محمد عبد الحميد - قبل أن تهلل مع المهللين فور علمك بنتيجة فرز أصوات الانتخابات الرئاسية توقف لحظة لتسأل نفسك.. ويفضل أن تسمع من حولك سؤالك الشائك.. من أين جاء هؤلاء المرشحين بكل تلك الأموال التى أنفقت على مدار مشوار المنافسة؟ قبل أن تبادر بالإجابة دعنى أطرح عليك سؤالا آخر ما الذى يضمن لنا أن الرئيس الجديد لن يكون مطالبا بسداد فاتورة انتخابه بمجاملة كل من سانده ودعمه سواء كانوا أفرادا أو جهات؟.. أيضا ما الذى يحول دون أن يشهره سيف الانتقام وتصفية الحسابات لخصومة ومن كانوا منافسيه؟ سؤال ينتشل إجابته من حقيقة أن ال 13 مرشحا الذين انقسم المصريون فى التصويت عليهم ليسوا بملائكة وأيضا ليسوا بشياطين وإنما هم بشر مثلنا.. ناهيك عن عدم وجود دستور جديد يضبط كل هذا وقبل هذا وذاك لم تخرج علينا اللجنة المشرفة على الانتخابات لو ببيان واحد لتطمئنا بأن كل المرشحين التزموا بمبلغ ال 10 ملايين جنيه كحد أقصى للإنفاق.. على الرغم من أن أى مواطن عادى بمقدوره أن يخمن أن حجم الإنفاق تجاوز ذلك بكثير ومادمنا انتقلنا من حالة التسبيح بحمد الحاكم والرضاء بما يقوم به من تصرفات بدعوة أنه ملهم وحكيم - عكس الماضي- فإن الوقت قد حان لأن نحاسب كل من شارك فى سباق الانتخابات.. الفائز قبل المهزوم.. لنكون على بينة بحقيقة ما أنفقه وما مصدر تلك الأموال. طرحت على د. صفوت العالم، رئيس لجنة الرصد وتقييم الأداء الإعلامى فى الانتخابات الرئاسية وهى لجنة شكلتها اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات الرئاسية سؤالا محددا ومختصرا: ما حجم الإنفاق وهل التزم المرشحون أم كانت هناك تجاوزات مالية؟ فأجاب باختصار أكثر دلالة: يصعب تقدير حجم الإنفاق فلا توجد مستندات أو أرقام تبرىء هذا وتدين ذاك! وأردف قائلا: تبين إجابة قاطعة تبرىء الذمم وتطمئن الناس يحتاج إلى لجان إقليمية لتقصى الحقائق لأن الأمر لا يقتصر على القاهرة وحدها وإنما على 28 محافظة وقد شهدت سباق الانتخابات بين ال 13 مرشحا أنواعا مختلفة من الدعاية مباشرة وغير مباشرة لكل مرشح تارة إعلانات صحف وفضائيات وإنترنت وأخرى لافتات شوارع ولوحات مضيئة وملصقات على الجدران ووسائل المواصلات العامة والخاصة.. ناهيك عن المؤتمرات الجماهيرية التى طاف من خلالها المرشحين أرجاء جمهورية مصر العربية من الإسكندرية لأسوان. ويضيف قائلا: نحن بحاجة ماسة إلى آليات تنظيمية تبحث وتدقق فيما أنفقة كل مرشح وجهات تمويله حتى لا تصيب الشائعات الرئيس الجديد.. بأن جهة ما تولت تمويل حملته الانتخابية وأن عليه سداد فواتير شتى لتلك الجهات أو لأشخاص بعينهم بعد أن يجلس على كرسى الرئاسة.. ويشير إلى أن سداد الفواتير لكل من جامل الرئيس فى حملته الانتخابية أو القيام بالانتقام والتنكيل بخصومه وكل من عارضه أو كان فى خندق المنافسين لهى أمور يصعب التكهن بها وإنما تعتمد على الاتزان النفسى للرئيس الجديد وحنكته وأنه بمجرد أن تنتهى الانتخابات وتعلن النتائج بات رئيسا لكل المصريين وعليه نسيان ما جرى وقت الانتخابات وفتح صفحة جديدة مع الجميع. وتتفق معه فى الرأى د. نسمة البطريق - أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة - وأضافت قائلة: الأمر جد خطير فنحن أمام تخمينات بشأن حقيقة ما أنفقه كل مرشح سواء من فاز أم خسر وهل كانت أموال حملته من جيبه الشخصى أم وفقا للتبرعات التى أجازها القانون أم لا.. لاسيما وأن الشواهد التى عايشناها عن كثب منذ فتح باب الترشيح وحتى إجراء الانتخابات تشير جميعها إلى أن هناك تجاوزات واضحة فى حجم الإنفاق من قبل بعض المرشحين ممن تناثرت حولهم شائعات حول تلقيهم أموالا من جهات ودول عربية وأجنبية تساندهم وتدعمهم فى حملاتهم الانتخابية، ولذا فإن ما شهدته الانتخابات الرئاسية يجب ألا يمر مرور الكرام وتقوم اللجنة المشرفة على الانتخابات بتقصى الحقيقة حول ما أنفقة كل مرشح لا سيما وأن هناك مرشحين بالفعل التزموا وسعوا بما يملكونه من أفكار لخدمة مصر إلى جذب أصوات الناخبين وتعويض قلة المال بالبرامج الجادة. وحول ما تردد طوال الحملات الانتخابية من مساندة قنوات فضائية لمرشحين ماديا وفسح المجال أمامهم للتعريف ببرامجهم الانتخابية فى البرامج المختلفة نظير مقابل مادى لاسيما فى المناظرات والحوارات المفتوحة مع الجمهور.. قال ألبرت شفيق - رئيس قناة on TV - لا أعتقد أن قنوات فضائية تغامر بفعل ذلك.. فالمشاهد ذكى ويستطيع إدراك البرنامج الإعلامى من الإعلانى وأردف قائلا: عن أنفسنا فى on TV نستطيع القول إننا كنا متوانيين جدا فى التعامل مع مرشحى الرئاسة كلا على حدا كما إننا لم ندفع جنيها واحدا لأى مرشح نظير استضافته فى أى من برامج القناة ويشمل ذلك أيضا المناظرة التى إذاعتها القناة مع دريم لعمرو موسى وأبو الفتوح.. قائلا: نحن لا ندفع مالا وإنما نعطى لكل مرشح فرصة للظهور وعرض برامجه هو يستفيد ونحن نستفيد من حجم المشاهدة التى تجذب الإعلانات. كلام خبراء الإعلام يعنى أن هناك تجاوزات بالفعل فى حجم الإنفاق ولكن لا توجد أوراق أو مستندات تثبت مدى صحة تلك التخمينات وأن الأمر أولا وأخيرا خاضع للضمائر وما بحوزة الأجهزة الأمنية من معلومات تبرىء أو تدين بعض المرشحين من شائعات تلقيهم لأموال من أفراد أو جهات ودول عربية وأجنبية، وهو ما يشير إليه المحامى والناشط الحقوقى نجاد البرعى بالقول: من خلال رصد الجمعيات العاملة فى مجال حقوق الإنسان ومراقبة الانتخابات ومتابعة تقريرها نستطيع الجزم بأن تجاوزات كبيرة حدثت فى حجم إنفاق غالبية المرشحين بعضهم تجاوز حاجز الخمسين مليون جنيه فى الإنفاق وهو ما يعد مخالفة صريحة للعملية الانتخابية وبغض النظر عن نتيجة ما ستسفر عنه نتائج فرز الأصوات، فإن الملايين التى أنفقت يجب أن تجرى عملية تقصى لمعرفة مصدرها وهو ما سنسعى كجهات عاملة فى حقوق الإنسان إلى بحثه بشكل مستفيض لتبين أى ممن شاركوا فى سباق الرئاسة التزم ولماذا لم تتمكن اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات من ضبط الأمور فى نصابها الصحيح ومعاقبة المخالفين. الآراء السابقة تنطلق من أرضية واحدة وهى الرصد ومقارنة ما هو معلن من حد أقصى للإنفاق بما هو واقع وملموس فى كل شارع وميدان بمصر من الإسكندرية لأسوان لكن المؤكد أن القراءة الاقتصادية المتأنية لحجم ما أُنفق وكم تكلفت مصر من فاتورة مالية فى سبيل انتخاب الرئيس الجديد سوف تضيف أبعادا جديدة وهو ما يجيب عليه الخبير الاقتصادى د. حمدى عبد العظيم - عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية والاقتصادية السابق - قائلا: بالفعل هناك تجاوزات كبيرة فى الإنفاق وهو أمر واضح جدا ووفقا لتقديراتنا الاقتصادية فإن إجمالى ما شهدته انتخابات الرئاسة من إنفاق يصل فى المتوسط من مليار إلى مليار ونصف المليار جنيه وهو مبلغ كبير جدا مقارنة مع الحد الأقصى الذى حددته اللجنة الانتخابية لإنفاق كل مرشح على الدعاية وهو 13 مرشحا.. أى أن إجمالى المبلغ ككل لن يتجاوز 130 مليون جنيه والفارق يدعونا للدهشة ويدعو الأجهزة الأمنية بسرعة فتح تحقيق للتفتيش فى حقيقة الأمر والإجابة عن سؤال من أين جاء كل هؤلاء بكل تلك الأموال التى تتجاوز بكثير ما كان متوقعا من قبل اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات لافتا أى أن ضخامة الإنفاق تثير الكثير من علامات الاستفهام والريبة إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن غالبية من تنافسوا فى الانتخابات من محدودى الثروات فمن أين جاءوا بكل تلك الأموال؟ ولذا فإن ما جرى فى تلك الجولة الانتخابية التى ننتظر إعلان نتيجتها يجب ألا يمر مرور الكرام، فإذا ما كانت هناك جهات عربية كانت أم أجنبية شاركت فى تمويل أى من هؤلاء المرشحين فيجب أن يكشف الأمر لنعرف من هى تلك الجهات أو الدول وما مصلحتها فى ذلك الأمر نفسه إذا ما كان رجال أعمال من داخل مصر قد تبرعوا بالمال وساندوا أى من المرشحين.. يجب أن نعرف من هم وما دوافعهم هل اقتناع ببرنامج المرشح وما يطمح إلى تقديمه لخدمة الوطن ككل أم أنهم ينتظرون رد المجاملة وبالطبع من المرشح الذى سيعلن فوزه.. ففى تلك الحالة سيكون الرئيس الجديد مطالب بتسديد فواتير الحملة الانتخابية لتلك الجهات أو الأفراد وهو ما يعيد فتح باب الفساد وإنتاجه جرائم النظام السابق بصور أخرى.