رغم الارتفاع العالمي.. مفاجأة في سعر الذهب اليوم الأربعاء    ندوة "تحديات سوق العمل" تكشف عن انخفاض معدل البطالة منذ عام 2017    مدير المخابرات الأمريكية يزور إسرائيل لاستكمال مباحثات هدنة غزة اليوم    الأردن وأمريكا تبحثان جهود وقف النار بغزة والهجوم الإسرائيلي على رفح    ميدو: عودة الجماهير للملاعب بالسعة الكاملة مكسب للأهلي والزمالك    شريف عبد المنعم: توقعت فوز الأهلي على الاتحاد لهذا الأمر.. وهذا رأيي في أبو علي    المتحدث الرسمي للزمالك: مفأجات كارثية في ملف بوطيب.. ونستعد بقوة لنهضة بركان    إعادة عرض فيلم "زهايمر" بدور العرض السينمائي احتفالا بعيد ميلاد الزعيم    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    شاهد.. ياسمين عبدالعزيز وإسعاد يونس تأكلان «فسيخ وبصل أخضر وحلة محشي»    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    بسبب آثاره الخطيرة.. سحب لقاح أسترازينيكا المضاد لكورونا من العالم    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    «الجميع في صدمة».. تعليق ناري من صالح جمعة على قرار إيقافه 6 أشهر    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من تحول حالة الطقس اليوم وتنصح بضرورة توخي الحذر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    عاجل.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه لفلسطين المحتلة لاستكمال مباحثات هدنة غزة    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    3 أبراج تحب الجلوس في المنزل والاعتناء به    "ارتبطت بفنان".. تصريحات راغدة شلهوب تتصدر التريند- تفاصيل    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة ريال مدريد والبايرن    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    جريشة: ركلتي جزاء الأهلي ضد الاتحاد صحيحتين    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    تأجيل محاكمة ترامب بقضية احتفاظه بوثائق سرية لأجل غير مسمى    هل نقترب من فجر عيد الأضحى في العراق؟ تحليل موعد أول أيام العيد لعام 2024    ضبط تاجر مخدرات ونجله وبحوزتهما 2000 جرام حشيش في قنا    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    أبطال فيديو إنقاذ جرحى مجمع ناصر الطبي تحت نيران الاحتلال يروون تفاصيل الواقعة    اعرف تحديث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 8 مايو 2024    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    حسن الرداد: إيمي شخصيتها دمها خفيف ومش بعرف أتخانق معاها وردودها بتضحكني|فيديو    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    سليمان جودة: بن غفير وسموتريتش طالبا نتنياهو باجتياح رفح ويهددانه بإسقاطه    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتفاقية الحرام (8).. رؤية لبنانية للاتفاقية.. سايكس- بيكو بنكهة بلاد الشام
نشر في الأهرام العربي يوم 16 - 05 - 2016


د. ليلى بديع
لا يمكن المقارنة بين الجيوبولتيكا عند توقيع معاهدة سايكس- بيكو فى 16 مايو 1916 بين فرنسا وبريطانيا وروسيا، التى فتتت الوطن العربى ووضعت فيه الحدود المصطنعة، وبين تقليب صفحات هذه المعاهدة التى تعرف ب "اتفاقية القاهرة السرية"، منذ سبعينيات القرن الماضي، لحياكة معاهدة جديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا هذه المرة، لتفتيت المفتت من الدول العربية.
فى الحرب الإسرائيلية على لبنان فى السادس من يوليو 2006، أطلت علينا وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس من السفارة الأمريكية فى عوكر بلبنان، لتبشرنا ب "شرق أوسط جديد". هذا الجديد الذى بشرنا به لم يأت من فراغ، بل جاء من هدير الانهيارات فى أنظمة دولنا، ونحيب الخرائط العربية المتداعية، بحكم فساد الحكام وجل اهتمامهم المحافظة على كراسيهم المعمرة فى الحكم، التى أدت إلى انهيار اقتصادياتنا ومجتمعاتنا، غير آبهين لما خلقه لنا الغرب من مخططات متصارعة بين هلال شيعى يواجهه قمر سنى، يمتد من مصر إلى كامل دول شمال إفريقيا العربيات، لكن هذا السيناريو أفشلته مصر وتونس فكان تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذى كره الشعوب الغربية بالإسلام مع أنه صناعة أمريكية، بحسب تصريحات هيلارى كلينتون.
منذ ما سمى ب" ثورات الربيع العربي"، واسميها أنا "السخام العربى " الذى بدأ بإعجاب الشباب ومعظم الكهول بأفكار الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون ومحاضراته الباهظة الثمن فى العديد من العواصم العربية والدولية، وإعجاب أعمدة المجتمع المدنى بالقرية الكونية التى أطلقها بيل كلينتون والكاتب توماس فريدمان، نفذها معجبوا أولئك الذين نهلوا من الإملاءات الغربية المزخرفة بالمدنية والعولمة المستوردة، بالشكل دون المضمون بالثورة على أنظمتهم الديكتاتورية والفاسدة أصلا، التى حرمت الشباب وخريجى الجامعات من أبسط حقوقهم الشرعية فى التوظيف وتوفير التنمية فى المجتمعات وصادرت حريات التفكير للأجيال المتعاقبة. وهذا بمجمله مبيت له، لتغيير طبيعة الصراع من عربي- إسرائيلى إلى أن يكون إيرانيا - تركيا فى المدى المنظور.
المتابع للمؤتمرات الدولية وأنشطة الدول الغربية تجاه الدول التى اكتوت من نيران تلك الثورات، يدرك أن تغيير خرائط دولنا واقع إن لم يكن فى المدى القريب، لكن سيحصل قبل انتصاف القرن الحادى والعشرين، ونحن من عظة دروس التاريخ فى القرنين الماضيين، ننتظر نتائج المخططات السياسية السالبة من مراكز القرار الدولية للسيطرة على دولنا، ويبدو أن تقليب صفحات معاهدة سايكس-بيكو، وهى الاتفاق السرى بين دول الوفاق بريطانيا وفرنسا وروسيا، فى عام 1916، لتقسيم أراضى الدولة العثمانية فيما بينهم، لفرض نفوذهم على الأراضى فى غرب آسيا، وكانت قد بدأت الاستعمارات الأوربية التخطيط للاحتلال بسبب ضعف وانقسام الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى، لاقتسام بلاد الشام وأجزاء من آسيا الصغرى.

مولد المؤامرة
بدأت الاتفاقية عندما التقى الدبلوماسى فرانسو جورج بيكو المندوب السامى الفرنسى لشئون الشرق الأدنى والسكرتير الأول بالسفارة الفرنسية، فى لندن مع مارك سايكس المندوب السامى البريطانى لشئون الشرق الأدنى فى مصر بإشراف مندوب روسيا، التى تمت بصورة نهائية بعد ذلك فى مدينة بطرسبرغ الروسية.
وقد تم الكشف عن الاتفاقية بمفاجأة مدوية لكل العالم، عندما وصل الشيوعيون للحكم فى روسيا فى عام 1916، فنشرت الحكومة السوفيتية المعاهدة عام 1917 فى روسيا بعد الثورة الشيوعية.
لكن تبعا لمخططات الوثيقة، حصلت العراق على الاستقلال فى عام 1932 والأردن وسوريا فى عام 1946 ولبنان فى عام 1943، وفى عام 1948 تم تقسيم فلسطين إلى 3 أجزاء، وهى إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.
وكانت المعاهدة تقضى بحصول فرنسا: على سوريا ولبنان ومنطقة الموصل فى العراق وولاية أضنة.
وبريطانيا: جنوب بلاد الشام وبغداد والبصرة وشرق الأردن ومناطق من الخليج وحيفا وعكا.
وروسيا : الولايات الأرمنية فى تركيا وشمال كردستان والمضايق التركية والمناطق المجاورة لها من شاطئ آسيا الصغرى.
وفلسطين إدارة دولية بين الدول الثلاث مع تأمين حرية الحج فى فلسطين وتسهيله.
والمناطق فى المنتصف ستكون دولة عربية جديدة شمالها فرنسا وجنوبها بريطانيا.
وميناء الإسكندرونة ميناء حر.
وقد جاءت الاتفاقية فى 12 مادة من أهم ما جاء بها النقاط التالية:
1 - أن يكون لفرنسا وبريطانيا الحق فى المشروعات والقروض المحلية وتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب من حكومات الدول المسيطرة عليها أو الحلفاء.
2 - إنشاء ما يرغبان به من شكل للحكم والمراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو الحلفاء.
3 - أن تكون فلسطين تحت إدارة دولية فى فلسطين بعد إستشارة روسيا والاتفاق مع الحلفاء.
4 - أن يكون ميناء الإسكندرونة حرا لتجارة إمبراطورية بريطانيا وأن لا يرفض أى تسهيلات لهم وأن يتم نقل البضائع لهم بحرية.
5 - أن تنشئ بريطانيا خطا حديديا يصل حيفا.
6 - أن تظل تعريفة الجمارك التركية نافذة عشرين سنة فى جميع جهات المنطقتين.
7 - عدم سماح هذه الأطراف بإشراك دول أخرى لامتلاك أقطار فى شبه الجزيرة العربية.
8- أن يتم النظر فى الوسائل اللازمة لجلب السلاح إلى البلاد العربية. وقد حدث ذلك، بينما كان نشاط الصهيونية يتزايد فى فلسطين، بعد عزل السلطان عبد الحميد الثانى سنة 1908، وبسبب الفساد والرشوة فى الإدارة العثمانية، كانت الدوائر الاستعمارية الأوروبية ترسم الخطط السرية، فيما بينها، لاقتسام الدولة العثمانية، التى كانت مظاهر تدهورها وانهيارها بادية للعيان. وذلك لاقتسام المشرق العربى فيما بينهما، بينما كانت نيران الحرب العالمية الأولى مستعرة بين بريطانيا وفرنسا وحلفائها من جهة، والدولة العثمانية وألمانيا وحلفائهما من جهة ثانية.
وبموجب معاهدة سايكس بيكو، قسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربى باستثناء شبه الجزيرة العربية إلى خمس مناطق، ثلاث مناطق ساحلية هى المنطقة الزرقاء (السواحل اللبنانية السورية وأعطيت لفرنسا)، الحمراء (السواحل العراقية من بغداد إلى البصرة وأعطيت لبريطانيا)، والسمراء (فلسطين)، ثم منطقتين داخليتين رمز لهما بحرفى (أ) للمنطقة الداخلية السورية، و(ب) للمنطقة الداخلية العراقية.
معطيات ونتائج
إنَّ اختيار هذا الحدَث التاريخى فى هذا التوقيت، مهم جدا، لأنه مزق الوطن العربى، وهو يُوحِى من خِلال التسريبات والشَّواهد والوَثائق بأنَّ هناك علاقةً وطيدةً عما نحن فيه - إذا لم يتمَّ تدارُك الموقف - من خِلال حِرص الدُّوَلِ الصِّهيَوْ - غربية إلى تفتيت ما يمكن تفتيته؛ لبَسْطِ سيطرتهم "أكثر" على الوطن العربي، وحتى لا تقوم له قائمة فى ردع الكيان الصِّهْيَوْني! فالسِّياق التاريخى للحدث الأوَّل (سايكس-بيكو) أفرز دولةَ الصَّهاينة بِناءً على "وعد بلفور" المشؤوم عام 1917، بينما ما يجرى حاليًّا يرمى إلى أن يبقى هذا الكيان مستمرا فى تهويد ما تبقى من الأراضى الفلسطينية، وربما القفز فوق أراضى السلطة الفلسطينية،وطرد عرب العام 1948. والعائدون إلى الوطن تحت مظلة السلطة الفلسطينية، فى ظل صمت دولى وتهجير جديد للفلسطينيين إلى المجهول. فى وقت تكون فيه الدول العربيَّة مشغولة بنفسها وغير قادرة على المواجهة لانشغال كل دولة بخارطتها الجديدة. ولهذا علينا العودة إلى البعد التاريخى لمعاهدة "سايكس - بيكو" بإطلالة موجزة كونها كانت حدثا، بدأ البكاء عليها اليوم والتخوف من تغييرها وهي:
1- فشل المخطَّطات العسكريَّة البريطانيَّة فى العراق إبَّان الحرب العالميَّة الأولى، ونتيجة عجزها عن السَّيْطَرة على المضايق التركيَّة، ومع زيادة ضَغط القوَّات التركيَّة على منطقة قناة السويس، هذا الأمرُ جعَل تعاون العرب مع القوَّات البريطانيَّة أمرًا حيويًّا للغاية؛ لذا عملت بريطانيا على استِمالة الشريف حسين (حاكم الحجاز) إليها، وبدَأتْ بين السير "مكماهون" وحسين مُكاتَبات ومُراسَلات استمرَّت (18) شهرًا، عُرِفَتْ باسم مراسلات "الحسين - مكماهون"، كانت بريطانيا تهدف من وَرائها إلى دفْع العرب إلى الثورة على الأتراك، أمَّا الحسين، فكان يأمل قيام دولة عربيَّة على المشرق العربي، وهى المنطقة التى تضمُّ الجزيرة العربيَّة والعراق وبلاد الشام، ويتولَّى هو حكمها.
2 - حرَص العرب على الحُصول على اعترافٍ بحقِّهم فى تأسيس دولةٍ عربيَّة، من هنا كانت تُجرَى سِرًّا مفاوضاتٌ بين دول الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا) حول اقتسام الدولة العثمانيَّة (تركة الرجل المريض).
3 - بالنسبة لفلسطين فقد اتفِقَ المتعاهدون على إنشاء إدارةٍ دوليَّة فيها، لكن ثبت أنَّ التدويل (اتخاذها صبغة دوليَّة)، كان مجرَّد خطوة أولى، تبعَتْها خطوة "وعد بلفور" 1917 ثم الانتداب البريطانى فيما بعدُ، أمَّا المنطقتان الرابعة والخامسة، فقد اتَّفقت بريطانيا وفرنسا على الاعتراف بدولة، أو حلف دول عربيَّة مستقلَّة برئاسة رئيس عربى فيها، على أنْ يكون لفرنسا فى إحدى المنطقتين (المنطقة الداخلية السورية) حق الأولويَّة فى المشاريع والقُروض المحليَّة، والانفراد بتقديم المستشارين والموظَّفين، وكذلك الأمر بالنسبة لبريطانيا فى المنطقة الداخليَّة العراقيَّة.
ثقافة التفتيت
وبعد تقليب معاهدة "سايكس - بيكو" من جديد، لا نعرف ماهو اسم المعاهدة الدولية الجديدة، لكنْ تَوالِى مجموعة من المعلومات الاستخباراتيَّة الغربية "وثائق ويكليكس "، التى كشَفتْ عن بعض الخبايا، كما كشف الروس عن اتفاقية سايكس - بيكو المشبوهة) والأحداث المتوالية، خصوصا التدخُّل الغربى فى الشُّئون الداخليَّة للعرب، ينبىء بأن المتوقع إنْ لم تتَكاتَفْ جهود العرب للملمة الوضع المتأزِّم، سيعجل بتفتيت الدول العربية أكثر، تحت شعار: "تفتيت المفتت".
فى بداية القرن الحادى والعشرين أطلق الصحفى المشهور توماس فريدمان قولته المشهورة،: "إنَّ الدول العربيَّة هى مجموعةٌ من القبائل بأعلامٍ مختلفة"، وإن دلَّ هذا على شيءٍ فإنما يدلُّ على الترويج لثقافة التفتيت والتجزيء التى يسعى الغرب والصَّهايِنة إلى تكريسها وتنفيذها، باعتبارها كما يتوهم الأميركو-أوروبيين، أن شعوب دولنا قبائل لا فكر لها، ولا تعرف العلم والمدنية.
صحيح أنَّ أغلب الصِّراعات الحاليَّة الحدوديَّة بين دول الوطن العربى والإسلامى وريثة الاستعمار، ومخلَّفات الحرب الباردة. وكانت بداية التفتيت دعم الولايات المتحدة لانفصال جنوب السودان عن شماله، رغم تنبيه مبعوث الرئيس الأميركى للسودان جون دانفورث، بأن التقسيم سيخلق المشكلات التى لا يمكن حلها. فإن الانفصال تم، وهكذا أوذيت بوابة الوطن العربى الجنوبية. أيضا ما حصل فى البوابة الشمالية العراق، حيث زين المبعوثون الأمريكيون للرئيس الراحل صدام حسين بخبث للاحتراب مع إيران، ومن ثم دور آرييل غراسبى، المبعوثة الأمريكية فى دفع صدام دفعا لغزو الدولة الشقيقة الكويت، وكان ثمن هذا الغزو الخراب الذى يعيشه العراق. وبالتالى خسارة الدول الخليجية لأموالها فى حرب عبثية، مدبروها ومنفذوها أصحاب المصلحة فى تخريب الدول العربية وإنهاء احتياطاتها المالية، وها نحن شهود على انخفاض أسعار النفط لإفقار الدول النفطية العربية.
وما نشهده اليوم من الطريقة الجهنَّميَّة التى يُجرِّبها التحالُف الدولى الإمبريالى الغربى الجديد فى ليبيا حاليًّا يعتبر أشدُّ "ذكاء" وفتكًا من طريقة الإدارة الأمريكيَّة فى عهد الرئيس جورج بوش الابن حين احتلَّت العراق، وأشد وأعقد من سايكس - بيكو القديمة.
صحيحٌ أنَّ الشعب العربى عانَى ردحًا طويلاً من الظُّلم والطُّغيان والفساد، ويسعى من خِلال ما يدعى ثورات "الربيع العربي"، إلى محو كلِّ أشكال الظُّلم الداخلى الذى يُمارِسُه الحكَّام وزبانيتهم، والظُّلم الخارجى الذى يُمارِسُه الكيان الصِّهيَوْنى بكلِّ أجهزته. لكن كل هذا لا ينبغى أنْ يدفَعنا دفعًا إلى تفتيت بلداننا أكثر ممَّا هى مفتَّتة، بل التفكير فى حلِّ مشاكلنا بطرق سلميَّة، دُون إعطاء الفُرصة للدول الصِّهيَوْ - غربية للتدخُّل فى شُئوننا الداخليَّة من خِلال الاتِّفاقيات السريَّة.
ويدعم ما تقدم، ما يريده الغرب من إخراج دولة إسرائيل من دوامة الصراع مع العرب، وجعل الصراع شيعيا - سنى محصورا مستقبلا بين إيران وتركيا.
«سايكس بيكو» مبهمة جديدة برداء "السخام العربي" ! هل كانت تلك هى حقيقة المؤامرة الأمريكية الصهيونية لتقسيم الوطن العربي، عبر إزكاء الثورات ضد الأنظمة القمعية، وفى الوقت نفسه اللعب على وتر إشعال الفرقاء، فتعم الفوضى الشاملة وتتبعها خريطة جديدة للشرق الأوسط، بالطبع لن تخلو من إسرائيل.
هذه ليست نظرية المؤامرة، إنما مخططات منشورة ومعلنة ويجرى تطبيقها باستغلال إدارة الاضطرابات العربية ودفعها للاتجاه الذى يخدم المصالح الأمريكية والصهيونية بالمنطقة.
ما نود قوله هنا، هو واقع كتب تحمل شهادات أمريكية، لنعرف كيف اندلعت الثورات كشرارة نبيلة للحرية والعدالة والمساواة، وكيف انقلبت لخدمة أعداء العرب؟! من هم الممولون الحقيقيون للفوضى الكبرى بعد السخام العربي؟ ولماذا تنفق أمريكا الملايين لدعم «الديمقراطية» فى مصر والعالم العربي، برغم تاريخها الدموى !، وما حقيقة «خيار السلفادور»، أو زرع فرق الموت لتنفيذ عمليات قتل جماعية بأوساط المدنيين برعاية أمريكية لإسقاط الأنظمة، وكيف تم توجيه حروب الجيل الرابع، واستدعاء نماذج الدول الرخوة الفاشلة؟
لقد أرادت اتفاقيّة «سايس-بيكو» أن تفرض تقسيماً عشوائيّاً فى المنطقة العربيّة ليس على أساس منطقى أو جغرافى بقدر ما هو على أساس تقاسم النفوذ بين مُستعمريْن. كان جورج أنطونيوس على حق فى حكمه: أرادت الاتفاقيّة «قطع المثلّث العربى بطريقة تضع عوائق إصطناعيّة أمام الوحدة» العربيّة. وإذا ألقينا نظرة عابرة على موازين القوى فى منطقة الشرق الأوسط، سنجد أنها تميل بوضوح إلى مصلحة المجموعة العربية، وفقاً للمعطيات الحسابية على الأقل. بينما تشير موازين القوى الفاعلة والمؤثرة على أرض الواقع إلى أن هذه الموازين، تميل فى شكل حاسم إلى غير مصلحة العرب، بدليل:
1 - خسارة الأنظمة العربية الحاكمة معظم جولات الصراع العسكرى والسياسى التى خاضتها فى مواجهة إسرائيل، واستمرار هذه الأخيرة فى احتلال معظم الأراضى الفلسطينية وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا فى لبنان، وتنامى قوتها.
2 - تمدد النفوذ الإيرانى عبر المنطقة ككل وتغلغله داخل عدد كبير من الدول العربية، خصوصا فى العراق ولبنان واليمن والبحرين.
3 - بروز تركيا كقوة سياسية واقتصادية كبرى، وتعاملها مع الدول العربية بعجرفة إمبراطورية وكأنها لا تزال تعيش عصر الخلافة العثمانية.
لذا تبدو مجموعة الدول العربية الآن، وعلى الرغم ما تملكه من موارد وطاقات مادية وبشرية هائلة، كأنها رجل المنطقة المريض الذى تتعجل دول الجوار غير العربى وفاته للمطالبة بحقها فى تركته.
تحقّق لاتفاقيّة «سايكس بيكو» ما أرادت، وتوطّدت تقسيمات الاتفاقيّة الاستعماريّة وكياناتها. استبطن العرب فى أقطارهم هويّات زرعها بينهم المُستعمر. والغرب كان ومازال يرسل جيوشه ومخابراته لكسر شوكة كل حلم عربى حتى فى التنمية.
لم يكن القرن الماضى منذ سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة خيّراً على العرب. لكن الاتفاقيّة التى تزامنت مع الحرب العالميّة الأولى دامت ونجحت فى ضخ فلسفة كيانات مفصّلة على قياس المستعمر. ليس هناك من متنافسين فى الاستعمار اليوم، وحدها أمريكا تقرّر والمجموعة الأوروبيّة تتبع صاغرة. قد تحاول الحكومة الأمريكيّة أن تتوصّل إلى اتفاقيّة جديدة من أجل صياغة نظام عربى جديد، لكن احتمال زيادة التقسيم والشرذمة أكبر من احتمالات تقليصها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.