هبة عادل على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء.. أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء.. باحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب.. وباحبها وهى مرمية جريحة حرب.. باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء.. وأكرهها وألعن أبوها بعشق زى الداء.. وأسيبها وأطفش فى درب وتبقى هى الدرب.. وتلتفت تلاقينى جنبها فى الكرب.. والنبض ينفض عروقى بألف نغمة وضرب.
هكذا عبرت كلمات الراحل صلاح جاهين عن حال كل من أعطوا لمصر وأخلصوا فى حبها.. بدون انتظار لمقابل أو ثمن لما قدموه وهذه حال الغائبين عن المشهد دائما بعد أى عطاء، وبعد كل الجهد الذى بذل فى أكاديمية جراحة القلب والصدر بالعباسية، التى أصبحت الآن هى المركز الأول فى الشرق الأوسط لجراحات القلب.. وهذا الصرح العملاق الآن هو الذى يمنح القلوب حياة ويشفى بدون مقابل ويعطى الأمل فى حياة بدون ألم.. حيث تجرى سنوياً نحو 3000 عملية جراحية فى جراحات القلب والصدر وعدد ليس قليلا من جراحات النادرة.. وهذا تحقق بفضل من نزعت أسماؤهم هما الدكتور إسماعيل سلام والسيدة هدى طلعت حرب.
وعن البداية يقول د. إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق:«أثناء وجودى وزيرا للصحة المصرية عام 1994 تقدمت بفكرة إنشاء أكاديمية جراحة القلب والصدر، لتصبح لدى مصر منارة ومنظومة علمية متكاملة لمواكبة التقدم العملى والبحث العلمى والتدريب على مستوى العالم والدول العربية المختلفة والإفريقية فى جراحات القلب سواء العادية أم النادرة، حيث كانت هناك صعوبات كثيرة تواجه الأطباء من الدول النامية لأن الدول النامية وضعت حواجز فى تدريب كوادر جراحة القلب فى أمريكا». وتابع: قمت بتقديم المشروع إلى وزير التعليم فى ذلك الوقت الدكتور حسين كامل بهاء الدين الذى أقر اللائحة الأولى لهذا الكيان.. ومن هنا جاء مصر الإستراتيجى فى الريادة لتفتح الأفق فى مجال التدريب وإعداد الطبيب والأستاذ.. ومن خلال معرفتى فى ذاك الوقت بالسيدة هدى طلعت عرضت عليها فكرة المشروع ورحبت كثيراً بالفكرة وآمنت بها، وكانت النواة الأولى هى منحها لنا مبلغ 12 مليون جنيه، فقامت بكتابة عدد 12 شيكا باسم حامله لإقامة تلك الأكاديمية، وبالفعل ذهبت معى لتطلب رئيس بنك مصر فى ذلك الوقت السيد محمد حافظ ليوافق على صرف الشيكات، لأنه كان مبلغا كبيرا فى ذلك الوقت ولكن بإيمان منه بالمشروع قرر الموافقة على الصرف.. وقمنا ببناء الهيكل الخرسانى للأكاديمية، وعندما جاءت أول مرة لمشاهدته ورؤيته بكت وقالت «إن هذا ابنى الذى لم أنجبة» وفرحت عندما علمت أن اسمها واسم زوجها الراحل محمد رشدى رئيس بنك مصر فى عام 1963 سوف يتم وضعهما.. وأوصت بأن تدفع لنا أموالا أخرى لكن القدر حال دون ذلك ورحلت فى 2 نوفمبر 1996. وبالفعل تم وضع اسمها واسمى منذ تأسيس هذا الكيان الضخم.. لكن للأسف الشديد نحن فى مصر نقوم بإلغاء دور أى مسئول سابق قام بأى دور إيجابى، ولكن الحقيقة لاتزال قائمة ولا أحد يستطيع إخفاءها.. فأثناء ذهابى لرؤية مسار العمل بعد أن توقف لسنوات بعد أن قرر أحمد زكى بدر رئيس جامعة عين شمس آنذاك إلغاء قرار الأكاديمية وظلت متوقفة عشر سنوات، ثم قام المهندس محمد إبراهيم سليمان بإزالة اللوحة التذكارية التى عليها أسماؤنا ثم جاء رئيس الجامعة الدكتور حسين عيسى الذى اهتم بفكرة تحقيقها مرة أخرى وبدأ العمل فى عام 2008 وهو من دفع عجلة العمل وتركيز كل الجهود الهندسية لإنشائه، وبالفعل تم الانتهاء منه بعد أربع سنوات من العمل والجهد وافتتح فى سبتمبر 2013 وأصبح الآن المركز الأول فى جراحات القلب على مستوى الشرق الأوسط فى إعداد جراحين على مستوى أكاديمى يقومون بالعمل الآن فى الدول العربية وإفريقيا. كما تقوم الأكاديمية الآن بتدريب أطباء من دول وأوروبية وعربية، فهى الآن بها أكبر قسم لجراحة القلب فى الشرق الأوسط.. فهذا التطور نجمع ثماره أخيرا، والذى يهمنا الآن هو أن تستمر المسيرة وأن يحميها القانون تحت إطار قرار جمهورى، فالأكاديمية تحتاج إلى رعاية خاصة، حيث توجد أياد كثيرة تريد أن توقف هذا المكان مرة أخرى وتحيك المؤامرات ضده. وأشعر الآن بأن الإرث الحقيقى الذى تركته هو هؤلاء الجراحين فى جامعة عين شمس الذين يقومون بالعمل سواء مدربين أم جراحين.. وهؤلاء من يملكون الفكر الحقيقى لاستمرار الأكاديمية ودورها وما نطلبة هو حمايتها ليستطيع القيام بدوره الإستراتيجى الذى رسم له منذ البداية. ويقول د. أحمد الكرادنى رئيس قسم جراحة القلب بجامعة عين شمس: إن جميع العمليات الجراحية كانت تجرى فى مركز جراحة القلب بجامعة عين شمس، حيث كنا نقوم تقريباً بعدد 1800 عملية، وكان هذا القسم فى عام 1994 يعد القسم الأول فى الشرق الأوسط، ولكن مع كثرة الكثافة السكانية نتج عدد أكبر من الأطفال الذين يولدون بعيوب خلقية.. تم الآن تحويل ونقل جميع غرف العمليات وإلغاء قسم جراحة القلب بجامعة عين شمس إلى الأكاديمية، ويتم سنوياً إجراء أكثر من 3000 عملية وأصبح أكبر مركز فى الشرق الأوسط.. فنحن لا نقوم فقط بإجراء عمليات جراحة القلب وجراحات الصدر (جراحات الرئة) والقصبة الهوائية، وهى ذات التدخل المحدود.. كما لدينا غرفة رعاية مركزة لمرضى الشرايين التاجية بها نحو 15 سريرا.. وأربع غرف رعاية مركزة للأطفال وحديثى الولادة بها أيضاً 15 سريراً ورعاية مركزة لجراحة الصدر بها 5 أسرة.. ورعاية لمرضى القلب بها 10 أسرة.. وعدد 5 غرف عمليات واحدة أطفال وواحدة صدر وثلاث قلب كبار. وأوضح ل«الأهرام العربى»: نحن الآن أول مستشفى جامعى فى مصر يجرى فيه تركيب للصمام الأورطى وعمل القسطرة التداخلية بواسطة أحدث جهاز «منظار جراحى» وهو عبارة عن مجموعة مناظير تسمى (التدخل المحدود لجراحة الصدر) وثمنه (مليون ونصف المليون جنيه) كما من خلاله وحدة كاميرا ومصدر ضوئى قوى جداً تشاهد بواسطته فيديو من خلاله تجويف الصدر.. وهذا العمل مشترك ما بين قسم جراحة القلب وقسم التخدير، وتتكلف العملية حوالى 300 ألف جنيه.. كانت تجرى فقط فى معهد القلب القومى ومستشفيات القوات المسلحة والمستشفيات الخاصة وأجرينا نحو 6 حالات تقريباً. وأضاف: نحن نعانى من عدد كبير على قائمة الانتظار يصل إلى 2500 حالة.. حيث لا يوجد مركز آخر يقوم بإجراء الحالات الصعبة للأطفال فى مصر.. فيتم تحويل جميع حالات التأمين الصحى وحالات الكبار التى يحولها أيضاً «القومسيون الطبى» وهذه جميعها لا تتحمل أى شىء، ويتم علاجهم على نفقة الدولة، ولا يدفع سوى مبلغ 8000 جنيه فى حالات الكبار فقط.. ونقوم سنويا بإجراء نحو 600 عملية سنوياً للأطفال. وإجراء عمليات العيوب الخلقية للأطفال منذ الأسبوع الأول من الولادة.. حيث يوجد بمصر نحو 25000 ألف طفل يعانون من مشاكل خلقية ناتجة عن زواج الأقارب، فهذه النسبة هى أكثر من أى نسبة بالعالم.. فجميع العمليات لهذه الحالات تكون مكلفة جداً فنجد منها من يستدعى استمراره على جهاز التنفس الصناعى لمدة أسبوعين أو شهر.. كما نقوم بإجراء عمليات زرع رئة بالكامل، ويتم عمل وصلات لشرايين القلب لبعض الجهات المختلف من الجهتين اليمنى أو اليسى للرئة، لأن الدم فى هذه الحالة يكون لا يصل لأى جهة من الرئتين. كما نقوم بإجراء جراحات انعكاس الشرايين ويتم تغيير وعكس مسار الدم من الأوردة ليذهب إلى البطين الأيسر.. لذلك نحن لدينا قائمة انتظار نتيجة تلك الحالات الصعبة التى تتماثل للشفاء بعد فترة، ولذلك لا يتوافر أى سرير لدخول حالات أخرى. وللأكاديمية دور آخر يشرحه الدكتور أحمد الكردانى وهو إجراء عمليات نادرة فنحن من نقوم بها فقط فى مصر.. ومن هذه الحالات النادرة التى أتت إلينا أخيرا.. هى حالة مريضة تدعى «سامية» من محافظة البحيرة، كانت قد تعرضت لحادث أدى إلى قطع بالقصبة الهوائية وتم تركيب دعامة للوصل بين الجزءين، ولكن تم فى هذه الفترة وضعها على جهاز تنفس صناعى لمدة شهرين أدى ذلك إلى حدوث اختناق شديد بالجزء الذى وضعت به الدعامة، وبالفعل وصلت الحالة يوم الأربعاء إلى الأكاديمية وعلى الفور تم إجراء الجراحة بمنتهى السرعة لأن من الممكن أن تؤدى إلى وفاتها فى الحال وقام بإجراء هذه الجراحة النادرة والصعبة جراح الصدر الدكتور أحمد مصطفى مع طبيب التخدير المتميز محمد الشوربجى، لأن هذا النوع من الجراحات يحتاج إلى نوع خاص من التخدير. وقال: نستقبل سنوياً نحو 400 حالة ابتلاع أجسام غريبة سنويا من (البلى والعملات المعدنية والدبابيس) فهذه الأشياء تكون مصدر خطر كبيرا على الأطفال ويتم إنقاذهم. ومتوفر لدينا أحدث أجهزة التنفس الصناعى فلدينا أكثر من عشرة أجهزة ويقوم التعامل معه من خلال مضخة إلكترونية لا تتحكم بها أياد بشرية. وهناك جهاز مضخات مساعدة للقلب يصل ثمنه إلى 300 ألف جنيه.. وهناك غرف للعزل تماماً للمريض. وحالات تركيب تعانى من الصغر من الحمى الروماتزمية، فنحن فى مصر البلد الوحيد على مستوى العالم الذى يعانى من هذا المرض ويتم تركيب ما يسمى بالصمام الميترالى.. وجميع هذه العمليات يتم صدور قرار لها بالعلاج على نفقة الدولة.. كما تأتى لنا حالات محولة من القوميسيون الطبى تتحملها التبرعات مثل جمعيات مصر الخير أو رسالة. فهذا المبنى يحتوى على عدد 80 غرفة والغرف جميعها مكيفة، ويتوافر أوكسجين وتحتوى غرف الأطفال على ثلاثة أسرة وغرف الكبار بها اثنان من المرضى فقط.. فالطبيب بالأكاديمية لايتقاضى أى مقابل عن إجراء العمليات فهناك مبلغ رمزى نهاية كل عام عبارة عن مكافأة تصل إلى 4000 جنيه. ولا يتم رفض أى حالة تأتى إلينا فى الأكاديمية ونجرى جميع الحالات الصعبة والتى تحول لنا من التأمين الصحى.. ولا نرفض أى حالة غير الحالات المحتمل موتها حيث تتراوح نسبة نجاح العمليات ما بين من 80 إلى 90 ٪ . والآن نحن نشرع فى تجهيز الدورين الرابع والخامس من الأكاديمية ليتم بهما إجراء عدد أكبر من العمليات. وأخيرا تبرعت لنا مؤسسة زايد للعطاء بعدد 50 صماما وأيضا جمعية القلب الإمارتية بعدد 30 صماما.. وهناك مشروع يحدث لأول مرة فى مصر وهو وحدة (قسطرة متنقلة) ينتقل للمرضى فى جميع المناطق البعيدة والنائية، والمشكلة حاليا فى دخولها من الجمارك. كما يقول د. أحمد حسونة أستاذ جراحة القلب والأوعية الدموية عن إقامة أول مؤتمر لأكاديمية جراحة القلب والصدر الذى أقيم فى 28 إبريل 2016: إن المؤتمر تناول أول فكرة إنشاء «سجل قومى» لجراحة القلب والصدر للصغار والكبار، كذلك الأسس الاقتصادية فى جراحة القلب ورعاية المرضى الفقراء.. من خلال تسجيل كامل لعدد العمليات التى أجريت على مستوى الجمهورية، وهذا من خلال اتفاق مع جميع رؤساء الأقسام بالجامعات المصرية ليتم التسجيل على مدار العام ونصف العام الماضيين. وذلك فضلاً عن التواصل لبعض دول العالم الأوروبى والعربى والشرق أوسطى فى مجال جراحات القلب والصدر من خلال نقل التجارب والخبرات فى هذا المجال الحيوى والمهم. حيث نجحنا حالياً فى أن نصبح المكان الوحيد على مستوى جميع الجامعات المصرية، الذى يقوم بتسجيل جميع المعلومات والبيانات للمرضى فى سجل طبى إلكترونى لسهولة وتوفير الجهد فى البحث.. كما تم عرض لأهم الأبحاث الطبية لعلاج المرضى التى أجريت فى الفترات السابقة. فنحن بلد فقير، لذلك فالمريض الذى يأتى إلينا ليست لديه نفقات مادية ومن هنا تأتى أهمية الأسس الاقتصادية فى جراحة القلب والتى من خلالها تستطيع الأكاديمية خدمة الفقير وأى شخص. ومن أهم الأسئلة التى تم طرحها: هو أن هناك جهات تقوم بجمع مبالغ تصل إلى 300 مليون جنيه تبرعات ولا تنفق أو تعالج مثل عدد الحالات التى نقوم بها، فنحن ننفق على مدار العام 30 مليون جنيه فقط، وقد نجحنا فى إجراء أكثر من 3000 عملية.. وبذلنا مجهوداً ضخماً لكى يأتى المؤتمر فى هذا التوقيت الذى تعانى فيه مصر من سوء الأحوال، وحضر المؤتمر علماء من دول أمريكا وكندا.. وعلى هامش المؤتمر أيضاً كانت هناك محاضرة مهمة عن (أسرار الفراعنة) ألقاها الدكتور زاهى حواس وزير الآثار الأسبق.