نيابة الخليفة تقرر إحالة عاطل إلى محكمة الجنح بتهمة سرقة مساكن المواطنين    مستقبل وطن المنيا يكرم 100 عامل مؤقت    متحدث الوزراء: 14 مطورا صناعيا في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس    انهيار منزل سكني من 3 طوابق بالمحلة دون وقوع إصابات.. صور    التيسيرات الضريبية... قبلة الحياة للاقتصاد الحر والشركات الناشئة في مصر    مصر تُرحب بإعلان وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    طوابير خانقة وأسعار مضاعفة وسط غياب الحلول..أزمة وقود خانقة تضرب مناطق الحوثيين في اليمن    محلل سياسى: جولة الغد من مفاوضات إيران والولايات المتحدة حاسمة    حركة فتح: خطة نقل المساعدات الأمريكية لغزة تغليف لسياسات الاحتلال وتجويع للفلسطينيين    أزمة مباراة القمة.. رابطة الأندية: أرسلنا حيثيات قراراتنا للجنة التظلمات    الكلاسيكو| أنشيلوتي يكشف موقف رودريجو ويؤكد: واثقون من الفوز    وزير الخارجية يرأس حوار اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان مع ممثلي منظمات المجتمع المدني    مصرع طفلة وإصابة 4 أشخاص في حادث بين 3 سيارات بصحراوى البحيرة    ضبط شاب حاول التعدي جنسيًا على طفلتين داخل عقار في إمبابة    تأجيل محاكمة أربعة متهمين بالتسبب في انهيار عقار بأرض الجولف    عطلوا أحكام الدستور.. تأجيل محاكمة 19 متهمًا ب«خلية المرج الثالثة»    محمد محمود عبد العزيز يكشف تفاصيل الأزمة بين بوسي شلبي مع الإعلامي عمرو أديب    يغادر دور العرض قريبًا.. تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما    نائب رئيس الوزراء: مصر تضع الملف الصحي بجميع ركائزه على رأس أولوياتها    يوم الطبيب المصري.. وزير الصحة: الدولة تكرّم أبناءها من جيش الصحة.. نقيب الأطباء : نثمّن الجهود التي بذلت للانتهاء من قانون المسئولية الطبية.. ومستشار الرئيس: اهتمام رئاسي بالملف الصحي    السودان.. 21 قتيلا في هجوم للدعم السريع على سجن بشمال كردفان    مرسوم عليه أعداء مصر ال9.. «كرسي الاحتفالات» لتوت عنخ آمون يستقر بالمتحف الكبير    صحة الدقهلية: المرور على 863 منشأة طبية خاصة وتنفيذ 30 قرار غلق إدارى    الرئيس العلمي لمؤتمر، الذكاء الآلى بالإسكندرية: مؤتمر "آيكوميس" يحظى برعاية دولية من "IEEE"    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    "صورة الطفل في الدراما المصرية" ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة    محافظ أسيوط يتفقد تطوير مدخل قرية بنى قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق سيولة مرورية    بعد كتابة وصيته.. المخرج أشرف فايق يكشف تطورات حالته الصحية داخل غرفة العمليات    جدول مواقيت الصلاة في محافظات مصر غداً الأحد 11 مايو 2025    "بسبب ماس كهربائى" مصرع وإصابة ثلاثة أشخاص إثر نشوب حريق داخل حوش مواشى فى أسيوط    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى أجا في زيارة مفاجئة ويبدي رضائه عن الأداء    «الإحصاء»: 1.3% معدل التضخم الشهري خلال أبريل 2025    مديرية أمن القاهرة تنظم حملة تبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    طريقة عمل الكيكة بالليمون، طعم مميز ووصفة سريعة التحضير    دعوة شركات عالمية لمشروع تأهيل حدائق تلال الفسطاط    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    صحة غزة: أكثر من 10 آلاف شهيد وجريح منذ استئناف حرب الإبادة    شئون البيئة: التحول للصناعة الخضراء ضرورة لتعزيز التنافسية وتقليل الأعباء البيئية    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    انطلاق الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ    رئيس الوزراء العراقي يوجه بإعادة 500 متدرب عراقي من باكستان    جنايات المنصورة...تأجيل قضية مذبحة المعصرة لجلسة 14 مايو    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    رئيس الوزراء يشهد توقيع اتفاقية عقد توطين وتوريد 21 وحدة قطار مترو بواقع 189 عربة لمشروع مترو الإسكندرية.. مدبولى: هذا التوقيع تنفيذاً لتوجيهات الرئيس السيسى بالتوسع فى إنشاء شبكة من وسائل النقل الجماعى الأخضر    موقف بالدي.. فليك يحدد تشكيل برشلونة لمواجهة ريال مدريد في الكلاسيكو    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    «الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    بعد غيابه ثلاث مرات.. وصول زيزو ومحاميه لمقر الزمالك للمثول للتحقيق    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    منة وهنا وأسماء وتارا.. نجمات يسيطرن على شاشة السينما المصرية    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته في احتفالات عيد النصر في موسكو    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتفاقية الحرام (8).. رؤية لبنانية للاتفاقية.. سايكس- بيكو بنكهة بلاد الشام
نشر في الأهرام العربي يوم 16 - 05 - 2016


د. ليلى بديع
لا يمكن المقارنة بين الجيوبولتيكا عند توقيع معاهدة سايكس- بيكو فى 16 مايو 1916 بين فرنسا وبريطانيا وروسيا، التى فتتت الوطن العربى ووضعت فيه الحدود المصطنعة، وبين تقليب صفحات هذه المعاهدة التى تعرف ب "اتفاقية القاهرة السرية"، منذ سبعينيات القرن الماضي، لحياكة معاهدة جديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا هذه المرة، لتفتيت المفتت من الدول العربية.
فى الحرب الإسرائيلية على لبنان فى السادس من يوليو 2006، أطلت علينا وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس من السفارة الأمريكية فى عوكر بلبنان، لتبشرنا ب "شرق أوسط جديد". هذا الجديد الذى بشرنا به لم يأت من فراغ، بل جاء من هدير الانهيارات فى أنظمة دولنا، ونحيب الخرائط العربية المتداعية، بحكم فساد الحكام وجل اهتمامهم المحافظة على كراسيهم المعمرة فى الحكم، التى أدت إلى انهيار اقتصادياتنا ومجتمعاتنا، غير آبهين لما خلقه لنا الغرب من مخططات متصارعة بين هلال شيعى يواجهه قمر سنى، يمتد من مصر إلى كامل دول شمال إفريقيا العربيات، لكن هذا السيناريو أفشلته مصر وتونس فكان تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذى كره الشعوب الغربية بالإسلام مع أنه صناعة أمريكية، بحسب تصريحات هيلارى كلينتون.
منذ ما سمى ب" ثورات الربيع العربي"، واسميها أنا "السخام العربى " الذى بدأ بإعجاب الشباب ومعظم الكهول بأفكار الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون ومحاضراته الباهظة الثمن فى العديد من العواصم العربية والدولية، وإعجاب أعمدة المجتمع المدنى بالقرية الكونية التى أطلقها بيل كلينتون والكاتب توماس فريدمان، نفذها معجبوا أولئك الذين نهلوا من الإملاءات الغربية المزخرفة بالمدنية والعولمة المستوردة، بالشكل دون المضمون بالثورة على أنظمتهم الديكتاتورية والفاسدة أصلا، التى حرمت الشباب وخريجى الجامعات من أبسط حقوقهم الشرعية فى التوظيف وتوفير التنمية فى المجتمعات وصادرت حريات التفكير للأجيال المتعاقبة. وهذا بمجمله مبيت له، لتغيير طبيعة الصراع من عربي- إسرائيلى إلى أن يكون إيرانيا - تركيا فى المدى المنظور.
المتابع للمؤتمرات الدولية وأنشطة الدول الغربية تجاه الدول التى اكتوت من نيران تلك الثورات، يدرك أن تغيير خرائط دولنا واقع إن لم يكن فى المدى القريب، لكن سيحصل قبل انتصاف القرن الحادى والعشرين، ونحن من عظة دروس التاريخ فى القرنين الماضيين، ننتظر نتائج المخططات السياسية السالبة من مراكز القرار الدولية للسيطرة على دولنا، ويبدو أن تقليب صفحات معاهدة سايكس-بيكو، وهى الاتفاق السرى بين دول الوفاق بريطانيا وفرنسا وروسيا، فى عام 1916، لتقسيم أراضى الدولة العثمانية فيما بينهم، لفرض نفوذهم على الأراضى فى غرب آسيا، وكانت قد بدأت الاستعمارات الأوربية التخطيط للاحتلال بسبب ضعف وانقسام الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى، لاقتسام بلاد الشام وأجزاء من آسيا الصغرى.

مولد المؤامرة
بدأت الاتفاقية عندما التقى الدبلوماسى فرانسو جورج بيكو المندوب السامى الفرنسى لشئون الشرق الأدنى والسكرتير الأول بالسفارة الفرنسية، فى لندن مع مارك سايكس المندوب السامى البريطانى لشئون الشرق الأدنى فى مصر بإشراف مندوب روسيا، التى تمت بصورة نهائية بعد ذلك فى مدينة بطرسبرغ الروسية.
وقد تم الكشف عن الاتفاقية بمفاجأة مدوية لكل العالم، عندما وصل الشيوعيون للحكم فى روسيا فى عام 1916، فنشرت الحكومة السوفيتية المعاهدة عام 1917 فى روسيا بعد الثورة الشيوعية.
لكن تبعا لمخططات الوثيقة، حصلت العراق على الاستقلال فى عام 1932 والأردن وسوريا فى عام 1946 ولبنان فى عام 1943، وفى عام 1948 تم تقسيم فلسطين إلى 3 أجزاء، وهى إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.
وكانت المعاهدة تقضى بحصول فرنسا: على سوريا ولبنان ومنطقة الموصل فى العراق وولاية أضنة.
وبريطانيا: جنوب بلاد الشام وبغداد والبصرة وشرق الأردن ومناطق من الخليج وحيفا وعكا.
وروسيا : الولايات الأرمنية فى تركيا وشمال كردستان والمضايق التركية والمناطق المجاورة لها من شاطئ آسيا الصغرى.
وفلسطين إدارة دولية بين الدول الثلاث مع تأمين حرية الحج فى فلسطين وتسهيله.
والمناطق فى المنتصف ستكون دولة عربية جديدة شمالها فرنسا وجنوبها بريطانيا.
وميناء الإسكندرونة ميناء حر.
وقد جاءت الاتفاقية فى 12 مادة من أهم ما جاء بها النقاط التالية:
1 - أن يكون لفرنسا وبريطانيا الحق فى المشروعات والقروض المحلية وتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب من حكومات الدول المسيطرة عليها أو الحلفاء.
2 - إنشاء ما يرغبان به من شكل للحكم والمراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو الحلفاء.
3 - أن تكون فلسطين تحت إدارة دولية فى فلسطين بعد إستشارة روسيا والاتفاق مع الحلفاء.
4 - أن يكون ميناء الإسكندرونة حرا لتجارة إمبراطورية بريطانيا وأن لا يرفض أى تسهيلات لهم وأن يتم نقل البضائع لهم بحرية.
5 - أن تنشئ بريطانيا خطا حديديا يصل حيفا.
6 - أن تظل تعريفة الجمارك التركية نافذة عشرين سنة فى جميع جهات المنطقتين.
7 - عدم سماح هذه الأطراف بإشراك دول أخرى لامتلاك أقطار فى شبه الجزيرة العربية.
8- أن يتم النظر فى الوسائل اللازمة لجلب السلاح إلى البلاد العربية. وقد حدث ذلك، بينما كان نشاط الصهيونية يتزايد فى فلسطين، بعد عزل السلطان عبد الحميد الثانى سنة 1908، وبسبب الفساد والرشوة فى الإدارة العثمانية، كانت الدوائر الاستعمارية الأوروبية ترسم الخطط السرية، فيما بينها، لاقتسام الدولة العثمانية، التى كانت مظاهر تدهورها وانهيارها بادية للعيان. وذلك لاقتسام المشرق العربى فيما بينهما، بينما كانت نيران الحرب العالمية الأولى مستعرة بين بريطانيا وفرنسا وحلفائها من جهة، والدولة العثمانية وألمانيا وحلفائهما من جهة ثانية.
وبموجب معاهدة سايكس بيكو، قسمت بريطانيا وفرنسا المشرق العربى باستثناء شبه الجزيرة العربية إلى خمس مناطق، ثلاث مناطق ساحلية هى المنطقة الزرقاء (السواحل اللبنانية السورية وأعطيت لفرنسا)، الحمراء (السواحل العراقية من بغداد إلى البصرة وأعطيت لبريطانيا)، والسمراء (فلسطين)، ثم منطقتين داخليتين رمز لهما بحرفى (أ) للمنطقة الداخلية السورية، و(ب) للمنطقة الداخلية العراقية.
معطيات ونتائج
إنَّ اختيار هذا الحدَث التاريخى فى هذا التوقيت، مهم جدا، لأنه مزق الوطن العربى، وهو يُوحِى من خِلال التسريبات والشَّواهد والوَثائق بأنَّ هناك علاقةً وطيدةً عما نحن فيه - إذا لم يتمَّ تدارُك الموقف - من خِلال حِرص الدُّوَلِ الصِّهيَوْ - غربية إلى تفتيت ما يمكن تفتيته؛ لبَسْطِ سيطرتهم "أكثر" على الوطن العربي، وحتى لا تقوم له قائمة فى ردع الكيان الصِّهْيَوْني! فالسِّياق التاريخى للحدث الأوَّل (سايكس-بيكو) أفرز دولةَ الصَّهاينة بِناءً على "وعد بلفور" المشؤوم عام 1917، بينما ما يجرى حاليًّا يرمى إلى أن يبقى هذا الكيان مستمرا فى تهويد ما تبقى من الأراضى الفلسطينية، وربما القفز فوق أراضى السلطة الفلسطينية،وطرد عرب العام 1948. والعائدون إلى الوطن تحت مظلة السلطة الفلسطينية، فى ظل صمت دولى وتهجير جديد للفلسطينيين إلى المجهول. فى وقت تكون فيه الدول العربيَّة مشغولة بنفسها وغير قادرة على المواجهة لانشغال كل دولة بخارطتها الجديدة. ولهذا علينا العودة إلى البعد التاريخى لمعاهدة "سايكس - بيكو" بإطلالة موجزة كونها كانت حدثا، بدأ البكاء عليها اليوم والتخوف من تغييرها وهي:
1- فشل المخطَّطات العسكريَّة البريطانيَّة فى العراق إبَّان الحرب العالميَّة الأولى، ونتيجة عجزها عن السَّيْطَرة على المضايق التركيَّة، ومع زيادة ضَغط القوَّات التركيَّة على منطقة قناة السويس، هذا الأمرُ جعَل تعاون العرب مع القوَّات البريطانيَّة أمرًا حيويًّا للغاية؛ لذا عملت بريطانيا على استِمالة الشريف حسين (حاكم الحجاز) إليها، وبدَأتْ بين السير "مكماهون" وحسين مُكاتَبات ومُراسَلات استمرَّت (18) شهرًا، عُرِفَتْ باسم مراسلات "الحسين - مكماهون"، كانت بريطانيا تهدف من وَرائها إلى دفْع العرب إلى الثورة على الأتراك، أمَّا الحسين، فكان يأمل قيام دولة عربيَّة على المشرق العربي، وهى المنطقة التى تضمُّ الجزيرة العربيَّة والعراق وبلاد الشام، ويتولَّى هو حكمها.
2 - حرَص العرب على الحُصول على اعترافٍ بحقِّهم فى تأسيس دولةٍ عربيَّة، من هنا كانت تُجرَى سِرًّا مفاوضاتٌ بين دول الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا) حول اقتسام الدولة العثمانيَّة (تركة الرجل المريض).
3 - بالنسبة لفلسطين فقد اتفِقَ المتعاهدون على إنشاء إدارةٍ دوليَّة فيها، لكن ثبت أنَّ التدويل (اتخاذها صبغة دوليَّة)، كان مجرَّد خطوة أولى، تبعَتْها خطوة "وعد بلفور" 1917 ثم الانتداب البريطانى فيما بعدُ، أمَّا المنطقتان الرابعة والخامسة، فقد اتَّفقت بريطانيا وفرنسا على الاعتراف بدولة، أو حلف دول عربيَّة مستقلَّة برئاسة رئيس عربى فيها، على أنْ يكون لفرنسا فى إحدى المنطقتين (المنطقة الداخلية السورية) حق الأولويَّة فى المشاريع والقُروض المحليَّة، والانفراد بتقديم المستشارين والموظَّفين، وكذلك الأمر بالنسبة لبريطانيا فى المنطقة الداخليَّة العراقيَّة.
ثقافة التفتيت
وبعد تقليب معاهدة "سايكس - بيكو" من جديد، لا نعرف ماهو اسم المعاهدة الدولية الجديدة، لكنْ تَوالِى مجموعة من المعلومات الاستخباراتيَّة الغربية "وثائق ويكليكس "، التى كشَفتْ عن بعض الخبايا، كما كشف الروس عن اتفاقية سايكس - بيكو المشبوهة) والأحداث المتوالية، خصوصا التدخُّل الغربى فى الشُّئون الداخليَّة للعرب، ينبىء بأن المتوقع إنْ لم تتَكاتَفْ جهود العرب للملمة الوضع المتأزِّم، سيعجل بتفتيت الدول العربية أكثر، تحت شعار: "تفتيت المفتت".
فى بداية القرن الحادى والعشرين أطلق الصحفى المشهور توماس فريدمان قولته المشهورة،: "إنَّ الدول العربيَّة هى مجموعةٌ من القبائل بأعلامٍ مختلفة"، وإن دلَّ هذا على شيءٍ فإنما يدلُّ على الترويج لثقافة التفتيت والتجزيء التى يسعى الغرب والصَّهايِنة إلى تكريسها وتنفيذها، باعتبارها كما يتوهم الأميركو-أوروبيين، أن شعوب دولنا قبائل لا فكر لها، ولا تعرف العلم والمدنية.
صحيح أنَّ أغلب الصِّراعات الحاليَّة الحدوديَّة بين دول الوطن العربى والإسلامى وريثة الاستعمار، ومخلَّفات الحرب الباردة. وكانت بداية التفتيت دعم الولايات المتحدة لانفصال جنوب السودان عن شماله، رغم تنبيه مبعوث الرئيس الأميركى للسودان جون دانفورث، بأن التقسيم سيخلق المشكلات التى لا يمكن حلها. فإن الانفصال تم، وهكذا أوذيت بوابة الوطن العربى الجنوبية. أيضا ما حصل فى البوابة الشمالية العراق، حيث زين المبعوثون الأمريكيون للرئيس الراحل صدام حسين بخبث للاحتراب مع إيران، ومن ثم دور آرييل غراسبى، المبعوثة الأمريكية فى دفع صدام دفعا لغزو الدولة الشقيقة الكويت، وكان ثمن هذا الغزو الخراب الذى يعيشه العراق. وبالتالى خسارة الدول الخليجية لأموالها فى حرب عبثية، مدبروها ومنفذوها أصحاب المصلحة فى تخريب الدول العربية وإنهاء احتياطاتها المالية، وها نحن شهود على انخفاض أسعار النفط لإفقار الدول النفطية العربية.
وما نشهده اليوم من الطريقة الجهنَّميَّة التى يُجرِّبها التحالُف الدولى الإمبريالى الغربى الجديد فى ليبيا حاليًّا يعتبر أشدُّ "ذكاء" وفتكًا من طريقة الإدارة الأمريكيَّة فى عهد الرئيس جورج بوش الابن حين احتلَّت العراق، وأشد وأعقد من سايكس - بيكو القديمة.
صحيحٌ أنَّ الشعب العربى عانَى ردحًا طويلاً من الظُّلم والطُّغيان والفساد، ويسعى من خِلال ما يدعى ثورات "الربيع العربي"، إلى محو كلِّ أشكال الظُّلم الداخلى الذى يُمارِسُه الحكَّام وزبانيتهم، والظُّلم الخارجى الذى يُمارِسُه الكيان الصِّهيَوْنى بكلِّ أجهزته. لكن كل هذا لا ينبغى أنْ يدفَعنا دفعًا إلى تفتيت بلداننا أكثر ممَّا هى مفتَّتة، بل التفكير فى حلِّ مشاكلنا بطرق سلميَّة، دُون إعطاء الفُرصة للدول الصِّهيَوْ - غربية للتدخُّل فى شُئوننا الداخليَّة من خِلال الاتِّفاقيات السريَّة.
ويدعم ما تقدم، ما يريده الغرب من إخراج دولة إسرائيل من دوامة الصراع مع العرب، وجعل الصراع شيعيا - سنى محصورا مستقبلا بين إيران وتركيا.
«سايكس بيكو» مبهمة جديدة برداء "السخام العربي" ! هل كانت تلك هى حقيقة المؤامرة الأمريكية الصهيونية لتقسيم الوطن العربي، عبر إزكاء الثورات ضد الأنظمة القمعية، وفى الوقت نفسه اللعب على وتر إشعال الفرقاء، فتعم الفوضى الشاملة وتتبعها خريطة جديدة للشرق الأوسط، بالطبع لن تخلو من إسرائيل.
هذه ليست نظرية المؤامرة، إنما مخططات منشورة ومعلنة ويجرى تطبيقها باستغلال إدارة الاضطرابات العربية ودفعها للاتجاه الذى يخدم المصالح الأمريكية والصهيونية بالمنطقة.
ما نود قوله هنا، هو واقع كتب تحمل شهادات أمريكية، لنعرف كيف اندلعت الثورات كشرارة نبيلة للحرية والعدالة والمساواة، وكيف انقلبت لخدمة أعداء العرب؟! من هم الممولون الحقيقيون للفوضى الكبرى بعد السخام العربي؟ ولماذا تنفق أمريكا الملايين لدعم «الديمقراطية» فى مصر والعالم العربي، برغم تاريخها الدموى !، وما حقيقة «خيار السلفادور»، أو زرع فرق الموت لتنفيذ عمليات قتل جماعية بأوساط المدنيين برعاية أمريكية لإسقاط الأنظمة، وكيف تم توجيه حروب الجيل الرابع، واستدعاء نماذج الدول الرخوة الفاشلة؟
لقد أرادت اتفاقيّة «سايس-بيكو» أن تفرض تقسيماً عشوائيّاً فى المنطقة العربيّة ليس على أساس منطقى أو جغرافى بقدر ما هو على أساس تقاسم النفوذ بين مُستعمريْن. كان جورج أنطونيوس على حق فى حكمه: أرادت الاتفاقيّة «قطع المثلّث العربى بطريقة تضع عوائق إصطناعيّة أمام الوحدة» العربيّة. وإذا ألقينا نظرة عابرة على موازين القوى فى منطقة الشرق الأوسط، سنجد أنها تميل بوضوح إلى مصلحة المجموعة العربية، وفقاً للمعطيات الحسابية على الأقل. بينما تشير موازين القوى الفاعلة والمؤثرة على أرض الواقع إلى أن هذه الموازين، تميل فى شكل حاسم إلى غير مصلحة العرب، بدليل:
1 - خسارة الأنظمة العربية الحاكمة معظم جولات الصراع العسكرى والسياسى التى خاضتها فى مواجهة إسرائيل، واستمرار هذه الأخيرة فى احتلال معظم الأراضى الفلسطينية وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا فى لبنان، وتنامى قوتها.
2 - تمدد النفوذ الإيرانى عبر المنطقة ككل وتغلغله داخل عدد كبير من الدول العربية، خصوصا فى العراق ولبنان واليمن والبحرين.
3 - بروز تركيا كقوة سياسية واقتصادية كبرى، وتعاملها مع الدول العربية بعجرفة إمبراطورية وكأنها لا تزال تعيش عصر الخلافة العثمانية.
لذا تبدو مجموعة الدول العربية الآن، وعلى الرغم ما تملكه من موارد وطاقات مادية وبشرية هائلة، كأنها رجل المنطقة المريض الذى تتعجل دول الجوار غير العربى وفاته للمطالبة بحقها فى تركته.
تحقّق لاتفاقيّة «سايكس بيكو» ما أرادت، وتوطّدت تقسيمات الاتفاقيّة الاستعماريّة وكياناتها. استبطن العرب فى أقطارهم هويّات زرعها بينهم المُستعمر. والغرب كان ومازال يرسل جيوشه ومخابراته لكسر شوكة كل حلم عربى حتى فى التنمية.
لم يكن القرن الماضى منذ سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة خيّراً على العرب. لكن الاتفاقيّة التى تزامنت مع الحرب العالميّة الأولى دامت ونجحت فى ضخ فلسفة كيانات مفصّلة على قياس المستعمر. ليس هناك من متنافسين فى الاستعمار اليوم، وحدها أمريكا تقرّر والمجموعة الأوروبيّة تتبع صاغرة. قد تحاول الحكومة الأمريكيّة أن تتوصّل إلى اتفاقيّة جديدة من أجل صياغة نظام عربى جديد، لكن احتمال زيادة التقسيم والشرذمة أكبر من احتمالات تقليصها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.