهم المعارضة بالتآمر، لابد أن ينتهي الحكم البوليسي. تري الإبداع فعلا إجباريا وفي الوقت نفسه قلت الكتابة فعل جنوني؟ الكاتب لا يكتب الأشياء كما هي بل يأخذها في منطقة الروح، التي لا توجد بها أى معادلات رياضية، لو كتبت الرواية بشكل واقعي لا تكون رواية، اليوم فن التصوير نفسه اختلف وأصبح فنا يقدم معاني. سابقا قلت إن مصر تحتاج إلي مشروع ثقافي لايخضع لسيطرة الدولة ما ملامح هذا المشروع؟ الاهتمام بملف الحريات، كتبت مقالا طالبت فيه الحكومة بهدم مقرات الحزب الوطني وجعلها جمعية أهلية للشباب المبدعين وللجمعيات الفنية والثقافية لانتشار الثقافة دون تدخل الدولة، لكن للأسف لم يستجب أحد وأيضا لابد من منع تزوير الكتب والأفلام. هل مازلت مصرا علي إلغاء وزارة الثقافة أم تغير رأيك الآن؟ لا مازلت أطالب بإلغائها ويكون المجلس الأعلي للثقافة المختص بالشأن الثقافى في مصر. لقاءات الرئيس مع المثقفين هل أتت بثمارها في رأيك؟ حتي الآن لم نجد صدي، تحدثنا معه في كل شيء، منها الإفراج عن الشباب المثقفين، ومنع حبس المبدعين وقدمنا كشوفا بأسمائهم. حصلت علي العديد من الجوائز العربية والمصرية ماذا تعني الجوائز لك؟ حصلت علي جائزتين عربيتين هما كتارا وجائزة الشيخ زايد، كما حصلت من قبل علي الجائزة التقديرية، والتفوق من جوائز الدولة عام 1996 وأيضا دار حولها جدل كبير كما حدث أثناء حصولي علي جائزة كتارا ، عندما حصلت علي الجائزة التقديرية سألني صحفي في جريدة الأخبار ماذا تفعل بهذه الجائزة؟!، قلت له سأدفعها مقدمة شقة لابني وسأبحث عن جائزة ثانية لتشطيبها وتجهيزها، فضحك ابني كثيرا وقال: لي يابابا أنت بتفضحنا قلت له” الناس كلها بتعمل كده”، هذا من الناحية المالية للجوائز فهي تأتي في وقتها المناسب، أما من الناحية النفسية فهي تقدير عظيم لمشوار الكاتب والمبدع تحفزه علي الاستمرار في العمل الإبداعي دون كلل أو ملل، لا تتصوري حجم سعادتي الغامرة عندما حصلت في سن مبكرة من عملي الإبداعي علي جائزة نجيب محفوظ ، فالجوائز تسعدني كثيرا، ولا تتصوري حجم سعادتي بهذه الجائزة خصوصا عندما نشرت جريدة الأخبار صفحة كاملة عنها وبجانبها مقال للكاتب محمود تيمور، كتب يقول عني هذا “قصاص بارع وموهوب” ومن شدة فرحتي كان في جيبي في ذلك الوقت 30 قرشا اشتريت بهم جرائد، وهي نوع من التقدير المادي والنفسي في ذلك الزمن الصعب الذي أصبحت الفلوس لا قيمة لها، فضلا عن أنها اعتراف بقيمة المبدع. الجائزة ليست المحرك الأساسي للإبداع _ هكذا قلت – لكنها تشجع علي الكتابة لماذا؟ نعم وكتابي “ما وراء الإبداع” الذي حصلت من خلاله علي جائزة الشيخ زايد هذه الأيام كتبت فيه هذا الكلام ،عمري ما أكتب رواية إلا إذا أرادت هي أن تكتب، أكتب ليس للجائزة لكن لأن الرواية تكون استقرت في الروح ونضجت واختمرت وطلبت الخروج للحياة، فالكتابة فيها فعل لا إرادي، عند كتابتها ولكن الجانب الإرادي يكون عند مراجعتها فنيا ولغويا، لا أظن أن أي كاتب موهوب يكتب من أجل الجائزة ، ما بعد النشر المفروض أنه لا يخص الكاتب. الرواية تخرج عندما تختمر في النفس ممكن تصف لي الحالة التي يكون عليها إبراهيم عبد المجيد عندما تمتلكه الرواية وتتصارع أحداثها بداخله وتختلج بنفسه معلنة لحظة الخروج لتسكب أحداثها وشخوصها علي الورق؟ هي حالة معقدة للغاية لا أدركها إلا عندما أجد نفسي أكتب، هي حالة من الغياب عن العالم والتوهان عن الواقع، نوع من الشرود الذهني عن كل ما يحيط حولي، الشخصيات تتجلي أمامي كأنها حقيقية من لحم ودم، تمتلكني حالة من التوتر الجميل وليس المؤلم ، أحيانا تداعبني الرواية في أحلامي، أما من الناحية البدنية أشعر بأن صدري يكاد ينفجر، يزداد حجمه، في تلك اللحظات أتجه للكتابة علي الفور، هذه هي البدايات. عند الكتابة هل هناك خطة معينة تضعها وهل ترسم شخوص روايتك علي الورق؟ لا أنا من الكتاب الذين لايهتمون بوضع أى برنامج أو خطة للكتابة، هي كتابة بالخبرة فشخصياتي هي التي تكتب نفسها، دوري ككاتب صياغة اللغة بشكل جيد، أضع الشخصيات في المكان الصحيح بحيث لا أظلم شخصية علي حساب الأخري فإذا كان هناك ضرورة لذلك، وهنا أتدخل بل وأدخل في حرب مع الشخصيات لكنها حرب جميلة، زمان كنت لا أحتفظ بمسودات أعمالي من أول رواية لا” أحد ينام في الإسكندرية الوضع اختلف كثيرا وأصبحت أهتم بحفظها، عندما تنظري بين أول رواية لي والثانية ورواياتي الحالية تندهشي فالفرق كبير، علي سبيل المثال رواية مثل “عتبات الجنة “ كتبتها الأول بضمير الغائب فشعرت أنه من الأفضل أن تكتب بضمير المتكلم، فأعد كتابتها ثانية بضمير المتكلم فاختلفت كثيرا بل ولاقت نجاحا غير عادي، ونفس الحكاية كانت مع رواية “هنا القاهرة” في النهاية أتدخل للشكل الفني ولتعدد الرواية ليست حكاية لكنها حكايات، فالقاضي غير البائع، المعلم غير العالمة غير المدرس كل شخصية لها قالب معين لابد من وضعها فيه، وإلا سيكون هناك خلل واضح في الرواية، فالكاتب لا يحكي بلغة واحدة يجب أن يكون هناك تعدد في اللغات والحوار والصياغة والمكان أيضا له لغة فهو ضروري في الرواية، والواقع له لغة والحلم كذلك. بمناسبة حديثك عن لغة المكان المعروف عنك أن المكان في روايتك يكون المحور المركزي فيها ما تعليقك؟ المكان في رأيي هو صانع الشخصية الأدبية من الممكن، أن يكون هناك شخص في مكان خال فيه بمفرده ويرتكب جريمة قتل دون أن يراه أحد كما حدث في الغريب، المكان هو الذي يعيش ويظل في الحياة وهذا ما يجعلني أهتم به في الرواية بل أجعله البطل ، قديما في الروايات الكلاسيكية والواقعية كان المكان خاضع للشخصية بمعني لو أن بطل الرواية حزين ، نجد الشوارع ضيقة ومزدحمة، في الستينيات ظهر المكان في الروايات الواقعية الجديدة في أوروبا وكان فيها منفصلا عن الشخصية تماما وهذا نتيجة تأثير الفلسفة الظاهرتية، لكن المكان لدي هو صانع الشخصية. منذ بداياتك الأولي في عالم الكتابة كيف طورت نفسك، وهل اختلفت كثيرا عن ذي قبل؟ طبعا فهناك تطور كبير لدي في نواح عديدة ، والخبرة والتعامل مع المبدعين والنقاد عامل مهم، والنضج يأتي من التقدم في العمر، وهذا تلاحظينه في رواياتي الأولي مثل نكسة 67 لكني أعتبرها نوعا من الواقعية المباشرة، خصوصا أن ذوق القراء اختلف كثيرا عن زمان ، مثلا رواية “المسافات” كلها أساطير لأن مكانها منعزل، مجموعة من البيوت تطل علي بحيرة لا يأتي لها أحد وعلي صحراء لا يأتي لها أحد وخطوط سكة حديد لا يمر منها القطار، ما يجعل الناس تتجه للتفكير الأسطوري، إذن هنا المكان فرض الفكر الأسطوري في الحركة والحياة المختلفة بين الناس، وطبعا هذا لا يأتي من الفراغ، فأنا درست الفلسفة وكنت في بداية حياتي منضما للحزب الشيوعي وقرأت كثيرا في السياسة وهذا أفادني في كتابة الرواية وكتابي ما وراء الإبداع أحكي فيه سيرتي الذاتية وحياتي مع الكتابة، فهمت كيف أضع الشخصيات في مناطق فلسفية دون أن يتحدثوا فلسفة. لماذا صرحت من قبل بأنك تعمل وتكتب من وراء الفلسفة بل هي الباب الخلفي لكتابة الرواية؟ ضحك كثيرا قبل أن يقول: نعم كنت أقصد متاع القارئ العادي، لكن ليس بالضرورة أن يلتفت إلي ماوراء كتابة العمل من أفكار لكن من ينتبه للمعني غير المباشر في الرواية هم النقاد، ومن يقرأ رواياتي بنظرة فلسفة يكتشف أنها تقول إننا مسيرون أكثر مما نحن مخيرون.