الجامعة الألمانية بالقاهرة تكرم أوائل الثانوية العامة وتقدم 64 منحة دراسية كاملة    15 ونشًا جديدًا تعزز كفاءة «هاتشيسون»    مصر تدرس حظر استيراد السيارات الكهربائية الصينية – ما القصة ؟    مشاهد غزة تعيد للأذهان مجاعات إفريقيا    إخوان.. وصهاينة!!    جوردون مايفورث مديرا فنيا ل«رجال طائرة الأهلي»    ادعت أنها ابنة مبارك.. الداخلية تضبط «بلوجر» شهّرت بالفنانة وفاء عامر    «النيل» للمعى ودرويش وزايد.. و«التقديرية» للشهاوى والمعدول وعبد اللطيف    فوز حلمي عبدالباقي ونادية مصطفى بانتخابات التجديد النصفي لنقابة الموسيقيين    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد في هذه الحالة    طب قصر العيني تكرم الدكتور حسام موافي بعد حصوله على جائزة الرواد    محافظ الغربية يعتمد نتيجة مسابقة الوظائف الإشرافية.. وتأهل 1222 معلمًا    بعد أزمته مع نجم كبير.. تامر حسني يعلن تصدره تطبيق "أنغامي"    قبل رمضان صبحي.. قصة اتهام مصطفى محمد بتزوير الامتحانات أثناء وجوده مع منتخب مصر    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    بنتايج يواصل تدريباته التأهيلية في مران الزمالك    النائب إيهاب منصور يتقدم بسؤال عاجل للحكومة بشأن الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه في الجيزة    وزير الثقافة: احتفالية كبرى بدار الأوبرا لتكريم الفائزين بجوائز الدولة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة المطرية في القاهرة    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    مدرب سلة الأهلى الجديد يصل القاهرة بعد أسبوعين    بدء أوكازيون تخفيض أسعار السلع 4 أغسطس المقبل    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    ترامب: نعمل مع إسرائيل لمحاولة "تصحيح الأمور" في غزة    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    إم جي تطلق سيارتها IM5 سيدان الكهربائية رسميًا في الأسواق.. صور وتفاصيل    سفيرة الاتحاد الأوروبى: مصر ركيزة الاستقرار الإقليمى وندعم جهودها لوقف حرب غزة    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    الأردن: الكارثة في غزة وصلت لوضع لا يمكن وصفه    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    تحرير (144) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع شركة اديبون لتدريب طلبة الهندسة بإسبانيا    المياه أغرقت الشوارع.. كسر في خط مياه رئيسي بالدقهلية    الطب البيطري بسوهاج يتفقد مجزر البلينا للتأكد من سلامة وجودة اللحوم المذبوحة    بالصور.. اندلاع حريق بمخلفات الأشجار على طريق البراجيل    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و51 ألفا و300 فرد منذ بداية الحرب    بمشاركة وزير السياحة.. البابا تواضروس يفتتح معرض لوجوس للمؤسسات الخدمية والثقافية    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    ريال مدريد يعلن انتقال لاعبه إلى خيتافي    المصري يدرس تجميد محمود جاد    بالفيديو.. الأرصاد تكشف موعد انكسار موجة الطقس الحارة    انطلاق تصوير فيلم «ريد فلاج» بطولة أحمد حاتم    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    5 أبراج «معاهم مفاتيح النجاح».. موهوبون تُفتح لهم الأبواب ويصعدون بثبات نحو القمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابراهيم عبد المجيد: في حياة الكاتب أسرار تضيف إلى دارسيه
نشر في صوت البلد يوم 25 - 06 - 2016

في نهاية خمسينيات القرن الماضي شاهدَ عبر التلفاز عباس محمود العقاد يتسلم جائزة الدولة التقديرية من الرئيس عبد الناصر - تقديرا لفكره وإسهامه في الفكر العربي - وقتها حلم ابراهيم عبد المجيد بها ولم يكن قد كتب شيئاً بعد. بعد أكثر من خمسة وأربعين عاما استحق ابراهيم عبد المجيد الجائزة عينها من «المجلس الأعلى للثقافة» (2007) لإنجازاتٍ روائية وسردية جعلت من ابن «الماريا» (الاسكندرية) اسما يتصدر المشهد الثقافي المصري والعربي، ويستأهل التقدير والاحتفاء، كان آخرها بداية الشهر الجاري، في معرض أبو ظبي للكتاب، حيث تسلم الكاتب «جائزة الشيخ زايد للآداب» عن كتابه «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» الذي يحكي فيه الخبرة الجمالية والروحية والفكرية المرافقة لرحلته الإبداعية، وكأن الكتاب نسيجٌ لرواية أخرى موازية تشرع أبواب القارئ على الخبيء في عالم الكتابة. عن الجائزة والكتاب وإشكالات الكتابة المعاصرة تحدث عبد المجيد عبر الحوار التالي.
- نلتَ العديدَ من الجوائز، كان آخرها جائزة الشيخ زايد للآداب 2016، عن كتاب «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» ماذا تعني الجائزة لك، وإلى أي مدى تشكل الجوائز- عموما عاملا مساعدا في زيادة مساحة القرّاء؟
في سن مبكر كانت الجائزة لها وقع خاص لأنها كانت بمثابة اعتراف أدبي وكانت لها فرحة من نوع خاص. لا أنسى عام 1969 حين فزت بالجائزة الأولى لنادي القصة بالإسكندرية وكانت على مستوى الجمهورية وكيف نشرت القصة على صفحة كاملة بجريدة أخبار اليوم مع مقدمة صغيرة للكاتب الكبير محمود تيمور عنوانها «هذا قصاص موهوب» ومانشيت الصفحة «من خمسمائة قصة فازت هذه القصة»، يومها اشتريت بكل ما معي من نقود صحفا ووزعتها على الناس في الطريق. الفرحة نفسها كانت يوم فوزي بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية عام 1996 وكانت ذلك الوقت من دون أن يتقدم لها الكاتب، كانت فرحتي كبيرة لاقتران اسمي بنجيب محفوظ، وكانت تلك أول سنة للجائزة، وبعدها انفتح باب الترجمة إلى الانجليزية لأعمالي التي وصلت إلى خمسة أعمال إلى الآن، وهكذا كان لكل جائزة فرحتها. جوائز الدولة «التفوق» ثم «التقديرية» التي رأيت في التلفزيون وأنا صغير عباس العقاد يتسلمها من عبد الناصر فحلمت بها وأنا لم أكتب شيئا بعد، ثم بعد ذلك اقترنت الجائزة بتوزيع أكثر للكتب وحل لمشاكل مالية يعانيها دائما الكتّاب وفتح باب الترجمة أكثر. هكذا كانت «جائزة كتارا»، ثم أتت «جائزة الشيخ زايد» التي فرحت بها جدا.

- تحكي في كتابكَ «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» الخبرة الجمالية والروحية والفكرية المرافقة لرحلتك الإبداعية، وكأنه نسيجٌ لرواية أخرى موازية تشرع أبواب القارئ على الخبيء في عالم الكاتب، أليس في ذلك مسؤولية ملقاة على الكاتب أمام قرائه؟؟
ليست مسؤولية للكاتب، بالعكس هذا فعل اختياري للكاتب إذا أراد فعله وهو قليل في ثقافتنا العربية عامة والمصرية خاصة ووجدته كثيرا في الأدب العالمي ففعلته. إنه يضيف إلى النقد الأدبي والدراسات الجمالية خاصة أن في حياة الكاتب أسرارا قد تضيف إلى دارسي أعماله الكثير كما تسهل رحلة الكتّاب الشباب.
رواية جديدة
- العديد من كتاب الغرب عرضوا التجربة الحياتية المرافقة لعملية الإبداع، إلّا أن هذا الشكل من الكتابة شبه نادر في العالم العربي ما تفسيرك لذلك؟
ربما لأن الأحاديث الصحافية مع الكتاب تأخذ الكثير من طاقتهم، وربما لأن الكاتب لا يكون معنيا بشيء بعد صدور أعماله، وربما لأن الكاتب يطمح الى رواية أو قصيدة جديدة أكثر من أي شيء آخر. لكنها في الغرب والشرق متوافرة جدا لأن أسرار الكتابة منجم رائع للقراء.
- «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» يرصد علاقتك ككاتب مع الزمان والمكان والوثائق والتفاصيل الموازية لتجربة الكتابة.. إلى أي مدى يفجر ذلك أسئلة القارئ حول العلاقة بين عالم الكاتب والواقع الخارجي؟
يفجر الكثير من الدهشة عند القارئ خاصة حين يكشف الكاتب أسرارا لا يصل إليها النقد الأدبي، كما يعيد بناء عالم يبدو قد ولّى وانقضى وهو العالم الذي أحاط بالكاتب زمانا ومكانا وبشرا. وتصل الدهشة إلى غايتها حين يكتشف القارئ مثلا أن ما كان وراء قصة ما كان أمرا بسيطا نادرا، لكن عين وروح المبدع رأتاه مختلفا فصنعتا منه عالما إنسانيا كبيرا.
- هذا الحديث يقود إلى سؤال ملح الآن.. ما هي الطقوس الإبداعية التي تعيشها خلال الكتابة من حيث اختيار الوقت والحالة المزاجية التي تدفعك للكتابة؟
طقوسي بسيطة جدا فهي لا تزيد عن موسيقى إلى جواري تملأ فضاء الغرفة والوقت دائما بعد أن ينتصف الليل وشتاء لا صيفا، وضوء شديد البياض في الغرفة. طقوس تصنع عالما واسعا أنسى فيه البشر ولا أعيش إلا مع شخصيات رواياتي ويصبحون هم عالمي الحقيقي وزمانهم ومكانهم زماني ومكاني.
- بداية العام الجاري كنتَ في زيارة إلى مدينة لاروشيل الفرنسية لمدة شهرين أجريت العديد من النشاطات الإبداعية لعل أهمها المباشرة بكتابة روايتك الأخيرة.. ماذا تحدثنا عن الرواية الجديدة؟
لا أحب الحديث عن أعمالي قبل نشرها، لكن على الإجمال هي رواية عن ثورة يناير في مصر لكن بطريقة غرائبية وعجائبية، فأبطالها وسط وحوش وحيوانات خرافية تصنع حركتهم، رواية أسطورية.
الإسكندرية
- إلى أي درجة يشكل المكان حافزا للتأمل والكتابة خاصة أن معظم رواياتك يتخللها مدن ومساحات يذوي إليها أبطالك كما في رواية «البلدة الأخرى»، «المسافات»، «لا أحد ينام في الإسكندرية»، وآخرها رواية رواية «أداجيو» حيث تسافر «ريم» بطلة الرواية إلى مدينة لاروشيل أيضا؟
المكان هو صانع زمان الرواية وآلياته وحركة الشخوص. في الروايات الكلاسيكية قديما كان الأبطال يروون المكان وفقا لحالتهم النفسية، فهو طيب جميل إذا كانوا سعداء والعكس، ثم جاءت الواقعية الجديدة في أوروبا في الستينيات لتجعل للمكان حضورا مستقلا فهو البطل، لكني أري المكان صانع الأبطال وصانع اللغة، فلغة من يهبط السلم تختلف عمّن يصعده، والمكان الواسع قد يصنع لغة من الصمت وقد يجعل الزمان مترهلا لا يصل إلى شيء وهكذا، بل هو صانع الشكل الأدبي.
- الإسكندرية مدينتك الأم التي عشت فيها مدة لا تتجاوز العشرين عاما إلا أنها حاضرة في أغلب رواياتك رغم بعدك عنها لأكثر من 40 عاما، حتى أن أحداث روايتك الأخيرة «أداجيو» يدور أغلبها في الاسكندرية خاصة أن بطليها «سامر» و «ريم» يعيشان فيها، هل أنت مسكون بهذه المدينة أم أنها غواية الكتابة عن أيام كان فيها القلب أكثر توهجاً؟
قديما كان يُقال إن العلم في الصغر كالنقش في الحجر، لا يفنى، فما بالك وقد عشت في مدينة في كل خطوة فيها أتذكر العالم حولي قديمه وجديده، مدينة مثل البلورة تنظر إليها فترى عشرات الصور، مدينة العالم لسبعة قرون من القرن الثالث قبل الميلاد حتى الرابع بعد الميلاد، مدينة الدنيا كلها في العصر الحديث منذ محمد علي حتى عام 1952، مدينة تعطي أبناءها ثقة عظيمة في النفس. هي أقدم من القاهرة بألف سنة، لكنها تعطيكِ إحساسا بالحرية لا تعطيه لكِ القاهرة مثلا، وهذا يفسر لك لماذا حين بدأ نجيب محفوظ يكتب عن الإسكندرية رواية «اللص والكلاب» انطلق في تجديد الشكل الأدبي لكتاباته وتخلص من الواقعية ففتحت «اللص والكلاب» ثم «السمان والخريف» و «الشحاذ» و «ميرامار» آفاقا جديدة في اللغة والمعمار لم تعرفها أعماله من قبل. وهكذا كتب داريل الرباعية عن الاسكندرية لا عن غيرها، وكانت هذه أول مرة تكتب فيها رواية بهذا الشكل في العالم، وحين كتب كفافيس شعره أحيا العصر الهلليني كله، وهكذا جدد إدوار الخراط مثلا، وهكذا جئت أنا بالمدينة أو جاءت بي، وبالمناسبة تركتها في السابعة والعشرين من عمري.
في نهاية خمسينيات القرن الماضي شاهدَ عبر التلفاز عباس محمود العقاد يتسلم جائزة الدولة التقديرية من الرئيس عبد الناصر - تقديرا لفكره وإسهامه في الفكر العربي - وقتها حلم ابراهيم عبد المجيد بها ولم يكن قد كتب شيئاً بعد. بعد أكثر من خمسة وأربعين عاما استحق ابراهيم عبد المجيد الجائزة عينها من «المجلس الأعلى للثقافة» (2007) لإنجازاتٍ روائية وسردية جعلت من ابن «الماريا» (الاسكندرية) اسما يتصدر المشهد الثقافي المصري والعربي، ويستأهل التقدير والاحتفاء، كان آخرها بداية الشهر الجاري، في معرض أبو ظبي للكتاب، حيث تسلم الكاتب «جائزة الشيخ زايد للآداب» عن كتابه «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» الذي يحكي فيه الخبرة الجمالية والروحية والفكرية المرافقة لرحلته الإبداعية، وكأن الكتاب نسيجٌ لرواية أخرى موازية تشرع أبواب القارئ على الخبيء في عالم الكتابة. عن الجائزة والكتاب وإشكالات الكتابة المعاصرة تحدث عبد المجيد عبر الحوار التالي.
- نلتَ العديدَ من الجوائز، كان آخرها جائزة الشيخ زايد للآداب 2016، عن كتاب «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» ماذا تعني الجائزة لك، وإلى أي مدى تشكل الجوائز- عموما عاملا مساعدا في زيادة مساحة القرّاء؟
في سن مبكر كانت الجائزة لها وقع خاص لأنها كانت بمثابة اعتراف أدبي وكانت لها فرحة من نوع خاص. لا أنسى عام 1969 حين فزت بالجائزة الأولى لنادي القصة بالإسكندرية وكانت على مستوى الجمهورية وكيف نشرت القصة على صفحة كاملة بجريدة أخبار اليوم مع مقدمة صغيرة للكاتب الكبير محمود تيمور عنوانها «هذا قصاص موهوب» ومانشيت الصفحة «من خمسمائة قصة فازت هذه القصة»، يومها اشتريت بكل ما معي من نقود صحفا ووزعتها على الناس في الطريق. الفرحة نفسها كانت يوم فوزي بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية عام 1996 وكانت ذلك الوقت من دون أن يتقدم لها الكاتب، كانت فرحتي كبيرة لاقتران اسمي بنجيب محفوظ، وكانت تلك أول سنة للجائزة، وبعدها انفتح باب الترجمة إلى الانجليزية لأعمالي التي وصلت إلى خمسة أعمال إلى الآن، وهكذا كان لكل جائزة فرحتها. جوائز الدولة «التفوق» ثم «التقديرية» التي رأيت في التلفزيون وأنا صغير عباس العقاد يتسلمها من عبد الناصر فحلمت بها وأنا لم أكتب شيئا بعد، ثم بعد ذلك اقترنت الجائزة بتوزيع أكثر للكتب وحل لمشاكل مالية يعانيها دائما الكتّاب وفتح باب الترجمة أكثر. هكذا كانت «جائزة كتارا»، ثم أتت «جائزة الشيخ زايد» التي فرحت بها جدا.

- تحكي في كتابكَ «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» الخبرة الجمالية والروحية والفكرية المرافقة لرحلتك الإبداعية، وكأنه نسيجٌ لرواية أخرى موازية تشرع أبواب القارئ على الخبيء في عالم الكاتب، أليس في ذلك مسؤولية ملقاة على الكاتب أمام قرائه؟؟
ليست مسؤولية للكاتب، بالعكس هذا فعل اختياري للكاتب إذا أراد فعله وهو قليل في ثقافتنا العربية عامة والمصرية خاصة ووجدته كثيرا في الأدب العالمي ففعلته. إنه يضيف إلى النقد الأدبي والدراسات الجمالية خاصة أن في حياة الكاتب أسرارا قد تضيف إلى دارسي أعماله الكثير كما تسهل رحلة الكتّاب الشباب.
رواية جديدة
- العديد من كتاب الغرب عرضوا التجربة الحياتية المرافقة لعملية الإبداع، إلّا أن هذا الشكل من الكتابة شبه نادر في العالم العربي ما تفسيرك لذلك؟
ربما لأن الأحاديث الصحافية مع الكتاب تأخذ الكثير من طاقتهم، وربما لأن الكاتب لا يكون معنيا بشيء بعد صدور أعماله، وربما لأن الكاتب يطمح الى رواية أو قصيدة جديدة أكثر من أي شيء آخر. لكنها في الغرب والشرق متوافرة جدا لأن أسرار الكتابة منجم رائع للقراء.
- «ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع» يرصد علاقتك ككاتب مع الزمان والمكان والوثائق والتفاصيل الموازية لتجربة الكتابة.. إلى أي مدى يفجر ذلك أسئلة القارئ حول العلاقة بين عالم الكاتب والواقع الخارجي؟
يفجر الكثير من الدهشة عند القارئ خاصة حين يكشف الكاتب أسرارا لا يصل إليها النقد الأدبي، كما يعيد بناء عالم يبدو قد ولّى وانقضى وهو العالم الذي أحاط بالكاتب زمانا ومكانا وبشرا. وتصل الدهشة إلى غايتها حين يكتشف القارئ مثلا أن ما كان وراء قصة ما كان أمرا بسيطا نادرا، لكن عين وروح المبدع رأتاه مختلفا فصنعتا منه عالما إنسانيا كبيرا.
- هذا الحديث يقود إلى سؤال ملح الآن.. ما هي الطقوس الإبداعية التي تعيشها خلال الكتابة من حيث اختيار الوقت والحالة المزاجية التي تدفعك للكتابة؟
طقوسي بسيطة جدا فهي لا تزيد عن موسيقى إلى جواري تملأ فضاء الغرفة والوقت دائما بعد أن ينتصف الليل وشتاء لا صيفا، وضوء شديد البياض في الغرفة. طقوس تصنع عالما واسعا أنسى فيه البشر ولا أعيش إلا مع شخصيات رواياتي ويصبحون هم عالمي الحقيقي وزمانهم ومكانهم زماني ومكاني.
- بداية العام الجاري كنتَ في زيارة إلى مدينة لاروشيل الفرنسية لمدة شهرين أجريت العديد من النشاطات الإبداعية لعل أهمها المباشرة بكتابة روايتك الأخيرة.. ماذا تحدثنا عن الرواية الجديدة؟
لا أحب الحديث عن أعمالي قبل نشرها، لكن على الإجمال هي رواية عن ثورة يناير في مصر لكن بطريقة غرائبية وعجائبية، فأبطالها وسط وحوش وحيوانات خرافية تصنع حركتهم، رواية أسطورية.
الإسكندرية
- إلى أي درجة يشكل المكان حافزا للتأمل والكتابة خاصة أن معظم رواياتك يتخللها مدن ومساحات يذوي إليها أبطالك كما في رواية «البلدة الأخرى»، «المسافات»، «لا أحد ينام في الإسكندرية»، وآخرها رواية رواية «أداجيو» حيث تسافر «ريم» بطلة الرواية إلى مدينة لاروشيل أيضا؟
المكان هو صانع زمان الرواية وآلياته وحركة الشخوص. في الروايات الكلاسيكية قديما كان الأبطال يروون المكان وفقا لحالتهم النفسية، فهو طيب جميل إذا كانوا سعداء والعكس، ثم جاءت الواقعية الجديدة في أوروبا في الستينيات لتجعل للمكان حضورا مستقلا فهو البطل، لكني أري المكان صانع الأبطال وصانع اللغة، فلغة من يهبط السلم تختلف عمّن يصعده، والمكان الواسع قد يصنع لغة من الصمت وقد يجعل الزمان مترهلا لا يصل إلى شيء وهكذا، بل هو صانع الشكل الأدبي.
- الإسكندرية مدينتك الأم التي عشت فيها مدة لا تتجاوز العشرين عاما إلا أنها حاضرة في أغلب رواياتك رغم بعدك عنها لأكثر من 40 عاما، حتى أن أحداث روايتك الأخيرة «أداجيو» يدور أغلبها في الاسكندرية خاصة أن بطليها «سامر» و «ريم» يعيشان فيها، هل أنت مسكون بهذه المدينة أم أنها غواية الكتابة عن أيام كان فيها القلب أكثر توهجاً؟
قديما كان يُقال إن العلم في الصغر كالنقش في الحجر، لا يفنى، فما بالك وقد عشت في مدينة في كل خطوة فيها أتذكر العالم حولي قديمه وجديده، مدينة مثل البلورة تنظر إليها فترى عشرات الصور، مدينة العالم لسبعة قرون من القرن الثالث قبل الميلاد حتى الرابع بعد الميلاد، مدينة الدنيا كلها في العصر الحديث منذ محمد علي حتى عام 1952، مدينة تعطي أبناءها ثقة عظيمة في النفس. هي أقدم من القاهرة بألف سنة، لكنها تعطيكِ إحساسا بالحرية لا تعطيه لكِ القاهرة مثلا، وهذا يفسر لك لماذا حين بدأ نجيب محفوظ يكتب عن الإسكندرية رواية «اللص والكلاب» انطلق في تجديد الشكل الأدبي لكتاباته وتخلص من الواقعية ففتحت «اللص والكلاب» ثم «السمان والخريف» و «الشحاذ» و «ميرامار» آفاقا جديدة في اللغة والمعمار لم تعرفها أعماله من قبل. وهكذا كتب داريل الرباعية عن الاسكندرية لا عن غيرها، وكانت هذه أول مرة تكتب فيها رواية بهذا الشكل في العالم، وحين كتب كفافيس شعره أحيا العصر الهلليني كله، وهكذا جدد إدوار الخراط مثلا، وهكذا جئت أنا بالمدينة أو جاءت بي، وبالمناسبة تركتها في السابعة والعشرين من عمري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.