نائب يعلن رفض مشروع قانون الانتخابات بما فيه النظام الانتخابي    وزير الشئون النيابية: راعينا في قانون تقسيم الدوائر الحرية الشخصية في اختيار الدائرة    مدبولي يشارك بفعاليات الاحتفال بمرور 123 عامًا على إطلاق خدمة الإسعاف في مصر.. صور    وزير الإسكان: غدا.. بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات "سكن مصر" بمدينة القاهرة الجديدة    مدبولي يوجه بسرعة الانتهاء من رفع الكفاءة وتحسين مستوى خدمات محطة تنقية مياه الشيخ زايد    وليد الحناوي: العلمين الجديدة نموذج للنهضة السياحية السريعة    المشاط: الاستراتيجية الجديدة للبنك الإسلامي للتنمية تُمثل خارطة طريق للعمل التنموي    لتطوير البنية التحتية..الانتهاء من رصف عدة طرق بالواحات البحرية بتكلفة 11.5 مليون جنيه    بعثة اتحاد الصناعات تبحث التعاون مع هيئة ميناء أبيدجان لإنشاء توسعات جديدة    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال بزعم طعن جندي إسرائيلي    الرئيس جوزيف عون يدعو اللبنانيين إلى التصويت بكثافة في الانتخابات البلدية بالجنوب    الشرطة الألمانية: تدخل شجاع من اثنين من المارة أوقف هجوم الطعن في هامبورج    رسميا.. محمد صلاح لاعب العام في البريميرليج    الكاس يصل قطر لحضور قرعة كأس العالم للناشئين تحت 17 عاما    بسبب بوتاجاز .. السيطرة على حريق داخل فيلا بالتجمع الخامس    مفاجأة يكشفها تقرير الطب الشرعي في واقعة الاعتداء على طفل شبرا الخيمة    أمن المنافذ يضبط 45 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    وصول وفود الحجاج المصريين إلى مكة المكرمة وسط تسهيلات لتنفيذ مناسك الحج    القبض على لصوص سرقة متعلقات المواطنين والدراجات النارية بالقاهرة    تامر حسني يستعد لعرض فيلم «ريستارت» غدًا بأحد المولات في السادس من أكتوبر (تفاصيل)    إسماعيل ياسين.. سيرة فنية عبرت كل الأجيال    التأمين الصحي الشامل يطلق حملة «تأمين شامل.. لجيل آمن» بأسوان استعدادا لبدء تطبيق المنظومة في 1 يوليو    رئيس الوزراء يفتتح المقر الرئيسي الجديد لهيئة الإسعاف المصرية.. ماذا يقدم من خدمات؟    رئيس جامعة سوهاج: اعتماد 250 مليون جنيه من وزارتي التخطيط والمالية لتجهيز مستشفى شفا الأطفال    «فركش».. دنيا سمير غانم تنتهي من تصوير «روكي الغلابة»    63 ألف طالب بالصفين الأول والثاني الثانوي يؤدون امتحانات الرياضيات واللغة الأجنبية الأولى بالمنيا    معلق مباراة بيراميدز وصن داونز في دوري أبطال إفريقيا    بعد توليها منصبها في الأمم المتحدة.. ياسمين فؤاد توجه الشكر للرئيس السيسي    طاقم تحكيم مباراة البنك الأهلي والمصري في الجولة الثامنة للدوري    موجة شديدة الحرارة.. تحذيرات من الطقس خلال ال 72 ساعة المقبلة    13 لاعبة ولاعبًا مصريًا يحققون الفوز ويتأهلون للربع النهائي من بطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    لحظة أيقونية لمؤمن واحتفالات جنونية.. لقطات من تتويج بالأهلي ببطولة أفريقيا لليد (صور وفيديو)    مستقبل وريثة عرش بلجيكا في خطر.. بسبب أزمة جامعة هارفارد وترامب    منى زكي تعود بشعر «كاريه» يثير إعجاب الجمهور    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    احتفاء بتاريخ عريق.. رئيس الوزراء في جولة بين عربات الإسعاف القديمة    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتسيطر على بلدتين    المتحدث العسكري: الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن بعد انتهاء زيارته الرسمية لدولة فرنسا    5 روتينات صباحية لصحة الغدة الدرقية بشكل طبيعي    محافظ أسيوط يزور جامعة بدر ويتفقد قافلة طبية مجانية ومعرضًا فنيًا لطلاب الفنون التطبيقية    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    مكافأة وعتاب.. محمد رمضان يمنح طالب 50 ألف جنيه ويوجه له رسالة مؤثرة    تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز بذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    10 شهداء في قصف الاحتلال مدينتي جنوب قطاع غزة    لماذا يصل تأثير زلزال كريت إلى سكان مصر؟.. خبير فلكي يجيب    خلاف على «انستجرام» بين مراهقات يتحول إلى عنف خارج أسوار المدرسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء في فيلم الشيطان شاطر    البابا تواضروس يترأس القداس من كنيسة العذراء بمناسبة يوبيلها الذهبى    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 6 متهمين فى واقعة انفجار خط غاز الواحات    اليوم.. محاكمة متهمين ب«داعش العمرانية»    عيد الأضحى 2025.. أسعار الخراف والماعز في أسواق الشرقية    نبيلة مكرم عن أزمة ابنها: قررت اتشعبط في ربنا.. وابتلاء رامي كشف لي أنا جيت الدنيا ليه    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    القيعي: الأهلي لم يحضر فقط في القمة.. وقرارات المسابقة «توصيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعتذار امرأة فدائية
نشر في الأهرام العربي يوم 26 - 03 - 2016


إيمان عمر الفاروق
سلسلة طويلة من الذكريات تنساب كخيط دماء رفيع كالذى نزلت قطراته من بين شفتيك لحظة استشهادك، كحبل مشنقة يلتف حول عنقى المنكسر من حشرجة الآهات. ذكرياتى معه منذ أن كان حملى إلى أن أصبح حلمى الحزين بأحشاء أيامى ومنذ أن كان جنين إلى أن غدا طيف حنين. تساقطت الذكريات بكثافة كرذاذ الأمطار من غيمة الماضى على زجاج سيارتى فأعاقت رؤيتى وأنا فى طريقى لحضور حفل تكريم لأمهات الشهداء بإحدى الجمعيات النسائية المشهورة بمناسبة "عيد الأم". عندما تلقيت الدعوة تسمرت أحداقى طويلا أمام كلمة حفل، خدشت مسامعى، أحسست بها مالحة فى فمى فلفظها لسانى. فكلمة حفل تحمل بين طيات حروفها ألوان قوس قزح، ضجيج البهجة ورنين الفرح. وأنا يكسونى شعور بأنه ليس حفل تكريم بل تأبين لأمومتى التى تم بتر جزء منها حين فقدت من منحنى شرعيتها. إنهم يقولون عنى إننى بطلة وامرأة فدائية، لكننى لست بطلة، فالبطولة المطلقة لك ولزملائك التى فاجأتنى وأبهرتنى بها وجاءتنى كالبرهان الحى من دماء ساخنة لامعة ببريق الوطنية، تُكذب ادعاءاتى واتهاماتى لجيله بالتفاهه وأنه الجيل الضائع، فاكتشفنا أننا نحن من سجنا عمرنا فى زنزانة الجمود . صعقنى خبر استشهادك، انفجر كعبوة ناسفة أحدثت تفريغا لهواء حياتى بشكل عنيف ومفاجئ فلم أعد أتنفس .
أنا لست بطلة ولا فدائية، بل على النقيض من ذلك تماما، فى لحظات ثقيلة أشير إلى نفسى بأصابع الاتهام، أجل لقد أهملت وتراخيت كان يجب أن أمنعه بالقوة، لماذا لم أوصد الباب وأمارس سلطتى عليه كأم، فهل أنا الجانى أم الضحية. ليست تلك المرة الأولى لسجل إهمالى بل هى الأخيرة فى صحيفة سوابقى كأم منذ نعومة أظافره فكم من مرة عنفته، عاقبته هو صغير ليتنى كنت أكثر تسامحا معه وتدليلا له، سيف الندم يخترق حلقى يشطرنى . لم أغلق حسابك الشخصى على "الفيس بوك " أتواصل مع أصدقائك نيابة عنك، أكتب بعض الكومنتات التى تحمل بصمة أفكارك. يا لها من خواطر غريبة تجعلنى نصف مجرمة ونصف مجنونة، دفعتى لحضور جلسات "العلاج الجماعي" لعل المشاركة الوجدانية تخفف بعضا من شطحات شجنى، تناولت جرعات غير عادية من عقاقير الصبر والأمل لكنها لم تُجد نفعا. أهرع إلى المصحف، أعتصم بآياته أتمتم بينى وبين نفسى قائلة، كما أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون فكذلك حزن أمهاتهم عليهم وحزن كل أم فقدت نبض حياتها سيظل حيا بكرا لن يجف فليحاول كل منا أن يرويه.
شطبت يوم "عيد الأم" من أجندتى، أعتزل العالم كلما مرت تلك المناسبة أتحاشى الخروج خشية أن تنفجر شلالات الدمع والحزن والحنين والحسرة عندما تخترق مسامعى كلمات "سيد الحبايب يا ضنايا إنت " أو "ماما يا حلوة يا أجمل غنوة " كانت تلك الأغنيات تنكأ جراحى منذ أن فقدت والدتى واليوم صارت نغماتها كوخز الإبر فى أوتار أعصابى .يناير 2011 رسم تقويما جديدا، تعدادا حزينا فقبل هذا الخط الطولى والعرضى بخارطتنا كان لقب " أمهات الشهداء "يرتبط أوتوماتيكيا وحصريا بأمهات أبطال حروبنا بانتصاراتها وانكسارتها، وفى مخيلة البعض كان يمتد عبر حدودنا الشرقية ليتجسد فى سيدات الكوفية الفلسطينية بالتحديد . أما اليوم فقد صرنا من كل لون وطيف، حى وكهف، صرنا ننافس حصى رمال سيناء . نبدو فى رباطة جأش الجبال أحيانا ربما لأننا نشعر بمشاركة المجتمع لحزننا وإن كان يظل فى نهاية اليوم شخصيا. على الأرجح نحن نستمد الثبات الانفعالى من الوعد السماوى الربانى بالجنة للشهداء .
لم أعبأ بالبحث عن إحصائيات رسمية لأعداد أمهات الشهداء ، فأيا كان الرقم هائلا فإنه سيتضاءل كحبات اللؤلؤ أمام حزنهن الشامخ كالجبال، وأيا كان الرقم مفجعا صادما فإنه سيتوارى أمام مسحة الذهول التى لم تبرح أحداقهن، هذا فضلا عن أن الأرقام بجفائها تصيب القضايا العاطفية بالتصحر وتحولها إلى ظاهرة كمية تُنسى العالم أنه يتعامل مع كتلة أعصاب وليس رسما بيانيا.
تبلل دموعى صفحات " ثلاثية " نجيب محفوظ وأتوحد مع شخصية أمينة والسيد أحمد عبد الجواد لحظة سماع خبر استشهاد نجلهما فهمى فى غمار ثورة 1919، أغبطهما وتحدثنى نفسى قائلة ليت نهايتك كانت فى مثل هذا العصر وتلك الأحياء، حيث لم يكن للوطنية سوى زى أوحد قان من الدماء، ولم تكن للدماء أيديولوجيا !
أدرت سيارتى للخلف، شأن حال ثورتنا، عذرا فلن أحضر الحفل . لقد ماتت المعاجم وأضحت عقيمة بموتك . لن أذهب لأن ما يجرى هناك ما هو سوى محاولة للتنفس الاصطناعى وكتم الجراح بحفنة من البن.
سأبقى هنا فى الموضع الذى شهد آخر لحظة بحياتك هنا رحيقك وعطرك وتكريمى وتتويجى وتطيبي. بالميدان أجلس فوق البقعة التى ضمتك بين أرصفتها ألثم الإسفلت الذى يحمل أنفاسك الطيبات حين توسده جبينك، هنا فقط أشعر أننى فدائية قضيتى حية ساخنة كلزوجة دمائك الطاهرة، لن أبرح ساحة قضيتى، فأنا أشد التصاقا بالميدان من بنيته الأساسية ولن أتنحى لاستشعار الحرج أو الهرج .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.