هو أحد أبرز أبناء الإسكندرية، ولد عام 1946، وتخرج من قسم الفلسفة بكلية الآداب في عام العبور 1973، جاء إلي القاهرة ليعمل في وزارة الثقافة، وتدرج في المناصب، حتي وصل لرئاسة تحرير سلسلة "كتابات جديدة" لمدة خمس سنوات، أصدر عشر روايات منها "المسافات"، "الصياد واليمام"، "ليلة العشق والدم"، "البلدة الأخري" التي ترجمت إلي الإنجليزية والفرنسية والألمانية، "بيت الياسمين" وتمت ترجمتها إلي الإنجليزية، "لا أحد ينام في الإسكندرية" وترجمت إلي الإنجليزية، "طيور العنبر"، "برج العذراء" و"عتبات البهجة"، كما نشرت له خمس مجموعات قصصية هي "الشجر والعصافير"، "إغلاق النوافذ"، "فضاءات"، "سفن قديمة" و"ليلة أنجينا"، حصل علي جائزة نجيب محفوظ في الرواية، من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة سنة 1996م عن روايته "البلدة الأخري"، كما اختيرت روايته "لا أحد ينام في الإسكندرية" كأحسن رواية لعام1996 . تاريخ طويل للكاتب الروائي "إبراهيم عبد المجيد"، متوجا بخبرة وفهم عميق للبلد الذي يعيش فيه، فمصر هي الأساس في جميع كتاباته، ومن حولها تدور الأحداث والشخصيات والأماكن، رشحت روايته "هنا القاهرة" منذ أسابيع لجائزة الشيخ زايد في الآداب وانضمت للقائمة الطويلة، ومؤخرا أصدر عبد المجيد أحدث رواياته "أداجيو" عن الدار المصرية اللبنانية، يقول إنها قصة حب في زمن كله سياسة وصراع، قصة الأرواح الجميلة للبشر"تمنيت كتابتها منذ 12 عاماً، لكنها اختارت أن تكتب هذا العام، هي رغم ما فيها من فكاهة مثل الاداجيو، اللحن الحزين، الوداع، بطلتها عازفة بيانو وحبيبها مبدع للتحف الشرقية، ومن ثم فالرواية تبحر في عالم الفن بقدر ما تبحر في عالم الحب والفراق". - لماذا تقدم هذا العالم الآن؟ لا شيء يدفعني لكتابة رواية أو قصة إلا الرواية أو القصة نفسها، هي أرادت ذلك الآن، بعد أن فكرت في كتابتها منذ اثنتي عشر سنة، وكالعادة حين أفكر في كتابة قصة أو رواية أتركها تختمر في روحي حتي تلح في الظهور، قد يستغرق الأمر وقتا قصيرا أو طويلا، ولكني لا أهتم بذلك. - خرجت من الإسكندرية وكتبت "هنا القاهرة"، فلماذا عدت إليها مجددا؟ الرواية أيضا هي من تختار مكانها، فالهانوفيل والبيطاش مكان في منطقة العجمي يكون شبه مهجور في الشتاء وخاصة في مناطقه الداخلية حيث الفيلات، وجدت أن الفراغ يساعد في بناء الرواية وموضوعها، فالبطل يريد أن يكون بعيدا مع حبيبته عن من يعرفون بمرضها، يريد أن يكون وحده معها، وبما أن لديهم فيلا في هذا المكان المهجور في الشتاء فهو الأنسب، والرواية تحدث في زمن هجر فيه الأغنياء المكان بسبب ما تعرض له من مياه جوفية ورحلوا إلي الساحل الشمالي، الفراغ والوحدة هما سبب الاختيار. - أفردت مساحة كبيرة لمعلومات موسيقية وتاريخية وجغرافية وطبية، هل قصدت ذلك؟ أن تكون هناك تلك الجرعة المعرفية بالرواية.. بطلة الرواية عازفة بيانو كبيرة، فأين أذهب منها، وحبيبها صانع مبدع للتحف الشرقية فأين أذهب منه، والبطلة مريضة فأين أذهب من الحديث عن المرض رغم أنه قليل جدا وسريع، وهكذا.... فكل شيء تفعله الشخصيات، الكاتب لا يقصد دائما كل شيء، هو مسكين؛ تمشي به الشخصيات والمكان أكثر مما يمشي بهم. - لماذا السرطان؟ هل هناك سبب وراء اختياره أم جاء صدفة؟ لا أعرف إلا أنه مرض غالبا ينتهي بالفراق وهو للأسف صار في مصر مثل البلهارسيا في الماضي. - التفاصيل مليئة بالواقعية الزائدة، وقصة الحب والوفاء بتلك الصورة قد يراها البعض خيالا في هذا الزمن، فهل تميل إلي الواقعية أم الخيال؟ ليست هناك واقعية زائدة علي الإطلاق، كل ما فيها من واقع هو أرض للخيال، وهو من عيون الشخصيات وليس مني كما قلت من قبل، الواقع والخيال عالمين لكل الشخصيات، والفصل بينهما في الحديث عن أي عمل فني عملية رياضية لا معني لها، الكتاب ليسوا تلاميذ في المدرسة يفعلون ما يدرسونه من علوم، الفن حالة إنسانية تتجاوز كل الأفكار، الأهم هو، متي يكون الواقع ومتي يكون الخيال، وأنا لا أحب أن يكون الواقع منفصلا عن الخيال. - ألا تخشي من أن يصيب الإسهاب في الوصف والتفاصيل القارئ بالاضطراب وينصرف عن قراءة الرواية؟ ما تسميه إسهابا لا أتصور أنه موجود، ماهو موجود تجلي للمكان وأثره فيما بعد علي الشخصيات، كل وصف للمكان في "أداجيو" هو من نظرة الشخصيات إليه سواء كانت رفضا أم إعجابا. - اللجوء للميلودراما والتراجيديا المبالغ فيها بعض الأحيان، هل يضمن النجاح؟ كل شيء يجب أن يأتي من العمل نفسه بلا قصد من الكاتب، القصد هو ما يفسد العمل، فالحزن والفرح نتاج الشخصيات في العمل الفني، غير ذلك يكون نقصا فنيا. - كثرت تصريحاتك مؤخرا حول شعورك بالملل من الوسط الثقافي، كيف يحدث ذلك وأنت ابن ذلك الوسط؟ مللت من المهاترات والقضايا غير الفكرية، ومن تزاحم البعض علي المناصب، ومن الأسئلة التي تنهال علي من الصحافة من نوع ما رأيك فيما قاله فلان عن فلان، وهكذا، كما أن الثقافة ليست هي وحدها دافع الملل؛ لكنها الحياة السياسية أيضا، والهجوم المستمر علي ثورة يناير، الأصوات العالية وتوجيه السباب في الفضائيات لكل مخالف في الرأي، الاتهامات للناس علي الهواء بلا دليل، عدم التفرقة بين الإرهاب الحقيقي والمظاهرات السلمية، زحام الشوارع وغياب الشرطة فيها، عدم وجود رقابة علي الأسعار التي ترتفع كل يوم، تأخر انتخابات مجلس الشعب ومن ثم لا أحد يحاسب وزيرا، ومحاولة عودة النظام القديم كأن الثورة لم تحدث، هذا كله وراء الملل وما هو أكثر من الملل. - هل أثرت تلك الحالة علي رؤيتك لواقع الأدب في مصر الآن؟ إنتاج غزير، ولكنه غريب أيضا، لأن عدد النقاد أقل كثيرا من أن يستطيعوا متابعته، فهو حقا انفجار جميل لعذابات المصريين. - وماذا عن الجوائز، ألا تري أنها إحدي الأسباب التي تلفت الانتباه إلي المبدع وتزيد من شهرته وشهرة كتاباته؟ الجوائز قسمة ونصيب، تماما مثل الزواج، لذا لا أحب أن أتكلم عنها، أو عن الجديد والمستحدث منها، فجميعها جوائز أدبية، تضيف لي بعض المال، ينتهي مع الوقت أمام هذا الغلاء الطافح والزيادة في مبيعات الكتب. فالكتًّاب والأدباء عددهم أكثر من الجوائز، لذلك يظل دائما هناك عدد كبير لا يحصل علي الجوائز، ومن هنا يبدو الأمر كأنه ظلم، ففي مصر مثلا ليس لدينا إلا جوائز الدولة وجائزة واحدة من المجتمع المدني هي جائزة ساويرس، بينما لدينا مئات المبدعين في الشعر والقصة والرواية والمسرح. - وما رأيك في التصنيفات المستحدثة مثل أهم مائة كتاب والكتب الأكثر مبيعا وغيرها؟ أنا أؤمن بأن مهمة الكاتب هي أن يكتب، ما بعد الكتابة ليس له دخل فيه، إنه ملك الجمهور، الكتاب مقدس والكاتب يكتبه، لكنه بعد النشر يصبح سلعة ولا أحب أن أشغل نفسي بالتسليع، هذا متروك لدور النشر، أفضل أن أظل واقفا عند قداسة الكتابة. - تقول أنك أحببت القاهرة بعد روايتك "هنا القاهرة"، كيف؟ لقد أعادت لي كتابة هذه الرواية السحر الضائع للقاهرة، ومن يقرأها يستطيع أن يجد هذا الحب ويلمسه بنفسه، وهذا السحر يمكن أن يعود يوما، لتعود تلك المدينة كما كانت بل وأفضل، ولكن في النهاية تبقي القاهرة القديمة مليئة بالحب والأحلام الجميلة دائما. - البعض يري تشابها بين روايتيك "هنا القاهرة" و"الإسكندرية في غيمة"، وآخرون يعتبرونها جزءا ثانيا لها، ما الأصح؟ هي ليست جزءا ثانيا، الإسكندرية في غيمة كانت جزءا ثالثا من "لا أحد ينام في الإسكندرية"، بينما التشابه يكمن بالطبع في أن "هنا القاهرة" و"الإسكندرية في غيمة" روايتان أحداثهما في السبعينات، لكن لكل مدينة تجلياتها، فيظل الفارق في المكان والسرد، ففي "هنا القاهرة" الفكاهة والسخرية طريق لمواجهة العالم الظالم. - كيف أثرت دراستك للفلسفة علي أدبك؟ للفلسفة أثر كبير في أعمالي وهي وراء كثير من مواقف شخصياتي، ولكن بدون الحديث عنها ولا استخدام مصطلحاتها في السرد أو الحوار، فالفلسفة ورؤية العالم تتحول إلي مواقف، وشخصياتي غريبة في هذا العالم، الاغتراب مثلا والغربة الروحية أمر أحببته في الفلسفة، وكذلك قوة المكان وأثره علي الشخصية. - ما لم تكن روائيا، أي طريق كنت ستسلك؟ خاصة أن كثيرين وصفوا رواياتك بالتاريخية، وأنت أعلنت من قبل ولعك الشديد بالسينما. ليس في جميع رواياتي، فهناك "بيت الياسمين" و"المسافات" و"الصياد واليمام" و"البلدة الأخري" و"ليلة العشق والدم" و"عتبات البهجة" وغيرهما، كلها ليست تاريخية، روايات المدن هي التي ربما تكون تاريخية، لكني لا أعيد تفسير التاريخ بل أحاول قدر ما أستطيع أن آخذ القارئ إلي روح العصر الذي أكتب عنه. أما السينما فهي ثقافتي الأولي وأكثر الأشياء تأثيرا في حياتي، لو لم أكن روائيا لكنت مؤرخا سينمائيا، لكن فرصة أن أكون سينمائيا ضاعت الآن مع التقدم في العمر، كما أنه لا يوجد سينما في مصر الآن، والنابهون يصارعون صراع الأفيال لعمل فيلم واحد، وليس لي طاقة علي هذا الصراع، فالرواية والقصة تغلبان علي روحي، لكن تبقي السينما هي الأساس للصورة الفنية في أعمالي، بحكم هيامي بها وبالذات في الصبا والشباب. - ظهرت مؤخرا بعض المصطلحات كالأدب الجديد، وصراع الأجيال؛ كيف تري هذا الأمر؟ صراع الأجيال موجود في كل شيء، لكن الأمر بالنسبة للأدب يختلف، فالإسهام الحقيقي لكل جيل هو التجديد في الشكل الأدبي، ومن الأخطاء الشائعة في مصر موضوع "جيل كل عشر سنوات"، والآن بسبب الإنتاج الأدبي الغزير سيقول البعض كل خمس سنوات!، الأجيال تظهر مع نقاط التحول الكبري في التاريخ، وبعد مرحلة الستينات ما يحدث تجليات وموجات متعاقبة من الكتاب، رغم أي خلاف يبدو لكن بعد ثورة يناير لابد سيظهر جيل جديد، وفي كل الأحوال لا ينفي أي جيل ما قبله، فروح الفن تتجاوز السنين، فقط شكل الكتابة يتغير، فعندما نقرأ لتوفيق الحكيم وهو من جيل ثورة 1919 ليس كما نقرأ ليوسف إدريس وهو من جيل بعد الحرب العالمية الثانية مثلا، وعندما نقرأ لفيكتور هوجو الرومانسي ليس بالطبع كما نقرأ لبلزاك الواقعي، ففي الفن روح عابرة للأزمان.