نجوى العشرى شَهدتْ الحركة الثقافية فى مملكة البحرين تطورًا هائلاً خلال العقود التى أعقبت الاستقلال، لاسيما ما شهدته الفنون التشكيلية، لكن هذا التطور لم يكن وليد ليلة وضحاها، وإنما امتد عبر قرون عدة، تعاقبت خلالها الحضارات. فقديماً كانت مدينة "دلمون" تمثل مركزا تجاريا مهماً منذ 5000 سنة فى الطريق المؤدى إلى حضارة السند فى الشرق، وسومر فى الغرب، وقد كشفت الآثار الموجودة فى المعابد والمساكن والقبور والأختام وما تتضمنه من نقوش، وهى متأثرة نوعًا ما بتلك التى كانت موجودة فى الهند والعراق. آثار دلمون
وعندما جاءت حضارة "تايلوس" وهو الإسم الإغريقى للبحرين كانت البحرين فى الفترة المسيحية، ومن الآثار التى عثر عليها فى منطقة الدير بالمحرق بعض التماثيل والمنحوتات، التى تمثل المسيح والسيدة العذراء عليهما السلام، وبعض قصص الإنجيل على غرار الأسلوب البيزنطى، وهو الأسلوب نفسه المنتشر فى الجزيرة العربية والشام.وعندما جاء الإسلام بحضارته القائمة على عقيدة التوحيد، تمثلت هذه الحضارة فى بناء المساجد وفن الخط العربى والزخارف الإسلامية، وأقدم هذه الفنون موجودة فى مسجد الخميس الذى بنى فى العهد الأموى. تماثيل من حضارة تايلوس
تماثيل من حضارة تايلوس
وحديثًا، ومع بدايات القرن العشرين تقريبًا ظهر نوع من الفن كان يمارسه الفنان الشعبى البحرينى، وهو الرسم على ألواح الخشب الملون بألوان زيتية. وقد امتاز هذا الفن الشعبى بتصوير حكايات البحر والمخاطر التى يتعرض لها الغواصون خلال مواسم صيد اللؤلؤ، وتم إنشاء أول مدرسة فى البحرين مع بداية التعليم النظامى فى عام 1919، وأدخلت مادة الرسم والأشغال اليدوية ضمن مناهجها الدراسية، ويمكن اعتبار تلك الفترة بداية دخول الفن التشكيلى بالمفهوم الحديث فى البحرين، وكان أول هذه المعارض ذلك الذى أقيم فى قصر القضيبية القديم عام 1948، وعرضت فيه أعمال فنية لبعض الطلبة والهواة وأساتذة التربية، تدور موضوعاتها حول التراث والبيئة البحرينية.وفى عام 1952 أقيم معرض فنى بمدرسة المنامة الثانوية، ثم تلاه معرض آخر فى نادى العروبة عام 1956 شارك فيه عدد من الفنانين التشكيليين فى البحرين، ثم توالت بعد ذلك إقامة المعارض الجماعية تحت اسم معارض الربيع. وكان أشهر الفنانين التشكيليين خلال حقبة الخمسينيات الفنان أحمد السنى والفنان يوسف قاسم والفنان عبد الكريم العريض. الفنان عبد الكريم العريض
وفى حقبة الستينيات كان الفنانون الشبان يجتمعون فى جاليرى عبد الكريم العريض، الذى كان يعج بالزوار والمواطنين الذين يحرصون على اقتناء الأعمال الفنية ذات الصلة بالبيئة والتى تحمل الأسلوب الواقعى التسجيلى، وقد كان الفنانون البحرينيون يؤمون إحدى القرى القريبة من المنامة أيام الجمع ليرسموا فيها، ومن الفنانين المشاركين فى تلك الجولات الفنية عبد الكريم البوسطة، وراشد سوار، وراشد العريفى، وأسامة عبد الصالح، وناصر اليوسف. وفى السبعينيات تأسست "جمعية الفن المعاصر" بمبادرة من الفنانين راشد العريفى وحسين السنى وعبد الكريم العريضى، ثم انضم إليهم الفنانون ناصر اليوسف، وإسحاق خنجى، وعبد الكريم البوسطة وأحمد نشابة وغيرهم، وكان أول معرض تقيمه الجمعية عام 1971.وعندما شهدت الحركة الفنية نهضة أشمل وأعمق وأكثر التزاما بالفن بمفهومه العالمى الحديث، وبسبب التنافس بين الفنانين من الرواد والجيل الثانى من الشبان تأسست جمعية أخرى هى: "جمعية البحرين للفنون التشكيلية" سنة 1983، وعملت على إنشاء عدة مشاريع من أجل إنعاش حركة الفنون التشكيلية ومن أهمها "مدرسة البحرين للفنون الجميلة" حيث تدرس مختلف فروع الفنون التشكيلية كالرسم والخط العربى والتصوير الفوتوغرافى والنحت.وبعض الفنانين لجأ إلى استخدام الحرف العربى فى التشكيل الفنى سعيًا وراء هوية عربية إسلامية وتوظيف الحرف توظيفًا دراميًا، كما عكس الفنانون بعض الاتجاهات العالمية فى التعبير عن الواقعية بمضامين فكرية متنوعة متمثلة فى المذاهب التجريدية والسريالية إلا أن ذلك الأٍسلوب لم يحقق انتشارا واسعا بسبب عدم فهم الجمهور له. الفنان راشد العريفى
وفى فترة الثمانينيات استمر الفن يمارس بالأسلوب القديم نفسه، مع التركيز على الواقعية التسجيلية وترداد موضوعات الصحراء والخيل والطبيعة الصامتة، كما فعل الفنان إبراهيم بوسعد فى معرضه عام 1988 "انتفاضة الحرف العربى" الذى يعكس تعاطف الفنان مع أطفال الانتفاضة ولاقى إعجاب الكثير من النقاد والأدباء".
وحدثت الطفرة فى الأساليب الفنية التقليدية ووضحت الخصوصية الفنية لمعظم الفنانين فى المعرض الذى أقيم عام 1991، حيث تفجرت مواهب معظم الفنانين المشاركين.وكانت وزارة العمل والشئون الاجتماعية عندما أقامت المعارض ومع إنشاء المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، برزت جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية التى كان للفنانين التشكيليين نصيب منها.
الخروج على الأنماط التقليدية.. باللوحة المحدبة وفي زيارة خاطفة لدولة البحرين جاءت خصيصاً لمشاهدة أحدث معارض الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة الرئيس الفخري لجمعية البحرين للفنون التشكيلية بمتحف البحرين الوطني والذي يحمل عنوان (اللوحة المحدبة: منظور جديد) وفيه يقدم تجربة فنية رائدة يطورها ويجدد في أدواته ورؤيته بها، فاللوحة المحدبة هي فن ابتدعه الشيخ راشد وإن كان هو نفسه يرجع الفضل في ذلك إلى الصدفة.وفى نهاية المطاف كان هذا الحوار المثمر مع الفنان. فى بداية مسيرته الفنية عام 1980 تأثر الشيخ الفنان راشد بن خليفة آل خليفة – الرئيس الفخرى لجمعية البحرين للفنون التشكيلية – بالأعمال المحيطية لفنانى المدرسة الانطباعية لكنه اتجه فى محاولاته الأولى إلى المقارنة الجمالية بين بيئتين متباينتين تماماً: البيئة الصحراوية القاحلة، والريف الأوروبى الساحر. الفنان راشد بن خليفة وسط لوحاته
- كيف استقبل الجمهور والنقاد اللوحة المحدبة؟ الجمهور ينظر إليها كتجربة جديدة لهذا استحسنها، وكذلك النقاد لكننى أحب السماع لرأى الذين لهم ملاحظات حتى أتمكن من تطوير تجربتى التى بدأتها عام 1988 بلوحة ثلاثية الأضلاع، وبعد فترة وجدت أننى يجب أن أطور الفكرة، فالتجربة والصدفة ساعدتنى على الوصول إلى هذا الشكل لكن التطوير ضرورى.
- ما أهم المؤثرات على أعمالك الفنية؟ كان أول شئ تأثرت به هو المناخ الحار جداً فى البحرين، كما تأثرت بدرجات ألوان الأمواج الفيروزية، وتأثرت أيضاً بالمدارس العالمية كالمدرسة الانطباعية، وبالفنان الانجليزى جوزيف مالورد وليام ترنر الذى كانت لوحاته ضبابية وتأثرت أيضاً بعالم التصميم والعمارة الهندسية والتصوير الفوتوغرافى. وبصفة عامة فإننى أتابع المعارض العربية والأجنبية وما يكتب عنها.
-كيف تأثرت بالبيئة البحرينية؟ إنها الواقع الذى خرجت منه بصغر مساحتها وقلة المناظر التى نشاهدها فليس لدينا جبال أو أنهار، فالموضوعات محدودة ومتواضعة، لكن العين التى أراها بها هى إحساسى الذى يجعلنى أرى أشياء أكبر من التى أمامى.
-ماذا أضاف استخدامك لخامات مستحدثة إلى أعمالك؟ اعتبرها تجارب لأساليب وتقنيات فالخامات تستخدم لغاية معينة وأعمال محددة وهى عبارة عن أصباغ وزيوت تجعل لتقنياتى خصوصية شديدة.
-ما الجديد الذى تأمل أن تحققه خلال الفترة المقبلة؟ تكملة مشوار المعرض، فلا أريد أن أخيب أمل كل المتابعين فى البحرين وخارجها، وأتمنى أن أضيف أعمالاً أخرى تجد قبولاً لدى المشاهدين.. وأسعى حالياً لإقامة معرض "اللوحة المحدبة" فى الدول العربية والأجنبية.