رسائل الرئيس السيسى فى «أسبوع القاهرة للمياه»    وزير المالية: نفذنا أكثر من 15 مستهدفا في برنامج الإصلاح.. ويتبقى إبرام صفقة تخارج ضرورية    مسئول أمريكي للجزيرة: تنفيذ حماس إعدامات ميدانية بحق أفراد من عائلة دغمش انتهاك لخطة ترامب    كلمة مصر هى العليا    مدرب العراق يفتح النار على نظام الملحق الآسيوي    أجندة سيتي حتى توقف نوفمبر.. 7 مباريات في 22 يوما ل مرموش قبل العودة لمنتخب مصر    وزيرة التضامن: مصر قدمت نحو 600 ألف طن من المساعدات لقطاع غزة    ميسرة بكور: أوروبا تسعى لاستقلال أمني عن واشنطن في ظل التباعد عبر الأطلسي    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    قطر وتركيا تناقشان آفاق التعاون المالي على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي    دي يونج: الأرقام المتداولة عن راتبي مبالغ فيها    بعد تهشم سيارتها.. تصالح بين سائق هالة صدقي ومدير شركة في قسم الشيخ زايد    الذكاء الاصطناعي والبرمجة في صدارة مناقشات تعليم بورسعيد    وزراء دفاع الناتو يبحثون تعزيز القدرات العسكرية وتنفيذ الأهداف الجديدة للحلف    تحت رعاية محافظ بني سويف: بلال حبش يُكرّم لاعبي ولاعبات بني سويف الدوليين ولاعبات السلة "صُمّ"    وزير الري يؤكد حرص مصر على دعم أواصر التعاون مع الصومال في مجال الموارد المائية وبناء القدرات    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    عاجل- رئيس الوزراء يتفقد المتحف المصري الكبير لمتابعة الاستعدادات النهائية    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن عن البوستر الجديد لدورته ال46    مكتبة مصر العامة بدمنهور تحصد المركز الثالث في مسابقة مكتبة العام المتنقلة 2025    سلوك عدواني مرفوض.. «خطورة التنمر وآثاره» في ندوة توعوية ل«الأوقاف» بجامعة مطروح    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    رسوم إنستاباي على التحويلات.. اعرف التفاصيل الكاملة    السجن المؤبد والمشدد في جريمة قتل بطوخ.. جنايات بنها تُصدر أحكامها على 12 متهما    ضبط 160 باكو بسكويت مدرسى منتهى الصلاحية قبل بيعها بسوق بلبيس    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    التعليم توجه المديريات بخطوات جديدة لسد العجز في المدارس للعام الدراسي الحالي    «مدينة زويل» تفتتح موسمها الثقافي باستضافة وزير الأوقاف الخميس    وزير الثقافة: قافلة مسرح المواجهة والتجوال ستصل غزة حال توفر الظروف المناسبة    «القوس بيعشق السفر».. 5 أبراج تحب المغامرات    هدى المفتى تقدم البطولة النسائية أمام محمد إمام في فيلم شمس الزناتى    بعد تعيينه شيخاً للمقارئ أحمد نعينع: أحمد الله على ما استعملنى فيه    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    وزير الصحة يبحث إنشاء مراكز تدريب للجراحة الروبوتية فى مصر    اليوم العالمى لغسل اليدين.. خطوات بسيطة لتحضير صابون سائل من مكونات طبيعية    "الإسكوا" تمنح "جهار" جائزة النجمات الذهبية الثلاث تقديراً لإنجازها العالمى    منها «مد مدة تقديم طلبات التصالح بمخالفات البناء».. الحكومة توافق على 13 قرارًا اليوم    أول تعليق من وزير الشئون النيابية على فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان    هيقولوا مخي اتلحس.. باسم يوسف: خايف من الحلقة الجاية من برنامج "كلمة أخيرة"    السجن المشدد ل 7 متهمين بحيازة المواد المخدرة في المنيا    «النواب» يناقش غدًا اعتراض الرئيس على «الإجراءات الجنائية».. ومصادر: عرض استقالة 4 أعضاء    إنجاز طبي جديد بمستشفى أجا المركزي: نجاح جراحة دقيقة لإنقاذ مريض بنزيف حاد بالمخ    عاجل- مجلس الوزراء يشيد باتفاق شرم الشيخ للسلام ويؤكد دعم مصر لمسار التسوية في الشرق الأوسط    محافظ أسوان يدشن وحدة الكلى الجديدة بمستشفى كوم أمبو المركزي    ضبط 105519 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الكرملين: بوتين سيجري محادثات مع الرئيس السوري اليوم    حماس تطلق حملة مطاردة ل"الخونة" في غزة    مصر تتعاون مع شركة إماراتية لتنفيذ دراسات مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا    وزير الخارجية يلتقي وفد نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي    ميسي يساهم في اكتساح بورتوريكو وديا    التحقيق مع عنصرين جنائيين حاولا غسل 50 مليون جنيه حصيلة تجارة مخدرات    أسرة سوزي الأردنية تساندها قبل بدء ثاني جلسات محاكمتها في بث فيديوهات خادشة    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء في سوهاج    متى يكون سجود السهو فى الصلاة قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح    الإفتاء: السير المخالف في الطرق العامة محرم شرعًا ويُحمّل صاحبه المسؤولية القانونية    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    رغم منع دخول أعلام فلسطين.. إيطاليا تهزم إسرائيل وتنهي فرصها في التأهل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتفاقية الحرام (7).. فى دراسة وثائقية: سايكس بيكو جزأت القطر السورى إلى بحر ونهر ووطن ملىء بالصراعات
نشر في الأهرام العربي يوم 16 - 05 - 2016


ماجدة سليمان
عرفنا جميعا تاريخيا وجغرافيا منذ الصغر "بلاد الشام " الحبيبة على أنها كانت تضم سوريا والعراق وفلسطين والأردن ولبنان. تلك المنطقة التى اكتنفت داخلها حضارات عالمية فى جنوب الرافدين وشمال جزيرة الفرات السورية وغرب الشام.. والمسماة بحضارات الهلال الخصيب وهو الاسم الذى أطلقه عالم الآثار الأمريكى "جيمس هنرى بريستد" على هذه المنطقة فعرفت منها الحضارة السومرية، والحضارة الأكادية، والحضارة البابلية والحضارة الآشورية والحضارة الكنعانية – الفينيقية والحضارة الآرامية – الكلدانية وهناك حضارات جاءت إلى هذا فى الهلال الخصيب وسكنت فيه مثل الحضارة الفارسية والحضارة البيزنطية والحضارة الإسلامية العربية وتداخلت هذه الحضارات مع محيطها الحضارى فى الأناضول واليونان وشبه الجزيرة العربية ومصر .
ويقال أيضا إنها سميت ببلاد الشام نسبة إلى اللغة السامية فعندما جاء نبى الله "نوح" كان لديه ثلاثة أبناء :سام حام ويافت، أعطى نوح هذه المنطقة لابنه سام فلذلك سميّت "سامية" ..ثم تطورت إلى شامية وبلاد الشام.
ويقال أيضا إن بلاد الشام كلها هى سوريا الكبرى قبل التقسيم الذى أبدعه الاستعمار تحت مسمى اتفاقية "سايكس وبيكو"، فيقول هيرودوت فى تأريخه الذى كتبه فى أربعينيات القرن الخامس قبل الميلاد مستخدما كلمة سوريا بمعنى واسع يغطى مساحة تمتد من البحر الأسود إلى مصر، ولذلك فهو أشار إلى قبدوقية باسم سوريا وقال إن سكان قبدوقية معروفون لدى اليونان بالسوريين، وسماهم بالسوريين القبدوقيين، وقبدوقية هى إقليم تاريخى فى شرق الأناضول كان يمتد حسب وصف هيرودوت بين جبال طوروس من الجنوب والبحر الأسود من الشمال والفرات من الشرق ونهر الهالوس من الغرب. واستخدم هيرودوت أيضا كلمة سوريا مشيرا بها إلى فلسطين (فلسطية) التى سماها أيضا "سوريا الفلسطية" وأشار إلى سكانها بالسوريين أو سوريى فلسطين وفلسطين عند هيرودوت تمتد بين فينيقية من الشمال ومصر من الجنوب؛ وفينيقية تمتد شمالا إلى خليج إسوس.
وهكذا فإن مفهوم سوريا لدى هيرودوت كان يعنى المنطقة الممتدة بين: البحر الأسود شمالاً، نهر الهالوس قيليقية والبحر المتوسط غربًا، أرمينية والفرات والصحراء العربية شرقا، مصر جنوبًا، ولهيرودوت مقولة شهيرة فى أصل كلمة سوريين، فهو يرى أنها ما هى إلا مرادف يونانى لكلمة أسوريين التى يستخدمها البرابرة، لكن هيرودوت رغم قوله هذا يميز فى الاستخدام بوضوح بين الكلمتين، فهو يشير بالسوريين إلى سكان المنطقة سالفة الوصف دون غيرها، بينما يشير بالآشوريين إلى سكان ما بين النهرين، وهى المنطقة المحصورة بين دجلة والفرات، وهو لا يخلط أبدا فى الاستخدام بين الكلمتين.

جيوإستراتيجية القطر السورى
ولأننا بصدد تشريح اتفاقية "سايكس وبيكو" التى قسمت هذا القطر العزيز من الوطن العربى بمباركة الدول العظمى الاستعمارية فى مطلع القرن العشرين بريطانيا وفرنسا فإننا يجب أن نتناول أهمية ذلك القطر الجيوإستراتيجية والتى جسدتها حدوده الطبيعية الجغرافية والتاريخية معا، فالساحل السورى بما يشكله من خليج الإسكندرون إلى شبه جزيرة سيناء يعد الواجهة الغربية والباب المفتوح للقارة الآسيوية كما يمثل المجال السورى برمته المحور المركزى الذى تمر بواسطته جميع الاتجاهات والطرق الجيوإستراتيجية بين الغرب والشرق فسوريا هى قطب فى حد ذاتها تتصارع فى أراضيها مطامع جميع الدول الاستعمارية فمن هذه الرؤية الواقعية ذات الخبرات التاريخية الموثقة نتفهم أبعاد المقولة الشهيرة التى قالها فى جملة رائعة من الإيجاز التعبيرى الباحث والكاتب "مارك جيراردين" فى إحدى مقالاته التحليلية خلال الأزمة السورية اللبنانية عام 1860 فكتب يقول: "إن المعضلة السورية هى جوهر المعضلة المشرقية" برمتها، هكذا كانت الرؤية الصحيحة والتى استرت حتى يومنا هذا.

تجزئة وطن
ومن خلال الدراسة الوثائقية للكاتب والباحث السورى دكتور جوزيف حجار، والتى حمل عنوان "سوريا" بلاد الشام تجزئة وطن، التى تتناول تحليل لاتفاقية سايكس بيكو وملابسات عقدها وكذلك تحليل بنودها فيما يخص الاقليم السورى المعروف ببلاد الشام، فالكاتب يأبى أن يعترف منذ اللحظة الأولى فى دراسته بتقسيمات الاتفاقية التى تمت بين البريطانى سايكس والفرنسى بيكو.. وحول الظروف التى آلت إليها سوريا أو بلاد الشام تتشابك الأحداث وتتواتر على الدولة العثمانية، تلك الإمبراطورية المترامية الأطراف التى ضمت تحت لوائها الإقليم السورى كولاية من ولاياتها، لكنه ظل محتفظا بكيانه الموحد.

الاضمحلال العثماني
وتضع الدراسة بإيجاز أربعة مراحل تعتبرها المراحل الأخيرة لسقوط وتشرذم الإمبراطورية العثمانية والقطر السورى بالتبعية .
المرحلة الأولى: تبدأ معالمها بالتقهقر العثمانى فى أوروبا بعد عملية تحرير النمسا والمجر بعد تحرير بلجراد النهائى فى عام 1917 حيث تبدل ميزان القوى بين الشرق الإسلامى والغرب الأوروبى المسيحى، وغدت المشكلة الشرقية تمثل عنصرا مهما وعاملا حيويا فى مسار التاريخ والصراع الأوروبى وفرض المنتصر الأوروبى شروطه على الدولة العثمانية، ومنها حماية الطوائف المسيحية والأماكن المقدسة فى بيت المقدس، أما المرحلة الثانية وتتسم بمزيد من الانحسار العثمانى والتوسع الروسى تجاه جنوب وشرق أوروبا ونحو أقاليم آسيا، لا سيما سواحل البحر الأسود.
والمرحلة الثالثة من الانحسار العثمانى فى الأقاليم الشرقية وفى البحر المتوسط ما بين عام 1970 و1840 فهى مرحلة الثورات والحروب النابليونية الكبرى وتحول الصراع الأوروبى العثمانى من محاوره القديمة إلى العاصمة نفسها الآستانة، وإلى مضيق الدردنيل ثم إلى الحوض الشرقى من البحر المتوسط إلى بلاد مصر والشام.
فيما جاءت المرحلة الرابعة والأخيرة بخصائص عديدة أبرزها أفول شخصية محمد على وخبو النهضة الشاملة والآمال الجسام التى بعثها.

خط حديد بغداد
وتطرح الدراسة ومضة تاريخية تعتبرها منعطفا جديدا أضاف لإقليم سوريا أهمية كبيرة خصوصا للقوتين الإمبرياليتين "فرنسا وإنجلترا" وهى ألمانيا، وبما كانت تشكله من خطر على هاتين القوتين القديمتين، فقد تداخلت المصالح الألمانية مع المصالح الفرنسية، ونجم عن ذلك تعاقد إمبريالى جديد يتسم بالأساس بالمصالح الاقتصادية، فألمانيا ترغب فى إنشاء خط حديد بغداد وهو الخط المزمع أن يربط بين ألمانيا من هامبورج وبرلين بالخليج عن طريق الآستانة وبغداد مارا بالنمسا، وعبر المناطق السورية الشمالية مع مركز انطلاق وتشعب اتصال فى حلب غربا إلى الإسكندرونة جنوبا إلى الموصل فبغداد فالبصرة فالكويت فالخليج، ونظرا لهذه المصالح تخلت فرنسا عن مساحات واسعة فى إقليم سوريا لتصبح تابعة للنفوذ الألمانى بصفة احتكارية مطلقة مانعة فى المستقبل أى سيادة أخرى وهو ماجعل بريطانيا بعد هذا الاتفاق قلقة دائما وتحفزة فى أى تفاوض يتم بينها وبين فرنسا حول اقتسام التركة العثمانية ومنطقة الهلال الخصيب أو سوريا.

المصالح البريطانية والألمانية فى سوريا
وقد برز هذا الصراع بين فرنسا وبريطانيا بشكل جديد فى العام 1912 و1913 لدرجة دفعت الرئيس الفرنسى لإجراء اتصالات دبلوماسية مكثفة مع وزير الخارجية البريطانى غراى، فيتفقان على نص تصريح رسمى يعلن اهتمام فرنسا الخاص والمطلق بمستقبل سوريا المصيرى، فضلا عن إنشاء لجنة خاصة فى إطار وزارة الخارجية الفرنسية سميت «بلجنة الشئون السورية».
وبدأت المبادرة من قبل الحكومة الفرنسية فذهب السفير الفرنسى بيكو إلى لندن ليتفق الجانبان الفرنسى والبريطانى على محو الذات والتسمية السورية بضم البلاد إلى كيان جديد تابع لنفوذ كل من بريطانيا وفرنسا، مع مراعاة بعض الجوانب من الطموحات العربية وهى الاستقلال المشروط، وظلت المباحثات التى تمت فى لندن تنفيذا لتعليمات وزارة الخارجية الفرنسية بالتشديد على مكانة سوريا الجيوإستراتيجية فى المشرق العربى ألا تستقطع بريطانيا لنفسها أى جزء منها، فبدأت المفاوضات بتعنت الجانب الفرنسى طمعا فى السيطرة الكاملة على الإقليم السورى استثناء الأماكن المقدسة فى فلسطين، فطالبت بأن تخضع بحكم أو نظام خاص مشفوع بضمانات دولية تحفظ حقوق الجماعات الدينية المسيحية والإسلامية واليهودية.

خلاف فرنسى بريطانى على تقسيم سوريا
وتظل المفاوضات بين بيكو الفرنسى وسايكس البريطانى مستمرة على هذا النحو، تحمل قدرا من التعنت الواضح والاختلاف فى الرؤية للمنطقة، فبريطانيا تتوخى مجالا عربيا واسعا فى نطاق الهلال الخصيب. بينما تركز فرنسا على ضرورة خلق سيادة عربية مستقلة ويتطرق "بيكو" إلى وصف مرامى حكومته فى إقامة دولة سوريا أسماها "سوريا الكبري" لتكون بمثابة البديل عما ستفقده فرنسا من مصالح وفوائد مادية معنوية ومادية بعد اضمحلال الدولة العثمانية، فيما تفصح بريطانيا معترفة بأهمية سوريا وتقول إنها تمثل الأمن والدفاع الجيوإستراتيجى للمشرق العربى فى مداه الواقعى الواسع الذى يشمل جميع الأقاليم العربية من العراق إلى السودان مرورا بالبلاد السورية والبلاد المصرية وشبه الجزيرة العربية، ويضيف الجانب البريطانى أيضا أن تلك هى المناطق البرية التى تحوط بها الممرات البحرية من البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربى شرقا وإلى البحر الأحمر غربا .

وتذهب بريطانيا إلى التحدث عن مخاوفها من التوسع الألمانى الذى يلاصق هذه الحدود بما يعد خطر حقيقى، خصوصا أن هناك تعاملا من الألمان مع القوى الإسلامية العربية، لذلك ترى بريطانيا أنه يجب أن يكون المجال السورى فى نواحيه العسكرية والسياسية جبهة أو خط دفاع أمثل للمجال والأمن المصرى الذى تحتله بريطانيا .

وكانت وجهة النظر هذه مبنية على خبرة المفاوض البريطانى "سايكس" النائب بالبرلمان البريطانى والخبير المخضرم فى الشئون العربية إذ أنه تجول فى المشرق العربى لمدة تقترب من العشرين عاما. وأرغمت بريطانيا خلال مباحثاتها بفضل مهارة وخبرة سايكس على القبول بمبدأ التسوية والمساومة وهو طريق جديد فى المباحثات تتخلى بمقتضاه فرنسا عن رؤيتها الأصلية لحل المعضلة أو القضية السورية وتنقاد فى استسلام مذهل إلى الرؤية الإمبريالية البريطانية، لتصبح سوريا مشكلة فرعية أو جزئية فى إطار القضية العربية العامة.
مناطق الخلاف
لعل أبرز ما اختلف عليه المفاوضان بيكو وسايكس كان يكمن فى خصوصية بعض المناطق ورغبة بريطانيا فى إيجاد منفذ بحرى لها على الساحل الشرقى للبحر المتوسط جنوب حيفا، وكذلك منفذ بحرى للدولة العربية المزمع إقامتها من خلال المفاوضات السرية مع شريف مكة الأمير "حسين"، ومفاوضات أخرى تجرى مع "عبد العزيز سعود" أمير نجد.

فمثلا فيما يتعلق بدولة لبنان كانت لها خصوصية نظرا لما يتمتع به جبل لبنان من نظام إدارى ذاتى وتطلعات أهله الدائمة للاستقلال والسيادة .
كما أن بيروت تمتاز بكونها مركزا ثقافيا حقيقيا لسوريا، حيث يتلقى نخبة العرب ثقافتهم فى المعاهد الفرنسية هناك ولذلك تمسكت بريطانيا بضرورة أن تبقى هذه المدينة تحت تصرف الدولة العربية والسيادة العربية فى الدولة المزمع إقامتها.
وتمسكت فرنسا بالمطالبة ببيروت لتخضع للسيادة الفرنسية لما تحتويه من مدارس ومؤسسات فرنسية كما ونوعا. بل ذهب التعنت الفرنسى خلال المفاوضات بالانحياز لضم بيروت وطرابلس وسهل البقاع كدولة واحدة مع جبال لبنان التى لديها نزعة انفصالية قديمة وتمسك فرنسا بضرورة توحيد الساحل السورى من الشمال حتى مدينة صور والذى سيؤل إلى السيادة الفرنسية، وظلت هذه المشكلة معلقة فترة طويلة من المباحثات التى استمرت ستة أشهر من منتصف 1915 وحتى 1916 .
فى المقابل أعطت بريطانيا تساهلا لفرنسا خلال المباحثات بأن يمتد نفوذ فرنسا حتى المنطقة النسطورية الواقعة شمال شرقى نهر دجلة وحتى حدود إيران لتكون فاصلا بينها وبين الحدود الروسية، وتمسكت بريطانيا بضرورة تدبير تصالحى بين الدولتين يضمن لبريطانيا كل ما من شأنه أن يمنح تدفق مياه دجلة والفرات إلى جنوبى البلاد .
كما تمسكت بريطانيا بنظام تجارى خاص لصالح بريطانيا فى الإسكندرون، وإنشاء خط حديدى يبنى بعد الاتفاق بين الدولتين، فيؤمن المواصلات بين بغداد والبحر الأبيض المتوسط.
كما كانت فلسطين محل خلاف، فالأراضى المقدسة والأماكن الدينية يريدون أن تخضع لنظام وإشراف دولى وأن تنقسم فلسطين إلى ثلاث مناطق الأولى لصالح فرنسا فى شمال فلسطين، أما القدس فتتبع نظاما دوليا والمنطقة الثالثة جنوب فلسطين، وأن تتبع بريطانيا لاتصالها بمصر، وأخيرا انتهت المفاوضات وعقد الاتفاق النهائى فى 5 من شباط/ فبراير 1916، فقد توضحت خلالها القواعد الأساسية والطموحات والأطماع من حيث اسبابها ومدى اتساعها وصيغت المفاوضات فى إحدى عشر بندا، تلاها بعد هذه الاتفاقات الأولية مفاوضات مع الجانب الروسى لتعقد اتفاقات أخرى ثنائية روسية - فرنسية - بريطانية، انتهت إلى قبول روسيا التخلى الكامل عن المنطقة الواقعة جنوبى خط أو حدود تمتد من أماديا وديار بكر وصوص ومرعش بينما تتمسك روسيا بضم مضيق بتلز ومنطقة بحيرة أرميا وتقترح بالمقابل التخلى عن أرمينيا الصغرى أما فيما يتعلق بفلسطين، فقبلت روسيا بأى مشروع يضمن المؤسسات الأرثوذكسية، كما أقرت روسيا أنها لن تبدى أى اعتراض مبدئى على دخول مستوطنين يهود وإقامتهم فى فلسطين وضمت روسيا منطقة الكردستان .

شريف مكة وخداع بريطانيا الماكرة
خلال فترة المفاوضات كان الشريف حسين أمير مكة والحجاز يعقد آمالا على ميراث الإرث العثمانى المترهل والمتردى، وأن يقيم دولة عربية بديلة كبرى يكون مقرها مكة والحجاز وتمتد للأقطار العربية، فكان يراسل المفوض السامى البريطانى فى مصر "مكماهون" حول مصير الساحل السورى لا سيما بيروت وجبال لبنان متنازلا عن السيادة العربية المطلقة، فى الوقت الذى قامت فيه بريطانيا الماكرة بتوقيع معاهدة مع مناوئه العربى عبد العزيز سعود أمير نجد، ويقول الباحث فى تحليله لهذه الرسائل "إنه عند إدراجها فى السياق التاريخى الواقع من أحداث سياسية وعسكرية ومباحثات دولية فإنها تبدو ساذجة جدا وخالية من صفاء النية ومن الالتزام، وإذا كان الخداع والمكر سمة من سمات البريطانيين، فإن التجاهل والتعامى كانا سمتين من سمات الشريف حسين الذى اكتفى بالوعود الغامضة دون العقود المعتبرة على غير النحو الذى سار عليه مناوئه أمير نجد الوهابى عبد العزيز سعود، الذى أصر فى الظروف الراهنة ذاتها على إثبات وتوطيد اسس تعامله مع ممثلى الحكومة البريطانية بشكل تعاقدى اتسم بصراحة النقاش وبوضوح الرؤية وبجزم الإرادة، وبذلك ضاعت تطلعات رواد الحركة الوطنية القومية العربية وعطل الشريف حسين سير أحد تيارات التاريخ الجامحة باستخفافه فى التعامل الرصين والمسئول لأن التعامل مع الدول له سنن وله نهج آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.